|
حوار بين "ود شهادة عربية" وأجانب في الامارات: (لمن يتسائل عن ثقافة الشهادات العربية ببلدهم)!!
|
وافد: "الله يخليل لي ياك، السودان دولة ضعيفة وسيطرتها على اراضيها ضعيفة مساحة هائلة وحدود مترامية.. لو لم تكن السلطة المركزية ضعيفة لما حدث التمرد ولما دخل الأجنبي، هذا مؤشر بسيط للدولة القوية ولا تحدث فيها قلاقل من هذا النوع واذا حدث ولم تستطع ضبطها ومحاصرتها فإنها على الأقل لا تسمح لأحد بالتدخل.. في العولمة تضعف الدول أكثر وموازين القوى اصبحت غير متكافئة إطلاقا.. سورية مثلاً دولة منركزية قوية جدا لكن عند اختلاف الموازين ستراهم يتدخلون فيها مثل لبنان مثلا."
ود الشهادة العربية: "أخي باسل، الظاهر إنك لا تملك مهارة التحليل أو القرائة الخبرية.. ثم ثانيا اسمح لي أن أقول لك إنك لا تعلم ما يدور في السودان على الإطلاق. واسمح لي أن أقرئك الواقع..
أولا قوة السلطة المركزية أقوى منها في سوريا، وهذا لعدة أسباب:- 1) إنتو عندكم في سوريا تاريخ الإنقلابات لا يخرج عن إطار الموؤسسة العسكرية، بمعنى أن كل الإنقلابات التي تمت في سوريا تكون بقيادة عسكر ينقلبون على عسكر غيرهم. بينما الوضع في السودان هو إنتفاضة شعبية على نظام دكتاتوري، مع انحياز للموؤسسة العسكرية لاحقا للشعب. ولذلك التاريخ الإنقلابي أكثر محطا للدراسات الإعلامية عن الدول العربية الأخرى. فإنتفاضة 1964 أسقطت حكم (الفريق/ إبراهيم عبود) القائم منذ 1958، وإنتفاضة الشعب عام 1985 أسقطت حكومة (المشير/ جعفر نميري) القائم منذ 1969. وأخيرا إنقلبت الجبهة الإسلامية بقيادة (المشير/ عمر حسن البشير) للعسكر متحالفا مع المدنيين بقيادة (د/ حسن الترابي) على الحكومة الديموقراطية الثالثة عام 1989. وتخللت هذه الإنقلابات حكومات ديموقراطية بإنتخابات برلمانية شاركت فيها أكثر من 10 تنظيمات سياسية. إذن فمن البديهي أن تكون القبضة الأمنية موجهة بشكل أكبر لترصد أي محاولة شعبية للتعبئة العامة.
2) يوجد في السودان أكثر من 23 حزبا تنظيما سياسيا (من اليمين إلى اليسار السياسي) -وأعتقد إنك راح تتوه أكثر إن قمت بالتعديد لك أسماء وأهداف هذه التنظيمات-، في حين تحكم سوريا بحزب عقائدي شمولي إقصائي أوحد (يعني رب البلاد والعباد هو حزب البعث).. ومن المنطقي والعقلاني لو فكرت شوية، أن تكون القبضة الأمنية في بلد يحكمها نظام دكتاتوري قمعي محاط بمقاومة شرسة من تنظيمات تملك قواعد نشطة، (وذلك لأن الخطر في البركة المتحركة أكبر منه في بركة ساكنة)، لابد وأن يكون أكثر منه في بلد تحت سيطرة نظام (مريح عمرو) ويقمع أي نشاط سياسي آخر لأي تنظيم سياسي (سوى حزب البعث). 3) المواجهات المستمرة التي يواجهها النظام (أطول حرب أهلية في العالم في الجنوب منذ أغسطس 1955، مواجهات مع الحركات الثورية بدارفور، مواجهات مع جبهة الشرق وجيش الأسود الحرة في شرق السودان، مواجهات مع التجمع الوطني الديموقراطي الضام للتنظيمات المعارضة، الحرب مع كل من "تشاد، إثيوبيا، أريتريا، أوغندا، مناوشات على جبهة حلايب مع مصر"، لا بد وأن تجعل الحكومة -رغم أنفها- تقوي من قبضتها الأمنية وسيطرتها المركزية. وأعتقد لو أن النظام السوري خاض مواجهات مسلحة مع 4 حركات تحرر وطنية، و 5 دول جوار لسقط منذ أول رصاصة!! 4) السودان الدولة الوحيد في العالم التي تحيط بها10 دول جوار (من الشمال وباتجاه عكس عقارب الساعة:- مصر، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى، كينيا، زائير، أوغندا، اثيوبيا، أريتريا، ومن الشرق البحر الأحمر والمملكة العربية السعودية)، فأي نظام لا يعمل على تقوية سلطتة المركزية وهو يحكم دولة بمساحة 1000000 ميل مربع، ومحاط بـ 9 دول جوار. 5) المواجهة التي خاضها النظام مع الولايات المتحدة وعملائها من الدول المحيطة بالسودان (كل دول الجوار عدا ليبيا، كينيا، والسعودية)، ورفع المشروع الإسلامي الحضاري كشعار، وإعلان (مادلين أولبرايت) -وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة- صراحة: "أن السودان هو الدولة الوحيدة في افريقيا والعالم العربي، والدولة الوحيدة في تقسيم العالم جنوب الصحراء، والدولة الثانية بعد إيران في العالم الإسلامي التي تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العالم."