|
الطيب زين العابدين يطالب المجلس الوطنى بالتحقيق فى قضاياالتعذيب التى اثارها فاروق محمد ابراهيم
|
المجلس الوطنى والعافية السياسية د. الطيب زين العابدين بدأ المجلس الوطنى يكتسب عافيته السياسية بالتدرج، وذلك بممارسة مهمته الرئيسة فى مراقبة الجهاز التنفيذى وإثارة المسائل التى تهم الجماهير، ما عاد المجلس يبصم على كل ما تقدمه له الحكومة من قوانين وسياسات شأن برلمانات الإجماع السكوتى، وصار يطلب المعلومات والتقارير ولا يكتفي بالبيانات الوزارية المبتسرة، بل وتجرأت قيادته على انتقاد الوزراء لعدم حضورهم الجلسات وتقديمهم البيانات المطلوبة منهم. ولأول مرة منذ أن بدأت برلمانات حكومة الانقاذ الماضية يصبح للبرلمان دوره في التأثير على مراجعة القوانين والسياسات. وبالرغم من أن المجلس الحالى جاء معيَّناً في أعقاب اتفاقية السلام الشامل، فهو لا يملك شرعية التفويض الشعبي الانتخابي إلا أنه استمد شرعيته من الاتفاقية التي أوقفت الحرب ووجدت قبولاً واسعاً من فئات الشعب المختلفة رغم الانتقادات الوجيهة التي أثيرت ضدها، ومع ذلك فهو أكثر تمثيلاً للقوى السياسية من أي برلمان آخر في عهد الانقاذ. كانت ضربة البداية عندما اعترض المجلس على بعض المراسيم الرئاسية «قانون العمل الطوعي وقانون التعليم العالي وقانون القوات المسلحة». التي أعدت على عجل «سلق بيض»، واضطرت الحكومة الى سحبها واعادتها الى مجلس الوزراء حتى يراجعها وفقاً للملاحظات التى أبديت عليها ولعب دكتور غازي بكفاءة عالية دور المحلل بين البرلمان ومجلس الوزراء فمرت الأزمة بسلام، وما كانت البرلمانات الماضية تجرؤ على مثل هذه الخطوة. وأخيراً أقدم المجلس الوطني على رفض بيان وزير الداخلية، بالرغم من أنه أفضل بكثير من البيانات السابقة للوزارة، فقد كان أكثر شفافية وأدسم بالمعلومات، مما اضطر رئاسة المجلس الى أن تعيده الى لجنة الدفاع والأمن للنظر فيه مجدداً وفقاً للملاحظات التي ذكرت. وقامت لجنة الدفاع والأمن بتشكيل لجنتين لمواصلة تقصي الحقائق حول الوثائق التي قدمها النائب الكبير علي محمود حسنين الذي أثار السؤال حول مباني جامعة الرباط، وقيل إن اللجنة الأولى مناط بها استجواب وزير الداخلية السابق الفريق عبد الرحيم محمد حسين حول ما نسب إليه في الوثائق المقدمة من اتهام بتورطه في قضية مباني الرباط، واللجنة الأخرى مختصة بتقصي القضايا حول المباني التي نفذتها الشركة المعنية. ولو كانت اللوائح البرلمانية تسمح، فإني أقترح على لجنة الدفاع والأمن أن تجعل استجوابها مفتوحاً للجماهير ولوسائل الاعلام، فإن ذلك أدعى لتفعيل التحول الديمقراطى بتقوية النظام البرلماني ولإضفاء الشفافية على قرارات الدولة ولتدعيم أركان الحكم الراشد. وهي تعطي بذلك الوزير الفرصة كاملة لتبرئة نفسه أمام الناس، فقد استنكرت مجالس الخرطوم إعادة تعيينه وزيراً للدفاع مترقياً الى رتبة فريق وعزت ذلك لا لبراءته مما نسب إليه من تهم ولكن لعلاقته الخاصة برئيس