|
الرواية نوبية – دنقلا – للكاتب إدريس علي محمد ... صرخة جنوبية لإحياء مملكة النوبة القديمة
|
الرواية أقل ما يمكن أن توصف به هو الجرأة في التناول والمصداقية في الطرح وعمق الرؤية وتكامل الفنيات ، فمنذ الصفحات الأولى وحتى الختام لا تتوقف المفاجآت ، ففي الإهداء يقدمها الكاتب إلى أصدقاءه من المصريين الشماليين : إلى أصدقائي وأحبائي أهل الشمال هذه كل أوراقي .. فلا تمزقوها وهذا صوتي فلا تسكتوه وهذا أنا فلا ترجموني، لأني عشت بينكم وأكلت معكم وعشقت حضارتكم .. ومازلت. إنما أنقل لكم وبصدق جارح بعض أوجاعي وأوجاع قومي وهنا مكمن الخطورة حين توحد الكاتب إدريس علي مع بطله عوض الشلالي فقام بإهداء جرحه الدامي إلى المصريين الشماليين .. وفي "فرز الكيمان" ذاك فإن الكاتب لا ينسج خيوط عزلته الخاصة إنما يؤكد للمصريين الشماليين خصوصية هويته وفردانية أثنيتة النوبية ويشكوا مظلمة قومة الذي يقطنون جنوب سد إسوان في القطر المصري .. كيف يمكن أن تتجرأ وتهدي أوجاعك للغير لو لم يكونوا جزءا منها أو متسببين بها .. وننتقل بعد ذلك للإضاءة التي أوردها الكاتب من مؤلف للدكتور محمد حسين هيكل " الفاروق عمر " عن رماة الحدق وكيف استعصموا بديارهم بعد أن ردوا عدوان المسلمين عنها .. وفي ذلك إستدعاء للماضي ليصحح به وضعا حاضرا مختلا ..بعد أن رأي " كما أشار الناقد الدكتور علي الراعي في تناوله النقدي للرواية " بأن الأمور في مصر تدار لخدمة الشمال وحده، أما الجنوب فليس له إلا أن يصبر على الفقر المدقع. يبني الشمال خزان ثم يعليه مرتين، ثم يبني السد العالي فتغرق النوبة كلها في فيضان النهر الخالد. ويُهجر النوبيون بطريقة فيها الكثير من العسف, ويزول بلدهم من الخارطة، بكل ما كانت القلوب تحمله لها من ذكريات عذبة، وأسلوب حياة موغل في القدم، وتاريخ حافل كان في القرون البعيدة يجعل من النوبة أرضا متسيدة ترفع رأسها في شموخ. كل هذه الحياة إبتلعتها مياه النهر الخالد. شغلت الدولة بإنقاذ المعابد وأحجارها المقدسة . ولم تلتفت للبشر النوبيين إلا قليلاً. فماذا كان بوسع عوض الشلالي أن يفعل سوى أن يلحق بركب الثورة أن يجري وراء سراب التاريخ أن يحلم بعودة دنقلا موحدة شامخة.؟؟. " د. علي الراعي صحيفة الأهرام 10 يونيو 1996 " أن ادريس علي محمد كاتب فذ ينقلنا بخطى تلهب الانفاس رحلة الغربة التي عاشها عوض الشلالي " بطل الرواية " في توجهه نحو الشمال ونضاله مع الشيوعيين المصريين في رفع الظلم والغبن عن الجنوب والشمال معا وكيف دفع ثمن قناعاته بعشر سنوات من عمره قضاها في جحيم المعتقلات المصرية وكيف قتل أبن عمه بحر الجزولي داخل المعتقل "الأمر الذي يعيد إلى الأذهان قضية اغتيال المناضل صلاح بشرى طالب الطب السوداني في 1948 في المعتقلات المصرية التي لا تعرف الرحمة " وعندما يئس عوض الشلالي من كفاح الرفاق الشماليين وبعد أن أعلنوا حل حزبهم وتولوا المناصب الرفيعة ، لم يجد أمامه إلا التوجه نحو الجنوب يستدعي الماضي كي يضمد أحقان وأوجاع الحاضر .. وعندها كان لابد من التوغل أكثر جنوبا نحو الحلم ، يلتمس الخلاص في السعي لإحياء مملكة كوش وإعادة الازدهار لعاصمتها دنقلا..ولكنه هناك أيضا يصطدم بالرفاق الشيوعيين السودانيين الذين يحسونه بضرورة العودة إلى الشمال من جديد ومعاودة الكفاح مع الرفاق المصريين ، وهنا يفقد عوض الشلالي آخر آماله في خلاص أمته فلا يجد ملاذا إلا في الهروب نحو الغرب لينعم فيه بالحرية ضاربا بحلمه الكوشي الذي ظل يطارده منذ بداية تفتح وعيه ومداركه عرض الحائط ، وينغمس في ملذاته حتى ينسي أمه الكفيفة وزوجته التي لم يدخل بها سوى ليلة واحدة قبل أن يهجرهما معا، ويتركهما في معاناتهما الأبدية وإلى مصيرهما الحزين. الرواية تطفح بالصدق وتتسم بالجرأة في التناول خاصة لقضية التهميش الذي يكابده النوبيين في مصر والتعالي الذي يمارسه الشماليين نحوهم ومصورا مأساة التهجير القسري وفقدان الهوية لأبناء النوبة الذين غرقت أراضيهم وقراهم لم يبقى أمامهم إلا الهجرة شمالا والعمل كبوابين وطباخين وسفرجيه بعد أن ضاعت نقود التعويض البائسة التي منحت لهم. الرواية من الحجم المتوسط حوالي 150 صفحة ، الناشر الشركة العالمية للطباعة والنشر 2006 . • الرواية الفائزة بجائزة جامعة اركانسو الأمريكية عام 1997 عن النسخة الإنجليزية. • جائزة أفضل رواية في معرض الكتاب بالقاهرة 1999 • الجائزة الثانية لمسابقة نجيب محفوظ للرواية العربية 2004 المؤلف : إدريس علي محمد من مواليد إسوان صدرت له عدة أعمال منها • المبعدون • واحد ضد الجميع • وقائع غرق سفينة • إنفجار جمجمة • النوبي • اللعب فوق جبال النوبة • تحت خط الفقر ( تحت الطبع )
|
|
|
|
|
|
|
|
|