|
جنوب السودان : فساد بدون حبر ولا ورق
|
جنوب السودان : فساد بدون حبر ولا ورق تقرير: عارف الصاوي (الفساد في الجنوب محتمل بصورة مخيفة جدا، بسبب عدم وجود مؤسسات وفي نفس الوقت هناك اموال كثيرة جدا)، هذه اقوال منسوبة الى اسحق ديواني رئيس البنك الدولي في اثيوبيا والسودان في حوار اجريناه معه بجوبا في نوفمبر من العام الماضي ، وهو ما كاد يلقي بهذه المقولة حتي اردفها بنوايا رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان سلفاكير ميارديت عن عزمهم القضاء على الفساد ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت استفهاماتنا تعلو من وقت الى اخر عما يجري داخل اروقة حكومة الجنوب وصيحات الاتهامات تعلو بعد كل خلافات تحدث داخل الحركة الشعبية ، ففي الشهر الماضي اوردت الصحف خبرا عن استقالة وزير التعاون الدولي بحكومة الجنوب نيال دينق نيال ورغم ان الاسباب التي اوردتها الصحف على لسان نيال هي رغبته في اكمال الدراسة بلندن ، لكن همس المدينة لم يرحم احدا وتسربت انباء من جوبا عن خلافات مع حكومة الجنوب حول الفساد ، وفي احتفالات الحركة بعيدها الـ«23» خاطب رئيس حكومة الجنوب مجموعات من المؤيدين للحركة في الخرطوم عن الاموال التي خصصت لترحيل النازحين الى الجنوب، واشار الى ان المسؤولين الذين تسلموا الاموال تصرفوا فيها وهو سيلاحقهم لاسترداد هذه الاموال ، وامس الاول اصدر سلفاكير نفسه مرسوما وضع بموجبه والى غرب الاستوائية تحت الاقامة الجبرية بمنزله ريثما تنتهي التحقيقات معه بشأن اتهام بالفساد . اذاً ماهي حقيقة التسريبات في حكومة الجنوب بشأن الفساد ؟ولماذا يتحدث عنه الناس بكثافة فيما يشير الىه المسؤولون تلميحا او في اشارات موحية دون توجيه اتهامات محددة . فحينما تحدث معنا اسحق ديواني في جوبا نوفمبر الماضي كانت الحكومة لم تكمل هيكلها بعد ، وكانت قد دعت الى ورشة عقدت في جوبا شارك فيها وزراء حكومة الجنوب والولاة ووزراء المالىة بالولايات وذلك بغرض التدريب على اعداد الميزانيات وادارة الموارد ، وكما قال لنا ديواني في حوار نشرته «الصحافة» نهاية نوفمبر من العام 2005 انهم في البنك الدولي جاءوا خصيصا لمناقشة الميزانيات وتقديم خبراتهم الى الحكومة القومية وحكومة الجنوب ، وحينما قمنا مع زميلي علاء بشير بطواف على وزارات حكومة الجنوب لاحظنا ان الوزارات لم تكمل هياكلها بعد وان مبانيها فارغة من الموظفين ،وقتها كاد البرلمان ان يجيز ميزانية العام 2005 وذكر لنا نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار ان الميزانية تقدر بحوالى 450 مليون دولار ، وهذا ما اكده لنا فيما بعد (اي بعد اجازة الميزانية ـ وزير مالىة الجنوب )، ومع انه لم يمض على تكوين الحكومة المؤقتة اكثر من شهرين الا ان المواطنين بدأوا يتساءلون عن مشروعات التنمية وعن الطرق والمدارس ومع وجود فريق من البنك الدولي يدير صندوق التنمية الذي يفترض ان توضع فيه اموال المانحين