الجمهورية الذى يأخذ عليه الناس عدم اهتمامه بالتحري فى قضايا الفساد الذى تفيض بالحديث عنها المجالس وتوثقها تقارير المراجع العام، مثل طريق الانقاذ الغربي والاتفاقية الحصرية لبيع المواشي وبيع الأسمنت الفاسد واختلاسات المال العام وغيرها... ويتهم كثير من الناس المتابعين لظهور أولياء النعم الجدد في مجالات الاقتصاد المختلفة والمراقبين لتشييد المباني المتعددة الطوابق في أنحاء الخرطوم حكومة الانقاذ بأنها أكثر الأنظمة فساداً منذ بداية الحكم الوطنى في منتصف الخمسينات! وأثار بعض أعضاء المجلس مسائل مستعجلة تخص عدادات الدفع المقدَّم والتحقيق فى إطلاق الشرطة النار على المتظاهرين في أمري مما أدى الى مقتل وجرح أكثر من عشرين مواطناً. ولم تكن المجالس السابقة تثير شيئاً من هذه القضايا لأنها فى الأصل ولدت بعملية قيصرية، جاءت بترشيح من الحكومة وبتمويل منها وبدعاية وتنظيم أسهمت فيهما أجهزة الدولة المختصة، وفى ظل مقاطعة من كل الأحزاب السياسية الفاعلة، لذلك استحقت بجدارة لقب برلمانات الاجماع السكوتى! ولم يأبه الناس لما يدور فى تلك البرلمانات وتجاهلتها أجهزة الاعلام بما فيها الأجهزة الحكومية. وليت حزبي الأمة القومي والمؤتمر الشعبي اشتركا في عضوية المجلس الوطني الحالي ولو بالنسب المبخوسة التي أعطيت لهما، فقد برهنت الأيام أن أغلبية الحكومة الميكانيكية في المجلس لم تشفع لها في تفادي المساءلات القوية التي جوبهت بها داخل القاعة ولم تنقذها من التصويت ضدها مثل ما حدث في تقرير وزير الداخلية، فالحق له قوى ذاتية تعدى من يقاربها من ذوي الضمائر الحية ولو كان من حاشية السلطان! ونرجو أن يواصل المجلس الوطنى استرداد عافيته السياسية بفتح الملفات الحساسة المسكوت عنها مثل ملف الإحالة الى الصالح العام، وملف تعذيب المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم قضية الدكتور فاروق محمد ابراهيم الذى يعرف بالاسم الذين اعتقلوه وعذبوه وقدم لهم عرضاً كريماً بأن يعفوا عنهم إن اعتذروا عن فعلتهم فأخذتهم العزة بالإثم أن يعتذروا فقد ظنوا أنهم أكبر من العدالة ولكنهم فى ذات الوقت أضعف من أن يستقيلوا من مناصبهم النافذة، وكتب الدكتور فاروق متظلماً الى رئيس الجمهورية منذ أن خرج من السجن في أول التسعينات فلم يتلق رداًً الى يوم الناس هذا، وملف مقتل الشرطة لأكثر من عشرين شخصاً في بورتسودان فقد صمتت لجنة التحقيق التي كوِّنت ولم يعرف الناس نتيجة ذلك التحقيق ولا ما ترتب عليه، ولا يعني الوصول الى تسوية في سد مروي أن يسكت البرلمان عن التحقيق في مقتل وجرح المواطنين، وما هي الأسباب التي أدت الى ذلك وكيف يمكن تفادي مثل هذا في المستقبل. إن النظام الديمقراطى يستمد قوته ليس فقط من شرعيته الإنتخابية النزيهة ولكن أيضاً من تفاعله مع القضايا التى تهم الجماهير حتى يستند على دعمهم التام له فلا يقفون متفرجين حين تدق المزيكة ويعلن البيان رقم واحد! عن الصحافة 21/5/2006
|
|
|
|
|
|
|
|
|