، لا بد وأن يدفع النظام للعمل على تقوية أمنه وسلطته المركزية. في حين أن النظام السوري جامد ويتبع سياسة (لا حرب ولا سلم)!! 6) النشاط السياسي المتحرك في السودان، والمظاهرات الشعبية المتكررة ضد الحكومة، ومحاولات الإنتفاض الشعبية المتواصلة في مواجهة النظام في جبهة المعارضة الداخلية -وهو ما لا يتوفر في سوريا- يقوي كذلك من الشوكة الأمنية للسلطة. 7) الوعي السياسي السوداني العالي (الواضح من خلال اصطفاف 90% من حركات التحرر المسلحة وقوات المعارضة والشعب السوداني في صف النظام السوداني وإعلانه المواجهة مع الأمم المتحدة إن دخلت دارفور -ومن ضمنهم حركتان مسلحتان من أصل 3 حركات مسلحة في دارفور-)، وارتفاع الأصوات المعارضة يوضح مدى الوعي السياسي العالي في القدرة على التفريق بين مصلحة الوطن من جهة والمصالح السياسية والمكاسب التنظيمية من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن هذه الحركات الثورية في صراع دموي مع النظام، إلا أن وقوفها هذا شكل جبهة وطنية موحدة للدفاع عن الوطن، وهو ما كان له الدور الأكبر في تراجع (U.S، U.K، و U.N) والضغوطات على النظام في طلب الوافقة منه أولا فبل الدخول إلى دارفور. ولو كان هذا الضغط على سوريا لوصلت القوات إلى دمشق الآن!!
إذن فكل الدلائل التي سقتها لك تؤكد أن السلطة المركزية لا بد وأن تكون قوية في بلد يعد خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة!!
الوافد: "لو لم تكن السلطة المركزية ضعيفة لما حدث التمرد ولما دخل الأجنبي."
ود الشهادة العربية: "حركات الثوار ليسوا بمتمردين، بل هي حركات مطلبية ذات مطالب أساسية رافضة لتهميش هذه المناطق من السلطة والثروة، وليست بالحركات الإنفصالية كما هو شائع. كما وأن هذه الحركات تلقى التأييد من تنظيمات سياسية معارضة، ودعم رسمي دولي، والمواطنين -حتى المتواجدون بداخل الخرطوم-، ومن هؤلاء تستمد قوتها.. والسياسة أخي في السودان تختلف عنها في سوريا ومصر والدول الأخرى، لسبب بسيط، وربما يعزى إلى تركيبة الشخصية السودانية. فهناك حكم دكتاتوري قمعي وهناك كذلك ممارسة سياسة للمعارضة!! وحتى الروساء الإنقلابيين الذين أطاح بهم الشعب، يقطنون الآن داخل الخرطوم وآمنين وسط الشعب، فجعفر نميري يسكن في حي (ود نوباوي) في مدينة (أم درمان) التي هي جزء العاصمة المثلثة (الخرطوم)!! ولم يلقى هؤلاء مصير القتل كـ(عبدالكريم قاسم) في العراق، أو النفي كـ(الملك فاروق) في مصر، أو حتى السجن كـ (شكري القوتلي والأتاسي)!! ولم يسمح النظام بدخول قوات الإتحاد الأفريقي لمراقبة وقف إطلاق النار، إلا كردفعل (تكتيكي) لتهدئة الضغوطات الدولي التي تمارس عليه. فالمسألة في دارفور مواجهات مسلحة بين قبائل الرعاة (العربية) والمزارعين (الأفارقة)، وللأسف فأن النظام دعم القبائل العربية المسلحة المسماة (قوات الجنجويد). وبالتالي يتحمل اللوم في استحقاق هذه الضغوطات الدولية التي تمارس عليه.
كذلك فإن الموقف الغريب للولايات المتحدة التي استغلت ضعف إمكانيات قوات الإتحاد الأفريقي للإصرار في إستبدالها بقوات غربية للأمم المتحدة، بدلا عن تقديم الدعم للإتحاد الإفريقي كان مريبا، ولذلك رفضت معظم المعارضة والقوات المتحاربة مع (النظام والجنجويد) دخول قوات الأمم المتحدة قبل النظام نفسه!!
أتمنى أن أكون أوضحت لك ولو جزءا بسيطا من حقيقة الوضع في دارفور.
|
|
|
|
|
|
|
|
|