ضربة معلم

الأخ الفاضل دكتورسعيد زكريا

صدقني لم يعنك حسك الرفيع هذه المرة فجانبت الصواب في الأمرين.
الأول:
الموضوع يخصني في العموم كقضية إنسانية ، حدثت وتحدث كثيراً ولي فيها نظر. وسجل أدباء كثيرون هذا الموقف بطرق مختلفة. وظل أدب (الشواكيش) مادة مثيرة للكثيرين يجترون فيها مآسيهم ويستعيدون من خلالها ذكريات قاسية ، مفيدة للبعض منهم ، حادبة إياهم للأرحب والأروع. وداعية البعض الآخر للانحدار إلى مهاوي (إسقاطاتهم الذاتية) و التصاقهم بذكرى كان الأصلح لهم أن تدثر. وسأفصل ذلك.
الثاني:
لم أشأ أن أنكد عليكم ، لسبب بسيط جدا ، هو أنني لا أعرف مدى التصاق النص بحياتكم. بل لم أزعج نفسي بهذا (التشريح) الذي يذهب روعة السرد على كل مستوياته.
أعني أنني لا أحبذ المنهج النقدي الذي يقيس النص على كاتبه، لا على محتوى النص. فالشاعر الذي يكتب نصا يخاطب فيه محبوبة ويصفها بخيانتها له ويسهب في وصف نوع الخيانة، لا يجب أن نجعل ذلك النص جزء ا من سيرته الذاتية، وإلا لحاكمنا (بالقانون) من قال لأنثى :
أنا من قتلت الحسن فيك
ثم عدت فأحكمت النصل بين نهديكِ
لففتُ كل غبائكِ في كفنٍ
أبيض من صنع يديكِ
أنا من رمى فتات إفككِ
في النهر لأُشقِي عاشقيكِ
ولو شئت رميتُكِ للكلابِ
الضالةِ تقضمُ ساعديكِ
أنا الجزار والقاضي
أنا الكل ولا شيء لديكِ
وأذكر في هذا المنحى أنه لم يعجبني بعض النقاد الذين حاولوا أن يجعلوا الطيب صالح الراوي هو نفسه مصطفى سعيد ، بذكرهم تفاصيل عن حياة الطيب صالح تشبه مصطفى سعيد. وهذا الاتجاه من شأنه أن يقتل الإبداع في مهده، ويجعل كل من يكتب نصا ينتظر (محكمة) سيعلنها النقاد في غد قريب.
وبالنسبة لنص دكتور سعيد، فهو نص بريء الظاهر ، لا يدل مباشرة على قصة شخصية لكاتب النص. وحسب تجربتي ، فقد أكتب نصا تعبيرا عن حدث، يحدث في الحي لرجل فأحكيه على لسان فتاة. وقد يحدث الحدث لصديق ويكلفني بصياغته. وقد أكتب نصا أظنه من صنع خيالي، فأقرأ حادثة مشابهة لما ألفت بعد عشرات السنين. وأصبحت أؤمن أنه لا يوجد نص يعبر عن حدث لا يوجد له مثيل في الأرض. وعليه فلا أستبعد أن للنص علاقة بكاتب النص (سعيد زكريا) ، كما أني لا أثبت ذلك ولا أنفيه ولا أخوض في تفاصيل النص بقصد لصق النص بكاتبه.
بحثت يا عزيزي الغالي عن اسمك لكي أهدي لك لوحة العيد، وأتمنى لك أمنية أرجو الله أن يحققها. وبالفعل ظللت أبحث عن مقالاتك، حتى وجدت بغيتي في هذا النص، الذي لم أره مطلقا، فأثبت بطاقة العيد، ناويا الرجوع إليه في وقت آخر، خاصة وأنني في طريقي لأداء العمرة.

على كل حال كان ، فكل عام وأنتم بخير. ولا تعجبن أني بحثت عن اسمك في المنبر العام، لأني أحمل لك تقديرا خاصا لأدبك الجم ونأيك عن المهاترات والمشاحنات في المنبر، ولكن في نفسي إحساس غريب بأني أعرفك ولا أعرف مبررا لذلك. فلك حبي.
وأشكرك على إهداء النص لي وأتمنى محادثتك ومراسلتك فهنالك الكثير الخاص ولا يصلح في المنبر.وهذا هو بريدي الخاص.
[email protected]
ملاحظة:
لإيضاح فكرتي السابقة عن (شخصية) النص وعلاقته بالكاتب، أدعوك لقراءة قصتي القصيرة هذه
المتاهة
و أتساءل هل ترى أن هنالك أي علاقة (شخصية) للكاتب بالنص؟
بالمناسبة تذكرت هذا النص بالذات ( من الأرشيف) لطلب بعض الأصدقاء إعادة نشره ، لأنني أهملته.
وأعود.