|
مقال متميز للزميل خالد فضل - جريدة الصحافة
|
الغضبة الحقيقية والغضبة المفتعلة..!! خالد فضل * يومياً تتأكد الشواهد على أن هيمنة حزب المؤتمر الوطني على مفاصل السلطة لم تضعف بالصورة المفترضة، نتيجة ابرام اتفاقيات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة جيش تحرير السودان جناح مني اركو مناوي، خاصة فيما يتعلق بحريات التعبير والتنظيم، وتحويل أجهزة القمع الرسمية من خانة الآحادية الحزبية والانتقائية التنظيمية، الى رحاب القومية الشاملة، والتعددية الطبيعية في مجتمع متعدد اساساً. كما لابد من الاشارة هنا الى مؤسسات الدولة الاخرى من غير اجهزة القمع، فجميع اجهزة الحكم، التي يرأسها اعضاء المؤتمر الوطني او تلك التي يرأسها وزراء من غير حزب المؤتمر الوطني، ما زالت تُدار بذات العقلية السابقة للاتفاقيات والدستور، وما زالت ترضخ فعلياً لهيمنة وسطوة المؤتمر الوطني. ولعل اسطع دليل على ذلك خلال الايام القليلة الفائتة، تزامن يوم اعلان القوى السياسية المعارضة عن مسيرة سلمية لتسليم رئيس الجمهورية مذكرة احتجاج على زيادة اسعار السكر والوقود غير المبررة وغير المقنعة، والتي وجدت الاستياء والاستنكار من مختلف القوى السياسية وافراد الشعب العاديين، بمن فيهم عضوية المؤتمر الوطني نفسه من عامة الناس. واستوى في الرفض والاستياء حزب الأمة وحركة جيش تحرير السودان والحركة الشعبية وحزب البعث وحركتا «حق» والمؤتمر السوداني.. الخ... فما كان من دهاقنة المؤتمر الوطني الا ابتداع مسيرة تأييد لمواقف الحزب وقيادته حول موضوع ايلولة مهام حفظ السلام وتأمين النازحين وحماية المدنيين وتوصيل الاغاثة للمحتاجين في اقليم دارفور من القوات الدولية التابعة للاتحاد الافريقي، الى قوات دولية تابعة للامم المتحدة، وهي المهمة التي يرفضها حزب المؤتمر الوطني، ومن لف لفه حتى من بين اعضاء الاحزاب الاخرى، وتؤيدها بموضوعية وبعد نظر وحساسية انسانية عالية، بقية القوى السياسية والمنظمات المدنية «ربما استثناء حزب التحرير وحزب البعث العربي الاشتراكي». * في هذا التوقيت المتزامن، اعلن المؤتمر الوطني عبر احدى لافتاته عن قيام مسيرته المؤيدة لقادة حزبه، وتم الاعلان عنها عبر اجهزة الاعلام الرسمية، فقد استمعت الى دعوة السيد فائز عباس نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، كخبر رئيسي ضمن نشرة أخبار اذاعة الولاية في يوم الثلاثاء 29/8/2006م، بينما لم يرد أي ذكر لمسيرة الاحتجاج السلمي التي ازمعت القوى السياسية الاخرى تسييرها في ذات اليوم الأربعاء 30/8/2006م. وهي ليست مسيرة لغضب مفتعل او هياج مرسوم، بل مسيرة للتعبير عن غضب حقيقي يجتاح معظم الشعب السوداني جراء انفاذ قرارات المؤتمر الوطني بزيادة الاسعار دون مسوغ موضوعي، علماً بأن هيئة اذاعة وتلفزيون ولاية الخرطوم تقع ضمن مسؤوليات الاستاذ سيد هارون وزير الثقافة والاعلام بالولاية، العضو القيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي «غير المسجل»، والذي من المفترض انحيازه لجانب حقوق شعبه الأساسية والمشاركة في السلطة بموجب اتفاق القاهرة على أساس