|
Re: الأخ الكريم خالد عويس، عفوا، أسمح لي بالاختلاف معك!!! (Re: نصار)
|
يقيني د.ياسر أن الاختلاف معك في أي أمر لهو شأن ممتع لعمقه وفائدته، ومريح لاستناده إلى العقل لا العاطفة وتجييش المشاعر، وغني كذلك. وأحسب أننا نناقش هنا أمرا في غاية الأهمية والخطورة. لأن المسألة كما تعلم عزيزي وصديقي ياسر تتعدى سودانيز أون لاين، وقدرتنا على احتمال الأذى كله في سبيل "تغيير" مجتمعي عميق، إلى المجتمع السوداني بأسره. ولابد للمثقفين السودانيين أن يدفعوا في هذه الفترة والفترة اللاحقة ضريبة باهظة من أجل الوعي المقبل. لا يمكن يا ياسر تأسيس حوارات ناضجة و"نظيفة" كالتي نبتغيها من دون التعرض باديء الأمر لمخاض عسير جدا يتمثل ويتجسد في اهانات وسباب وشتائم وبعد كلي عن روح الحوار. أمامنا بطبيعة الحال طرق مختلفة للتعامل مع هذه المسألة، إما اعتزال المنبر - أعني اعتزال الحياة العامة وعملية المثاقفة برمتها - وهذا خيار يجافي المنطق، لأنه يعني ترك ميدان المعركة الفكرية لـ"الآخر". الخيار الثاني، هو أن يترك المستنيرون مهمتهم الرئيسة في "تحريك الوعي" ودفعه قدما للأمام، فيلجأوا للآليات المتخلفة ذاتها التي يستخدمها خصومهم، وفي هذه الحال، فإن غبار الشتائم والسباب سيكون عاملا مشتركا بين الجميع، والخاسر الأوحد هو الوعي السوداني. ثمة خيار ثالث أرانا نلجأ إليه في كل مرة، يتمثل بفصل عدد من الأعضاء، لكن "الهزيمة" في هذا الخيار، هو أن ابعاد فرد لا يعني أنه انتقل من "الخانة" التي هو فيها إلى خانة متقبلة للحوار، وممتلكة لأدواته. بالعكس، أرى في هذه الحال، أن ثمة معركة مؤجلة على أرض الواقع تنتظر الوقت المناسب. وأرض الواقع هنا هي الوطن، ولا فائدة أبدا من منبر كهذا إن لم يصنع تغييرا ما بالطرق السلمية كلها وبوسائل الحوار والفكر. ولا أرى الفكر عاجزا أبدا عن تفكيك الخطابات العاطفية، ناهيك عن خطاب الشتائم والسباب الشخصي. مسؤولية المثقف الملتزم تجاه وطنه، تستلزم قبوله بشروط الحوار كلها حتى "الرديء" منها .. للأسف. نعم، أشعر بالأسف، وأحس بوطأة القبول بهكذا واقع. بل أنني لا أخفي تضامني معك في كل ما حاق بك. لكن سياسة ابعاد الشتامين لن تجدي فتيلا. هم موجودون بيننا في كل مكان. وسيواجهوننا في الوطن. بل ستتزايد أعدادهم يوما بعد آخر. وفي بلد كالسودان، لابد أن نخوض معركتنا الفكرية والثقافية مهما كانت قساوتها. ألم يحتمل الأستاذ محمود عليه رحمة الله كل ذلك الأذى المعروف الذي لاحقه حتى في قبره. ألم تبلغ المسألة حد اعدامه ؟ هل طالب يوما باقصاء خصومه أو ابعادهم عن المنابر ؟ هذا واقع مؤسف عزيزي ياسر، لكني مؤمن بأننا بجلدنا وصبرنا ومرونتنا قادرون على تجاوزه ووضع بصمات واضحة لأجيال مقبلة. الطرد يا عزيزي لن يحل مشكلة، يؤجلها فقط. السبيل الوحيد الذي أراه صالحا هو الحوار. حين طالب بعض بفصل الأخت رودا كنت رافضا لذلك، وحين طالب بعض بفصل د. التجاني المشرف كنت رافضا لذلك، وحين طالب آخرون بفصل هذا أو ذاك لأن شتائم بدرت منهم كنت رافضا انطلاقا من مبدأ أن هذا المنبر هو وطن مصغر بكل عيوبه ومساوئه ووعيه غير المكتمل. ولا يمكن أن تعمد النخبة إلى الاعتزال تدريجيا في أبراج عاجية لأن "الآخرين" منفرين ولا يمكن حملهم على فضيلة الحوار والارتفاع لمستواه. من المسؤول عن بلوغنا هذه المرحلة من الانحطاط ؟ سؤال غير مهم على الرغم من أهميته. فالأهم في نظري، من المسؤول عن تحويل هذا الانحطاط إلى "عافية" وآفاق حضارية ؟ الاجابة يا صديقي العزيز، نحن. نعم نحن. هذا هو قدرنا وهذا هو التحدي الذي يجعلنا ندفع كل غال ونفيس من أجل سودان الغد. أنا لا أرغب في قتل خصومي، لكن أرغب في أن يؤمنوا مثلي بفضيلة الحوار والعيش المشترك. أنا لا أرغب في اقصاء شاتمي، مهما بلغت بذاءته، لأنني أريد له أن يكون أكثر تهذيبا واستجابة لشروط الحوار المتحضر. أنا لا أرغب في قراءة شتائم وسباب، لكن هذا قدري، أن أنتمي إلى أمة في طور التشكل، لا زالت فئاتها تتخندق في خنادق بدائية وبشروط عاطفية. ولن تهتز ثقتي أبدا في قدرتنا الجمعية على اجتياز هذه المفازة. كم قصر مثقفون سبقونا باختيارهم العزلة، وهروبهم من مسؤولياتهم الكبيرة بدعوى أن "هذا جو فاسد" و"ذلك لا يليق". معركتنا يا حبيبي هي هذه. كيف نغير بالحوار والمنطق، كيف يتحول الاحتقان العاطفي إلى طاقة عقلانية. ولا أنسى في الختام أن أعلن وبوضوح تضامني معك. لكني في الوقت ذاته أدعوك لمزيد من الصمود ومزيد من "التضحية" حتى نتجاوز كلنا هذا الارهاق الكبير.
|
|
|
|
|
|
|
|
|