وهو صندوق يصرف على المشروعات التنموية فقط ، وفعلىا بدأ ، الا ان السؤال لم يختف ، وقد لاحظنا وقتها ان المواطنين لم ينسوا وهم يتساءلون عن مشروعات التنمية ان الحركة الشعبية التي تدير حكومة الجنوب هي حركة ثورية دخلت الى الغابة حاملة للسلاح قبل اكثر من عشرين عاما وهي بالتأكيد ستعود علىهم بافضل حياة ، لكن هذا السؤال لن يصمد طويلا وهو متحكر في باب الاماني ، اذ سرعان ما يبدأ الناس يهمسون (اين اموالنا ؟واين حكومتنا؟واين الطرق وال........) وهذا ما بادرهم به الامين العام للحركة الشعبية ورئيسها ايضا بانهم على استعداد لمساءلة كل من تثبت ادانته او تورطه في قضايا فساد ، فحينما كنا في رومبيك ابريل الماضي اثناء اجتماعات المكتب السياسي للحركة الشعبية ، سألت الصحافية من الشرق القطرية صباح موسي فاقان اموم الامين العام للحركة عن الفساد في الجنوب ، وكنت اتوقع ان يثير هذا السؤال غضب فاقان لكنني فوجئت برد بارد لا يشبه طقس رومبيك باي حال من الاحوال ، وبعد ان حاول تأكيد انهم لا يمكن ان يتحدثوا عن الفساد لعدم وجود ادلة واضحة، استغل الوضع لتوجيه رسالة لم تخل من الغرض السياسي وهي للصحافة بان تراقب وتتحدث عن الفساد وتحقق فيه باعتبار انه الدور المنتظر منها ، وهنا بالضبط ندخل الى النقطة التي اثرتها مع الدكتور لوكا بيونق الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي (وهو قيادي بالحركة الشعبية ويشغل منصب سكرتيرها المالى )والذي فضل ان يتحدث مع «الصحافة» في حوار ينشر لاحقا بهذه الصفة (خبير) ، فلوكا يتحدث عن طبيعة النظام نفسه كيف يمكن ان يوطن الفساد بداخله ، فالذي لا يعتمد على الجماهير كقوة انتخابية فقطعا لن يبالى بانتشار الفساد ، وبصورة اخري فان الحديث عن الفساد (ربما حسب فقه البنك الدولي )هو نظام متكامل فاذا ما نشأ في دولة تعتمد على مورد اقتصادي واحد كالنفط مثلا فان خبراء الاقتصاد ينصحون باحترازات اكبر لمجابهة الفساد ، بهذه النقطة يمكن الرجوع الى الوراء قليلا حينما بدأ البنك الدولي ينشط في الجنوب وقتها كان اسحق ديواني يتحدث بصورة مخيفة معنا ونحن جلوس في فندق اكتوريا بجوبا في امسية نتجاذب اطراف الحديث مع كل من له شأن بامر المال والاقتصاد في حكومة الجنوب ، جاءنا اسحق ديواني ليتحدث عن احتمالات الفساد في الجنوب بصورة مخيفة ، واسباب ديواني التي ذكرها تتلخص في : عدم وجود مؤسسات مكتملة في الجنوب ، وفي ذات الوقت هناك اموال متدفقة علىه، ولسبب ما لم ينس سلفاكير قضية الفساد مطلقا حتي قبل ان يصعد الى رئاسة الحركة الشعبية بعد وفاة الدكتور جون قرنق ، ففي اجتماعات رومبيك الشهيرة 2002 والتي كادت ان تقود الى انقسام بين قرنق وسلفا سخر هذا الاخير وقتا طويلا من كلمته للحديث عن الفساد والمفسدين داخل الحركة الشعبية ، وحينما مات الدكتور قرنق اندفع سلفاكير الى منصة العزاء بجوبا بعد ان وجهت ربيكا قرنق رسالة الى الرئيس ونائبه (بمحاربة الفساد)وقالت