كفالة هذه الحقوق!! ولكن، لا أثر للوزير ههنا، فالاخبار الخاصة بالولاية مقصورة فقط على كوادر ونشاطات ومسيرات وتنظيمات حزب المؤتمر الوطني، فهل الوزارة تمومة جرتق، ووجاهة، أم لأجل إحداث تغيير ولو طفيف على أداء أجهزة الحكم يمنحها ولو مسحة من قومية، او يضفي عليها مساً من حقوق الناس فيها..!! * ثم قرأت في الصحف صبيحة يوم الأربعاء 30/8/2006م، ان وزارة العمل اصدرت قراراً يسمح بموجبه للعمال بالخروج والمشاركة في مسيرة المؤتمر ذات الغضب المفتعل، قال بذلك القرار رئيس اتحاد عمال السودان «مؤتمر وطني» بروفيسور ابراهيم غندور، كما صدر قرار آخر عن محافظ بنك السودان «مؤتمر وطني» وأصحاب العمل «مؤتمر وطني» للسماح لعمال البنوك والقطاع الخاص بالخروج كذلك.. «السوداني 30/8». فمن ذاك الماجد الذي يتبرع بتصحيحي ان اخطأت في زعمي بأن الوزراء ووزراء الدولة في وزارات حكومة السودان من غير اعضاء المؤتمر الوطني، يبدون حتى الآن على الاقل مثل الكومبارس، يضفون زينة ووجاهة على مؤسسات الدولة، دون اي تأثير فعلي وملموس، وإلا فقل لي بربك اي وزير عمل هذا الذي يصدر قراراً بتعطيل العمل من أجل مسيرة مصنوعة لتأييد موقف حزب له تقديراته المختلف حولها لمجمل القضية، فأين وزير الدولة «حركة شعبية» من هذا القرار؟ وهل سجل اعتراضه عليه ام التزم الصمت لضرورات «حسن سير وسلوك» الشراكة؟ ثم أين وجود الحركة الشعبية في بنك السودان، ومحافظه يصدر فرماناً سياسياً بتعطيل حركة البنوك، لأن حزب المؤتمر الوطني يريد حشد موظفيها في مسيرة تأييد لموقفه ضد حماية المدنيين وإغاثة المنكوبين وتأمين النازحين؟! أم أن مواقف الفريق سلفا كير وقادة الحركة الآخرين المعلنة حول تأييدهم لنشر قوات حفظ سلام أممية لوقف مآسي دارفور، عبارة عن تصريحات للاستهلاك الاعلامي، بينما حقيقة موقفها «أي الحركة الشعبية» هو ما ظل يعبر عنه سيادة وزير الخارجية د. لام أكول الذي يبدو اكثر انسجاماً مع خط المؤتمر الوطني من كثير من قادته أنفسهم..!! * لقد رأيت بأم عيني، كيف أن منطقة السوق العربي قد تحولت ظهيرة يوم الاربعاء الى ما يشبه ميدان التدريب العسكري، واطواف شرطية متنوعة تصول وتجول، منذرة ومتوعدة ومرهبة، وبالمبان تفرق من تسول له نفسه من المواطنين السودانيين بالتعبير عن رؤية مغايرة لرؤية حزب المؤتمر الوطني، حول زيادات الاسعار وشقاء تكاليف المعيشة، بينما تفرد أجهزة اعلام حكومة ولاية الخرطوم الرسمية حيزاً لاخبار مسيرة رفض اغاثة مواطنين سودانيين آخرين في دارفور، ويصرح رئيس اتحاد العمال بأن وزارة العمل الحكومية ورئاسة بنك السودان الرسمية تعطل العمل من أجل هذه المسيرة.. ولا ادري ان تم رصد حافز لكل عامل بالدولة او المصارف والقطاع الخاص نظير هتافه تأييداً لرفض «نجدة أهل دارفور».. أم اعتبر العمل احتساباً في ميزان الحسنات إن شاء الله حسبما أوردته «الصحافة» «31/8/2006م» من تهنئة النساء الناضرات المحتشمات لبعضهن البعض عقب انتهاء المسيرة «ربنا يتقبل جهادكن» وصورة وزيرة الطفولة الاتحادية «سامية أحمد محمد» باسمة مشرقة تندد بالقوات الدولية.. ما شاء الله..!!
|
|
|
|
|
|