|
سـاسـة مـكتئبـون..مـن يـكتـب الـروشـتة؟!
|
ساسة مكتئبون..من يكتب الروشتة؟! تقرير: صباح احمد لم يعد مفاجئا لأي منا أن يسمع عن تزايد أعداد مرضي الاكتئاب يوما بعد يوم ، وتطل علينا بصفة دورية أخبار مفادها ان نسبة المصابين بالاكتئاب في ارتفاع مستمر، والاكتئاب في حد ذاته وكما يشخصه اختصاصيو علم النفس ليس حالة عابرة من المشاعر السلبية التي قد تنتاب أي شخص يوما بعد يوم ، لكنه مرض ينتشر كالسرطان بين الناس حتي انه اصبح أكثر الأمراض النفسية شيوعا هذه الأيام،غير ان الجديد في الامر هو حالة اصبحت تنتاب عددا من السياسيين السودانيين لم يألو د.حيدر ابراهيم المفكر السوداني المعروف جهدا في ان يشخص لي تلك الحالة امس بأنها حالة (اكتئاب سياسي) وهو الامر الذي يقلل منه د.قطبي المهدي القيادي بالمؤتمر الوطني حينما يقول انها حالة لاتتعدي مرحلة (القرف والزهج). ويقول د.حيدر ابراهيم انه يعاني اعراض الاكتئاب منذ وقت مبكر ، وتأكيدا لذلك فقد كتب مقالا نشر بصحيفة «الصحافة» في مارس من العام الماضي بعنوان (الذي يأتي ولا يأتي) .. عدت انا الى ذلك المقال وقرأت بعض ما جاء فيه ، حيث قال ان الأوضاع السياسية والاقتصادية والانسانية التي يعيشها السودان، ذات طابع غرائبي اقرب الى اللا معقول والتناقض والعبث ، وان المسرح السياسي السوداني تحول الي مسرح عبثي بامتياز، لايجدي فيه استخدام العقل والمنطق لكي تفهم ، وقال ان ما يدور في الساحة مجرد ضجيج وركاكة وضجر مثير للسخط والتثاؤب والقرف، باعتبار اننا نتفرج ونشارك في مسرحية سمجة ابطالها من يسمون زعماء ، يقول انهم اقرب الى ادوار الممثلين الكوميديين سمير غانم او سيد زيَّان على خشبة المسرح أو أغاني شعبان عبد الرحيم لكن الاختلاف الوحيد في أن هؤلاء يحاولون التسلية في وقت يصر فيه السياسيون السودانيون على الجدية. وذات الحالة التي يعاني منها حيدر ابراهيم يعاني منها بكري عديل القيادي التاريخي بحزب الامة القومي، الذي كان يتحدث معي عبر الهاتف امس قائلا ان الحالة العامة في البلد تدفع للجنون عوضا عن الاكتئاب السياسي الذي تحدث عنه حيدر ابراهيم ، ويمضي عديل ليقول ان جملة الاوضاع في السودان تسبب(القرف) وتعطي انطباعا بأن كل الامور (تسير للخلف).. ومن المعلوم لدي ان بكرى عديل قد توقف منذ فترة عن ممارسة النشاط السياسى اليومى ، واقتصر دوره على وجود شكلى فى مؤسسات حزبه...والشاهد ان هذه الحالة ليست حكرا على د. حيدر وبكرى عديل بل يعانى منها عدد مقدر من رموز العمل السياسى فى كافة احزابنا ...فدائما ما يعتذر الكثيرون منهم لنا كصحفيين بحجة (الزهج )..لكن ماهي الاسباب التي تدفع الساسة السودانيين لهذه الحالة هل هي اسباب خاصة بهم ام باحزابهم ؟؟..هذا السؤال علي بداهته قد يبدو منطقيا ومحتاجا لاجابة في اعقاب تزايد نسبة السياسيين الذين يعانون من حالة زهج تمنعهم الحديث او التفكير ، كما قال لي حيدر ابراهيم امس ، غير ان الدكتور فاروق كدودة القيادي بالحزب الشيوعي السوداني والذي كان يتحدث معي امس يشكو لي مما يصفه بمشكلة غياب الرؤية وان المعلومات التي نطلبها منهم كسياسيين تعتمد علي وضوح الرؤية ، ويقول ان الوضع في السودان به(تغبيش) وذلك لان القرارات السياسية في البلاد محتكرة داخل حزب واحد وحتي داخل هذا الحزب فهي محتكرة في يد مجموعة صغيرة تفتقر لاستراتيجية طويلة المدي لذلك- ولازال الحديث لكدودة- نتفاجأ بكثير من القرارات المتضاربة التي تقلب الصورة تماما ، لذلك كلنا نعتمد علي اجتهادات بلا معلومات علي القدرة علي التحليل. امر آخر يعتبره كدودة واحدا من اسباب الاكتئاب السياسي الذي يعاني منه الساسة وهو واحد منهم يحدده في عدم اهتمام الدولة او حتي عدم اطلاعها علي ما يقولون لانهم لا يشعرون بأي اثر لما يقولونه او يطرحونه من آراء في السياسات العملية المطبقة في السودان.. *سجلت اقوال كدودة وحملت اوراقى الى جامعة امدرمان الاسلامية ابحث عن رأي اكاديمي فى هذا الأمر ، وكان ان التقيت د.صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بجامعة ام درمان الاسلامية الذي طلب مني فى البداية أن افرق بين الاكتئاب العرضي المتمثل في حالة القرف والسأم والإحباط واللامبالاة وعدم الاهتمام، وبين الاكتئاب المرضي، ويبين ان حالة (الزهج)التي يعاني منها الساسة تدخل في علم النفس السياسي وأن سببها الممارسات والقرارات التي ينفذها السياسي والتي تتناقض مع قيمه واخلاقه.. وحينما ذكرت له بعض ما جاء فى اقوال د.كدودة وعديل ود.حيدر، أشار الى ان ما يعاني منه هؤلاء الساسة يجئ بسبب ايمانهم بان معارضتهم يجب ان تأخذ منحي اكثر ثورية ، وخوفهم من عواقب ذلك ، ومضي ليقول انهم يعانون نزاعا نفسيا بين ان يقوموا بمعارضة حقيقية وبالتالي يحققون مصالح الوطن وبين ان يعارضوا معارضة خجولة..ولكن ..هل تقف هذه الحالة على اعضاء الكيانات المعارضة ام تتعداها الي الحكومة نفسها.. اجابة هذا السؤال لدى شخص منتم للحزب الحاكم هو د.قطبي المهدي كانت كالاتي:عبارة عن حالة قرف وزهج لكنها ليست حالة اكتئاب ، وحينما اسأله عن السبب يقول ان السبب هو التحديات التي تواجه البلاد خاصة وانه لا الساسة السودانيون اوتنظيماتهم السياسية على وعي بهذا التحدي وهو الامر الذي يخيفه و(يزهجه)، ويمضي للقول ان ما يبعث علي (الزهج والقرف)هو انشغال الساسة بقضايا اخري صغيرة ، وهو الامر الذي يجعل السياسة (مقرفة) عموما في السودان ، غير ان الرجل وفي حديثه معي امس راهن علي ما وصفه بالوعي الشعبي، الذي قال انه سيتجاوز الكيانات والاشخاص ويفرز واقعا جديدا في البلاد.. وما بين اكتئاب د. حيدر ، وزهد بكرى عديل ، وزهج كدودة ، وتبريرات الحكومة ، يبقى السؤال قائما ... مم يشكو الساسة فى بلادى ؟!
|
|
|
|
|
|
|
|
|