|
عمود م.ا. الشوش الذي برر فيه قصف مصنع الشفاء ومتحدثآ عن الهممات حول الثراء المفاجئ لصلاح ادريس
|
نقــلآ عن الاهرام ..العدد الصادر بتاريخ 12 سبتمر 1998
http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp?CurFN=WRIT4.HTM&DID=6050
السنة 123-العدد 40822 1998 سبتمبر السبت 12
Quote: ________________________________________ الإرهاب المرفوض والإرهاب المباح
بقلم : محمد إبراهيم الشوش
أمريكا ليست ضد الارهاب من حيث المبدأ. ولنوضح أكثر, ان الاستراتيجية الأمريكية, بحكم القوي التي تتجاذبها, تنظر الي الارهاب بأكثر من منظار واحد. فهي ضد الارهاب اذا ما تعارض مع مصالحها المباشرة, ولكنها قد تشجعه, وقد تتغاضي عنه, اذا ما رأت إمكان استخدامه لخدمة سياستها أو سياسة بعض القوي ذات التأثير عليها أو النافذة الي أجهزة الاعلام والأمن والمخابرات والتي يعتمد عليها في اتخاذ القرار وتكييف الرأي العام الأمريكي. وهذا الموقف المتأرجح من الارهاب يجعل السياسة الأمريكية محيرة تبدو كما لو كانت متناقضة أو مرتبكة أو مترددة. والتفرقة بين ارهاب مرفوض وارهاب مباح تحتاج الي توازن دقيق, اذ كثيرا ما يفضي احدهما الي الآخر بصورة فجائية وفق المتغيرات الدولية كما حدث في افغانستان. واستخدام الارهاب ضد الخصوم لعبة قذرة وخطرة, أشبه بخلق كيان شرير تصعب السيطرة عليه وقد ينقلب علي صانعه كما نبهت الي ذلك ماري شيلي في روايتها الشهيرة فرانكشتاين. وبرغم الهياج الذي ابدع النظام السوداني في اخراجه واستمرار عرضه, فان الغارة الصاروخية لم تكن تستهدفه, باعتباره راعيا للارهاب. فالنظام السوداني ليس خطرا علي أمريكا. وكل انشطته المصنفة في خانة الارهاب مكشوفة ومرصودة بواسطة اقمار التجسس الفضائية, واجهزة التنصت الالكترونية المتطورة وجيوش المخبرين المنبثين في كل ركن في السودان. وأمريكا تعرف تماما مواضع معسكرات المتطرفين وتصنيفاتهم وما يدور داخل المزارع المغلقة علي ضفاف النيل منذ ان كانت أوكارا للرذيلة قبل ان تتحول الي اقبية مظلمة يسمع الناس دوي الرصاص في جنباتها ليلا. وتعرف حقيقة الأموال التي تركها بن لادن, والي من آلت, وفيم تستخدم, وعلي من تصرف, واذا كانت قد احجمت عن الفعل فلأن لكثير من الجماعات المتطرفة اجندتها الخاصة التي قد تصب في خانة النفع في وقت ما كوسائل من وسائل الضغط أو لاثارة الفتنة الطائفية, أو لضرب السياحة, أو لاشاعة جو من التعصب البليد المعادي لحرية الفكر والثقافة وبالتالي لفرص التقدم. واذا كانت أمريكا قد ارخت الحبل للسودان برغم ما تعرفه من ممارسات مشبوهة, فلانها واثقة من قدرتها علي تطويق هذه الممارسات في أي وقت شاءت, أواطلاقها في أي وقت أرادت, كما حدث حين انصاع النظام السوداني لارادتها في اجلاء بن لادن, ولو أرادته حينئذ لحما ودما لحمل اليها مخفورا في طائرة خاصة كما حدث لكارلوس. فالذي حدث في السودان وافغانستان ليس حربا شاملة ضد الارهاب لكنه اجراء محدد ضد بن لادن بعد ان اقتنعت أمريكا انه يهدد مصالحها ويسعي لتنظيم ذلك في هيئة عالمية لضرب اليهود والصليبيين, وبعد ان فشلت في احتواء نشاطه, أو اقتلاعه من جبال افغانستان, وقد أكدت أمريكا بصدق ان غاراتها علي افغانستان والسودان لاتستهدف أيا منهما وانما تستهدف بن لادن مفرقة بذلك بين ارهاب محظور وآخر مباح. ضربة مصنع الخرطوم اذن لاتستهدف النظام السوداني لرعايته للارهاب أو خرقه لحقوق الانسان أو رفضه للديمقراطية. ولم يقصد بها مساندة المعارضة وانما كانت مكملة لضربة المعسكرات في افغانستان لتعويق النشاط الارهابي لـ بن لادن, فالعلاقة ليست بين المصنع والنظام السوداني ولكنها علاقة بين المصنع وبـ بن لادن, وبالتالي فان محور القضية الآن ليس علاقة السودان بأمريكا بل علاقة مصنع الشفاء ببن لادن وما اذا كان مالك المصنع السوداني واجهة له. الذين يعرفون مالك المصنع السوداني ـ يؤكدون انه رجل وديع محب لأهله, دمث الاخلاق, مولع بالشعر والغناء, يمد يده لأعمال الخير, ولايشغل نفسه بالسياسة ويحتفظ بعلاقات طيبة مع الجميع. لكن تبقي همهمات حول ثرائه المفاجيء, وظهوره المذهل علي مسرح الاستثمار المكثف في بلد غير مستقر مباشرة بعد خروج بن لادن. واغداقه علي السياسيين من كافة الجهات وعلي الصحفيين وكبار الشخصيات كمن يعد نفسه لدور كبير وخطير. وسابق اتهامات باستخدام خطه الجوي في نقل اسلحة للنظام ادعي انها جرت بغير علمه. وحتي ميزاته الشخصية التي تبعده عن شبهة الارهاب تجعل منه واجهة مثالية, وأخيرا قرار الرئيس السوداني الذي اوردته صحيفة الخرطوم, بتكوين لجنة قضائية لتقصي ملكية المصنع والذي يشير الي بعض شك قد يفتح الباب أمام مواجهة داخلية. وستكشف الأيام القليلة القادمة ما اذا كانت الغارة علي مصنع الخرطوم ضربة طائشة ستعصف بقدرة الولايات المتحدة مستقبلا علي محاربة الارهاب بمثل ما تحدثنا به قصة الراعي والذئب, أم ضربة معلم ستطيح بغطاء برميل يعج بالحيات والعقارب. |
|
|
|
|
|
|