حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 02:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-12-2005, 11:55 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم

    الدكتور عبدالله إبراهيم
    المركزيات الثقافية،والهوية،والسرد




    هذا الحوار أجراه عبد الجبار الرفاعي وعزيز بوحيد
    لمجلتي الاختلاف وقضايا إسلامية معاصرة
    ونشر متزامنا فيهما



    vبين كتابكم (التفكيك:الأصول و المقولات)الذي صدر في 1990وكتابكم(المركزية الإسلامية)الذي صدر في 2002،مرورا بـ( المركزية الغربية)الصادر في 1997،و(عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين) الذي صدر في 2001،يلاحظ وجود جسر تحرصون عليه يربط بين الركيزة النظرية والبحث التطبيقي،فما الذي ترمون إليه في ذلك وأنتم تفككون أنساقا مغلقة في المركزيات الثقافية؟

    vهذا الترابط الذي تشيرون إليه هو ركيزة أساسية تتصل بمنهج البحث والرؤية النقدية التي يقوم عليها التحليل المتبع في هذه الكتب أو كل تحليل أمارسه للنصوص الثقافية العامة أو الأدبية الخاصة،ولكن ليس هذا المهم ،لأنه أصبح جزءا من لوازم التفكير والبحث والتحليل بالنسبة لي،إنما المهم تتبع مصادرات المركزيات الثقافية التي تحبس نفسها في أنساق ثقافية مغلقة.فيؤدي ذلك إلى مطابقة مع النفس لا تتقبل الاختلاف،فتلتبس صورة الأنا والآخر على حد سواء.فيصعب تخليص صورة الآخر من الآثار المباشرة التي تتركها عليها الثقافة المتمركزة على نفسها، وفي مقدمة تلك الصور:الدونية والانتقاص.

    vما الموجّهات التي تدخلت في كل هذا؟ألا تجد أن هذا يتصل بالماضي،وقد تم تخطّيه؟

    v كان هذا التصور كامنا في صلب الثقافات الوسيطة،ولم تتمكّن الحضارات الحديثة من التخلّص منه بصورة تامة،إذ مازال فاعلا في توجيه المواقف والأحكام،وتحديد طبيعة المنظورات التي تنظر بها المجتمعات إلى غيرها؛ذلك أن العصر الحديث لم يفلح في التخلّص من مؤثرات الماضي،كما ينبغي،وهو في كثير من الحالات يعاد بعث الصور والأحكام القديمة التي كوّنتها ظروف تاريخية مختلفة،فتبني عليها مواقف يرغب فيها، ويحتاج إليها في نزاعاته ذات الأوجه المتعددة،وعلى نحو خاص نزاعات الهويات الثقافية.

    ولئن ذوبت نزعات الحداثة والعولمة بعض التخوم الرمزية الفاصلة بين التجمعات العرقية والعقائدية،وفكّت الانحباس التقليدي المتوارث فيها،فأنها بذرت خلافا جديدا تمثله مفاهيم التمركز والتفوق والتفكير بسيطرة نموذج ثقافي على حساب آخر،وهو أمر نشّط مرة أخرى المفاهيم التناقضية-السجالية التي تخمّرت في طيّات القرون الوسطى،وصارت تُبعث اليوم بصورة إشكاليات الهوية والخصوصية والأصالة.وينبغي التأكيد على أمر يكاد يصبح قانونا ثقافيا،وهو أن البطانة الشعورية-العقائدية،وهي تشكيل متنوّع من تجارب الماضي والتاريخ والتخيّل والاعتقاد واللغة والتفكير والانتماءات والتطلعات،تؤلّف جوهر الرأسمال الرمزي للتجمّعات المتشاركة بها،أقول إن تلك البطانة المركّبة تعمل على جذب التجمعات البشرية الخاصة بها إلى بعضها،وتدفع بها إلى قضايا حساسة وشائكة لها صلة بوجودها،وقيمها،وآمالها،وقد تتراجع فاعليتها التأثيرية في حقبة بسب ضمور فاعلية عناصرها،لكنها قابلة للانبعاث مجددا في حالة التحدّيات والتطلّعات الحضارية الكبرى.ولا يُستبعد أن تُغذّى بمفاهيم جديدة تدرج فيها من أجل موافقة العصر الذي تتجدّد فيه.

    وهذا هو الذي يبعث التفكير ثانية في الماضي الذي يصبح حضوره ملحّا حينما تشرف المجتمعات على حالات تغيير جذرية في قيمها وأخلاقياتها وتصوراتها عن نفسها وعن غيرها.ينبثق تفكير ملح بالماضي حينما يكون الحاضر مشوّشا،وعلى عتبة تحولات كبيرة أما بسبب مخاضات تغيير داخلي أو بفعل مؤثرات خارجية.ويهمنا كثيرا في هذا السياق تحليل واقع المجتمعات الإسلامية،وإبراز حالة التوتر العميقة التي تعيشها،فلا تجد نفسها قادرة على الأخذ بالاختلاف أخذا ثقافيا.فهي تعيش في الوقت الحالي ازدواجاً خطيراً تختلط فيه قيم روحية رفيعة وقيم مادية منحطّة،ولم تفلح أبداً في فك الاشتباك بين الاثنين على أسس عقلية واضحة.فالقيم الأولى حبيسة النصوص المقدّسة وحواشيها،وقد آلت إلى نموذج أخلاقي متعال يمارس نفوذاً يوجّه الحاضر انطلاقاً من الماضي،أما القيم الثانية فقد غزت الحياة بشتى جوانبها،باعتبارها إفرازات مباشرة لنمط العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في العصر الحديث،وبالتحديد بفعل المؤثر الغربي.وهكذا فقد اصطدمت وتداخلت جملة من القيم المختلفة في مرجعياتها ووظائفها،فلم تعد تلك المجتمعات قادرة لا على الدخول إلى قلب الحداثة ولا الانفصال عن الماضي.

    vهل تم هضم هذه القيم المتعارضة في العالم الإسلامي؟ وما صلة ذلك بالهوية؟

    v مع الحرج العلمي الذي يسببه مصطلح العالم الإسلامي،لأن استخدامه سيتأدى عنه منطقيا الحق في وجود عوالم مسيحية ويهودية وبوذية وكونفوشيوسية وغير ذلك،فمن أجل إيضاح هذه القضية بالتفصيل،لابد من القول بأن هناك زمنين يحملان قيماً ثقافية مختلفة يتواجهان في وسط هذا العالم الكثيف بشرياً:العالم الإسلامي-بوصفه منظومة ثقافية-الذي لم تستطع شعوبه أن تنجز فهماً تاريخياً متدرّجاً ومطوّراً للقيم النصيّة الدينيّة،بما يمكّنها من إدراج تلك القيم في صلب السلوك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي،ولم تستطع في الوقت نفسه هضم كشوفات العصر الحديث في كل ما يتصل بالحياة والمشاركة فيها.وبعبارة أخرى فإنها لم تتمكّن من إعادة إنتاج ماضيها بما يوافق حاضرها،ولم تتمكّن أيضاً من أن تتكيّف مع الحضارة الحديثة المنبثقة أساساً من الغرب.

    وعلى هذا فقد انشطرت بين قيم نصية متعالية وقيم غربية،وحينما دفعها سؤال الحداثة إلى خانق ضيق،طرحت قضية الهوية،كقضية إشكالية متداخلة الأوجه.فالقائلون بالهوية التقليدية المميزة قدّموا قراءة هشّة للإسلام تقوم على فهم مدرسي ضيّق له يعنى بالطقوس والأزياء والتمايز بين الجنسين والحلال والحرام والطهارة والتكفير والتحريم،والتأثيم الدائم للنفس،وحجب فعالية العقل المجتهد،والذعر من التحديث في كل شيء،وإخضاع الكون والبشر لجملة من الأحكام،التي يسهل التلاعب بها طبقا لحاجات ومصالح معينة،وإنتاج أيديولوجيا استعلائية متعصّبة لا تأخذ في الاعتبار اللحظة التاريخية للشعوب الإسلامية،ولا العالم المعاصر،ولا تلتفت إلى قضايا الخصوصيات الثقافية والدينية والعرقية للأقليات،وسعوا إلى بعث نموذج أنتجته تصورات متأخّرة عن الحقبة الأولى من تاريخ الإسلام،نموذج يقوم على رؤية تقديسية للأنا،يحبس الإسلام في قفص ذهبي،دون أن يسمح له بالتحرّر من سطوة الماضي،وينخرط في التفاعل الحقيقي مع الحاضر.وحجبوا عنه القيم الكبرى التي اتصف بها كنسق ثقافي يقر بالتنوع والاجتهاد،ويحثّ على التغيير والتجديد.

    سوف يصطدم هؤلاء بحقيقة لا يمكن تذويبها،وهي:أنه ليس من الصعب فقط استدعاء نموذج أنتجته سجالات القرون الوسطى وفروضها وتعميمه على الحاضر،إنما من المستحيل تطبيق فهم مختزل وهامشي للإسلام، أنتجته العصور المتأخّرة،فهم يقوم على التمايز المذهبي،والتعارض الطائفي،والانغلاق على الذات،وتبجيل السلطة،وتسويغ طاعتها،والتكفير،ونبذ الاجتهاد،وتجهيل الناس بحقيقة أحوالهم الاجتماعية،كل هذا ضمن نمط من الحياة والتفاعل والمصالح والعلاقات الاجتماعية التي تكاد تختلف كلياً عما كان شائعاً إبَّان تلك الحقبة التي يفترض أن النموذج المطلوب قد ظهر فيها.

    وليست هذه وحدها هي العقبة الكأداء،إنما ترافقها أخرى لا تقل أهمية،وهي أنه لا يمكن تبنّي نموذج لمجرّد الرغبة فيه،فذلك أدخل بباب المحالات،فلا بد من كفاءة وتنوع يفيان بالحاجات المتكاثرة للناس،وفي جميع الأحوال لا يمكن تطبيق أي نموذج مستعار من الماضي لاستيعاب الحاضر،فالأحرى اشتقاق نموذج حي ومرن وواسع ومتنوع وكفء من الحاضر نفسه،يأخذ في الاعتبار كل أوجه الحاضر،ويتجدّد بتجدّده،ولا ينغلق على نفسه، ولا يدّعي اليقين،ولا يزعم أنه يوصل إلى الحقيقة المطلقة،ويتفاعل دائماً مع المستجدّات الداخلية، ويتناغم مع حركة التاريخ بشكل عام. ويكون جريئاً في الحوار مع نفسه وغيره، ويتجنّب الانحباس داخل قمقم مغلق،ويترك للآراء والاجتهادات والرؤى أن تتفاعل فيما بينها،ولا يتّكئ على السجالات اللاهوتية والمنطقية،إنما يقدّم نفسه كنموذج مفتوح يُثرى بالاقتراحات والممارسات،ويفكّ نفسه من الأقواس التي تقيّده،فلا يدّعي أنه يقدّم الخلاص، ولا يعد بالنّجاة الكاملة.

    أما القائلون باحتذاء الغرب،واستعارة حداثته،والاندماج بعالم يمور بالكشوفات العلمية والفكرية والاقتصادية،باعتبار أن الغرب استكمل حلقة التحديث الأساسية،وأنجز التطوّر في معظم مجالات الحياة العملية،وضَمن للإنسان حقوقه كفرد وكمواطن وكفاعل اجتماعي،ورسّخ سنناً قانونية وحقوقية واجتماعية تحول دون إلحاق ضرر مقصود وعام بالمجتمع والفرد على حدّ سواء،فإنهم يتخطّون حقيقة لا تخفى،وهي:أن النموذج الغربي تولّد من نسق ثقافي خاص،وأنه نتيجة لتمخّض شهده الغرب منذ القرن السادس عشر الميلادي،وأنه أُشتّق من حالة الغرب الخاصة،وتكمن كفاءته في أنه زبدة ذلك الواقع،لأنه متّصل به اتصال الجنين بالرحم.وقد تطور استجابة لواقع الغرب الذي تجري محاولات من أجل تعميمه ليشمل العالم،بكل الصيغ الممكنة،ولكنّ ركائزه الأساسية مبنية على وفق الخصوصيات الثقافية والسياسية والاجتماعية والتاريخية الغربية.وتكمن الصعوبة في تقليده ومحاكاته،ناهيك عن نقله وتبنّيه.

    وبافتراض إمكانية ذلك،فإنه سيكون في نوع من التعارض مع جملة القيم المو######## التي أشرنا إليها.والحقيقة فإنّ التوتّرات القائمة في العالم الإسلامي حالياً، يتّصل كثير منها بالصدامات الظاهرة والضمنية بين النموذجين اللذين ذكرناهما. وفي النهاية لا يمكن تجريد نموذج من خصائصه الذاتية وفرضه على حالة مختلفة سواء أكان نموذجاً دينيّا مستدعى من الماضي أم نموذجاً غربياً مستعاراً من الآخر.الواقع يفرض نموذجه الخاص الذي لا يُشترط فيه التقاطع مع النماذج الأخرى،إنما التفاعل معها.ولكن تُشترط خصوصيته واختلافه. هذا هو الاختلاف الذي ندعو إليه.

