|
نهايةٌ للسأم.. بدايةٌ للسلام..!!
|
طبيعة أهل السودان وخاصة دارفور، لا تقيم للخلاف وزناً مهما طغى ، إن تواضع الناس على إتفاق وشيدوا صرحاً للتصالح والتسامح، وهذه خِلالُ الأمم المتحضرة التي تستطيع تجاوز مراراتها وتعبر فوق الجراح، حيث لا يبقى في الجوف شيء من شحناء وبغضاء إذا تصافت النفوس وغلبت روح المودة على هيجان العداوة والطيش، ودارفور تكاد تكون على موعدٍ مع هذه النفحات الباهرة والإشراقات المضيئة للسلوك الاجتماعي والسياسي بين مكوناتها بعد أن هدأت ، أو هكذا ستكون ثائرة الحرب والنزاع المميت خلال سنوات الحرب التي لم تُبْقِ في أوصالها إلا رمقاً ضئيلاً.. هناك بعض الإضاءات اللافتة في سلوك أهل دارفور بعد التوقيع على إتفاق أبوجا، فبالرغم من الإحتجاجات العنيفة في معسكرات النزوح ورفض الحركتين (العدل والمساواة - فصيل خليل ابراهيم - تحرير السودان جناح عبد الواحد)، إلا أن وعياً في نصاعة اللبن نهض بين أبناء دارفور على صُعدٍ مختلفة ، خاصة لدى الفئات الأكثر إحتقاناً وإقتتالاً مع بعضها البعض، وتلك سمة لها رائحة الطيب وهي تتجذر وتسمو بعد أن ظن الجميع أن لا تلاقي. ومن عجب هذه المسالك ، سرعة التكيف والتواءم مع الواقع الجديد ، بحيث تتلاشى كشفق المغيب بعض نوازع الشر، وتحل محلها مشاعر مبهمة في بداياتها، لكنها لا تتقهقهر إلى الوراء ، ويبدأ الناس من حيث ما إلتقوا من جديد بعد إنقشاع الإعصار. وقد أبدى كل الفرقاء الذين وضعوا السلاح أخيراً قدرةً فائقة تؤهلهم لإرتياد زمنٍ جديد، فالعقول والقلوب المفتوحة الآن مؤشر جيد لطي صفحات ماضٍ كئيب كالح لابد أن يفر الناس منه كفرار الصحيح من الأجرب. ويحرك الجميع شعور قوى بضرورة ترك الأمس وراء الظهور، والبحث عن مشترك يجمع ويوحد، يُتَّفَق فيه على أفقٍ آخر غير فضاء الإحتراب ، وهذا الذي يعزز بناء دارفور على ذات الوشائج والأواصر القديمة الراسخة. من صور وملامح هذه الرغبات الجامحة للقفز فوق مستنقع الصراع الآسن ، هي أن وفود الحركات المسلحة بعد توقيع الاتفاقية، بدأت في إبتدار حوارٍ حي وحيوي وخلاق بينها ومكونات دارفور السياسية والإجتماعية والمأمل كله محاولة محو ما سبق واللحاق بقاطرة السلام، والسلام هنا لا يعني الاتفاقية، إنما يعني الوئام الأهلي وعودة الحياة إلى سابق عهدها وزوال نوازع الشيطان. أما البدايات للحوار (الدارفوري - الدارفوري) فإنها لا تستهل بالنسق المتعارف عليه عن طريق المؤتمرات، إنما بدايات طبيعية وحوارات عفوية أخوية لا تتسربل بزي الرسميات، وقضايا دارفور باتت واضحة.. وما أعطته الاتفاقية يمكن أن يزيد ولن ينقص، فالعقلاء والحكماء جاء دورهم لتوحيد مجتمع دارفور وإصلاح ذات بينه وتأسيس صيغٍ جديدة للتواصل والتفاهم والتعايش. كل هذه الخواطر تداعت بعد زيارة أخوية عفوية لوفود حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان ، وهي العناصر التي وقعت على الإتفاق في أديس ابابا الاسبوع الماضي وعادت الى الخرطوم ، أكثر من (٠٤ قيادياً) من الكوادر السياسية وقادة الميدان العسكري، وصلوا للعاصمة الاتحادية وإنخرطوا في حوار مع الحكومة ، وبدأت تتقاطر وتتوافد على مقر إقامتهم أعداد مقدرة من أبناء دارفور من مختلف الأطياف السياسية والإجتماعية، ودون ترتيب وجد الجميع أنفسهم أمام حوار عميق ومصارحات واضحة وتناول موضوعي لمستقبل ولاياتهم. والذي شدني في هذا هو زيارة مقرر دائرة دارفور الكبرى بالمؤتمر الوطني الاستاذ آدم جماع آدم، معتمد نيالا الاسبق، فقد كان الرجل من ألد أعداء المجموعات المسلحة وقياداتها المتواجدين حالياً في الخرطوم. وكان من أكثر المعتمدين الذين عملوا في مجال الاستنفار الشعبي والمنفذ الأول لخطة تأمين مدينة نيالا وما حولها، وهي المناطق التي كانت تناوشها قيادات الحركات العسكرية التي وقعت على الاتفاق. بمجرد جلوس الرجل معهم ذابت كل المرارات السابقة وترسبات النفوس، وجلسوا جلسة إخوة نزعوا غلالات الخصام. وجماع عند الحركات المسلحة أحد المتهمين والمشتبه فيهم بارتكاب تجاوزات لدوره في عملية الاستنفار. وقادة الحركات هؤلاء كانوا عنده من المتمردين المارقين.. لكن ما هي إلا دقائق معدودات حتى تحول اللقاء إلى صفاء وتضميد جراح والاتفاق على المضي معاً من أجل دارفور.. وهذا ما تحتاجه الايام المقبلة..!! الصادق الرزيقى ____________________
|
|
|
|
|
|