|
سمية في الغربة "حجابي لن يجعل مني ملاكا" وأمها عارضت علاقتها مع أجنبي
|
سمية العنوان فتاة واقعية .."حجابي لن يجعل مني ملاكا" الموضوع الطريق إلى الزواج, زواج الثقافات, بعيدا عن أرض الوطن, معوقات الاختيار المشكلة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإخوة القائمون على الموقع وعلى "مشاكل وحلول" جزاكم الله خيرا ووفقكم وإيانا إلى ما يحبه ويرضاه، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبي الهدى وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
أرجو أن تعذروني على الإطالة إن أطلت؛ فالموضوع متشعب ولا أدري من أين أبدأ.أقيم في بلد غربي، جئت إليه بقصد الدراسة، والآن بفضل من الله توظفت فيه، وبدأت أموري المادية تتحسن والحمد لله أولا وآخرا. والكثير ممن حولي، ينكرون عليّ العيش بمفردي في بلد غربي، رغم أنني أشعر أن إيماني قد زاد في غربتي أكثر مما كان عليه في بلادي، كما أن الوظيفة الجديدة تتيح لي فرصة الصلاة في أثناء الدوام وغيرها من التسهيلات التي أكرمني الله بها.
ولقد تقدم لي أكثر من شخص، إما مباشرة بمصارحتي في الشارع -وأنا أستاء من ذلك كثيرا واعتبره نوعا من الوقاحة- أو بشكل غير مباشر عن طريق صديقاتي أو أهلي في بلدي، ولكنني أشعر أنه لا استعداد لي للتعرف على من لا يجرؤ على مواجهتي شخصيا ويتتبع تحركاتي دون علمي ليعرف من أكون وابنة من أكون أو صديقة من أكون، فأجد نفسي في حيرة من هذا الأمر؛ إذ إنني أدرك تماما أنني أغلق عليّ الجميع كل الأبواب.
وأنا أعلم أن الزواج من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أقل ما يقال فيه إنه سنة مؤكدة لإعمار الأرض وإحقاق الخلافة التي ائتمننا الله عليها.ولكنني أخشى أن أسيء الاختيار، كما أنني أخشى أن يغتر غيري بمظهري ويظن أنني شخصية مثالية لا عيوب لها، وهذا بعيد عن الواقع.
وأدرك جيدا أن الشباب المسلم في الغرب قد يعيش أضعاف ما يعيشه الشباب المسلم في العالم العربي من فتن الشهوات المعروضة ليل نهار، في كل مكان، في التلفزيونات والإعلانات الفاضحة، بل في الشوارع والأماكن العامة، وأنه في هذه الظروف من الطبيعي أن يبحث الشخص عن التحصين بالحلال، ولا أنكر ذلك على أحد.
غير أنني لم أجد أن اهتمام المهتمين بي من هؤلاء الشباب ناجم عن شيء إلا أنهم يتوسمون فيما قد يجعلهم يعتقدون أنهم وجدوا الدرة الفريدة، شهرزاد العصر، مثلما وصفتموها في "سيكولوجية الرجل الشرقي"، والواقع أنني بعيدة عما قد يوحي به مظهري، والله أعلم بعيوبي التي كثيرا ما سترها عليّ، فله الحمد والشكر.
صحيح أنني محجبة ولله الحمد والمنة رغم البيئة الغربية، وهذا وحده قد يشجع العديد منهم، غير أن حجابي تعبد أقصد به وجه الله، وحجابي لن يجعل مني ملاكا، بل يتركني في حيز البشر كغيري. وصحيح أنني متعلمة ولله الحمد، وأبتغي المزيد إن شاء الله، وقد عزمت على مواصلة دراستي إلى أبعد ما أستطيع الوصول إليه بعد أن أستقر في الوظيفة الجديدة إن شاء الله. بيد أن المشكلة تكمن في أنني أشعر ألا أحد يهتم فعلا بمن أكون، بل الذي يهمهم هو مظهري البراق.
وفي بداية سنوات إقامتي في الغربة، تعرفت على شاب غربي، من خلال موقع إسلامي ورسائل عبر الإنترنت وطبعا كنت أدعوه إلى الإسلام، وساعدني على ذلك فضوله المعرفي وثقافته الواسعة وحياده العلمي ورغبته في تعلم المزيد، إلا أن نطق بالشهادتين، أو فلنقل كتبهما، وكان الفضل في ذلك لأخت أخرى أيضا. ولكن تطورت علاقته بي إلى الحديث بالهاتف؛ لأنه رغب أن ينطق بالشهادتين أمام شهود، وكان من بلد آخر مجاور للذي أقيم فيه.
