يابكري ابوبكر-خطفو الوظيفة
الوظيفة المخطوفة محمد احمد صابر من مواليد قرية العمارة 1949..مفتش بوزارة المالية متزوج واب لولد يدرس الهندسة بجامعة الخرطوم على اعتاب السنة النهائية وثلاث بنات كبراهن فى الثانوية وفصيلة دمه بى بوستيف .تخرج فى جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد وابتعث للدراسات العليا على نفقة الدولة ببريطانيا هكذا تقول بطاقته الشخصية كان جادا ومخلصا فى عمله ممتازا فى ادائه محبوبا من زملائه حسن السيرة والسلوك نظيف اليد والضمير واللسان انيقا فى مظهره ..وفوق هذا كله كان بيته قبلة لاهل القرية القادمين للخرطوم لقضاء حوائجهم وخصوصا القادمين للعلاج منهم ..كان هانئا وسعيدا بما يقوم به من عمل اتجاه وظيفته التى احبها او ما كان يقوم به مما يعتبره واجبا اتجاه اهل القرية كما انه كان سعيدا باسرته يبذل كل ما فى وسعه لاسعادها وتهيئة اسباب الاستقرار لها..اعتذر محمد احمد عن حضور الرحلة الايمانية التى رتبتها نقابة العمال بالوزارة فى عطلة نهاية الاسبوع لانه قرر السفر الى قريته القريبة من الخرطوم وذلك للمشاركة فى زواج زينب بت الجيران اليتيمة المكافحة والتى طالما تعاطف معها هو وزوجته وساعدوها واخذ معه ما تيسر من الاغراض من الخرطوم لهذه المناسبة وقضى مع اهله فى القرية يوما جميلا..وفى صباح السبت ادار محرك سيارته القديمة وتوجه صوب وزارة المالية وفى طريقه اخذ معه بعض زملاء العمل كالمعتاد ..ولم يكن ذلك الصباح يوحى بشىء غير عادى على الاطلاق..بائعات الشاى جلسن تحت شجرة مكتب الجوازات الملاصقة لوزارة المالية وبجانبهن بائعو الدمغة والارانيك ومجموعات المواطنين المنتظرين للمراجعة بمكاتب الجوازات وبعض الصبية الذين يعملون فى غسيل السيارات وبائعو الصحف المتجولون زملاء العمل يتوافدون ويحيون بعضهم..لم يكن هناك شىء غير طبيعى على الاطلاق ..توجه محمد احمد الى مكتبه بعد ان اخذ معه قهوته الصباحية كما تعود ان ياخذها بنفسه دائما ولكن وكغير المعتاد وجد على الطاولة مظروفا رسميا بلسمه المباشر وكان المعتاد ان تسلم الرسائل الرسمية دائما عن طريق موظف السيرك بعد الحصول على التوقيع بالاستلام..فض محمد احمد المظروف وقرا—لقد تقرر احالتكم للصالح العام بتاريخ اليوم وعليكم تسليم اى عهدة بطرفكم لرئيسكم المباشر والتوجه لمكتب شئون العاملين بالوزارة لاستكمال الاجراءات..اخذ محمد احمد الخطاب فى يده وطاف به على اكثر من مسئول بالوزارة من رئيسه المباشر وحتى وكيل الوزارة الذى اشاد بتقاريره فى اخر اجتماع ولم يجد عندهم سببا واحدا يبرر احاته للصالح العام ..بل المدهش فى الامر ان لايكونوا على علم باحالته للصالح العام وتالموا كثيرا لما حدث له وليس بيدهم شىء يفعلونه غير مواساته وبل رؤوسهم للحلاقة فالتوقيع من جهات يدركون نفاذ قراراتها .. تقبل محمد احمد الامر باحساس عميق بالظلم والاجحاف والفوضى التى لمسها من حلال الموظف الجديد الذى حل مكانه والذى كان يجهل حتى طريقة كتابة محضر استلام المكتب ..طافت سحابات الحزن فى وجهه وخرج الى الشارع العريض وليس له من حيلة الا ايمانه وثقته فى الله ..تظاهر بعض اعضاء النقابة بالتعاطف معه ووعدوه بحل مشكلته وبعد انتظار ستة اشهر اجبر خلالها على اخلاء المنزل من قبل صاحبه لعدم مقدرته على دفع الايجار ..