    vينطلق مشروعكم (المطابقة والاختلاف)من هذه الرؤية التي تستند إلى أن ثقافتنا تعيش نوعا من التطابق مع مرجعيتين،الأولى:مرجعية غربية تكونت وتشكلت ضمن مرجعية غربية وسياق ثقافي له شروطه التاريخية ،والثانية:مرجعية محلية لها شروطها التاريخية,وتمثلها الثقافة منذ فجر الإسلام الى القرن الخامس الهجري،وهذا النوع من التطابق هو المعيق الأساسي لإبداعنا الثقافي،ولذلك تقترحون فكرة( الاختلاف) كبديل عن (المطابقة) بمعنى ضرورة أن تختلف ثقافتنا عن الآخر،وعن الذات،وان تتشكل خصوصية تستعين بالمرجعيتين،ولا تكون أيا منهما.ما هي مرتكزات منهجية (المطابقة والاختلاف)؟ وأين تجد مرجعياتها؟ وأين تلتقي مع المشاريع الفكرية العربية الراهنة،وبماذا تختلف عنها؟

    v ينبغي في البداية كشف الحالة الثقافية التي دفعت بهذه الفكرة إلى الوجود،فالمسا ر الخاص بثقافتنا يكشف صورة شديدة التعقيد والالتباس،صورة تتقاطع فيها التصورات والرؤى والمناهج والمفاهيم والمرجعيات،ولا يأخذ هذا التقاطع شكل تفاعل وحوار،إنما يمتثل لمعادلة الإقصاء والاستبعاد من جهة،والاستحواذ السلبي والتنكّر والتخفّي من جهة ثانية.والواقع إنّ التعارض الذي يتحكّم بالأنساق الثقافية أفضى إلى نتيجة خطيرة;وهي أن ثقافتنا أصبحت ثقافة «مطابقة» وليس ثقافة «اختلاف».فهي في جملة ممارساتها العامة،واتجاهاتها الرئيسة،تهتدي بـ «مرجعيّات» متصلة بظروف تاريخيّة مختلفة عن ظروفها،فمرّةً تتطابق مع مرجعيّات ثقافيّة أفرزتها منظومات حضارية لها شروطها الخاصة،ومرةً تتطابق مع مرجعيّات ذاتيّة تجريديّة وقارّة متصلة بنموذج فكري قديم،ترتبط مضامينه بالفروض الفكرية والدينيّة الشائعة آنذاك،وفي هذين الضربين من ضروب «المطابقة» تندرج ثقافتنا في نوع من العلاقة الملتبسة التي يشوبها الإغواء الأيديولوجي مع «الآخر» و«الماضي» بحيث يصبح حضورهما «استعارة» جُرّدت من شروطها التاريخيّة،ووُظّفت في سياقات مختلفة.

    ومن الطبيعي أن يؤدي كل هذا إلى تمزيق النسيج الداخلي لتلك الثقافة،إلى درجة أصبحت فيها التناقضات والتعارضات ظاهرة لا تُخفى،وتتجلّى تلك التناقضات من خلال صور النبذ والاقصاء والاستبعاد المتبادل بين الممارسات الفكرية التي تستثمر هذهِ المرجعية أو تلك ضد الأخرى،ومن خلال إشكال التمويه والتخفّي والإكراه والتنكّر الذي تأخذه المفاهيم والمناهج والرؤى،وهي تُوظّف بأساليب لا تأخذ في الاعتبار درجة الملائمة بين هذهِ العناصر والسياقات التي تستعمل فيها.إلى هذا يضاف التعسفّ في إخضاعها لأنساق لا صلة لها بأنساقها الأصلية،الأمر الذي ينتج عنه غموض وإبهام والتباس في كل ما يتصل بتلك العناصر،وكل هذا يعمّق نوعاً من الثقافة المسطحّة التي تغيب عنها الفرضيات الكبرى،والأسئلة الجوهرية.

    الأسباب ليتصل بعضها بالثقافة «الغربيّة» وبعضها بالثقافة «العربيّة». فمن ناحية تمكّنَ «الغرب» من بناء نموذجه الثقافي بمظاهرهِ العلمية والفلسفية والسياسية والاقتصادية منذ عصر النهضة،وبفعل جملة التطورات الخاصة به،تمركز ذلك النموذج حول ذاته في حركة محورية،أدت إلى ظهور «المركزية الغربيّة» بكل إشكاليّاتها التي صاغت الفكر الغربي الحديث صوغاً يوافق نوعاً من أيديولوجيا التفوق العرقي والثقافي والديني،وتطورت نزعة التمركز،فطرحت مفهوماً متصلاً بفرضية التمركز نفسها،وهو مفهوم «العولمة» وبهذا امتد الطموح ليشمل العالم بأجمعه،ويدرجه ضمن رؤية غربية مستمدة من الفرضية المذكورة،مع مراعاة شرط التراتب والتفاضل والتمايز بين ما هو غربي وما ليس كذلك. ومن ناحية أخرى فإنّ ثقافتنا لم تفلح في بلورة ملامح خاصة بها،وظلت أسيرة مجموعة من الرهانات المتصلة بغيرها،ومن المعلوم أنّ لذلك أسبابه الكثيرة أيضاً،منها ما يتعلّق بكيفيّات التحديث،ومنها ما يتعلق بطبيعة الصلة مع «الماضي».

    وهذا الاصطراع مزّق النسيج الداخلي لها،وأدخل في ممارساتها عناصر متضادّة ومتعارضة،استخدمت بوصفها منشِّطات أكثر ما هي مكوّنات فاعلة،وبعبارة أخرى، فقد اخترقت أنساق ثقافية مستعارة،لها مرجعياتها الخاصة بها، نسيج الثقافة العربية،الذي كان مهيأ للاختراق،فأدى ذلك إلى نوع من «التهجين» الذي يستند إلى جملة استحواذات واقصاءات،دون أن يتمخّض عن مكوّن له ملامح مميزة، مكوّن متطابق مع مرجعيات مختلفة عمّا ينبغي أن تكون له.المشروع ينبثق من الفكر النقدي الذي لا يقر مرجعيات ثابتة ولا مستعارة،ويأمل أن يسهم مع المشاريع الأخرى في تغيير طبيعة المنظور الذي من خلاله نركب صورة ماضينا وحاضرنا.

    vكيف تنظرون إلى معالجة مفهوم الهوية في ظل العولمة، وتداخل القضايا الفكرية في العالم؟

    v ظهرت العولمة وكأنها تُسقط على تاريخ المجتمعات الإنسانية شروطا جديدة لتغيير مـساره التقليدي،بحيث يتمركز حول جملة من القيم والرؤى المحددة0إنها ترفع شعار توحيد القيم والتصورات والرؤى والغايات والأهداف بديلا عن التمزّق والتشتت والفرقة وتقاطع الأنساق الثقافية،ولكن العولمة في دعواها هذه إنما تختزل العالم إلى مفهوم،وتتخطّى حقيقته باعتباره تشكيلا متنوعا من القوى والإرادات والانتماءات والثقافات والتطلّعات،لأن توحيدا لا يقرّ بالتنوع سيؤدي إلى توتّر يفجّر نزعات التعصّب المغلقة،وعودة إلى إحياء الخصوصيات الضيقة التي تتغذّى من مرجعيّات عرقية ودينية مغلقة، وذلك يقود إلى الارتماء في سجن الهويات الثابتة .

    التاريخ البشري لعوب في تحولاته،فكل رغبة بالتعميم والشمول قد تفضي إلى التضييق المبالغ فيه،وبازاء العولمة الداعية إلى ضغط المجتمعات في إطار واحد، تنشأ رغبات احتجاجيّة مضادة ترفض الامتثال لعملية الدمج التي تنزع عن المجتمعات خصوصياتها الثقافية من لغة ودين وبنية اجتماعية ونفسية وأخلاقية،ويقود مسار التنازع إلى تعارض بين القيم ذاتها،إذ من الصعب الاحتكام إلى مبدأ التفاضل التراتب حينما يكون الأمر متعلّقا بالبطانة الشعورية والثقافية للمجتمعات ؛لأنها نسبية ،وتتحدد أهميتها من نوع العلاقة التي يقيمها الإنسـان الذي ينتـمي إليها0

    إن العولمة تتجاوز هذه الخصوصيات وبها تستبدل قيما تدّعي أنها عالمية0 إن القول بعالمية القيم التي تبشّر بها العولمة مضلل وفيه كثير من مجانبة الحقيقة،لأن القيم التي تريد العولمة تسويقها إنما هي القيم الغربية التي تبلورت ضمن المحضن الغربي خلال القرون الأخيرة،إنها ذات القيم التي نشرتها المركزية الغربية وطبعتها بطابعها،وإذا كانت تلك القيم قد تشكّلت في بيئتها الغربية في ظل شروط تاريخية معينة،فان نزعة التمركز الغربي عملت على تعميمها لتصبح كونية 0وكانت التجربة الاستعمارية قد أسهمت في إشاعة تلك القيم على مستوى العالم،لكن العولمة تجاوزت الأسلوب التقليدي فصاغت جملة من القوانين والضوابط الملزمة التي بها يصبح الأخذ بتلك القيم إجباريا،ووظّفت التقدّم الكبير الذي بلغته الاتصالات من أجل إشاعة هذه القيم كمرحلة أولى قبل فرضها قانونيا على العالم،بدأت وسائط الاتصال والإعلام تصوغ وعي الشعوب صوغـا يرمي إلى تقبّل نسق القيم الغربية وفي خطوة لاحقة سيصار إلى تشريع المعايير اللازمة لتطبيق ذلك،وقد بدأت فعليا تطبق تشريعات ملزمة تهدف إلى ذلك في بعض المجالات الاقتصادية والسياسية مثل الدور الذي تمارسه منظمة التجارة العالمية،والمؤسسات العابرة القارات،والبحث عن أطر سياسية واقتصادية عالمية،وذلك سيفضي إلى استبعاد كثير من التشكيلات الثقافية والقيمية الأصلية التي تبلورت عبر العصور ضمن سياق خاص.

    على أن الأمر الأكثر أهمية هو أن بعض المجتمعات بدأت تعبّر عن ردة فعلها تجاه ذلك بصوغ مشاريع ثقافية مشتقة من السياق الثقافي الخاص بها، وهي تسعى إلى استلهام صور الماضي كمقاومة رمزية0 ففرض قيم غريبة ينتج ردود فعل مضادة،وأحيانا يوقد شرارة التفرّد الأعمى،لأن هيمنة نموذج ثقافي واحد كما تسعى العولمة إلى ذلك لا يؤدي إلى حل المشكلات الخاصة بالهوية والانتماء،إنما قد يؤدي على العكس إلى ظهور أيدلوجيات تضخّ مفاهيم جديدة حول نقاء الأصل وصفاء الهوية0 ثم أن محاكاة النموذج الغربي ستقود إلى سلسلة لانهائية من التقليد المفتعل الذي تتقاطع فيه التصورات،وهو يتعارض مع القيم المو######## التي ستُبعث على أنها نظم معنوية تُستثمر لتأجيج التعصّب العرقي والديني والثقافي 0وستؤدي العولمة إلى تراتب جديد أكثر من السابق ؛لأنها تنمّي فكرة الولاء للآخر،وهيمنة الفكر الامتثالي،واختزال الذات إلى عنصر هامشي،واستبعاد المكونات القابلة للتطوّر،وتفجّر الحراك الاجتماعي بطريقة فوضوية 0وكـل ذلك يسبب انهيـارات متعـاقبة في الأنساق الثقافية الأصلية .

    v هل لك أن تفصل في المخاطر المتوقعة؟

    v تشطر العولمة العالم إلى شطرين،وتعمّق بينهما التناقض:عالم تمثله المجتمعات التقليدية،وتقوم العولمة بوضع التقنيات الحديثة والاتصالات تحت تصرفه،فيقوم من خلالها بإعادة إنتاج الأفكار التقليدية المو######## دون أن يتمكن من الانخراط في تحديث نفسه على مستوى إنتاج المعرفة العلمية- العقلية التي يشترطها كل تحديث مهما كانت سياقاته الثقافية،وعالم آخر أنجز رهان الحداثة وهضمها،وتمثّله المجتمعات الحديثة،وفيه تقوم العولمة بتحديث المعرفة وتجديدها بشكل مطّرد 0وثمة فرق كبير بين إعادة إنتاج معرفة تقليدية بوسائل حديثة،وإنتاج معرفة جديدة بوسائل حديثة 0فذلك سيفضي إلى أن المجتمعات التقليدية ستنطوي على نفسها، وتُشغل ببعث الأفكار المو######## الخاصة بها والتي حجزتها ضمن نسق اجتماعي- ثقافي شبه مغلق ،إنها ستكون بعيدة عن إنتاج المعرفة المطلوبة من أجل التحديث 0وفي الوقت نفسه ستستأنف المجتمعات الحديثة تطوير المعرفة من آخر نقطة وصلت إليها 0وحسب التحليل المعرفي سترتمي المجتمعات التقليدية في أحضان الماضي وتجعله هدفا لها، فيما سيكون المستقبل هو هدف المجتمعات الحديثة،وحتى تلك الوسائط التقنية التي ستضعها العولمة تحت تصرف الجميع ستستخدم في المجتمعات التقليدية لبعث الفكر التقليدي ونشره كما بدأت تظهر إلى العيان بوادر ذلك ،ومن ذلك إن الشكل الديمقراطي والتعددي في الحياة السياسية -وهو من منجزات الحداثة - بدأ يستخدم في إشاعة الأفكار والميول المذهبية والطائفية والعرقية والعشائرية والثقافية الضيقة ونشرها في تعارض واضح مع أهداف الديمقراطية الداعية إلى تأسيس مجتمعات اندماجية،تحترم المؤسسات ،وتصبو إلى المجتمع المدني ذي المؤسسات المستقلّة 0وكما يلاحظ فان شبكة الاتصالات الحديثة قد وضعت تحت تصرف الجميع إمكانية إنشاء منابر تبشر بالانتماءات الطائفية المغلقة التي يسود فيها الرأي المطلق،ونزعة تكفير الآخر ،وذلك في محاولة لتشكيل صورة ثابتة وضيقة الأفق عن الماضي .

    لن يعاد تشكيل العالم على نحو جديد كما تعد العولمة بذلك إلاّ من ناحية زيادة انكفاء المجتمعات التقليدية على نفسها ،وإنتاج مأثوراتها لتعزز بها مفهوما معيّنا للهوية،وبالمقابل توسيع سيطرة المجتمعات الحديثة وتجديد معرفتها 0تعمّق العولمة تصورات متناقضة عن النفس والتاريخ والهوية،وتسهم في ظهور معارف متعارضة،ولن يتحقق رهانها في تخطّي الاختلافات وإعادة توحيد المجتمعات الإنسانية إن ادعاء العولمة بتشكيل عالم تتوحد فيه المفاهيم والقيم والأهداف يتضمن مغالطة، لأنه في إطار فرضية التقارب التي تقول بها العولمة تكمن سلسلة من ضروب التنافر وعدم الانسجام التي تقوض تلك الفرضية، فالحث على استيراد نماذج غربية من قبل المجتمعات التقليدية يفضح عدم اتساق تلك النماذج مع نسق القيم الأصلية في تلك المجتمعات،هذا من جانب،ومن جانب آخر فإن تحريض تلك المجتمعات على التكيّف مع القيم الغربية،يجدّد الآمال بردود فعل خطيرة وغير محسوبة،إلى ذلك فإن التعجيل بتوحيد العالم حسب دعوى العولمة يقود إلى ظهور نزعات التفرّد،والتأكيد على وجود نظام واحد جديد يكون مسؤولا عن السلطة ،يعني فتح الأفق على مزيد من المنازعة وتفاقم الصراع،وحين تسعى العولمة إلى وضع نهاية للتاريخ فإنها تمنحه فجأة معاني متعددة ومتناقضة،فعدم توافق النموذج مع المجتمعات التقليدية لا ينتظر منه حل المشكلات المتوطّنة فيها، بل إن محاكاة ذلك النموذج قد فشلت في جميع المجالات التي ظهرت فيها المحاكاة، ما حصل هو تعميق مفهوم المحاكاة نفسها؛فالنخب الثقافية والسياسية والاقتصادية مضت في اقتباس النماذج الغربية في أكثر من مجال،حتى ولو أبدت ظاهريا نوعا من الاستنكار، فالعولمة راحت تعمّق التناقضات،وذلك قاد إلى نتيجة واضحة، وهي:إن المجتمعات غير الغربية وجدت نفسها على الدوام ممزقة وحائرة بين منهج التكيّف ومنهج الابتكار 0فالعولمة في ضوء كل هذا جددت بناء فكرة التبعية في كثير من مجالات الحياة.

    لا يمكن إجراء رصد ختامي دقيق لما أفضت إليه العولمة،سواء أكانت ممارسات متنوعة ظهرت منذ أن استقام أمر التمركز الغربي،أم منذ أن ظهرت حديثاً على أنها نزعة فكرية نظرية.ولكن الأمر الذي يمكن رصده والبرهنة عليه هو أنّ العولمة قد خلقت إمكانات واسعة لسيادة الولاء للآخر،وهيمنة الفكر الامتثالي،واختزال الذات إلى عنصر هامشي،واستبعاد المكونات القابلة للتطور والنمو، وتفجير الحراك الاجتماعي بصورة فوضوية. وكل ذلك أدى إلى انهيارات متعاقبة في الأنساق الثقافية غير الغربية.

    vما توقعاتكم للنتائج المترتبة على كل ذلك؟

    v النتيجة المترتبة على ذلك هي أن مفهوم التبعية الثقافية استند إلى مفهوم محدد للمحاكاة عمّق الروح الامتثالية، فظهر ازدواج خطير،هو إفراز حالة التمزق التي أشرنا إليها من قبل؛ففيما أعتبر هدف العولمة إنجاز اندماج كلّي للعالم،فإن ذلك الهدف ظل مجرد إطار عام لا يقدم حلولا فعلية،وهذا هو الذي دفع إلى صحوة الثقافات الطرفية التي وجدت نفسها تقف في مواجهة هيمنة ثقافة المركز،وكلما ازداد التناقض تعمّق الخلاف بحيث أن مفهوم الهوية قد انغلق على نفسه عند بعض الثقافات القائلة بالخصوصية المطلقة والجوهر الثابت، فأعيد في ضوء هذه التحديات تشكيل الخصوصيات العرقية والدينية والفكرية، بما يوافق ضربا انكفائيا من الأيدلوجيا 0يضاف إلى كل هذا فالتبعية أدت إلى تعارض واضح بين الإستراتيجيات المشتملة على: نشر ثقافة الخاصة من أجل هيمنة النخبة على الآخرين بصورة أفضل،وبذلك تصطنع خصوصيّة معبرة عن هدف عالمي، وبمقابل هذا يتم استيراد عناصر من الثقافة المهيمنة للتزوّد بوسائل مؤثرة لمجتمعات هي في الأصل غريبة عن تلك الثقافة،واللجوء في الوقت نفسه للهوية وتوظيفها لصالح استراتيجية خاصة بالمنازعات الوطنية والدولية معا،بحيث دخلت هذه الممارسة في صلب العمل السياسي،وهذا سيكشف أن مفهوم الهوية غير ثابت، ومكوناتها غير مطلقة، فهي متحركة ومتعدّدة، تتغيّر على وفق المقتضيات والأحوال وحسب حاجة الفاعلين الاجتماعييّن0 ولا يخفى أنه خلف هذه التناقضات يكمن صراع عميق بين انساق ثقافية مختلفة، انساق متجددة المعاني تتشكّل طبقا للتطلّعات المختلفة، سواء أكانت تلك التطلّعات خاصة بالقائلين بالخصوصية أو بالعالمية 0

    v تعملون منذ اكثر من عشر سنوات على مفهوم التمركز،وقد أجريتم تفكيكا نقديا موسعا للمركزيات الغربية والإسلامية،ما التمركز كما خلصتم إليه؟ وما الصلة بين المركزيات ومفهوم الهوية؟

    v التمركز نسق ثقافي محمّل بمعانٍ دينية،وفكرية،وعرقية تكوّنت تحت شروط تاريخية معينة،إلاّ أن ذلك النسق سرعان ما تعالى على بعدهِ التاريخي،فاختزل أصوله ومقوماته إلى مجموعة من المفاهيم المجردة التي تتجاوز ذلك البعد إلى نوع من اللاهوت غير التاريخي،وهو تكثّف مجموعة من الرؤى في مجال شعوري محدد، يؤدي إلى تشكيل كتلة متجانسة من التصورات المتصلّبة،التي تنتج الذات،ومعطياتها الثقافية،على أنها الأفضل،استناداً إلى معنى محدد للهوية،قوامه الثبات،والديمومة،والتطابق،بحيث تكون الذات هي المرجعية الفاعلة في أي فعل،سواء باستكشاف أبعاد نفسها أو بمعرفة الآخر،ويشمل ذلك الذات المفكرة الواعية لذاتها أو تلك الذات غير الواعية التي تقيم تصوراتها على نوع من المخيال المنتج للصور النمطية لها ولغيرها.ولا يقتصر الأمر في التمركز على إنتاج ذات مطلقة النقاء،وخالية من الشوائب التاريخية، إنما - وهذا هو الوجه الآخر لكل تمركز - لا بد أن يتأدّى عن ذلك تركيب صورة مشوّهة للآخر.وبين الذات الصافية التي تدّعي النقاء المطلق، والآخر الملتبس بالتشوه الديني والفكري والعرقي،ينتج التمركز أيديولوجيا إقصائية استبعادية ضد الآخر، وأيديولوجيا طهرانية مقدسة خاصة بالذات؛ فينقسم الوعي معرفياً على ذاته،لكنه أيديولوجيّاً يمارس فعله المزدوج بوصفه كتلة موحدة لها منظور واحد.

    إنّ النقد هو الذي يكشف هذه التناقضات الكامنة في صلب الثقافة المتمركزة حول ذاتها،وهو الذي يدفع بها إلى أن تفصح عن مضمراتها؛لأنه يتتبع بدقة الممارسات الملتوية للمفاهيم التي تكوّنها.ولا تقف مهمة النقد عند إظهار أخطار التمركز،إنما يهيئ الأمر لهوية ثقافية جديدة قائمة على مسار متحوّل ومتجدد ومتشعّب الموارد من المنظورات والمكوِّنات الثقافية المنتجة أو المعاد إنتاجها في ضوء الشروط التاريخية للذات الثقافية. وبما أنّ هوية التمركز تظهر مجردة عن بعدها التاريخي بوصفها هوية قارة وكونية في آن واحد،فإنّ الهوية الثقافية التي تقوم على الاختلاف لا تقر بالثبات ولا الشمول وتحرص على بعدها التاريخي،وفيما تصطنع هوية الثقافة المتمركزة أصولاً عرقية ودينية وفكرية توافق مضمونها،فإنّ هوية الاختلاف تتجنب إنتاج أيديولوجيا لها صلة بهذه الركائز؛ فاتصالها بهذه الركائز اتصال تاريخي طبيعي ليس له بعد أيديولوجي متصل بمعنى الهوية. أخيراً فيما تقوم هوية الثقافة المتمركزة بطمس كل العناصر التي تتعارض مع مفهوم الهوية كما أنتجتها تلك الثقافة واستبعادها،بحيث تجعل الهوية أسيرة شبكة من المفاهيم التي تحميها من المتغيرات التاريخية،فإنّ هوية الاختلاف تجعل من تلك العناصر مكوِّنات فاعلة فيها، وهي تمثل جانباً من جدلها الذاتي مع نفسها وغيرها. إنّ نقد الذات ونقد الآخر ممارسة توسّع من مجال الاختلاف،وتوفر إمكانية تتجاوز بها الثقافة العربية الحديثة ضروب التماثل والتطابق التي تعيق حركتها، وتبطل فعاليتها،وتعيد إليها وحدتها،بعد أن انقسمت إلى تيارات متعارضة،لا يمكن لها في نهاية الأمر إلاّ أن تسهم في إضفاء نوع من العدميّة على ثقافة تعجز عن مناقشة إشكالياتها الخاصة بها.إنّ الوحدة المتنوعة هنا لها دلالتها من بعدها الحيوي الذي يركّب تصوراته بمقدار ما يسعى لأن يتفاعل مع الثقافات الأخرى،ويختلف عنها في الوقت نفسه، ضمن إطار عام له قدرة على التنوع والحوار والتواصل بما يغني فروضه،ويخصّب من إمكانات التجدد فيه. وذلك بهدف أن تكون ثقافة لها أثرها في عالم تشكل الثقافات فيه عنصراً أساسياً من عناصر الوجود.

    vيثار منذ قرابة عقد موضوع الصراع بين الحضارات،ثم أثير مؤخرا الصراع بين الأصوليات،ما علاقة ذلك بالمجتمعات التقليدية،هل المجتمعات التقليدية هي التي تغذّي كل ذلك ما رأيكم؟

    v بداية ينبغي أن نقدم تصورنا عن المجتمعات التقليدية،لابد من تحديد المقصود بها.فنحن نقصدُ بالمجتمعات التقليدية تلك المجموعات البشرية المحكومة بنسق متماثل من القيم شبه الثابتة أو الثابتة والتي تستند في تصوراتها عن نفسها وعن غيرها إلى مرجعيات عقائدية أو عرقية ضيقة،والتي تتحكّم بها روابط عشائرية أو مذهبية،والتي لم تفلح في صوغ تصورات شاملة عن نفسها وعن الآخر،فلجأت إلى الماضي في نوع من الانكفاء الذي تفسّره باعتباره تمسكا بالأصالة،وهي المجتمعات الأبوية التي يتصاعد فيها دور الأب الرمزي من الأسرة،وينتهي بالأمة ،والتي لم تتحقق فيها الشراكة التعاقدية في الحقوق والواجبات،وتخشى التغيير في بنيتها الاجتماعية،وتعتبره مهددا لقيمها الخاصة؛فالحذر قائم تجاه كل تحديث،وهي المجتمعات التأثيمية التي تؤثّم أفرادها عندما يقدِّمون أفكارا جديدة،ويتطلعون إلى تصورات مغايرة،ويسعون إلى حقوق كاملة،فكل جديد هو نوع من الإثم،وهي المجتمعات المعتصمة بهوية ثقافية قارّة لا تعرف التحوّل،ولا تقرّ به.وأخيرا هي المجتمعات التي لاذت بتفسير ضيق وشبه مغلق للنصوص الدينية،وصارت مع الزمن خاضعة لمقولات ذلك التفسير أكثر من خضوعها للقيمة الثقافية والأخلاقية والروحية للنصوص الدينية الأصلية.وبالإجمال هي المجتمعات التي لم تتمكن بعدُ من التمييز بين الظاهرة الدينية السماوية من جهة،والشروح والتفاسير والتأويلات الأرضية التي دارت حولها،من جهة ثانية،فتوهمت بأن تلك الشروح والتفاسير والتأويلات هي الدين عينه،فأضفت قدسيّة عليها،وصارت تفكر بها وتتصرّف في ضوئها،وهي تختلف باختلاف المذاهب والطوائف والأعراق والبلدان والثقافات والأزمان،وأنتجت تصورات ضيقة عن مفهوم الحرية والمشاركة، فاعتبرتهما ممارستين ينبغي عليهما أن تمتثلا لشروط النسق الثقافي السائد،وأن تتمّا في ولاء كامل لشروط البنية الثقافية لتلك المجتمعات التقليدية،فمفهوم الحرية ليس مشروطا بالمسؤولية الهادفة إلى المشاركة والتغيير،إنما هو مقيّد بالولاء والطاعة،وكل خروج على مبدأ الطاعة والامتثال للنسق الثقافي السائد،مهما كان هدفه،يعدّ مروقا وضلالا،لا يهدف إلى الاصطلاح إنما التدمير؛لأن المرجعية المعيارية للحكم على قيمة الأشياء وأهميتها وجدواها مشتقة من تصوّرات مغلقة على الذات،ومحكومة بمفاهيم مستعارة من تفسير ضيق للماضي.

    ولكن ليس الأمر حكرا على المجتمعات التقليدية،فالمجتمعات المتقدمة تعاني من سيطرة فكرة التفوق والتمركز حول الذات،وهي تطور دائما أفكار شعبوية عبر (الميديا) تدعو للتفاضل والتراتب والتفوق،وما دامت التباينات وصلت إلى هذه الدرجة،فمن المتوقع أن يندلع سوء تفاهم عميق،لأن لغة الحوار غائبة. والحق فما يحكم العالم الآن هو نوع جاف وضيق الأفق من سوء التفاهم،ولابد من شراكة في الأفكار والوعي والمسؤوليات،ويخيل لي بأن إعادة ترتيب العلاقات الجارية في العالم الآن سببها كل ذلك.

    v لا يتوقف مشروعكم النقدي عند حدود نقد تجليات التفكير المغلق والمتمركز على نفسه،إنما انصرفتم منذ مدة طويلة إلى الدراسات السردية،وكرستم له اكثر من كتاب،ومنها ( السردية العربية) و( التلقي والسياقات الثقافية)و( المتخيل السردي) وتنطلقون من ضرورة تفجير الموروث السردي العربي لكي يتم التأصيل.كيف يمكنكم طرح ذلك دون أن يكون ردة فعل تجاه السرد الغربي،هل التأصيل مشروط لديكم؟

    v دعني في البداية أوضح أنني أسعى إلى تطوير وظيفة السرد التقليدية،فلم يعد بالنسبة لي ممكنا الانحباس داخل المفهوم الضيق للمصطلح،ولابد من معرفة بأن هويات الأمم تصاغ أولا عبر السرود الدينية والتاريخية والأدبية التي تقدم بها عن نفسها ورؤاها،فالسرد باختصار مجال بحثي هو الرواية التي تقدمها المجتمعات والأمم عن ماضيها وحاضرها ووجودها،وأنا ادرج ذلك ضمن الدراسات المخيالية التي تنطمر فيها كل ضروب التطلعات والرغبات الجماعية،ويلزمنا إثراء هذه الدراسات. ومن المعروف بان السردية ظهرت بوصفها البحث النقدي الدقيق الذي يهدف إلى تحليل النصوص السردية في أنواعها وأشكالها المختلفة،ومن السابق لأوانه التأكيد الآن، فيما إذا كانت السردية قد أنجزت وعودها النقدية جميعا ،فذلك يحتاج إلى رصد تاريخي-تحليلي ينصرف الاهتمام فيه إلى فحص ما أنجزته الدراسات السردية. وما ينبغي إثارته،هو أن السردية هي وليدة الدقة التحليلية للنصوص،فثمارها متصلة بمدى تفهّم أهمية تلك الدقة ،وإدراك ضرورتها في البحث ،وتقدير الحاجة إليها. وقد تشكّت الأوساط الثقافية من الصرامة المنهجية للسردية، وتوجّست منها،لكن الأمر الآن اختلف إلى حد ما ،وراح يتبدد التصور الأولي بخصوص الغموض والإبهام اللذين يرافقان عادة كل جديد ، فالسردية ليست جهازا جامدا ينبغي فرضه على النصوص،إنما هي وسيلة للاستكشاف الدقيق المرتهن بالقدرات التحليلية للناقد ،ومدى استجابة النصوص لها. فالتحليل الذي يفضي إليه التصنيف والوصف ،متصل برؤية الناقد،وأدواته،وإمكاناته في استخلاص القيم الفنية الكامنة في النصوص.وبما ان الدقة لا تتعارض مع كلية التحليل وشموليته،وان الحاجة تقتضي من السردية الانفتاح على العلوم الإنسانية والتفاعل معها ،لأن كشوفاتها تغذّي السردية في إضاءة مرجعيات النصوص ،بما يكون مفيدا في مجال التأويل وانتاج الدلالات النصية ، ويمكن استثمارها في تصنيف تلك المرجعيّات،ثم كشف قدرة النصوص على تمثيلها سرديا.إلى ذلك يمكن ان توظف في المقارنات العامة ،ودراسة الخلفيات الثقافية كمحاضن للنصوص الأدبية والدينية والتاريخية،ومن المؤكد ان ذلك يسهم في إضفاء العمق والشمولية على التحليل النقدي،بما يفيد السردية التي يظل رهانها متصلا برهان المعرفة الجديدة 0

    v كيف وظفتم ذلك في دراسة السرد العربي.

    v كان الاهتمام بالسرد العربي القديم نادرا،ولم يبعث الاهتمام الجاد به إلا منذ عقدين تقريبا.وما زالت تلك المادة الخام بأمسّ الحاجة إلى فحص نقدي عميق ، يستخرج سماتها الأسلوبية،والبنائية،والدلالية ،وذلك لا يتأتّى إلاّ بجهد جماعي يلفت الانتباه إلى هذه الذخائر المطمورة في الثقافة العربية القديمة.يعرف المعنيون بهذا الموضوع صعاب التوغل في ذلك العالم شبه المجهول،المترامي الأطراف،الذي ظلّ يتراكم طوال اكثر من ألف عام ،والذي لم يُستكشف منه سوى جزء صغير،إذ لم يجروء غير قلة قليلة من الاقتراب إليه ،لأسباب ثقافية ودينيّة ،وفي مقدمتها النظرة الدونية إليه بوصفه أدبا لم يستكمل شروط الفصاحة المدرسية التي استقامت في القرون المتأخرة ،لكن القضية الأكثر خطورة وحساسية؛هي:العلاقات المتشابكة بين نشأة المرويات السردية القديمة ونشأة علوم الدين ،والأخبار والتواريخ ،وقصص الأنبياء والإسرائيليات،إلى حد اصبح فيه تخليص المرويات السردية من كل ذلك أمرا مستحيلا،فالعناصر المذكورة بأطرها الثقافية الكلية كانت الحاضنة التي تشكّلت في وسطها تلك المرويات،فصاغت خصائصها الفنية صوغا شبه تام.

    وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى معالجة المرويات السردية داخل المحضن الثقافي الذي تكوّنت فيه0 والأمر الآخر الذي يلاحظه كل متفحّص هو: الخصائص الشفاهية للمرويات القديمة،وذلك يعود إلى أنها ظهرت في أوساط شفاهية يقوم الإرسال والتلقّي فيها على أسس متصلة بسيادة التفكير الشفهي، وقد اسـتند ذلك التفكير إلى أصول دينية، فالشفاهية انتزعت شرعيتها في الفكر القديم بناء على أصول دينية ،ومن هنا فقد أصبحت ممارسة مبجّلة ،لأنها عمّمت أسلوب الإسناد الذي فرضته رواية الحديث النبوي على مجالات أخرى لا صلة لها بالدين . وبذلك اصبح الإسناد ركنا أساسيا لايمكن تجاوزه في المرويات السردية،والإسناد يعامل دائما في الثقافة العربية القديمة ،وبخاصة الدينية منها ،على انه جزء من الدين، وقد انتقلت القداسة اليه بفعل المجاورة ؛مجاورته لمتون الحديث النبوي،كونه حاملاً لتلك النصوص المقدسة. وكما أن الصلة قوية ومتماسكة وضرورية بين السند والمتن/ الراوي والمروي فإنها تجلت بالصورة نفسها في المرويات السردية . وهذا النسق لا يظهر إلا في الثقافات الشفاهية،وقد قام التدوين بدور الوسيلة التي ثبّتت ذلك النسق وقيّدته،دون ان تخلخل العلاقة بين ركنيه الأساسيين :الراوي والمروي .إلى ذلك فالشفاهية هي التي منحت المرويات القديمة هويتها المميزة. وربط تلك المرويات بأصولها، والمؤثرات الفاعلة في تكوينها ،لا يمثل أي خفض لقيمتها الأدبية او التاريخية . وقد شغلتني كل ذلك ، وأنتظر ان أبلور تصورات تربط بين السرديات والمركزيات الثقافية، فمن وجهة نظري وقع بينهما ترابط جذري منذ البداية.

    vيبدو أنك منخرط تماما في نقد كل هذه الظواهر،وذلك داخل أفق محكم من النقد الذي تمارسه ضد الخطاب الاستعماري،حتى أن بعض الدارسين ذهبوا إلى اعتبار كتابك( المركزية الغربية) من أوائل الدراسات الكبيرة في الدعوة لنقد تصورات الخطاب الاستعماري وتحيزاته ومقولاته،واعتبر أنه يؤسس لنقد يتحرر من مصادرات الخطاب الاستعماري. فكيف توضح لنا كل ذلك؟

    v لو نظرنا مليا لواقع حال الثقافة العربية الحديثة، لوجدنا أن المؤثّر الغربي يحضر،بصورة مضخّمة،كلّما جرى البحث في نشأتها وخصائصها،إلى درجة صار ذلك أمرا مسلّما به في الدراسات التي عنيت بهذا الموضوع،وندر أن تمّت عملية بحث جادّة استقصت صواب هذه المسلّمة التي أخذ بها أغلب الباحثين،كحقيقة مطلقة،فاعتبروها من اللوازم الحاضنة لذلك،وعزوا إلى الحملة الفرنسية،والعلاقات المباشرة مع الثقافة الغربية،بما في ذلك الترجمة،أمر القيام بهذا الدور بصورة كاملة. بدأت هذه المسلّمة تتبلور في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين،وهي استجابة تعود،فيما نرى،إلى بداية الامتثال للخطاب الاستعماري الذي رسّخ فكرة بسيطة وواضحة،وهي أنَّ التحديث وكلّ ما يتصل به جاء مع الحضور الغربي إلى الشرق،فسادت الرواية الغربية لمفهوم التحديث الذي أصبح منذّ ذلك الوقت يتحدّد في محاكاة أشكال الثقافة الغربية،بما في ذلك الأشكال الأدبية،وبالنظر إلى غياب البحث الحفري في الثقافة العربية،فقد غابت معايير التحديث أو اضطربت،وتمّت،وسط تشابك المؤثّرات وتفاعلها،استعارة معايير جاهز بلورتها الثقافة الغربية.كان الخطاب الاستعماري قويا ومُحكما ومؤثّرا شأنه في ذلك شأن الوسائل التي أوصلته إلى الشرق،والامتثال للقوّة الاستعمارية رافقه امتثال لخطابها في وصف الظواهر الأدبية والفكرية،وتمّ استبعاد أشكال التعبير كافّة التي لا تنطبق عليها الأوصاف الجاهزة والمستعارة،فهمّشت،وصارت خارج مدار الاهتمام؛نبذت لأنّها تذكّر بمرحلة ما قبل التحديث الغربي،وجرت عبر الزمن إعادة صوغ للوعي بما يوافق تلك المفاهيم المستعارة،ولم تعد الأشكال الأصلية في الثقافة ، وبخاصة الأدب، تستأثر باهتمام يذكر،وصارت جزءا من اللامفكّر فيه؛لأنّها خارج نطاق الوعي،وفي مراحل لاحقة أصبحت تلك الأشكال مُعيبة وقاصرة،وثُبِّتت دونيتها،ولم تستأثر بعناية لأنّها تعنى بما صار جزءا من حقب مظلمة،طُمستْ باعتبارها عورة تحيل على تاريخ ينبغي نسيانه،يفجع به كثيرون إن هو بمناسبة ما شَخصَ فجأة وأعلن عن نفسه،يحدث حضوره ارتباكا غير مرغوب فيه،ينبغي الهروب منه بشكل ما،لم يعد لائقا،وبه ينبغي أن يستبدل تاريخ مغاير.وكان الفكر الذي تبلورت ملامحه في الحقبة الاستعمارية يريد تخطّي عثراته التاريخية،ويبحث عن مرجعيّة فوجد في التدرّج الخطي الغربي المستعار ملاذا يدفع به إلى الأمام.ومن المعلوم بأنّ المدوّنات الاستشراقية التي نشطت في القرنين الثامن والتاسع عشر قدّمت صورة اختزالية عن الشرق ثقافة ومجتمعا،صورة توافق الرؤية التي ينتظرها الغربيون،وتستجيب لتصوراتهم النمطية عنه،وتفاعل الخطاب الاستعماري والصورة الرغبوية الاستشراقية في استبعاد الأشكال الحقيقية،وذمّها،وبها استُبدلت أشكال أخرى توافق تصوّراتها. والحقيقة فلابد من نقد هذه السلسلة المتلازمة من المصادرات إذا أردنا ان عرف بصورة واضحة كل المظاهر الخاصة بالثقافة العربية
                  

العنوان الكاتب Date
حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 11:55 AM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 11:58 AM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:01 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:03 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:05 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:07 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-12-05, 12:08 PM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-14-05, 07:27 AM
  Re: حوارات مع دكتور عبدالله ابراهيم Sabri Elshareef05-15-05, 02:46 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de