|
من يعير المنزل المشتاق طفلاً!!
|
بسم الله الرحمن الرحيم
من يعير المنزل المشتاق طفلاً د.ابوبكر يوسف إبراهيم
جلست تكللها هالة من جمال مشهود ومسحة من أسى عميق تبدو بادية في عينيها السوداوتين، جلست في ركن قصي تتأمل الأطفال في تلك الحديقة العامة وهم يلعبون ، يتشاجرون ويتصالحون .. يبكون ويتضاحكون ... يجرون وراء بعضهم ويقعون على الأرض ثم ينهضون وهي تعاني في صبر مرير ومر وتتمزق من أعماقها حيث غريزة الأمومة مفتقدة لديها ، مشاعر مختلطة وتناقضات تتطاحن في دواخلها وأعماقها... بكاء صامت بلا دموع ؛ أسىً عميق... وجلد على المر... لقد تزوجت بعد قصة حب جارف كانت حلمت بعدها بالعش الهاديء الجميل الذي تظلله السعادة ويزينه الصغار نتاجاً وتتويجاً لقصة ذاك الحب الفريد... فقد تحقق جزء من حلمها ولم يتحقق البعض منه... كثير من الأحلام والرغبات قد تتحقق وقد لا تتحقق ولكنا أبدأً لا نفكر بل ولا يخطر بتفكيرنا بأنها قد لا تتحقق... الشعور بالحب يجعلنا لا نفكر دائماً بالجوانب المظلمة لكل ما هو مفرح بل نعتقد أن الأقدار قد لا تخذلنا أبداً. خمسة عشر عاماً ونيف مرت بعد أن تزوجا ، كان ومازال يغدق عليها الحب الذي ربط بين قلبيهما ولكن لم تكتمل السعادة حيث لم يثمر هذا الحب عن ما يتوجه من أطفال هم زينة الحياة الدنيا. كثيرات من يعتقدن أن البنون هم الضمانة لإستمرتر السعادة الأسرية أو هكذا يعتقدون أنها شرطٌ لآزم دون أن يتفهموا أن الحقيقة هي رزق مكتوب منذ الأزل وإستمرارية الزواج وإستمراريته أو عدمه هو أمر مسطر منذ الأزل لا نستطيع تحاشيه أو التصدي له أو الهروب منه. الزوج موقن بأن إرادة الله هي الغالبة وبالرغم هي أيضاً تؤمن بهذا إلا أن هناك صراعات في داخلها تشعرها بأن قصة حبهما لم تكتمل وكان يجب أن تكتمل إنه الصراع بين ما لانملك القدرة عليه وبين التمني ، كانت تمنيه بأطفال كالأزاهر يملوؤن البيت ضجيحاً بشجارهم ولعبهم وحركتهم الدائبة في أرجاء المنزل وتتعالى صرخاتهم بالشكوى لماما وبابا. إنها اليوم تشعر بأن روضتها بلا أزهار وأطيار برغم توافر الخضرة والماء فيها. شعور قاسي لا يدركه إلا من عاناه... منا كثيرون قد منّ الله عليهم بنعمة البنون لذا عندما يواجهون تجربة من لم يمن الله عليهم يكون ردهم البديهي بأن هؤلاء لماذا يتمنى أولئك المتاعب والمسئوليات وقد أراحهم الله من هذا الهم... هذه هي تناقضات النفس البشرية التي لا ترضى بما قُسم لها ولا تستقر على حال !! إحساسها بعدم إكتمال سعادتهما يدمرها في صمت ، معاول تهدم أعماقها دون رحمة ولا هوادة ويزداد إيقاع هذا الهدم كلما رأت أو تري الأطفال فيما حولهما ينادون أمهاتهم وآبائهم إلا هي. أفصحت له يوماً بشعورها وقالت: أنها كانت تود لو أنجبت له من البنين والبنات ما يملأ حياتهما من سعادة برأيها يعيشانها منقوصة وقد كانت تود أن تحقق له غريزة الأبوة. قال لها : أن حبها له يكفيه وأن الذرية أمرها بيد الله ، وهي أمر مقدر ومسطر كالرزق والموت والحياة وكل ذلك من عند الله وبأمره ، فكل يهبه الله عناصر الشقاء أو السعادة لحكمة هو مدركها، فهناك من رزقهم المال والصحة والزوجة المشاكسة ، والبعض الصحة وراحة البال والزوجة الصالحة ، والبعض الذرية وراحة البال، وبعضهم السعادة وراحة البال والستر والبنين ، والبعض الثراء وإبتلاه بالمرض ، وبعضهم الصحة والذرية ، والبعض الزوجة والذرية الصالحة ، والبعض المال والبنون ، والبعض مال بلا بنون ، والبعض إبتلاء في البنين ، ووهب البعض الصبر وقوة تحمل الإبتلاءآت ... إن لله حكمة