اذا اردتم ان تهتموا لامر هذا الذي يرقد امامكم ، واشارت الى زوجها ، فعلىكم بمحاربة الفساد ومن ثم تعهد كلاهما بالقضاء علىه . وهذا ما اشار الىه ديواني لنا عندما قال ان سلفا اجتمع معهم اكثر من مرة وفي كل واحدة كان يطلب منهم دورا لمحاربة الفساد ، وبالفعل طلبت حكومة الجنوب من البنك الدولي ان يشارك في كافة المشروعات التي تنفذها الحكومة ، ومنذ البداية حاول البنك الدولي حسب ما اخبرني به موظف كبير في البنك انشاء هيكل لا يسمح بالفساد ، اما فيما يتعلق بالمشروعات فانها بحسب موظفي البنك الدولي تخضع لقوانين البنك والتي يتعذر معها الفساد كما يزعمون ، لكن النقطة الاكثر اثارة في الامر هي ان الفساد حلقات مرتبطة وفي نظام حكم مثل الذي اقرته نيفاشا فان تداخلات المال والاقتصاد بين الحكومة المركزية والحكومة الاقليمية في الجنوب كبيرة جدا ، وبالكاد تستطيع دورة الفساد ان تفلت من طريق دورة الاموال المركزية والاقليمية بحسب الخبير في البنك الدولي مجدي امين في حديث مع «الصحافة» الشهر قبل الماضي ، وبالعودة الى تصريحات فاقان اموم في جوبا نهاية الاسبوع الماضي بانهم لن يتساهلوا مع اي بوادر فساد في الجنوب وكما اعقبه من اتخاذ رئيس حكومة الجنوب مرسوما بايقاف والي غرب الاستوائية قيد الاقامة الجبرية لحين اكتمال تحقيقات بشأن تهم موجهة له بالفساد ، فان ذلك يعني وجود مؤشرات تدعو الى الخوف بمثل ما حذر مسؤول البنك الدولي ، وللتحقق من هذه المؤشرات اتصلنا بالخبير في البنك الدولي لوكا بيونق وهو ايضا مقرب من دوائر استراتيجيات المال والاقتصاد في الجنوب باعتبار انه كان مفاوضا رئيسيا عن الحركة الشعبية في ملف الثروة، واصبح فيما بعد عضوا فاعلا في لجنة تقدير احتياجات السلام المعروفة اختصارا (بالجام)ومن ثم لم تتكون لجنة في هذا المجال في حكومة الوحدة الوطنية الا وكان لوكا واحدا من اعضائها ، ووجدنا عنده حماسة للحديث باعتبار ان الموضوع يقع في دائرة اختصاصه وذهبنا الىه قبيل سفره في مهمة خاصة الى اوسلو بفندق الهيلتون ،هناك تجاذبنا اطراف الحديث في هذا الملف الحساس ، بحسب تعبيره. واتخذ في البدء لوكا مدخلا نظريا مهما للفساد فهو يري ان الفساد قابل للانتشار في اية حكومة لا تري في الشعب مصدرا لقوتها ، لكن لوكا عندما ذهب من البنك الدولي ليلقي نظرة على ميزانية 2005 لحكومة الجنوب وجد ان وزارة المالىة قد عينت شركة عالمية (هي شركة كي بي ان جي الكينية) لتنظر في الصرف من ميزانية العام 2005 وكانت النتائج التي خرجت بها هذه الشركة انه لا توجد مؤشرات فساد في الصرف لكنها بالمقابل لاحظت وجود خلل في النظام المالى والمحاسبي بحكومة الجنوب وتعاني من الضعف ، وخلاصة رؤيته انه اذا كان مع الضعف في النظام المالى لم تلاحظ الشركة مؤشرات فساد فانه قطعا هناك حالة جيدة لو اخذنا بنصيحة الشركة وما قيل لنا ايضا في مؤتمر المانحين في باريس فبراير الماضي بضرورة انشاء نظام محاسبي جيد.
|
|
|
|
|
|