في منتصف سبعينيات القرن الماضي .. أتى معي للرياض .. .زول فنجري .. أخو إخوان .. و هو من النوع الذي تطلق عليه جيل الحبوبات: الدُخْري عشا البايتات .. مقنع الخايفات .. و ربما ينطبق عليه الآن لقب ( ال بيرد على كل ال مِس كولات..... لا بتهمو دنانير و لا ريالات ) تفرقتْ بنا السبل ... سبيل يختلف عن سبيل .. جاعلاً من الرياض مركزاً للإنطلاق .. لأوروبا و أمريكا .. فقد غاب عن ذاكرتي قليلاً و إن لم تغب محبته في قلبي .. بعد عقد من الزمان إلتقينا .. كان شخصاً مختلفاً .. شكلاً و بعض المضمون .. و بعض المضمون هذا لم تكن من سجيته أن يغيرها .. و لكن دواعي ( جنسيته السعودية ) التي إكتسبها قد أمْلتْ عليه أن تعلو سجيته بعض مظاهر جلافة بدو نجد .. و لكن معدنه الأصلي ظل يبرق كما كان في أيامنا الخوالي .. كجذوة نار خامدة تحت الرماد. سألني : ما أخدتَ الجنسية ؟ قلت له : مع الإعتذار لك .. أحس بأنو لو غيرت جنسيتي السودانية بإنو حيسلخو جلدي كلو .. ما بقدر إتصور واحد يقول لى شي غير : يا زول .. و يا جنا ..
صديقي ربنا فتحها عليه بالواسع جداً .. (ربما دعوة أمه ليل نهار طالت شريحة أرزاقه ..) صار تاجراً يقضي الصيف في الريفيرا .. و الشتاء في أزمير بتركيا .. و يكب الزوغة إلى القاهرة كلما شاهد دلع إحدى الممثلات الجديدات تدلق غنجاً و دلالاً في إحدى تلك الأفلام الهابطة .. ثم أنشأ موسسة تجارية .. و إستقدم لمؤسسته عدداً من العمال من شرق آسيا .. أم صديقي هذا ..... قلبها رهيف و ما بتستحمل .. لا الحقارة و لا الظلم و لا البخل .. تخاف و لا تنام الليل إن ظنتْ أنها قد أخطأتْ في حق إنسان .. فهي سليلة رجال كان المسيد و لا زال هو عنوان الأسرة و تعويذتها .. و يتوارى حاتم الطائي خجلاً بفرسه المذبوحة لضيوفه أمام كرم هؤلاء الفطاحل .. إمرأة بنت بلد أصيلة .... نوعها في طريقه إلى الزوال ليدخل موسوعة الديناصورات و الماموث. العيب عندها أن تنادي زوجها بإسمه المجرد .. فتقول له يا أبو فلان .. لم تجلس و لو لمرة واحدة قبل أن يجلس .. تعتبرها قلة أدب و عدم ترباية و لم تمد يدها قبله في الصحن الماهل بقائمة طعامنا ( اللايوقة ) ... فهذا في قاموسها عدم توقير ... تحافظ منذ ما بعد دخلتها على ( تدليك ) زوجها و تمسيح جسده الماكن بالزيت و هي تحوقل و تبسمل و تقرأ أوراداً حفظتها من والدها زول المسيد .. حتى بعد أن وهن منه العظم و أشياء أخرى .. ثروة إبنها الحديثة التي هبطتْ عليه كما دعوة ليلة القدر المستجابة ، لم تغير طباعها .. بل زاد كرمها على كرمها القديم ... و إنبهلتْ يدها ... كرم جعل هؤلاء العمال يطمعون في كفيلهم ( الزول ) المشرف على العمال .. كان أول الغيث .. فهو من بني جلدة العمال ... تدلله الحاجة كثيراً .. و تقول كلما تراه : الخالق الناطق ( أسِّقْ )* سعدية أختي .. الفرق بس في شعرو السبيبي دة .. تناوله ما تطالها يدها من الريالات التي تجدها على طاولة إبنها .. و تدس له ما طاب من الطعام في أكياس النايلون .. و حتى لا يعكر مزاجها بأي شيء في هذه الغربة الجافة .. فقد تركها إبنها على سجيتها .. و حتى لا تجدد مبرراً لمعاودة نية الرجوع للسودان .. فهي كثيرة المرض و أحياناً التمارض إن غضبتْ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة