البروفيسور أحمد شبرين يكتب من وحي معرض (اللون بذرة الخلاص) للتشكيلية عايدة محمد سيد أحمد إحدى لوحات المعرض تماثل أسلوب الفنان الأمريكي جاكسون بولوك
في معرض الفنانة التشكيلية عايدة محمد سيد أحمد وهو المعرض الذي تشرفت بافتتاحه في أمسية السبت 6 مايو 2006م بالمركز الثقافي الألماني (جعله الله مركزاً باقياً لخدمة التشكيليين السودانيين وللذين يحبون تعلم اللغة الألمانية) هذا هو العنوان المعرض وفي حاشيته يستطاب الحديث عن أشياء وخصوصاً عندما تنصحنا الفنانة - وتقول لنا (لا نبتئس) في صباح ذلك اليوم في أول إسبوع من شهر مايو 2006م طرق باب منزلنا زائر.. جاءت إليّ زوجتي لتخبرني بأن زائرين عند الباب - وقد أذنت لهما بالدخول - وهما الآن يجلسان في فناء المنزل...نزلت من فوري لاستقبالهما والتعرف عليهما ومعرفة الموضوع الذي يهم في هذه الزيارة المبكرة في أول صباح اليوم. ..بعد اللقاء والترحيب بالزيارة، عرفني أحدهما عن اسمه وعن اسم صاحبه... قائلاً أنا عبد الله الطاهر وهذا نزار صديقي... كررت الترحيب بهما وآملاً في بدء الحديث عن الأمر الذي يهم في هذه الزيارة. قدم لي الأخ عبد الله كرت دعوة - للمعرض التشكيلي لأعمال زوجته الفنانة عايدة محمد سيد أحمد... متبعاً الكرت بدعوته لي أن أوافق على قبول الدعوة لافتتاح المعرض وقبل أن أبادر بالرد لقبول الدعوة بدأت في التعرف على النص المكتوب الكرت - رغم أن صيغ الدعوات لافتتاح المعارض عندنا في الخرطوم صارت متقاربة النصوص والكلمات -حتماً إن كثيرين صاروا لا يحفلون بالنص المكتوب - وهم فقط يهتمون بأمرين: مكان المعرض والتوقيت الزمني! لكن الذي قرأته في كرت معرض الفنانة عايدة قد استوقفني.. وذلك لسببين؛ الأول هو الشعار الذي يقدم للمعرض وهو (اللون بذرة الخلاص)... ثم وعلى الصفحة الثانية نص أقرب إلى الشعر النثري منه إلى قطعة نثرية أدبية منتقاة...لقد شغلني هذا النص كثيراً - إذ فوجئت بشئ لم يصادفني في صيغ الدعوات لافتتاح معرض من المعارض وأنا أعلم، وفي السنوات الأخيرة، كنت دائماً اعتذر لمن يطلب مني أن افتتح له المعرض - أو ألبي الدعوة لحضور مناسبة الافتتاح...لم يكن ذلك تكبراً، أو تقليلاً من قيمة المناسبة فكرياً أو جمالياً.. السبب الأول أنني قررت عدم الخروج في ساعات المساء نسبة لعدم قوة الإبصار ليلاً.. وكنت أفضل دائماً أن أعد بزيارة المعارض في اليوم الثاني من افتتاح المعرض في الساعة الحادية عشرة والنصف - لقد وجدت في هذا التوقيت أكثر من فائدة.. الأولى: أنني استطيع أن أقف على كل عمل للمدة التي يستحقها العمل. ثانياً: أنني أجد وقتاً للقراءة المتأنية، تسعفني للمقارنة بين المعرض الذي أشاهده والمعارض التي تيسر لي الوصول إليها - فهذه القراءة بالنسبة لنا نحن (الجيل الأول) من التشكيليين السودانيين هي ضرورة ملزمة بـ(النطق) نطقاً صحيحاً عن الجوانب القيمية الجمالية في الفن التشكيلي - خصوصاً في هذا الوقت المعاصر الذي أحب فيه الناس الفنون -إما حباً عن دراية أو نقداً ببرهان قائم على قياسات علمية جمالية...ولكي لا أطيل في هذا التقديم أرى أن أرجع بكم إلى النص الذي قدمت به عايدة لمعرضها..كتب قائلة: وإذا اللون أهداك مفتاح المساء... كن ريشة.. كن لوحة.. حتى يستفيق الضوء في عينيك شوقاً... لا تبتئس.. قرأت هذا النص أكثر من مرة.. تصورته نصاً مقتبساً من قطعة نثرية أرادت بها عايدة حسن التقديم لمعرضها وفقاًَ لما تواضع عليه علماء البديعيات في علم البديع في الشعر وضروب البلاغة بمثل ما هو عند العالم المبدع ابن حجة الحموي ورفاقه في البديعيات.. ثم راجعت ظني وقلت: أرجو أن لا أظلم هذه الفنانة.. فلربما يكون هذا النص الأدبي في هذا النسق الجميل من قلمها هي وليس اقتباساً... وهنا تذكرت قولاً أذكره في بعض مناسبات التقديم، حيث كنت أقول: إن في كثير من التشكيل نجد شعراً وفي كثير من الشعر نجد تشكيلاً. ورغم ذلك لم أقطع برأي محدد في هذا النص المبتكر في كرت الدعوة هذا.. بقي السؤال عالقاً...ثم قلت: لابد أن أجد الإجابة الشافية عند (عايدة) صاحبة المعرض التي طبعت النص على كرت الدعوة. وحين جاءت لحظة افتتاح المعرض..