|
Re: عمود م.ا. الشوش الذي برر فيه قصف مصنع الشفاء ومتحدثآ عن الهممات حول الثراء المفاجئ لصلاح ا (Re: omar ali)
|
وهذا مقال آخر بتاريخ 5 سبتمر 1998 بصحيفة " الاهرام " التي كان يكتب فيها عمودآ اسبوعيآ
http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp?CurFN=WRIT4.HTM&DID=6043
Quote: الكتاب السنة 123-العدد 40815 1998 سبتمبر السبت 5
--------------------------------------------------------------------------------
كان الله في عونكم بقلم : محمد إبراهيم الشوش
في يوم شديد الحرارة خرج أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة من مكتبه, وقد فرغ لتوه من قراءة فصل من رواية لشاب سوداني ناشئ, طلب منه قراءتها وكتابة مقدمة لها. واستجاب الاستاذ علي الفور, وكان محبا للسودان, لما حسبه نداء قوميا قد يؤدي إلي اكتشاف درة أدبية مدفونة في جنوب الوادي. نظر الأستاذ في إعياء إلي الطلبة المصطفين أمام مكتبه وسألهم في اشفاق إن كانوا من السودان. أجابوه بصوت واحد: نعم. قال متحسرا وهو يمسح العرق المتصبب علي جبينه: الله يكون في عونكم يا أبنائي. تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع فصول الرواية المثيرة التي تدور أحداثها في الخرطوم منذ القصف الجوي الأمريكي. وتنبع غرابة الحدث من تطابق أهداف طرفي القضية. الرئيس الأمريكي والنظام السوداني كانا يتحرقان إلي معجزة تخرجهما من ورطتهما. الرئيس الأمريكي كان لابد أن يحقق ضربة سريعة علي غرار أبطال أفلام رعاة البقر تشفي غليل الرأي العام الأمريكي للانتقام, وتمحو بعض آثار ما لحق به من فضيحة شخصية. والنظام السوداني ــ وقد أحاطت به ابتلاءات حرب لا نعرفها ولا فكاك منها, وشبح هزيمة ومجاعة ضارية وحصار منهك ــ كان في حاجة ملحة إلي حدث ما, يزيل عنه الضغوط ويلهي الرأي العام السوداني ويؤخر الانفجار إلي حين. وجاء القصف ليحقق المعجزة للطرفين, فلكي تحدث المعجزة للرئيس الأمريكي, كان يتحتم تجسيم الارهاب في مصنع ينتج سلاحا كيميائيا يهدد مصالح أمريكا. ولكي تحدث المعجزة للنظام السوداني كان يتحتم أن يكون المصنع المقصوف بريئا من كل سموم بعيدا عن كل شبهة إرهاب, مملوكا لرجل أعمال لايشتغل بالسياسة, وأن يكون مصنعا للدواء خاصة يكفي حاجة نصف سكان السودان لامصنعا للجلود والخزف. وحين دوت المعجزة في سماء الخرطوم ذاك المساء ساد صمت ووجوم خفقت له بعض القلوب فزعا تحسبه لحظة الانفجار والحساب, وخفقت أكثر القلوب تحسبه لحظة الخلاص, حتي إذا تبين لأولئك وهؤلاء أن الأمر لايعدو استعراضا ناريا أمريكيا, انفجرت أجهزة الاعلام بالمارشالات العسكرية والأناشيد الجهادية الحماسية, وانطلقت الحناجر بالهتافات الداوية( ولطالما أدهشته هذه القوة الحنجرية الجبارة التي يتمتع بها المتطرفون الايديولوجيون علي اختلاف اجناسهم والتي تنم عن شبع وشبق وارتواء). وانسياقا وراء هذا الهياج المخطط المحسوب, انفجرت كل الأوهام التي انكمشت لبعض الوقت. وعادت الادعاءات العريضة, ووقف رئيس النظام ليعلن: اننا اليوم نقود المعركة الحقيقية ضد الصهيوينية والامبريالية واعداء الاسلام وأن كلينتون ظن انه اختار هدفا ضعيفا وهو لايعلم أن في السودان أسودا تقهر كل جبار. وحدد السلاح الذي اختاره لمحاربة أمريكا باعتبار دولته دولة الايمان( وهو اعتبار يتبرأ في كل ممارسات نظامه) فناشد جميع المؤمنين داخل وخارج السودان بصيام يوم محدد تطوعا لله, وأن يكون افطارهم الجماعي مناسبة للقنوت والدعاءعلي أمريكا واسرائيل, والدعاء للمقاتلين السودانيين بالنصر. ووجه ادارات المؤسسات التعليمية بالدعاء الجماعي( وهي نفس المؤسسات التي أفرغها النظام من طلابها وساقهم إلي محرقة الحرب). وادعي أن الادارة الأمريكية قد أصابها الخوف والاهتزاز. وهدد أمريكا بأن أي ضربة جديدة ضد السودان ستكون اعلان حرب. ولم ينس أن يهدد المعارضة بتطبيق احكام الشريعة عليها( كما لو كانت أحكام الشريعة سوط عذاب يسلطه علي من يشاء). وأعلن المدعي العام السوداني أن الخرطوم تعتزم محاكمة الرئيس الأمريكي غيابيا إذا لم يمثل أمام القضاء السوداني. وعاد الشيخ بعد غياب إلي استفزاز مصر, مؤكدا أن القصف تم بطائرات أقلعت من مصر, موضحا أن مصر ليست مستاءة فقط, بل تشعر ببعض الخوف من النموذج الصاعد في السودان.( وربما كانت الضائقة المعيشية وبيوت الأشباح بعض مظاهر هذا النموذج) واتهم مصر وبريطانيا بأنهما مستعمرتان سابقتان للسودان ساعدتا علي تأليب الولايات المتحدة!( ولولا مصر لا طبق الحصار علي النظام), وقال شيخ النظام إن مصر تخشي من عرض السودان منح الجنوب حق تقرير المصير, لأن الانفصال يعني أن الجنوب لن يشعر بالتزام حول الاتفاقيات القائمة بشأن اقتسام مياه النيل( مؤكدا علي نفسه السعي لفصل الجنوب). وشارك مندوب العراق في احداث الرواية بالحديث عن حماقة السياسة الأمريكية وعدم شعورها بالمسئولية. وفضح مسئول ليبي سرا خطيرا فحواه أن عدوان الولايات المتحدة كان يستهدف إبادة سكان الخرطوم البالغ عددهم أكثر من أربعة ملايين نسمة! وبعد, هذه فقرات من رواية جديدة. ويا أهل السودان في مشارق الأرض ومغاربها: كان الله في عونكم. |
|
|
|
|
|
|