|
Re: سـاسـة مـكتئبـون..مـن يـكتـب الـروشـتة؟! (Re: عبد الله عقيد)
|
الاخ ود عقيد تحياتي وكدي بالمناسبة دي اقرأ معانا مقال د.حيدر ابراهيم والذي اشرت اليه في التقرير الذي يأتي ولا يأتي ________________________ *إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والانسانية التي يعيشها السودان، ذات طابع غرائبي اقرب الى اللا معقول والتناقض والعبث. لذلك جاء الى خاطري عنوان ديوان قديم للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، كما انه يذكر بمسرحيات رواد اللا معقول والعبث امثال بيكيت ويوجين اونسكو في أعمال الخرتيت والكراسي وانتظار قودو. وهكذا تحول المسرح السياسي السوداني الي مسرح عبثي بامتياز، لا تحاول استخدام العقل والمنطق لكي تفهم. وما يجمع المشهد السياسي السوداني مع مسرح العبث، هو الانتظار العقيم او بالاصح الذي لا تعرف نهايته بماذا سيأتي بعد الانتظار؟ وهل نعرف هذا القودو (Godot) القادم وهل يستحق الانتظار والقلق والتضحية؟ وهذه معاناة جديدة يدخل فيها الشعب السوداني الصبور الجلد، أن يفقد القدرة على معرفة المستقبل وما سيأتي غداً. وهذا الشعب يكره الانتظار المجهول. ولذلك تقول حكمته الشعبية:- كتلوك ولا جوك جوك! أي القتل الفعلي ولا التهديد به. فهو يفضل اليقين مهما كانت نتائجه. ولكن في هذا الوضع العجائبي الذي سمى السلام، يجد نفسه في حالة غموض وظلام - للمفارقة - لا يفهمه حتي الذين صنعوه أي من وقعوا اتفاقية السلام أنفسهم. وأكاد أجزم أن قادتنا هم في حيرة أكثر من حيرتنا. وتركوا الوطن يعيش رزق اليوم باليوم (ولا يوجد أي رزق) ولكنها أيام تسقط من الروزنامة وتحسب من أعمارنا واعمار الوطن والاجيال القادمة. لا يعقل أن تدار وتحكم أي بلد في الدنيا، بينما غالبية الحاكمين لا يدرون امكانية استمرارهم في السلطة، فهناك قائمة تضم اسماء المطلوبين للمحاكمة - سواء دولية أو اقليمية أو محلية بسبب التورط في احداث دارفور. ويشاع بأن القائمة تشمل عدداً من كبار المسؤولين، فكيف نتوقع ان تدارالسلطة وسط هذه الاجواء القلقة؟ وكيف يمكن ان يتفرغ المسؤولون والوزراء لاعمالهم كما هو الحال في الظروف الطبيعية؟ من ناحية اخرى، من المتوقع ان يفقد 48% من المسؤولين والحاكمين موقعهم في السلطة حسب اتفاقية السلام التي اعطت النظام 52% من حصة السلطة. ونتساءل مرة اخرى، كيف يمكن ان يحكم نظام وقرابة النصف من عناصره تتوقع الابعاد فور تنفيذ الاتفاقية. وهؤلاء حكام في حالة عبور الى محطة اخرى (Transit) فكيف يمكن لهم ان يحكمواويخلصوا ويديروا شؤون البلاد؟ هذه حالة شاذة تماماً لا يمكن ان تحدث في أي بلد طبيعي ومنطقي ومعقول. ولكن في السودان يتعايش الجميع - سلطة ومعارضة - مع هذا الواقع الغريب. كنا ننتظر في عام 2005 انطلاق السلام والتحول الديمقراطي واعادة التعمير والبناء وتحسن احوال المعيشة. وهذا هو الذي يأتي ولا يأتي. فالسلام بعد الاحتفال والموسيقى والعرضة والمظاهرات لم نلمس تطبيقاً في اتجاه السلام. ويضيع زمن طويل نسبياً من يناير حتى مارس، والبدايات دائماً يفترض فيها ان تكون مبشرة وواعدة، لكي ترتفع معنويات المواطنين ويتحمسوا ويدفعوا