منقول.................. المقال للدكتور حسين آدم الحاج
بسم الله الرحمن الرحيم
بين إشكاليّة العجز الوطني والضغط العالمي؟*
مقترحات لرئيس الجمهوريّة
د. حسين آدم الحاج
أستهلال:
لم أستغرب غضب رئيس الجمهوريّة المشير عمر البشير وقسمه المغلظ ضد مشروع الأمم المتحدة للتدخل فى دارفور وتمترسه خلف لاءاته الرافضة للقرار 1706، وذلك لسبب بسيط هو أنّه يقاتل وحده دون خطط أو استشارات أو بدائل يعدها ويقدمها له صنّاع القرار من حوله ليعمل رأيّه فيها بعمق وتريث. جيش من المستشارين، نائبين، كبير مساعدين ومساعدين، مجلس وزراء مؤلف من ثمانيّة أحزاب، وزراة خارجيّة بوزير مركزى وثلاثة وزراء دولة وسفراء، بعثة كاملة فى الأمم المتحدة، مجلس وطنى، حزب حاكم متحكم إسمه المؤتمر الوطنى بهيئاته القياديّة والتنفيذيّة والشوريّة بجانب هيئات ومؤسسات أهليّة ودينيّة داعمة، ثلاثة ولاة لولايات دارفور، ومع كل ذلك يعجز هؤلاء جميعاً فى تقديم بدائل تكتيكيّة وخطط إستراتيجيّة تعين فخامة رئيس الجمهوريّة على إتخاذ القرار المناسب، تتسم بالمرونة فى الوقت المناسب، بما يستدعى مصلحة الوطن والتعامل مع أزمة دارفور بحكمة وبصيرة. لكن لا هذا ولا ذاك، فاكتشف الرئيس أنّه يقف وحيداً يحارب المجتمع الدولى بسيف مكسور إنكسار وحدة الصف الوطنى والإرادة الوطنيّة، إزاء ذلك لم يجد الرجل البديل سوى أن يتخندق خلف جدار الرفض السميك ممسكاً بالعصا من المنتصف متقمصاً الدبلوماسيّة السودانيّة العاجزة برمتّها، أنا الدبلوماسيّة أنا الدولة، وليفعل الله ما يشاء!!
لم يكن الرئيس بحاجة لهذا الموقف الحرج لو أنّه أحسن اختيار من يعضدونه فى مثل هذه النوائب ومحن الحكم ويا ليت من هيهات، والأعجب، وحتى مع ذلك، فإنّ هذه الجيوش الجرارة من خلفه، وبعضهم ظلّ متقلباً فى الوظائف والميرى منذ قيام الإنقاذ، لم تتحرك لتفعل شيئاً لمساعدته، رغم صرخاته العاليّة بما يشبه الاستغاثة، بل ارتضت إلاّ أن تكون صداه فقط، يرددون الرفض لا، لا، لا، خلف (لا) الرئيس وليس أكثر، وإن فعلوا شيئا فلا يعدو مجرد حشد تلاميذ المدارس يخرجون فرحين بقضاء يومهم الدراسي مبكراً لا يفقهون من الأمر شيئاً مثلهم مثل الذين أخرجوهم.
فى الجانب الآخر، فى دارفور، واللاجئون فى معسكراتهم، يظلّ العجزة من الرجال والنساء الأرامل والأطفال اليتامى يحصون الليالى والأيام ويمضغون مرارة الفاقة والحرمان والدمار النفسى والبدنى البطئ (تآكل)، لا يخفف عنهم فى ذلك سوى صلواتهم وصيامهم وقرآنهم فى هذا الشهر الكريم بالرغم من أنّهم صائمون دوماً على أيّة حال بسبب قلة أو عدم الإغاثة، بجانب دعواتهم الصادقة التى لن تجد بينها وبين الله حجاب، ولا يتحدثون إلاّ مع الخواجات بعد أن يئسوا من أى أمل فى الثقة مع الذين يفترض أن يكونوا إخوتهم فى هذا الوطن، لا يحس بهم من يقودون تلك الحشود الهادرة، ولا يتذكرهم المتخمون وهم يتناولون رمضانياتهم الدسمة أو عندما ترتفع حناجرهم بالرفض. وتنحسر الأراضى لتتمدد فيها جيوش جبهة الخلاص الوطنى فارضاً واقعاً جديداً لتعيد الأوضاع إلى مربعها الأول، وأهل المعسكرات يقولون "عبد الواحد .. والله واحد"!! (ولنا فى هذا مقال قادم)، وكوندليزا رايس تنشط فى حشد القوات الأمميّة وتخيّر الحكومة بين الرضوخ أو المواجهة، والكونغرس الأمريكى يظلّ متوثباً يصدر كل يوم فورمونات العقوبات، والأمم المتحدة تقول بأنّ الأوضاع الإنسانيّة فى دارفور أصبحت أسوأ ممّا كانت وتحذر من وقوع كارثة إنسانيّة وشيكة، لكنّ المسئولون الحكوميون وولاة دارفور ينفون ذلك ويقسمون بأنّ الأوضاع فى دارفور تتحسن بل وإنّ الحياة فى المعسكرات أفضل منها فى داخل مدينتى الفاشر ونيالا خاصة معسكرات خمس نجوم!! هذا هو المشهد السودانى بإختصار.
فى كل الدول المتمكنة لا يصنع رئيس الجمهوريّة القرار الوطنى بل تصنعه مؤسساته، وهم فى ذلك يتدبرون البدائل التى تنبنى على الإحتمالات والسناريوهات لتقوم مؤسسة الرئاسة الضيقة بتحليلها وتصفيتها بما يستجيب لمصلحة القرار الوطنى، ويتحفز لكل طارئ، يتم تقديمها للرئيس ليختار منها ما يوافق رأيه ودرجة حكمته وعندها فقط يكون القرار قراره. وأى حكومة تواجه مأزقاً مثل ما تواجهه الحكومة السودانيّة اليوم تسرع لتكوين غرفة عمليّات تستلم ملف الأزمة كاملاً وتتعامل معها برؤيّة وإستراتيجيّة، بناءاً على ذلك لا يحتاج الرئيس لأن يتلفت حوله يبحث عن نصائح أو مخارج عند حدوث أيّة طارئ لأنّ البدائل تكون متوافرة بين يديه، تلك هى أبجديّات الدبلوماسيّة والمؤسسيّة. لكن لننظر ماذا حدث خلال الأسابيع الماضيّة وبحدث اليوم فى أعلى مؤسسة لصنع القرار الوطنى فى السودان على ضوء الصراع مع الأمم المتحدة: النائب الأول وكبير مساعدى رئيس الجمهوريّة أعلنا موقفيهما مبكراً منهيان أى جدل حول ذلك ولا تثريب عليهما. نائب رئيس الجمهوريّة بعد عطلته المثيرة فى تركيا عاد ليذهب فى جولة مطولة فى ربوع كردفان أثناء تفاعل الصراع، المجلس الوطنى فى عطلة رسميّة وإلى هذه اللحظة، المستشارون سكتوا عن الكلام المباح، الوزراء تمسكوا قوياً بكراسيهم، والولاة لا يصدقهم أحد من أهل دارفور أو المجتمع العالمى، إذاً إلى من سيتجه فخامة الرئيس ليجد عنده الرأى والمشورة ؟؟
نقول له بحق ويقين وأمانة إستمع إلى من يعنيهم القضيّة بالأساس، إستمع إلى أهل دارفور!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة