|
يوميات من زيوريخ
|
يوميات من زيوريخ
عندما رن المنبه الذى أحمله كان على أن أتوجه إلى الطابق الثانى لغرفة السيدة موللر التى كانت من ضمن اللاتى كان على أن ارفقهن فى رحلتهن الهادئة للموت فى بيت العجزة فى جنوب مدينة زيوريخ ... كنت أول زنجى غريب يدخل عامل فى هذا البيت وكانت المشرفة السويسرية قد هيأتنا لمدة عام دراسى كامل تم فيها تدريسنا كل العلوم الأجتماعية والتاريخ الحياتى لسويسرا وبيوغرافيا العجائز .. وكانت المدرسة تخصنى بوضوح إن فى ذلك الزمن لم يكن هنالك سود فى مدينة زيوريخ لذلك يجب أن أعمل ( zurückhalten) أى تراجع أو بمفهوم عدم الدخول على الشخص بعفوية قبل معرفة حدوده الأنسانية . طرقت الغرفة طرقا خفيفا ودخلت وحييتها وقلت لها أنا فلان الفلانى موظف جديد هل تسمحى لى بالدخول .. ــ قالت بألمانية فصيحة وهى تكاد تقفز من مقعدها الوثير (oh Endlich Kommt ein Negro). أخيرا جاءنا زنجى . ـ ضحكت من داخل قلبى لهذا التراجيديا الحياتية . وواصلت حديثى لها نعم ماذا تطلبين ياسيدتى . ـ هل ممكن أن ترافقنى إلى الخارج لآننى أريد أن أتمشى قليلا وأشرب كوب قهوة . ـ هذا يسرنى يا سيدة موللر . أستندت إلى وهى كانت قد قاربت 90 عاما ولكنها بكامل أناقتها .. وهى من جيل قد عاصر الحرب وبنى أوربا عبر أستيعاب التاريخ سريعا وقطع المراحل وأستندوا إلى أصلاح الكنيسة وقف أدعائها اللاهوتى ووضعها فى المكان اللائق بها وتم أعمال العقل وحدة وصلوا إلى أن الدولة الأتحادية السويسرية هى النظام الأمثل مع أعمال الديمقراطية المباشرة لحكم الناس نفسهم بنفسهم .. والحرية الممكنة لعيش الناس بتسامح . يعنى كان واجبى المهنى أن أقرأ بيوغرافيا السيدة موللر فى ملفها قبل أن أبتدى العمل معها . ـ يظهر أنك من الجنوب .. أى جنوب الكرة الأرضية . ـ نعم ياسيدة موللر . ـ أنكم أهل الجنوب أكثر محنة مننا وتعابيركم الجمالية أكثر عمقا . ـ ولماذا ياسيدة موللر . ـ لان نظامكم الأجتماعى مازال برئ وأنكم أكثر أحتكاكا جماعيا وتتيحون للأخر أن يعبر عن نفسه بعفوية ومازالت المفاهيم الأنسانية لم تصطدم بالتكنولجيا ومتطلباتها . ـ يبدو ذلك ولكنكم أيضا قدمتم لنا العلوم اللازمة لسير الحضارة الأنسانية . كان حديثا قصيرا وودودا رغم بدايته ولكننى كنت قد تعلمت شئ من خلال سنواتى الطويلة هنا أن تكون عقلانيا وبارد تجاه الحدث فى بدايته إلا أن تنتصر نهائيا . وكان الكل ينتظر ردى وأجتمعنا وقالت لى المشرفة مارايك فى كلام السيدة موللر عن مجئ زنجئ أخيرا . قلت لها إن السيدة موللر تقصد إن الحياة مهزلتها من أمراة لها قصرها وزوج وأبناء ومال ، إلى أن يركنها المجتمع الأوربى أخيرا فى غرفة وهى تنتظر فى البيت المخصص للعجزة وهى تسميه دائما القبور المفتوحة وأخيرا فى قمة هذه المهزله ياتيها زنجى بكل مايمثله الأسود فى الذاكرة العجوز لأوربا ، ولكننى لم أجئ غازيا كجيلها فى أفريقيا ولكننى جئت عاملا أقدم طاقتى المحبه لكى نعيش معا بسلام . وكان يمكن أن تستمر قصص السيدة موللر معى ولكن الموت أخذها ورفض أبنها الوحيد المجئ لرؤية أمه وهى فى سكناتها الأخيرة وتلك يومية أخرى سوف نحكيها لكم لاحقا . محمد القاضى زيوريخ/ سويسرا 29.06.06
|
|
|
|
|
|