|
Re: حوار مع القاصَّـة المغربيـَّة منى وفيـق لمجلة أوراق جديدة (Re: منى أحمد)
|
الفلسفة في توظيف المفارقة الساخرة في نص ( فرحاً بالموت ) للقاصة منى وفيق ..
تقترب القاصة من فكرة الموت بطريقة على الرغم من مباشرتها إلا أنها مختلفة في طبيعة التناول , فإذا صرفنا النظر قليلاً عن كون بطلة القصة هنا تحتج على ( فكرة الموت ) شأن كل البشر لحظة الفجيعة , و تأملنا دونما جهد يذكر نجدها تبرز ذلك باللجوء إلى فلسفة الحزن و محاولة منطقته عن طريق الهروب إلى الوجه الآخر للحدث . من هنا تقدم لنا ( منى وفيق ) البكائية المفترضة في قالب جديد هو الهجوم على المستفيد المنطقى من فجيعة البطلة ألا وهو المخاطب الذي يمثل الوجه الآخر للحدث
(( يمنعني وقار الزّمان و المكان أن أصرخ فيك بصوت عال و أسألك عن سبب فرحك )) .
لم تحاول منى أن تدهشنا بمعالجة فكرة الموت من خلال التركيز على خلق مناخ يستمرئ اللطم والرثاء أو من خلال ابتكار أجواء خيالية كالتخاطب مع الروح مثلاً , وإنما أ دهشتنا باختلافها في تصوير الوجه الآخر المغاير لفجيعة إنسانية لا تنفى مأساويتها حقيقة حدوثها كل يوم .
البطلة هنا في صراع مع الواقع رغم تسليمها به كحقيقة , وهنا تبرز المعاناة الإنسانية التقليدية لكن في ثوب أكثر قشابة هذه المرة , و ذلك بنجاحها في توظيف ظاهرة المفارقة الساخرة التى هى أبرز الأدوات الفنيّة في النص , وهو ما أحسست أنها تعول عليه في نهوضها بالسرد . وقد استطاعت - في تقديري - أن تصور بشكل جيد فكرة الوجه الآخر للفجيعة وكيف أنها قد تمثل حدثا روتينيا بالنسبه للآخر أو لعله مفرح - من زاوية مادية - كونه يمثل في نهاية الأمر لقمة عيش سائغة لأحدهم. على الرغم من طرافة التناول إلا أن القصة تظل مثقلة بواقع الحزن المسيطر كما تشتد فيها نزعة رفض الفجيعة أو ما يسمى في علم النفس بـ (مرحلة النكران ) ( dinial ) و التى تعقب الحدث المؤلم عادة
(( و أنا اليوم أشدَّ ما أكون حاقدة على "لافونتين" القائل أنّ الموت لا يباغت الحكماء لأنّهم مستعدّون دوما للرّحيل . أبي كان حكيما و لم يباغته الموت .. كان ينتظره .. ))
أما الإطار السردى هنا فيميل الى لغة المسرح ويتضح ذلك في الطبيعة المباشرة للسرد , وعلى الرغم من كون القصة يطغى عليها طابع المونولوج وتبتعد عن الطابع التعددى للحوار إلا أنها تبرز و تشرح الآخر بوضوح من منظور المتحدثة الوحيدة التى ترسم تفاصيله بكل وضوح . تُروى القصة بضمير المتكلم الذي يعكس تركيزاً قوياً على الحالة الوجدانية للمتحدثة
(( جزعة أنا .. مصدومة .. غارقة في حزني أيضا . أيُّ تفرّدٍ أحسّه . العالم القاسي المجوسيّ هذا يبدو صامتا و حزينا إلاّ من نعيق الغربان و البوم في الخرائب )) كما تحتل شخصية المخاطب معظم مساحة النص , ليس من خلال تواجد حوارى أصيل و إنما بين طيّات ردود أفعال المتحدثة التى تنقل لنا صورته مضمنة في انطباعاتها الشخصية الخالصة التى ساهمت الطبيعة المأساوية للحدث في تضخيمها
(( أسمعهم يتداولون و يتّفقون حول أجرتك . ابتسامتك الخبيثة تجعلني أفكّر أنّك قد تكون أنت الآخر من بائعي الوهم في زمننا هذا!! )) في حديث الشخصية عن ذاتها أو حديثها عن المخاطب وموقفه من الموت هنالك لمحات في تدفق السرد تلقى إضاءات خفيفة على أيدولوجية القاصة نفسها (( أنّ أبي علّمني و أختيَّ بفطرته أنّ الإبداع الحقيقيّ هو أن نتمدّد على الطّريق عُرايا إلاّ من أحلامنا .. أن نرفض الثّمالة المستوردة .. أن نحبّ و نحلم و نتمرّد و نكتب بالدّم سيرة فوق الحديد .. أن نرى الجمال في السّواد .. أن نحسّ لذّة الافتتان بالموت أيضا!! )) كما تعكس النهاية حتميّة الواقع على الرغم من قسوته
(( تمضي و ابتسامةُ وجهك الشّاحب ثابثة .. ليس لأنّك ستدفن جزءا كبيرا منّي مع أبي .. بل فرَحاً بالموت تبتسم .. و انتظارا لكلّ موت ستظلّ تبتسم!! ))
وأخيراً ربما يمكننى وصفها بأنها قصة نجحت في أن تجعلنا نعيشها كما ينبغى .
منى أحمد
|
|
|
|
|
|
|
|
|