وقدم إلى بلد إقامتي ونظمت بمساعدة بعض الأخوات لقاء في مسجد هنا، ليشهر إسلامه على الملأ؛ لأنه كان يعيش في مدينة قليل عدد مسلميها، وتم ذلك فعلا. ولكن بعد عودته إلى بلده أخبرني أنه وقع في حبي، فخشيت أن يكون إسلامه زائفا، ولكنني أحسنت به الظن وحاولت أن أدفع به إلى الصلاة. ورغم أنني لا أنكر أنني كنت سعدت بشعوره النبيل اتجاهي، إن لم أقل أنني كذلك تبنيت مشاعر مماثلة، فإنني كنت دائما أخشى أن إقباله على الشهادتين لم يكن عن اقتناع تام.
وكان هذا الشاب مصابا بمرض نادر وخطير يجعله يشعر بتعب مزمن، وكان يحتاج دائما إلى تشجيع وتحفيز، وكنت أقوم بذلك الدور عبر مراسلاتنا الإلكترونية أو الهاتف. إلا أنني عندما واجهته بالسؤال عن مصير علاقتنا، قال إنه سيكون أسعد شخص في الدنيا لو كان مآلها الزواج لكنه سيعتبر ذلك أنانية منه؛ لأنني أستحق من هو أفضل منه، حسب رأيه، خاصة بسبب مرضه هذا.
وأطمئنكم أن علاقتنا لم تتجاوز حدود الشرع من حرمة الخلوة وغيرها، فقد أفهمته منذ البداية قواعد الإسلام في اللقاءات بين الجنسين وكان متفهما بل سعيدا بوجود هذا الإطار الذي يضمن للجميع حدا أسمى من الكرامة والاحترام، ولقاءاتنا تعد على أصابع اليد ودائما على الملأ، كما أنني كنت أعترض إذا مال بالحديث في الهاتف إلى ما قد يشبه الغزل.
لكنني كنت أشعر بالذنب لعدم معرفة أهلي بهذه العلاقة وليس فيها ما أخجل منه، وكنت أرغب في إضفاء الرسمية عليها، أما هو فكان دائما يقول لي إنني أستحق أفضل منه. فقررت أن أنهي علاقتي به بشكل نهائي وشرحت له أنني لا أستطيع الاستمرار معه على هذه الشاكلة. وهذا ما تم بالفعل.
كان الأمر صعبا بالطبع لكن الله قدرني على ذلك. وبعد أن أهلت التراب على هذه التجربة تكررت معي بعد عام ونصف تقريبا نفس القصة مع رجل غربي آخر عن طريق موقع إلكتروني آخر، اقتنع بالإسلام بفضل حواراتنا، وكنّ لي حبا كبيرا، غير أنه كان أقل ثقافة من الأول وأنني لم أبادله الشعور بنفس الدرجة، ولكنني كنت أشفق عليه كثيرا، خاصة أنه واجه مشكلة كبيرة مع عائلته، وحاولت نصحه بالبر بوالديه.
كما أنني لم أكرر الغلطة السابقة، إذ أخبرت أخي بهذه العلاقة منذ بدايتها، وكان على اتصال به.وأؤكد مرة أخرى أننا بحمد الله لم نرتكب أي شيء أخجل منه، فكانت بيننا مراسلات عن الإسلام وأحاديث هاتفية، وبضع لقاءات في أماكن عامة.ولكنني لما أخبرت أبوي، أخبرني أبي أنه لا يعارض بل يستمهلني مدة للتفكير ولكنني فوجئت بأن أمي عارضت الموضوع وبإصرار شديد، وأحجمت عن الأكل والشرب والنوم، وأمضت أياما تبكي فيها بياض نهارها وسواد ليلها كأنني أقبلت على جريمة شنعاء.
وتألمت للشعوبية التي ما زالت تتفشى في كثير من مجتمعاتنا رغم أنني كنت أتفهم مخاوف والدتي، بل كنت أشاركها جل تلك الشكوك، ولكن أقصى ما كنت أريده منها هو أن تترك على الأقل للشاب فرصة للتعرف عليه، وبعدها تبني حكما على أساس عقلي، غير أنها كادت أن تتبرأ مني لو أنني أصررت عليه، وكانت باقي الأسرة من أبي وإخوتي في حيرة شديدة.
وأنا كنت مصرة على رأيي لرؤيا رأيتها ولم أدر ما تفسيرها إلا اليوم. فكنت أمام ضغط شديد واستخرت الله، وبعدها أخبرت أهلي أن ينسوا الموضوع وأن يعتبروه منتهيا، شريطة ألا يفاتحوني في سيرة الزواج من جديد لا من قريب ولا من بعيد. فكان ذلك. وكنت إذ أعطيتهم هذا الجواب أريد فقط كسب المزيد من الوقت ريثما تهضم أمي الأمر، وحتى يتحسن إسلام صاحبنا طمعا في أن يؤدي ذلك إلى طمأنة أهلي.
وصادف أن الشاب كان يعيش مشكلة مع أهله، ولكن لا علاقة لي بها، فهو لم يخبرهم بعد لا بإسلامه ولا بوجودي، وقد نصحته ألا يفعل إن كان يخشى أن ذلك سيزيد الطين بلة. وانقطعت عني أخباره مدة وأنا أحوج ما أكون إلى دعم منه، فاتصلت به هاتفيا وكان قد استقبل في بيته بعض الضيوف، فسألته عما قدم لهم من باب الفضول لا غير، فكان من بين المشروبات التي قدمها لهم بعض البيرة، أعزكم الله.
