فالوطن.. لغريب مثلي.. غدا.. بالفعل.. تلك المساحة الممتدة من الذكريات اللانهائية والحنين.
أتذكر.. الآن.. النسوة اللائي يمتن في قرى غرب النيل الأبيض من عسر الولادة.. وتلك حال زينب من ودشمام.. كان لزاما أن يربط العنقريب إلى ظهر جرار زراعي.. أن تضع عليه بكل ذلك الألم.. وتنقل إلى كوستي.. كان الوقت خريفا.. والأمطار تخلف على مدى الطريق بحيرات متقطعة واسعة الغور.. الشيطان نفسه لا يمكن أن يتجاوزها في بعض المناطق.. هكذا.. عند أحد الحواجز المائية.. ظلت زينب تنزف حتى الموت.. تلك دموع لا يراها العالم حقا.. في ودشمام.. يا غفار.. توجد غرفة واحدة.. لعلها من أيام الانجليز.. غرفة يدعونها الشفخانة تطل على ميدان مترب موحش.. بالمعيار الكندي هنا.. كانت تلك الشفخانة بمثابة صندوق الإسعافات الأولية.. أتذكر.. أنا.. ابن المفتش الزراعي.. وكنت قد التحقت بالمدرسة الإبتدائية للتو.. أن أبو القاسم محمد إبراهيم.. حضر إلى تلك القرية المنسية في معية الشعار (محافظ النيل الأبيض وقتها).. كان البرنامج المخصص لسعادته في تلك القرية لا يتجاوز ربع الساعة.. لم تكن حتى كافية لإلقاء الخطبة التي خصص لها ناظر المدرسة الناطق بلسان القرية 18.. صفحة.. مع ذلك ذهب أبو القاسم.. وبقيت طويلا كلمات شاعرة القرية: جن عربات الساعة ستة/الماشاف أبو القاسم اتندم في حياته.. كذلك بقيت الشفخانة على حالها.
يا غفار:
ما كنت سأقوله تفصيلا سبقني إليه صديقي الجميل أبنوس.. بيد أن حال كوستي ليست حالا فردية كما أشرت.. فهنالك.. في الأرياف أمثلة لحالات مزمنة.. وأشد بؤسا.. وأن نظرة إلى الوطن بأسره لا بد أن تتضمن تفكيرا ذا نظرة بعيدة المدى!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة