|
شيوعى يدافع عن الاخوان
|
رجاء النقاش
هناك إجماع أو شبه إجماع في الأوساط السياسية والثقافية في مصر على محبة المحامي والسياسي والمفكر نبيل الهلالي، وقد توفي نبيل يوم الأحد 18 يونيو الجاري، وودعه الآلاف في جنازة شعبية كبيرة، وفي هذه الجنازة رأيت الكثيرين من أصدقائه وعارفي فضله يذرفون على هذا الراحل الكريم دموعا حارة، ونبيل الهلالي لم يكن صاحب منصب أو نفوذ، ولكنه كان شخصية استثنائية في وطنيتها وإنسانيتها واندفاعها المخلص الصادق إلى خدمة الناس، خاصة الفقراء والمظلومين، وهم كثيرون، وكان نبيل من كبار أصحاب العواطف الصادقة الأصيلة والتي تتسع للناس أجمعين، حتى لمن يختلفون معه، ونحن عندما نكتب ـ أنا وغيري ـ مثل هذا الكلام عن نبيل الهلالي ونعيد قراءة ما كتبناه فإننا قد نظن بأنفسنا الظنون، وقد نحسب أننا نتكلم عن إنسان خيالي عرفناه في قصة من القصص أو أسطورة من الأساطير، ولكن الحقيقة ان «نبيل الهلالي» كان إنسانا عاش بيننا سنوات طويلة وعرفه الآلاف ممن وقف للدفاع عنهم أمام القضاء، ومن المعروف أنه حتى جميع القضاة الذين وقف أمامهم نبيل الهلالي كانوا ينظرون إليه في إجلال واحترام وإعجاب شديد، وذلك لأن هذا المحامي الذي أطلق عليه البعض بحق اسم «محامي الشعب» كان يتمتع بثقافة عالية، وكان صاحب أسلوب أدبي يجمع بين الجمال والبساطة في تقديم كل مرافعاته القانونية، أما الذين كان يدافع عنهم فكانوا يرون فيه نعمة من السماء أرسلها الله إليهم لرفع الظلم والمعاناة عنهم، وفي 90% من قضايا نبيل فإنه كان لا يتقاضى أجرا، بل كان يقوم بعمله متطوعا، خاصة إذا كان من يدافع عنهم من جمهوره الأساسي الكبير، أي من الفقراء وغير القادرين على احتمال تكاليف اللجوء إلى القضاء.
نبيل الهلالي هو ابن نجيب الهلالي باشا، وهو السياسي اللامع في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، وقد تولى رئاسة الوزراء مرتين، وكانت المرة الثانية منهما في يوم 21 يوليو سنة 1952، أي قبل قيام ثورة يوليو بحوالي ثماني وأربعين ساعة فقط، وقد استقال نجيب الهلالي عند قيام الثورة واعتزل الحياة السياسية، ولم يتعرض له أحد بأي اتهام، وكان الهلالي باشا من أثرياء مصر، وعند وفاته ترك ثروته لابنه الوحيد نبيل وابنته التي تزوجت من الطبيب الشهير الدكتور محمود محفوظ وزير الصحة الأسبق في مصر.
ماذا فعل نبيل الهلالي بثروته التي ورثها عن أبيه؟، لقد تنازل للفلاحين عن الأراضي التي ورثها، أما ما بقي من ثروته فقد عاش على جزء منه وأنفق أكثره على مساعدة من كان يراهم محتاجين للمساعدة.
كان نبيل الهلالي يستطيع أن يعيش في ثراء ورخاء، ولكنه اختار ان يعيش في بساطة واستغناء وأن يعطي حياته كلها لرسالته التي وهب نفسه لها ولم يتردد يوما في أدائها، وقد كان نبيل يعتنق الشيوعية ويعلن ذلك في وضوح ولا يخفيه أبدا، ولذلك فقد دخل السجن لسنوات عديدة، ولكن آلام السجن لم تنحرف بشخصيته عن رسالتها الإنسانية، ولم تجعله من الساخطين الحاقدين.
علما بأن من أعجب العجب، أن هذا الشيوعي الكبير كان يسارع دائما إلى الدفاع عن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين يتعرضون للاعتقال والمحاكمة، وكان الإخوان يحبونه ويحترمونه ويثقون به ويفضلونه على غيره كمحام لهم، ولذلك فقد سارع مرشد الإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف بكتابة نعي لنبيل الهلالي نشره ـ كإعلان مدفوع الأجر ـ في صفحة الوفيات بجريدة الأهرام، وقد جاء في نعي مرشد الإخوان لنبيل الهلالي ما يلي بالنص «محمد مهدي عاكف وإخوانه ينعون المناضل الوطني أحمد نبيل الهلالي الذي عاش ملتزما بقضايا الوطن مدافعا عنها متحليا بالصدق والأمانة وحسن الخلق، نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ولأهله الصبر الجميل، إنا لله وإنا إليه راجعون».
هذه أول مرة ـ فيما أعلم ـ يقوم فيها مرشد الإخوان المسلمين بكتابة نعي بهذه العاطفة وهذا الحماس لشخصية كانت معروفة من الناحية الفكرية بأنها على النقيض من الإخوان المسلمين،
|
|
|
|
|
|
|
|
|