فأعربت عن احتجاجي، وهنا انفجر غاضبا واعترف لي بأنه ما زال يشربها بين الحين والآخر، وقال إنني مثل أمي أحكم أحكاما مسبقة وإنني قاسية ولست متفهمة، بينما كان سابقا قد أكّد لي أنه أقلع عن التدخين والشراب، فصعقت، وكان هذا آخر عهدي به.
وهنا أدركت أن ردة فعل أمي التي لم تتعرف حتى على الشاب، كانت علامة من الله على أنه لا يصلح لي، وشكرت الله أنه أنقذني منه. ورغم أنني تألمت كثيرا لهذه القصة أكثر من الأولى لأنها تسببت في فتنة بيني وبين أمي، ناهيك عن الخيبة التي شعرت بها بسبب تصرف ذلك الرجل، فإنني كنت على يقين أن الله أراد بي خيرا فرضيت بقضائه سبحانه رغم الكآبة التي خيمت عليّ مدة من الزمن وأنقذني الله منها بعد ذلك وله الحمد.
ولا أدري عن هذين الشابين هل استقاما على الإسلام بعدها وأرجو أن يكونا كذلك، وماذا حدث لهما بعد ذلك. وأصدقكم أنني تراودني أحيانا أفكار بمحاولة الاتصال بالشاب الأول للاستفسار عن أخباره؛ لأنه عكس الثاني لم يثبت لي أنه سيئ بل كان مترددا فحسب، فحسمت الأمر بنفسي ولكن كرامتي لا تسمح لي بمعاودة الاتصال ولن أعود في قراري إن شاء الله.
وفكرت مليا في القصتين ورأيت أن بدايتهما كانت متشابهة، ونهايتهما كانت متشابهة أيضا رغم ما بينهما من اختلاف، ورغم أنني لا أبحث عن الزواج عبر الإنترنت، فإنني ربما قد أكون -حتى من ناحية عقلي الباطن- أبحث عن ملجأ تختفي فيه المظاهر الخادعة، ليتحدث العقل مباشرةً إلى العقل، دون أن ينقاد إلى صورة أو صوت قد يغريه أو يغويه.
كما أنني في حيرة من أمري، فأنا خائفة من أية علاقة مستقبلية يكون مصيرها الفشل كالتجربتين السابقتين، وأخشى -وأنا أعرف أن التعميم لا يصح- أن أكون في قرارة نفسي أنفر من الرجل الشرقي وعقليات مجتمعاتنا البالية، كما أنني أخشى أن تتكرر القصة مع رجل غربي آخر مسلم طبعا ويتكرر رفض أمي.
ينصحني البعض بأن أكون أكثر مرونة مع نفسي ومع غيري، وكانت إحدى الأخوات اقترحت عليّ التعرف على شاب فأبيت، فقالت لي: وكيف ستتزوجين إذا رفضت أي لقاء يتم بشكل غير عفوي؟ فأطرقت وقلت لها لا أدري. ولا تعرف صديقاتي شيئا عن هاتيْن القصتيْن لأنني لست من النوع الذي يعبر عن مشاعره بسهولة ويحكي حكايته للجميع، ولذلك كان من الصعب أن أتجاوز المحنة بمفردي.
والحقيقة أنني ربما، وإن لم أرغب في أن أصف بذلك، أكثر رومانسية مما أظن، وربما مع عدم اكتراثي بقصص أفلام السينما أبحث عن زواج ينشأ من علاقة حب سليمة تنبع ذاتيا من الشخصين في إطار سليم، من غير أن يوحي لأحدهما طرف ثالث أو يزج به في متاهات الوهم، ومن غير أن يمجد أحدهما الآخر قبل معرفته به. هذا وأنا أحسب أنني أميل إلى العقلانية أكثر من العاطفية.
وأنا راضية بحياتي الحالية، ومستعدة للاستمرار وحيدة إذا كتب عليّ ذلك؛ فالوحدة خير من جليس السوء، ومن زوج السوء. ولكن ألسنة مجتمعاتنا لا ترحم، رغم أنني تعلمت أن أدير ظهري للقيل والقال وألا أعوّل على الناس وظنونهم، بل أبحث عما يرضي ربي ولا يغضبه ويريح ضميري ولا يرهقه.
ولكن والدي ينتابهما القلق لمرور السنوات ولا يجرؤان على الحديث في هذا الموضوع للعهد الذي أخذته منهما، ولم أخبرهما بنهاية القصة خشية أن يفقدا الثقة بي وبرجاحة عقلي، وأنا أعرف أنهما يرغبان في رؤيتي سعيدة. فهل من نصيحة؟ ومعذرة على الإطالة وجزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعواتكم، والسلام عليكم.
|
|
|
|
|
|
|
|
|