|
الحاج ورّاق يكتب حول مهمة هيئة جمع الصف الوطني : ما بعد الخطوط الحمراء!
|
ما بعد الخطوط الحمراء! (1)
الحاج وراق كُتب في: 2006-10-09
* إذا ارادت (هيئة جمع الصف الوطني) لمهمتها النجاح حقاً، وبلادنا في حاجة لمهمتها، ما في ذلك شك، فلابد لها ان تغادر الطقس الشائع للنخبة السودانية في العوم على سطوح القضايا وترداد الشعارات المجردة، دون النفاذ الى العمق، والى المشاكل الملموسة! * وقد سبق للانقاذ ان دخلت في حوارات عديدة سابقة مع القوى السياسية المختلفة، تمخضت بعضها عن اتفاقات، ولكنها انتهت جميعا الى الخيبة، والى احساس طاغ وسط القوى السياسية، بأن الانقاذ ليست على استعداد لتفكيك احتكارها للسلطة، مهما كانت نتائجه على البلاد، بل ان الدوائر المتنفذة فيها تساوي بين تفكيكها وتفكيك احتكارها ، وتتصور (التحول الديمقراطي) كتفكيك لها، ولذا فانها حين توقع على اتفاقات تشمل مطالب (التحول الديمقراطي) فانها تضمر سلفا عدم تنفيذها، لان التنفيذ يعادل عندها (التصفية)، وهي كما تتداول في دوائرها الخاصة لا يمكن ان تصفي نفسها بنفسها! وبالنتيجة فان الانقاذ لا تأخذ اتفاقاتها مطلقا مأخذ الجد! والامر هنا يتعدى كونه قضية مصداقية، فالمصداقية تكتسب اهمية حيث تخضع النظم السياسية لمساءلة القواعد والمحكومين، ولكن الانقاذ، وبطبيعتها الايدولوجية والاجتماعية، ترى انها في حل من ذلك، ثم انها، ومع سبق الاصرار، سعت الى التوحيد بين مصائر شخوصها ونظامها وبين مصائر الوطن، وقد أفلحت الى حدود، ولذا، فانها تتعامل مع المناشدات لتحكيم (صوت العقل) او التخوف على مصائر البلاد باعتبارها مؤشرا على ادراك الآخرين باستحالة تحديها دون المخاطرة باغراق البلاد في الفوضى، وهكذا بدلا من ان تدفعها مثل هذه المناشدات الى التعقل فانها تخلق لديها احساسا بالاطمئنان، وبالتالي تشكل عاملا اضافيا لمواصلة سدورها في غيها! ولذا، ففي مواجهة دوائر كهذه لا تجدي معها المناشدات الاخلاقية والوطنية، فان السؤال الحقيقي الذي ينتصب امام القوى السياسية والاجتماعية: الى أي حد تستطيع هذه القوى تعديل الميزان السياسي في البلاد بحيث تجبر تلك الدوائر على الاصغاء الى مطالبها؟! وأجيب شخصيا، بان احد أهم الوسائل، لتعديل توازن القوى، وحدة المعارضة الديمقراطية، والقوى الاجتماعية المدنية والعسكرية، ولكن، ولاسباب عديدة، منها الموضوعي والذاتي والمصنوع بواسطة الانقاذ نفسها، فان هذه القوى لا تزال عاجزة عن توحيد صفوفها!. ولذا، فأول المطلوبات، ان تنخرط هذه القوى في حوار عميق فيما بينها، على قاعدة الارتباط التفاعلي ما بين الديمقراطية السياسية ـ كحقوق وحريات سياسية ومدنية ـ وبين الديمقراطية كعلاقة بين اقوام البلاد المختلفة ـ كإعادة بناء لنظام الحكم على أساس فيدرالية حقيقية وواسعة، خصوصا لاقاليم الجنوب ودارفور والشرق، وبالتالي ضرورة اتخاذ القوى السياسية الشمالية موقفا صحيحا من اتفاقية نيفاشا ومن المكاسب التي نالها الجنوب على أساسها ـ اضافة الى الديمقراطية الاجتماعية ـ كتحسين لمستوى المعيشة، بمخاطبة قضايا الفقر والبطالة وتدهور التعليم والصحة وتفسخ القيم المجتمعية والاخلاقية.. الخ. مثل هذا البرنامج الديمقراطي قادر على مخاطبة قضايا غالبية اهل السودان، وعلى توحيد كافة القوى السياسية والاجتماعية، ولكن وحدة هذه القوى وحدها غير كافية لتجنيب البلاد الانزلاق الى الفوضى، اذا لم تترافق مع بلورة وبروز تيار اصلاحي داخل الانقاذ، يقتنع من واقع تجربته باستحالة مواصلة نهج الاحتكار والاستفراد. فهل هذا ممكن؟! * في ارتباط بالاجابة على السؤال السابق، وللاجابة على القضايا التي اثارتها أزمة القرار الدولي 1706، والتي شكلت الدافع المباشر لتحرك هيئة جمع الصف الوطني، فلابد من ان يغوص الحوار الى العمق، والى ما بعد الخطوط الحمراء! وابتداء، لابد من الاقرار بحدوث جرائم حرب في دارفور، تشهد عليها حرائق الآف القرى، وقصص النازحين في المعسكرات التي تخز ضمير كل شريف - من انتهاك للحرمات والحقوق، ومن قصف للمدنيين، وقذف للاطفال في النيران المشتعلة، واغتصاب للنساء أمام أزواجهن وأقربائهن!! وتطرح هذه الجرائم قضايا معقدة وشائكة ، ترتبط بعلاقة السلام والعدالة، فمن ناحية ، هناك ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، من حيث في القصاص حياة، فالعدالة ليست مهمة في ذاتها وحسب، وانما ضمانة لعدم تكرار الجرائم، أي لاستدامة السلام! ولكن، ومن الزاوية الاخرى، فان المسؤولين عن هذه الجرائم، من بينهم من هم في مراكز أساسية في السلطة، كأنما اختطفوا البلاد ويستطيعون بالتالي استخدامها كرهينة لمقايضة سلامتهم الشخصية! وغض النظر عن امكان نجاح هذه المقايضة، وهذا ما سأتعرض له لاحقاً، فمن هذه الزاوية فإن احقاق العدالة يتناقض، على الاقل في المدى القصير، مع تحقيق السلام، مما يطرح عدة اسئلة أخلاقية وسياسية، لابد لأي حوار حقيقي من محاولة الاجابة عليها، كمثل: لأيهما الاولوية، للسلام أم للعدالة؟ وهل يمكن استدامة السلام بلا عدالة؟ وهل تملك القوى السياسية والاجتماعية في البلاد القدرات العملية لتحقيق العدالة؟ واذا لم تكن تملك هذه القدرات، فهل يمكن الزعم بأن تنازلها عن العدالة عفو؟ أليس العفو عند المقدرة؟ واذا لم يكن عفواً ألا يمكن اعتباره خضوعاً لابتزاز القوة؟! والأهم، من يملك سلطة العفو، وما هي شروط صحته؟! * وربما ترجح غالبية اهل السودان في الاجابة على مثل هذه الاسئلة خياراً شبيهاً بما حدث في جنوب افريقيا، أي خيار الاعتراف بما حدث، وحق الضحايا في الافصاح والشكوى، وفي التعويض المادي والمعنوي، ومن ثم العفو ، كحزمة لمعافاة البلاد ولشراء المستقبل، ولكن مما يزيد من تعقيد اوضاع بلادنا، ليس فقط عدم قدرة القوى السياسية والاجتماعية على احقاق العدالة وحسب، وانما كذلك تصورات ومطلوبات المجتمع الدولي لأجل هذه العدالة، بل وتعقيداتها هي نفسها ، والتي تنطلق لدى بعض الدوائر، من دوافع انسانية وأخلاقية، ولكنها لدى دوائر أخرى - أكثر تأثيراً ونفوذاً - ترتبط كذلك بمصالح جيوستراتيجية وأمنية واقتصادية! وغداً أواصل بإذنه تعالى. www.alsahafa.info
|
|
|
|
|
|
|
|
|