بالسلام. ولكن المماطلة او ما نسميه بالدارجي «المحركة» اي اضاعة الوقت بلا سبب، توحي بعدم الجدية والصدقية الغائبة. وبالتأكيد هناك كثيرون عبروا عن رغبتهم في السلام ظاهرياً وهم في دواخلهم يعلمون بأنهم خاسرون على المستوى الشخصي لو تحقق السلام. وهؤلاء موجودون في المعارضة وليس في السلطة فقط، لأن الحرب والمعارضة خلقت فئة من المستفيدين مثل اثرياء الحرب والمنتفعين أدبياً ومادياً من هذه الاوضاع. لذلك في حقيقتهم يتجنبون تحقيق السلام. فمن بين الحاكمين - من الطبيعي - أن يعتبر الواحد منهم أي يوم اضافي بالنسبة له يعني امتيازات أي بدل سفرية أو علاوة يومية أو perdiem. فهي زيادة خير يتمنى ان تستمر اطول فترة ممكنة. وعلى الضفة الأخرى: المعارضة الحركة والتجمع، هناك اثرياء حرب ومستفيدون ايضاً بالاضافة الى المخصصات المادية، فقد اعتبر البعض ان وضعية المعارض تضفي مكانة ووضعية متميزة حسب العقل السياسي القائم على الوجاهة والمسرحة والاستعراضية، خاصة لو كان بعيداً عن الجماهير. ويصعب على أمثال هؤلاء أن يسرعوا عملية السلام أو التحول الديمقراطي، فالعقيد قرنق لم يحدد موعد عودته أو عودة طلائعه. والتجمع يستمتع بتأجيل موعده مع النظام لتوقيع الاتفاق، رغم انه تمخض فأراً ولكنه خيار ونتاج جهد التجمع. وقد علمت ان سبب التأجيل المتواصل من 12 فبراير حتى اليوم، ليس النظام السوداني ولا الحكومة المصرية الراعية والمستضيفة، فالتجمع يماطل لأنه يريد ترتيب وضعه الداخلي مع فصائل الشرق والفور. فالجميع كساسة سودانيين لا يهمهم الوقت وإلا ما اضاعوا نصف قرن من الاستقلال بلا تنمية ولا ديمقراطية راسخة وصامدة. انتظرنا تسريع التحول الديمقراطي أيضاً ولم يحدث لسبب بسيط، هو عدم المطالبة بانجاز متطلبات وشروط التحول الديمقراطي. وعلى رأسهارفع قوانين الطواريء على الاقل في المناطق خارج النزاعات المسلحة والغاء الرقابة على الصحف والكتب ومنتجات الابداع عموماً. وهنا وقفت دون حرية التنظيم والتجمع والتظاهر والحركة. وحقيقة لا ادري ماذا تقول المعارضة في اجتماعاتها المغلقة؟ وما هي مطالبها واولوياتها، إن لم تكن شروط التحول الديمقراطي في هذه المرحلة؟ وهناك انفتاح نسبي ولكنه على مبدأ «أرعي بي قيدك»! وهناك سيف ديموقليس المسلط الذي يمكن ان يقع على الرأس في كل لحظة. والنظام مرتاح لهذه الوضعية لأنها تسكت انتقادات النقد المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان. وفي نفس الوقت تضمن السيطرة والطاعة، خاصة إذا اضيف لسيف المعز، ماله أيضاً. ومن الناحية الاخري، هناك معارضة داجنة ومؤدبة وهادئة تكره الازعاج والدوشة. جعلت من العمل الخارجي بديلا كاملاً عن العمل الداخلي. سألت قبل فترة قصيرة زعيماً سياسياً رفع شعار غاندي في المقاومة السلمية: ألم تحس كزعيم بالغيرة من حشود بيروت ولا أوكرانيا ولا جورجيا وهذه مظاهرات وحشود سلمية وديمقراطية؟ ولم يجد جوابا وسألني: أين منظمات المجتمع المدني؟ وأظنه يعلم ان غالبيتها صارت حكومية بصورة مباشرة او غير مباشرة. وبعض آخر يعلن انه ضد السياسة ويقصد ضد الحزبية. ولا ادري كيف يمكن ان توصف منظمة اهلية بأنها جزء من المجتمع المدني وهي لا تدعو للديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية العادلة. وهذا موضوع سأعود له مرة قادمة. المهم ان السياسيين المعارضين ومنظمات المجتمع المدني تعيش بياتها الشتوي واصيبت تماماً بما أسميته الاكتئاب السياسي. وهو حالة من اللا مبالاة وعدم الحماس وتساوي الاضواء والظلم. والأهم من ذلك في كل هذه العبثية جانب آخر، الناحية الحياتية والواقع المعيشي يومياً.. كيف يلبي المواطنون حاجاتهم الاساسية كبشر والدولة مشغولة بنفسها ووجود مسؤوليها واستمرارهم؟ هناك سؤال مؤرق: لماذا يحكم السياسيون السودانيون أصلاً؟ ولماذا يسعون الى السلطة السياسية وماذا يريدون أن يفعلوا بها؟ افترض وجود نوعين - حسب تقسيمنا السائد الى قوى تقليدية واخرى عقائدية او حديثة - النوع الاول وهو الاحزاب التقليدية تريد تحقيق مصالح ذاتية شخصية او حزبية او طائفية وهنا الوطن غائب. النوع الثاني وهي الاحزاب العقائدية التي تمثل القوى الحديثة، تسعى الى تحقيق ايديولوجية تجريدية بعيدة عن الواقع أي توتوبيا والكلمة تعني - حرفياً - المكان الخيالي او الموجود في اللامكان! يحاولون تحقيق الاسلام النقي او الاشتراكية التامة أو القومية المكتملة. ويمكن التضحية بالمواطنين ومستقبل الاجيال من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل المستحيل. وفي الحالتين الوطن هو الضائع. لذلك يمكن القول بأن الصراع حول السلطة السياسية في السودان عبثي وغير مجد ٍ، لأنه لا يتوق الى اهداف قومية عليا تحقق النهضة والبناء. ولننظر الى ماليزيا (الملايو سابقاً) والى سودان الاحزاب والعسكر والشيوخ أين وصل؟ هذا خلل عظيم لابد أن يستوقفنا وان نتغلب عليه. وهذه هي الحلقة الشيطانية وليس تحولات انقلاب، انتفاضة، فنظام برلماني. ولكن لماذا يعيد التخلف بكل اشكاله انتاج نفسه مهما تغيرت النظم الحاكمة؟ ما يدور الآن في الساحة مجرد ضجيج وركاكة وضجر مثير للسخط والتثاؤب والقرف، فنحن نتفرج ونشارك في مسرحية سمجة ابطالها من يسمون زعماء. وهم اقرب الى ادوار سمير غانم او حامد زيَّان على الخشبة أو أغاني شعبان عبد الرحيم. والاختلاف الوحيد هو أن هؤلاء يحاولون التسلية ولكن السياسيين السودانيين يصرون على الجدية، كما أنهم ممسكون بمصائر شعب كامل. كيف يتعالج المواطنون وكيف يحصلون على مصاريف المدارس وكيف يسكنون وماذا يأكلون؟ كل هذه قضايا أرضية قذرة لا تشغل عقول هؤلاء الساسة الملهمين والعباقرة، فهم مشغولون بقضايا رفيعة عليا تصرف عليها الاموال والوقت والجهود وهي مطلوبة في حد ذاتها. هل تتذكرون كم دامت مفاوضات السلام: وعدد المسافرين الى الجولات المختلفة؟ هل تذكرون سيرة التجمع الضخمة للتداول؟ وعدد الجولات والتنقل بين أسمرا والقاهرة ونيروبي لاتفاق لم يتم؟ حقيقة من الجانب الآخر هناك احتياجات يومية ملحة ومستحقات تنموية وسياسية لا تتحمل التأجيل.. ولست أدري كيف يفكر الشعب السوداني في قياداته وزعمائه؟ وهو بالفعل شعب مسكين ويتيم رغم عظمته الكامنة وفقره النبيل العفيف. وأظنه يردد فقط وباستمرار طالباً من الله اللطف، لأن سياسيي السوداني قضاء لا يمكن رده. *انتهي
|
|
|
|
|
|
|
|
|