|
الافندي:ولم يعد سراً أن الولايات المتحدة شجعت الحكومة السودانية في البداية علي حسم التمرد ولكن
|
نقــلآ عن "القدس العربي"
Quote:
السودان: ينبغي ألا تصبح الحكومة هي المشكلة المراد حلها
د. عبدالوهاب الافندي
21/11/2006 التوقيت هو كل شيء في السباق بين الطريق الثالث و الطريق الرابع في دارفور. خلال ساعات معدودة انتقلنا في الأسبوع الماضي من الاستبشار بالوصول إلي حل للنزاع القائم بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة حول دارفور إلي إحساس العودة إلي نقطة الصفر بعد تفسيرات متضاربة لما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الذي دعا له الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في أديس أبابا الأسبوع الماضي. فبحسب التقارير الأولي، التي أكدتها مصادر حكومية رسمية، فإن الحكومة وافقت من ناحية المبدأ علي خطة عنان مع تحفظات علي بعض تفاصيلها ينتظر أن تحسم في قبل اجتماع مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي هذا الأسبوع. ولكن الحكومة عادت قبل نهاية اليوم لتؤكد أنها ترفض محور الخطة، وهو القوات المختلطة، وتقبل فقط الشق الأول منها الذي يشمل الدعم المالي واللوجستي للاتحاد الإفريقي. ويأتي رفض الحكومة في وقت تناقلت فيه وسائل الإعلام أنباء عن تصعيد عسكري جديد في الإقليم، وعن انتقال التوتر إلي دول الجوار (تشاد وإفريقيا الوسطي)، وتزامناً مع تصريحات ممثل الأمين العام للشؤون الإنسانية السيد يان إيغلاند الذي وصف الأوضاع في دارفور بأنها غير محتملة، واتهم الحكومة بالتصعيد وعرقلة العمل الإنساني ومنعه من زيارة مواقع بعينها في شمال دارفور. وقدم إيغلاند تقييماً قاتماً للأوضاع في دارفور جاء فيه أن الأوضاع تدهورت كثيراً منذ زيارته السابقة، وأكد أنه سيضمن هذا التقييم في تقريره لمجلس الأمن يوم غدٍ الأربعاء. وإذا جاء هذا التقييم مع إعلان رفض الحكومة لما وصف بأنه الطريق الثالث، فإن سيناريو الوضع الأسوأ سيصبح الخيار الأقرب. الحكومة تجد صعوبة في تفهم وضع الدول الكبري التي تجد نفسها في ورطة بسبب أزمة دارفور بسبب الضغوط عليها من أطراف عديدة لكي تفعل شيئاً إزاء أزمة هناك إجماع علي أنها أسوأ كارثة إنسانية، وأنها تزداد سوءاً و لا تتحسن. وحتي الآن فإن الحكومة عجزت عن حل المشكلة أو تقديم خطة مقنعة لحلها، فيما تظل ترفض الحلول الأخري المقترحة. وإذا استمر ثنائي العجز والعناد هذا فإن الحكومة ستجعل من نفسها المشكلة التي يراد حلها . أساس المشكلة في دارفور يتلخص في الفشل الحكومي المزدوج في إيجاد حل عسكري أو سياسي لأزمة دارفور. فلو أن الحكومة نجحت في حسم التمرد عسكرياً، وهو خيارها الأول، لاختلفت طبيعة الأزمة. ولكن التقارير المتضاربة من الإقليم تتفق علي شيء واحد، وهو أن رقعة القتال تتسع ولا تضيق، وأعداد المهجرين تزداد ولا تنقص، وشكوي المنظمات الإغاثية من تدهور الأوضاع في تصاعد لا انخفاض. وهذا مؤشر واضح إلي أن العمليات العسكرية لم تؤد الغرض منها. وكما هو معروف فإن هذا الفشل كان السبب الأساسي في الاستعانة بالميليشيات القبلية لحسم التمرد، والكارثة الإنسانية والسياسية التي