بعد قص الشريط بدأت الحديث بالخدمة الجليلة التي صار يقدمها المركز الثقافي الألماني لأجيال الفنانين التشكيليين لنصف قرن دون انقطاع... بل على مزاملة هذا النشاط بتدريس اللغة الألمانية لمحبيها وأنا أعلم أن عدداً كبيراً من التشكيليين السودانيين قد جودوا اللغة الألمانية.. بل أعانهم ذلك على الانتقال إلى جمهورية ألمانيا.. وهم الآن يباشرون نشاطهم في مهنة التشكيل... يبدعون ويجدون كل التقدير من محبي الفن التشكيلي السوداني.. وإذا ما جاء هذا القول بالنسبة للمركز الثقافي الألماني... يمكن أن يقال مثله للمركز الثقافي الفرنسي والمجلس البريطاني... وهنا يتوجب علينا أن نذكر كل موقع هيأ موضعاً لخدمة الثقافة السودانية... فعندي أن الفن التشكيلي هو المؤشر الحقيقي لقوة الثقافة السودانية في الحياة السودانية عامة. أرجع إلى قصة اهتمامي بالنص الذي طبتعه على كرت الدعوة.. ولكي أصل الى الإجابة، قرأت هذا أمام الزوار الكرام الذين جاءوا لمعاينة الأعمال...سألت الفنانة عايدة: عايدة هل هذا النص الذي تم اختيارك انت؟ أم هو مقتبس من جهة أخرى؟ أجابت عايدة: نعم هذا النص من اختياري.. وكتبته خصيصاً لمعرضي هذا. نعم... هكذا جاءت الإجابة صريحة، وهو ما زاد إعجابنا بالفنانة من حيث الجهد في مجال الفن التشكيلي ثم قدرتها التحريرية على مستوى الإبداع اللغوي الشعري... أو قل اللغوي الأدبي النثري...فهذا النص يملك أشياء كثيرة ممتعة تصلح أن تبقى رصيداً ممهداً لأهل الثقافة.. خصوصاً للذين يكتبون الشعر أو النصوص المسرحية..إلخ أما الأعمال الفنية التشكيلية التي عرضتها عايدة فتنقسم إلى ثلاثة اتجاهات: 1- الانبطاعية التجريدة اللونية، وهو أسلوب يعوّل على النسق اللوني غير المتدرج، وهو يعتمد على الصيغة المركبة من لونين أو أكثر يكون بينهما اختلاف في قيمة وقوة (الموجة) الضوئية...كاستعمال اللون الأزرق مع اللون الأحمر. 2-أما الاتجاه الثاني، فهو التعيد بالبنائية اللونية بوسطية قوة الألوان، وهذا ما يعطي اللوحة قوة التماسك لمصلحة التعبير تشكيلياً دون التقيد بالموضوعية الطبيعية في الرسم.. وهذا الاتجاه هو عينه الذي يعين (الصياغة) الأدبية الشعرية بمثل ما تبين لنا في الصيغة التي قدمت بها عايدة لكرت الدعوة.. وهنا يتصادف التشكيل مع الشعر. أما الاتجاه الآخر في الأعمال فينقسم إلى قسمين: أ-قسم يعتمد على التكوينات الغرافيكية دون الركون إلى الصيغ الوضعية.. وهنا يظهر إمكان التحكم بقوة على عناصر المكونات في تماسكها دون الاعتماد على معالجة وضعية طبيعية.. كل ذلك يعتمد على استنطاق تكوينات التصميم بالسيطرة على المساحة التي يتموضع عليها التصميم..اعتقد أن هذه الصياغة في التعامل بفن الغرافيك تمثل رصيداً كبيراً لـ(التحرير) الثقافي الأدبي. ب- بعض الأعمال تعتمد على البعد (الثالث) دون إظهار هذا البعد بالطرق الواقعية في النسج العام للألوان وقد اعجبتني اللوحة ذات التمثيل الدرامي وهي: لقد وجدت تشابهاً كبيراً بين الأسلوب في هذه اللوحة والأسلوب الذي كان يعتمد عليه الفنان الأمريكي جاكسون پولوك خصوصاً في لوحته الزيتية الرائعة التي سماها (لون ضبابية المحيط) ocean Grayness وتأريخ هذه اللوحة عام 1953م فالأسلوب هنا انطباعي تعبيري يستلف قوته من قوة الوحدات المتداخلة المتماسكة في صياغة العمل الفني... أخيراً وليس آخراً شكراً للفنانة (عايدة) على هذا الجهد الذي أعاننا أن نتعرف عليه مقارناً مع أعمال الفنانين في البلدان الأخرى...
ب.أحمد محمد شبرين مدينة الرياض - الخرطوم - مايو 2006م ــــــــــــ * نقلاً عن مجلة أوراق جديدة العدد (12)
06-17-2006, 07:18 AM
عبد الله إبراهيم الطاهر عبد الله إبراهيم الطاهر
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 616
يا سلام يا عبدالله مقال رائع زي ده و من قامة كبروف شبرين و فيهو شهادة واضحة و عظيمة بموهبتها الكبيرة مين قدك يا عايدة ! تستاهل أكتر والله أم رذاذ المبدعة تحياتي ليها و لرذاذ أجمل لوحه ! و ان شاء الله نشوفكم قريب هناك
06-17-2006, 07:54 AM
Tumadir Tumadir
تاريخ التسجيل: 05-23-2002
مجموع المشاركات: 14699
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد الله إبراهيم الطاهر
Tumadir
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست