|
Re: الحاج ورّاق يكتب حول مهمة هيئة جمع الصف الوطني : ما بعد الخطوط الحمراء! (Re: مكي النور)
|
ما بعد الخطوط الحمراء! (2-2)
الحاج وراق كُتب في: 2006-10-15
* من موجبات الحوار الوطني واقع اننا جميعاً في مأزق، وليس من اجابات سهلة على القضايا التي يطرحها هذا الواقع المأزقي! وأما مأزق المعارضة فعجزها عن ازاحة النظام بوسائل مأمونة ـ فقد تغيرت تركيبة العاصمة السكانية، وتغيرت تركيبة القوات النظامية، والانتفاضة الشعبية ـ الاداة المجربة لازاحة النظم الاستبدادية ـ انما تحدث بجماع حركة الشارع وانحياز القوات المسلحة لها، ولكن في الوضعية الحالية، ما من قوة سياسية منظمة قادرة على تأطير الشارع، فإذا انفجر فلا ضمان بألا ينزلق الى اصطدامات عرقية وجهوية! وفي المقابل، فإن معاندة الانقاذ لأي اصلاح اقتصادي اجتماعي، واستهانتها بقضايا المهمشين الملتهبة، بما في ذلك في العاصمة، وتوهمها بإمكان حفظ الامن بمجرد الاجراءات الامنية ـ بزيادة الاطواف واظهار القوة والكشات ـ مثل هذه الوسائل خلاف عدم كفايتها، فإنها توصف المشكلة توصيفا خاطئا، وبالتالي لن تقدم الا المعالجات الخاطئة، ولكن الاخطر انها في الوقت الذي تعطي انطباعا زائفا بحل المشكلات، فإنها كذلك تخلق مرارات اضافية واستفزازات شبه يومية، وبالنتيجة فإن معاندة الانقاذ، اذا تركت لحالها، فإنها ستقود حتماً الى ذات الانفجار الذي يخشى منه على البلاد! * والمأزق قائم، حتى ولو سلمت المعارضة بعجزها واسلمت قيادها للخارج كي يحقق لها اجندتها، ذلك ان القوة النافذة حاليا في المجتمع الدولي هي الولايات المتحدة، وهي الاخرى قد اختطفها اليمين الجديد، وليس الا الواهمون الذين يرجون تحقيق الاجندة الديمقراطية في السودان بواسطة هؤلاء، فايديولوجيتهم تقوم على تجاهل المطالب الاجتماعية حتى في بلادهم! دع عنك منافقتهم اللفظية، فلاتزال نيو اورلينز التي ضربها اعصار كاترينا قبل عام تنتظر اعادة الاعمار، فكيف بدارفور؟! واما مدى التزامهم بحقوق الانسان فقد اختبر في (ابو غريب) و(غوانتنامو)، بل وفي داخل الولايات المتحدة بقانون الوطنية!! والأنكى من كل ذلك ان لهم روابط عضوية ـ عقائدية واستراتيجية وسياسية ـ بالصهيونية ولهذا فإن سياستهم المعتمدة تجاه المنطقة هي (Fragmentation) أي رد المجتمعات الى انتماءاتها الاولية ـ العرق، الطائفة، الدين ـ وبذلك فإنهم لا يتناقضون مع مطلوبات التحول الديمقراطي ومع القيم المدنية، وحسب، وانما كذلك مع وحدة بلدان المنطقة، خصوصا وحدة بلاد كالسودان، قابلة اصلا للتفكيك! * واذا كانت المعارضة في مأزق، فإن لديها فضيلة استشعار مأزقها، واما الانقاذ فإنها في ذات الوضعية، ولكن الأسوأ انها لا تقر بمأزقها، بل ولا تدركه تمام الادراك! خذ خيارهم المعلن بمواجهة المجتمع الدولي وبقيادة المقاومة ضد الولايات المتحدة، ودع عنك مدى التفاف السودانيين حول هذا الخيار، ولكن المواجهة تختلف من موقع الدولة عن المقاومة من ارضية حركة اجتماعية، ولايضاح الفرق يجدر التأمل في مأزق حماس بعد ان تحولت الى سلطة حاكمة، لقد عجزت عن صرف رواتب موظفيها، ولذا لم يكن مفاجئاً ان يتظاهر ضدها الذين انتخبوها! والدولة السودانية في حالة انكشاف شديد، فخلاف ضعف قدراتها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، تعاني تفككا في الموقف السياسي وفي النسيج الاجتماعي، وبالتالي فإنها عاجزة عن الصمود في مواجهة متناسبة، دع عنك مواجهة غير متناسبة كمثل المواجهة مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة! اذن فالمقاومة الوحيدة الممكنة مقاومة خارج الدولة، أي كحركة اجتماعية، فهل تستطيع الانقاذ مبارحة موقعها في الدولة والتحول الى حركة مقاومة؟! لو ان القوى الاجتماعية التي تسندها قادرة على مثل هذا الخيار لما ثارت ازمة اصلا في البلاد!! * وهكذا فإن الانقاذ كدولة لا تملك أسلحة حقيقية للمواجهة، صحيح انها تملك سلاحا يتيما، هو قدرتها وتهديدها بإغراق البلاد في الفوضى، ولكنه سلاح بائس، ليس من الوجهة الاخلاقية، وحدها ـ وتأمل في سلطة حاكمة تهدد الآخرين بإغراق بلادها في الفوضى(!)، ولكنه بائس كذلك من حيث النتائج العملية، ذلك انه اذا كانت بعض الدوائر الرسمية في الولايات المتحدة تخشى من الفوضى في السودان لدواعي سياسية وانسانية، فإن هناك مجموعات عديدة تضغط على القرار الرسمي كي تتخذ الفوضى كاستراتيجية، بل وتنظر لها باعتبارها (فوضى خلاقة)، تحقق بها اهدافها الاساسية في البلاد - كفصل الجنوب ، وربما دار فور، وتصفية الحركة الاسلامية من جذورها، كمقدمة ضرورية لالحاق البلاد بمشروع الشرق الاوسط الموسع، الذي يشترط (التطبيع) وقبول قيادة اسرائيل للمنطقة! ثم اذا اندلعت الفوضى، فيمكن لمعارضي الانقاذ ان يحزموا امتعتهم ليلجأوا الى دول الجوار، ولكن اي جوار يقبل بقيادات الانقاذ؟! اذن فتهديد الانقاذ بالفوضى لا يشف عن عدم مسؤولية تجاه مصائر البلاد وحسب، وانما كذلك عن ذهول من حقائق العالم المعاصر، تماما مثل (ديك المسلمية): يكشنوا في بصلتو وهو يعوعي!! * ويتعدى مأزق الانقاذ المجموعة المتنفذة الى تيارها بكامله، فقد صادرت الديمقراطية بوهم امكان احتكارها للسلطة كحركة، ولكن بديناميات الصراع السياسي، تم اختطاف الحركة الاسلامية نفسها، وأهم ما كشفت عنه ازمة القرار 1706 ان القرار السياسي لم يعد ملكاً للحركة الاسلامية كحركة، وانما للمشير البشير ومعه مجموعة محدودة من عسكري الانقاذ! فإذا استمرت الانقاذ على نهجها الحالي القائم على المساومة مع الخارج على حساب الداخل، فما الضمانة بألا تدخل الحركة الاسلامية نفسها سوق المساومة؟! بل، وماذا تبقى في المزاد سوى رقبة حركتهم ؟! واذا ساومت الانقاذ بولائها المنظم فماذا يضمن بقاءها في الحكم؟! اذن فخيارات الانقاذ- على عكس ما تتصور المجموعة المتنفذة - كلها خيارات مأزقية!! * والمخرج الوحيد لأهل السودان قبول الاجندة الديمقراطية، ولكن مما يؤكد تعقيد الوضعية القائمة، ان هذه الاجندة تتطلب قبول مبدأ التداول السلمي للسلطة، ولكن بالنسبة للمجموعة المتنفذة فإن (الكنكشة) مسألة حياة أو موت، ذلك ان استمرار الامساك بالسلطة يشكل ضمانة حاسمة لأناس تثور اتهامات جدية عن ارتكابهم لجرائم حرب ولانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، اضافة الى توظيفهم موارد البلاد لمصالحهم الشخصية، فهل من فكاك؟! وهل يستطيع الاسلاميون الآخرون الانفكاك من حالة الارتهان للمجموعة المتنفذة؟! أم ترى انهم، وبحكم احساسهم بالتهديد، وخيوط المصالح المتعددة والمتشابكة التي تربطهم بالمجموعة المتنفذة، سيوحدون مصائرهم بمصائرها ويبددون استثماراتهم السياسية لأكثر من أربعين عاماً؟! تلك في تقديري القضايا الحقيقية التي لا يمكن التهرب منها في حوار جدي، فهل تستطيع (هيئة جمع الصف الوطني) وضعها ضمن أجندتها؟! أشك كثيراً في ذلك!! www.alsahafa.info
|
|
|
|
|
|
|
|
|