سببها هذا القرار غير الموفق. من جهة أخري فإن الفشل في إيجاد حل سياسي للأزمة ماثل للعيان، وهو الفشل الذي سبق اندلاع التمرد وكان أحد أهم أسبابه. ولا بد هنا من التذكير بأن الفشل في الاستجابة للتطلعات السياسية لقطاع معين من المواطنين ليس وحده سبباً كافياً لاندلاع تمرد مسلح، وإنما لا بد أيضاً من عوامل أخري، منها يأس المواطنين من وجود حل سلمي قريب، وبروز قيادات تفضل الحل العسكري، والشعور بأن الحكومة في حالة ضعف، ووجود مناخ سياسي عام وعوامل داخلية وخارجية تجعله خياراً جاذباً. وعليه فإن أحد أهم مركبات الفشل السياسي للحكومة هو إعطاؤها الانطباع عبر ممارسات متواترة بأنها تستجيب للضغط المسلح ولا تستجيب لغيره، ومساهمتها في خلق مناخ إقليمي وداخلي جعل اللجوء إلي العنف المسلح سهلاً ومثمراً. فهي تجتهد دائماً في إغلاق أبواب العمل السلمي الفاعل، بينما تهرول باتجاه كل من يحمل السلاح وتغدق عليه المال والمناصب. مهما يكن فإن أزمة دارفور خلقت واقعاً جديداً، لأنها دولت منذ أيامها الأولي إعلامياً وسياسياً. ومن هنا لم يعد فشل الحكومة أمراً داخلياً، لأن عدة أطراف دولية فاعلة تضررت من فشل الحكومة، وأصبحت مواجهة بأعباء كانت تود لو أنها لم تفرض عليها. ولم يعد سراً أن الولايات المتحدة شجعت الحكومة السودانية علي حسم التمرد عسكرياً بسرعة، وأعطتها الفرصة الكافية لذلك، وكان هدفها من ذلك حماية اتفاقية السلام الشامل في الجنوب والمساهمة الأمريكية فيها. ولكن بعد الكارثة التي وقعت وضع الجميع أمام حقائق جديدة. المخرج من تلك الأزمة كان ولا يزال يتمثل في الإسراع بإعادة الأوضاع إلي طبيعتها، وذلك بإعادة المهجرين إلي مواطنهم بعد إعادة الأمن إليها، وتقديم الدعم الكافي لهذه العودة الطوعية. وفي ظل انعدام الثقة في الحكومة المتهمة بالتسبب في تهجير من هجروا، فإن هذه العودة كانت تتطلب إما حلاً سياسياً للقضية يجعل كل الأطراف تتعاون لتحقيق هذه الغاية، أو ظهور طرف ثالث يثق به الفرقاء المتقاتلون وعامة المواطنين يتولي مؤقتاً تحقيق الأمن. وقد كان المرشح الأبرز لهذا الدور هو الاتحاد الإفريقي الذي تصدي للدور وأيدته في ذلك الأطراف الدولية الفاعلية. الحكومة قبلت بعد لأي بهذا الدور الإفريقي، ولكن بعد أن خسرت عامل التوقيت الحاسم. وقد كنا فيمن نصح وقتها بالمسارعة بالقبول بهذا الدور لتلافي الكارثة ومنع تحول النزوح إلي حقيقة دائمة. وكما هو معروف فإن سفهاء القوم ـ وما أكثرهم للأسف ـ انبروا يسفهون مقولتنا ويرموننا بكل إثم ونقيصة، ثم تحول الأمر اليوم فأصبح التمسك بدور الإتحاد الإفريقي أشبه بمسلمات العقيدة التي يأثم من لا ينادي بها. المؤسف هو أن القبول بدور الاتحاد الإفريقي جاء بعد فوات الأوان وبعد أن اتسع الخرق علي الراتق. ذلك أن فعالية دور القوات الإفريقية كانت تعتمد علي وصولها إلي موقع الكارثة بسرعة وبأعداد كافية حتي توفر بيئة آمنة يعود معها المهجرون إلي ديارهم. ولكن وصول القوات الإفريقية جاء متأخراً جداً، وبأعداد وبصلاحيات غير كافية، مما جعل وصولها عديم الأثر والفاعلية. وهكذا استمر انعدام الأمن والنزوح، وامتلأت المعسكرات، وأصبح من الصعب علي المواطنين الذين استقروا في هذه المعسكرات أن يعودوا إلي مواقعهم الأصلية بدون ترتيبات مطولة وإجراءات معقدة حتي وإن عاد الأمن. نفس الأمر يمكن أن يلاحظ في اقتراحات القوات الدولية. الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة مبدئياً مع الأمم المتحدة في أديس أبابا يوم الخميس الماضي يمثل حلاً معقولاً للأزمة. فهو يتجاوز تعقيدات القرار 1706 ومحاذيره، ويمثل مخرجاً لكل الأطراف، ويوحدها حول هدف التوصل إلي حل سياسي للأزمة. وهذا الحل يوقف الحرب تلقائياً، لأن أي حركة تسعي بعد ذلك لشن عمليات عسكرية ستجد نفسها في مواجهة مع قوات حفظ السلام والمجتمع الدولي. وهذا الترتيب يجد أيضاً الدعم من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، إضافة إلي مجلس الأمن بالطبع. الحكومة التي أعلن المتفاوضون باسمها قبول الاتفاق في أول الأمر عادت فنفت ذلك. وما زال من غير الواضح أن الخلاف هو خلاف حول توصيف الاتفاق وفحواه أو خلاف حول جوهره. ولكن مرة أخري فإن التوقيت مهم للغاية. حتي الآن فإن موقف الحكومة ظل يعتمد علي سياسة كسب الوقت والمراوغة. ولكن هذا التكتيك يكون مفيداً فقط إذا كان لدي الحكومة استراتيجية أخري لكسب المعركة، إما سياسياً أو عسكرياً، وهي استراتيجية ثبت غيابها أو عدم فاعليتها كما أسلفنا. من جهة أخري فإن تقارير الأمين العام ومساعديه لمجلس الأمن هذا الأسبوع ستكون حاسمة. فإذا ورد في التقرير حديث مسهب عن تدهور الأوضاع المستمر مع أنباء سارة باتفاق مع الحكومة حول ترتيبات قد تؤدي في وقت قريب إلي حل سلمي، سيكون رد الفعل مختلفاً فيما لو كان الخبر هو أن الحكومة ترفض كل حل وسط. المرجح عندها هو أن المجلس سيتجه إلي ما يمكن تسميته الحل الرابع ، وهو حل بدأت ملامحه تبرز وقد يصار إلي تطبيق جوانب منه علي كل حال. هذا الحل الذي تؤيده فرنسا يدعو إلي وجود عسكري أممي قوي في تشاد يتولي في المرحلة الأولي حماية تشاد مما يقال بـأنه تمرد تدعمه الخرطوم، وهجمات للميليشيات الموالية لها علي المدنيين الذين فروا إلي تشاد. هذه القوات ستكون مزودة بقدرات تمكنها من استطلاع الأوضاع في دارفور، وقد تستخدم في وقت ما لفرض حظر طيران فوق الإقليم في حال ما إذا قرر مجلس الأمن ذلك. وقد يتطور الأمر لاستخدام هذه القوات للتدخل العسكري في دارفور، إما مباشرة أو عبر استخدام الطيران. ينبغي بذل كل جهد ممكن لتجنب هذا السيناريو الذي ستكون له عواقب وخيمة علي البلاد والمنطقة ككل، فهو يعيد إلي الأذهان ما وقع في كردستان العراق من فصل فعلي لذلك الإقليم عن بقية العراق، كما أنه قد يؤثر سلباً علي الأوضاع في الجنوب ومناطق أخري من البلاد. إضافة إلي ذلك فإنه قد يؤدي إلي صدام مباشر بين الحكومة والقوات الأجنبية لا تعرف عواقبه. ولعل أقرب إجراء مرحلي هو القبول بالحل الثالث كما اقترحه عنان مع العمل حثيثاً علي التوصل إلي اتفاق سياسي شامل تكون من أول ملامحه الاستغناء عن الوجود الأجنبي في كل صوره وإعادة مهمات حفظ الأمن في البلاد إلي قوات الشرطة الوطنية بتعاون كل المواطنين السودانيين في ظل حكومة يرضاها الجميع وتتمتع بكامل الشرعية في نظرهم. |
|
|
 
|
|
|
|