في كل ما تجري به الأقدار المسطرة. قال لها: إن موضوع الإنجاب لا يقلقه لأنه من أمر الله فهو يهب لمن يشاء الذكور والإناث ويهب لمن يشاء الذكور فقط ويهب لمن يشاء الإناث فقط ويجعل من يشاء عقيماً ، إذن أن لله حكمة في كل هذا وعلينا فقط أن نمتثل لإرادته ونتقبل قضاؤه ونرضى بالقسمة والنصيب. قال لها : أنه لم يشعر في لحظة من اللحظات بأن عدم الذرية يشعره بنقص ما ، بل أن الله هو العدل وأنه القاهر فوق عباده وعليها أن لا تشغل نفسها بما هو من أمر الله. قالت له : لقد عرضنا أنفسنا على كبار الأطباء وأكدوا أنه ليس هناك ما يمنع الإنجاب ولا نحتاج حتى لعمليات التخصيب. قال لها : هذا يؤكد لك أن كل شيء بقدر وأجل وهو رزق مقسوم فلماذا نشغل أنفسنا بما هو من أمر الله وليس لنا فيه يد ولا حيلة... لو صبر الناس لأتاهم رزقهم. علينا بالصبر والإمتثال لحكم الله. ثم أننا أخذنا بالأسباب فلماذا إذن هذا الشطط. فماذا لو رزقنا الله من الذرية في أول زواجنا وكان لا قدر الله معاقاً ألم يكن هذا يسبب لنا أسى ملازم لنا طيلة حياته؟! أصبري وأحتسبي فلله في خلقه شئون!! قالت له : كثيراً ما راودني شعور بأن أترك لك حرية أن تتزوج بأخرى لتنجب من يحفظ إسمك وسلالتك وما زلت هذا ما يجب أن تفعله . قال لها: أنه لن يتزوج غيرها أبداً لأنها السعادة عينها كما أن هذا الأمر بيد الله إضافة إلى أن والديه لم يطالبا منه في يومٍ من الأيام رؤية أحفادهما لأنهما بدرجة من الوعي الديني بأن هذا الأمر بيد الله. وأكد لها رفضه لعرضها بالمطلق وأنه ليس على عجل مما تجري به الأقدار المقدرة أياً كانت. وعندما كانت تلح عليه في كل مرة بهذا الإتجاه كان يحاول أن يقنعها ويعبر لها عن مدى سعادته معها وأنها بحبها قد عوضه الله عن غريزة الأبوة كما أنه زجرها كرات عديدة في رفقٍ حينما كانت تلح عليه في هذا الموضوع الذي لم يكن يشغل أي حيز من تفكيره ولم يكن شغلاً شاغلاً له.
دارت الأيام ، عامين آخرين وهي تلعق مرارة الصبر على ما تشعر أنه نقيصة حتى تكتمل سعادتهما... ذات مساء قالت له أنها تشعر بالغثيان وتشعر برغبة في الإستفراغ ، لم يدر بخلدهما أبداً ما قد يصيب السيدات في حال الحمل بل ظنا أن الأمر لا يعدو أن يكون عارض مرض باطني... ذهبا لإختصاصي في الأمراض الباطنة ، قال لهما بعد الكشف بأنهما أتيا للتخصص الخطأ وعليهما مراجعة إختصاصي في أمراض النساء... لم بصدقا ما سمعاه من الطبيب ورجعا إلى المنزل وروت لأمها ما سمعته من الطبيب وأقنعتها أمها بأن تذهبا لطبيب النساء والولادة. ذهبتا للطبيب وبعد الكشف أخبرهما بأنها حامل في شهرها الثالث وأنها حامل في توأم ، وطلب منها إجراء كشف سونار وتأكد أن الحمل في توأم... عندما عادا إلى المنزل أخبرت زوجها الذي لم يفاجئه الخبر لأنه كان موقن بأن الأمر بيد الله رغم فرحته وفرحتها وفرحة أسرتيهما. وكانت قد نذرت لله أته لو رزقهما بولد وبنت أن يسميانهما عوض الله وعوضية . سألها في عتاب رقيق ماذا لو كنت تزوجت حينما عرضتِ عليّ الزواج ، أرأيتِ عاقبة الصبر؟!! إن عوض الله للصابرين دوماً خير، إن الله يبشر الصابرين والبشرى لا تكون إلا لأمر مفرح... لو صبر الناس لأتاهم رزقهم... ها هو المنزل المشتاق طفلاً ينعم بطفلين ذكرٍ وأنثى فساعة من ساعات الله ترضي رغم مضي الكثير من جملة ساعات العمر التي مضت، لذا علينا أن نرجو ونصبر ونحتسب ونترك الأقدار تجري في أعنتها ... الإيمان بالله وقدرته عز وجل هي السعادة عينها!!
|
|
![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
|
|