|
Re: الفصل الأول من رواية (إنسان المكان) (Re: msd)
|
نحيف, وكأن عصا الراعي أحد والديه. ذو بشرة سوداء باهتة. أنفه ليس أفطس. شعره خشن. عيناه جميلتان. إبتسامته خفيفة ساخرة, كوجه عانس نقية الدواخل.
كان يعشق السكنى دونما رفيق. كان يقرأ أغلب الوقت. كان يتأمل الوجوه والأشياء. كان يمارس العادة السرية عند حافة الخطر.
في لحظات يأسه المتكرر, خلال أيامه الأخيرة فوق أرض الكنانة, كان ينظر شارد البال, وأحيانا كان يردد لحن بوب مارلي الآسر الحزين:
"وكانت تحب كل هذه الأشياء الصغيرة".
منذ ثماني سنوات تقريبا, قال لي:
- "أتدري (يا عثمان علي) ما أجمل أحلامي"؟!.
كنت حاضر الإجابة, سريعها:
- "طبعا, فأحلام الشباب مثلنا معروفة, أن نكمل سنوات الجامعة والتجنيد الاجباري, نلتحق بوظيفة مرموقة في الخرطوم, ونتزوج من حسناء ذات أدب ودين".
ومرت دقيقة:
- "أنا شخصيا, يا سيف الدين المبارك, أفضل سيارات تويوتا اليابانية, وخصوصا الهاي لوكس".
وقد لاحت إبتسامته الخفيفة الساخرة:
- "لا, تلك ليست أحلامي تماما, أجمل أحلامي, يا عثمان علي, خمن قليلا"؟.
كان ينظر, في أثناء حديثه, بعينين وامضتين, وراء سور الجامعة, نحو أفق أزرق مفتوح, وعقب إنتهاء آخر إختبارات السنة الجامعية الثانية مباشرة.
آنذاك, بدأ ينمو بيننا, ذلك الشيء النادر, الذي يشبه بذور صداقة وضعت ذات نهار داخل تربة الحياة الحديثة, التي لا تنبت في الغالب سوى القسوة والقسوة المتبادلة.
وسألني:
- "ألم تخمن بعد"؟.
وقد أعياني التفكير والخيال خارج دائرة تلك الأحلام:
- "قل لي أنت, يا سيف الدين المبارك, ما أجمل أحلامك العجيبة هذه"؟!.
يتبع
|
|
|
|
|
|