اضطر لاعادة ابنائه للقرية واسكن ابنته الكبرى مع اسرة احد اصدقائه لارتباطها بالتعليم فى الخرطوم واسكن ابنه فى داخليات الجامعة بعد ان باع سيارته المهلهلة ..اخطرته النقابة بالحضور لاستلام حقوقه ولم تفعل شيئا لاعادته لوظيفته المخطوفة..ساعدته حقوقه وبعض حلى زوجته والاجهزة الكهربائية المنزلية التى ما عاد لها استعمال لعدم وجود الكهرباء بالقرية على الحصول على وظيفة باحدى دول الخليج..سافر محمد احمد الى تلك الدولة واستلم عمله وبدا فى ترتيب نفسه والتكيف على وضعه الجديد بعيدا عن اسرته وزوجته التى لم يفارقها منذ زواجه منها وظل على اتصال دائم بهم عن طريق الرسائل التى تصله من ابنه واحيانا عن طريق الهاتف فى حالة الطوارىء..رغم الظروف الصعبة التى يعيشها والضغوط النفسية والعصبية والارهاق وضعف المردود من العمل وعدم ملاءمته لخبرته وكفاءته والشهادات التى يحملها وفقدانه للثقة فى المستقبل واحساسه بالضياع الا انه تجلد وصبر ووضع كل امله فى نجاح ابنائه والحفاظ على تماسك الاسرة واعتبر ان ذلك هو المشروع الاستثمارى الوحيد الذى ينبغى ان يكرس له ما تبقى من حياته وفى سبيل ذلك لا ما نع عنده من تقديم التضحيات على عكس اخرون فقط يريدون تقديم الضحايا..رتب محمد احمد نفسه على الوضع الجديد وسارت الامور فى حدها الادنى كما ينبغى لها..فدخلت ابنته الجامعة وصار ابنه فى سنة التخرج وغدا يصير مهندسا يرفع عنه بعض الاعباء ويساعده فى اكمال مشاوير شقيقاته وهو اهل لهذه المهمة بما رباه عليه واعده له كما انه يعى دوره تماما ويتمنى هذه اللحظات ليشد من ازر ابيه ويفى لاسرته ووطنه بالقليل مما قدم له ..وتحسنت معنويات محمد احمد قليلا ..انقطعت فجاة اخبار الاهل عن محمد احمد ر شهران لم يصله خطاب من ابنه ونتابه القلق وارسل لابنه عدة خطابات لم يصله رد عليها حتى المصاريف لم يصله ما يفيد باستلامها وليس هناك وسيلة اتصال بالقرية كما ان تلفون عمله لا يوجد الا عند ابراهيم ابنه..اصابه الارق وصار لاينام الا قليلا وانتابته الهواجس والكوابيس فى احد الايام عاد محمد احمد من العمل مبكرا يعانى من صداع حاد وفاقد للشهية للاكل دخل لغرفته وخلع قميصه فى عتبة الغرفة وارتمى على السرير ببنطلونه ..تناول صحيفة قديمة قرا فيها عناوين بائسة فوضع الصحيفة جانبا تناولها مرة اخرى حدق فى عناوينها فقرا ..متحرك وثبة الاسود يلقن المتمردين درسا فى اعالى النيل ..اتحاد العمال يحتج على تشريد العمال دون اخطاره ويهدد بالاضراب ..احزاب التوالى تقاطع الانتخابات الولائية ..بترول الخير تفجر فى ارض الخير قذف بالصحيفة الى ركن قصى فى الغرفة وادار مؤشر الراديو ليسمع نشرة انباء السابعة من ام درمان ..فاذا بها تنعى ابنه شهيدا فى مناطق العمليات ضمن متحرك وثبة الاسود وتعلن عن موعد عقد قرانه من اخدى حوريات الجنة ..فى تلك اللحظة ملات الدموع عينيه وطاف بذهنه شريط يحكى كل تفاصيل حياة ابنه من قبل ميلاده طفلا وحتى وداعه الحار له بمطار الخرطوم ويستوصيه بشقيقاته خيرا لم يهتز الا للحظات خطفوا وظيفته وخطفوا هدف وامل حياته انهارت كل قيم التسامح داخله وانتوى امرا وصمت..

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]