تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2024, 05:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-15-2005, 05:55 AM

peace builder
<apeace builder
تاريخ التسجيل: 10-17-2002
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام (Re: peace builder)

    الجزء الثالث
    تحديد هوية الفاعلين المحتملين للجرائم الدولية

    أولا - لمحة عامة
    523 - بناء على معلومات ثبوتية موثوق بها جمعتها اللجنة أو أحيطت بها علما، ومنسجمة مع تقارير واردة من مصادر متنوعة موثوق بها، اقتنعت اللجنة أن هنالك عددا من الأشخاص قد يشتبه في أنهم يتحملون مسؤولية جرائم ارتكبت في دارفور. ورغم أن المسؤولين قد يتباينون، إلا أن عناصر الإثبات (المستندات والشهادات معا) التي جمعتها اللجنة كافية لتحديد عدد من الأشخاص باعتبارهم مسؤولين محتملين عن هذه الجرائم.
    524 - وسعيا إلى ’’تحديد هوية مرتكبي الجرائم‘‘، قررت اللجنة، كما أشير إلى ذلك فيما سبق من هذا التقرير، أن أكثر المعايير ملاءمة يتمثل في توفير مجموعة من المواد الموثوق بها والمتفقة مع ظروف أخرى جرى التحقق منها، تنحو إلى تبيان أنه من الممكن الاشتباه على نحو معقول في ضلوع شخص في ارتكاب جريمة. فاللجنة لا تصدر بالتالي أحكاما نهائية بالإدانة جنائيا، بل تجري تقييما للمشتبه فيهم المحتملين بشكل يمهد الطريق لإجراء تحقيقات وربما توجيه لوائح اتهام في المستقبل من قبل مدع عام، وإصدار أحكام بالإدانة من قبل محكمة قضائية.
    525 - غير أن اللجنة قررت حجب أسماء هؤلاء الأشخاص عن الساحة العامة، بل ستدرجها في ملف مختوم يوضع في عهدة الأمين العام. وتوصي اللجنة بأن يحال هذا الملف إلى المدعي العام ذي الاختصاص (المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية) الذي سيستعمل هذا الملف على النحو الذي يراه ملائما. وسيسلم ملف ضخم آخر مختوم يشمل جميع عناصر الإثبات التي جمعتها اللجنة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. وينبغي أيضا تسليم هذا الملف إلى المدعي العام ذي الاختصاص.
    526 - وقد اتخذ قرار الاحتفاظ بسرية أسماء الأشخاص الذين يشتبه في أنهم مسؤولون عن ارتكاب جرائم دولية بناء على ثلاثة أسباب رئيسية. ويتمثل أول هذه الأسباب في أن الإعلان عن أسماء هؤلاء الأشخاص مناف للمبادئ الأساسية لأصول المحاكمات أو للمحاكمة العادلة. ويجدر التأكيد في هذا الصدد على أحكام المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 55 (2) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية( )، اللتين تتعلقان بحقوق الأشخاص الخاضعين للتحقيق ويمكن أن يعتد بهما بشكل معقول في سبيل تقنين القانون الدولي العرفي. وتشمل تلك الحقوق الحق في الإبلاغ على أن هناك أسبابا تدعو للاعتقاد بأن الشخص المعني ارتكب جريمة، والحق في التزام الصمت، والحق في الاستعانة بالمساعدة القانونية. وبالتالي فإن الإعلان عن الأسماء يمكن أن يؤدي إلى حرمان مرتكبي الجرائم المحتملين من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها أي مشتبه فيه.
    527 - ويعتبر السبب المذكور أعلاه لحجب أسماء الأشخاص المشتبه في أنهم مسؤولون عن ارتكاب جرائم سببا وجيها بشكل خاص اعتبارا لأن المجتمع الدولي يرصد حاليا الوضع الحالي في دارفور بشكل كثيف. فلو أعلنت اللجنة عن أسماء هؤلاء الأشخاص، فلربما نزعت وسائط الإعلام العالمية فعلا إلى استباق النتائج واعتبار هؤلاء الأشخاص مذنبين دون تحفظ وليس مجرد مشتبه في أنهم يتحملون المسؤولية.
    528 - أما السبب الثاني ذو الصلة الذي تعتقد اللجنة على أساسه أنه يجب حجب الأسماء فيتعلق بطبيعة المهمة التي تضطلع بها. فكما ورد أعلاه، لم يعهد إلى اللجنة بمهام الادعاء العام أو مهام التحقيق. ولذلك اقتصرت على جمع المعلومات الموثوق بها عن الأشخاص الذين قد يشتبه في أنهم مسؤولون عن ارتكاب الجرائم في دارفور. وقد شارك معظم الأشخاص في استجوابات اللجنة على أساس احترام السرية. ولذلك لم تتلق اللجنة بيانات موقع عليها بالشهادة، بل قامت بعناية بسرد الشهادات التي أدلى بها الشهود. وإضافة إلى سرد الشهادات، جمعت اللجنة تقارير الشرطة والأحكام القضائية وسجلات المستشفيات وما شابه. وقامت بالتحقق من مسارح الجريمة (التحقق من التوافق مع أقوال الشهود، والتصوير ورسم الخرائط، وتقييم مواقع المقابر). ومن ثم جمعت اللجنة معلومات تتيح لها أن تخطو خطوة أولى في اتجاه كفالة المساءلة عن الجرائم المرتكبة في دارفور، بإبلاغ سلطتي الادعاء العام والقضاء المختصتين عن الأشخاص الذين يستحقون إجراء تحقيق مستفيض بشأنهم. غير أن المعلومات التي جمعتها قد يساء استعمالها إذا أعلن عن الأسماء، لأن ذلك قد يؤدي إلى إصدار أحكام مسبقة بالإدانة جنائيا ليس من شأنها أن تكون مجحفة في حق المشتبه فيه فحسب، بل أن تهدد أيضا العملية التي بوشرت من أجل محاربة الإفلات من العقاب برمتها.
    529 - ويتمثل السبب الثالث لفرض السرية في ضرورة حماية الشهود الذين استمعت إليهم اللجنة (فضلا عن الشهود المحتملين). ذلك أنه لن يصعب في حالات كثيرة على الجهات التي يشتبه في أنها تتحمل المسؤولية تحديد هوية الشهود الذين قدموا إفادات إلى اللجنة، وتخويفهم أو التحرش بهم، بل وقتلهم كذلك. ولهذا، لن يقتصر حجب الأسماء على فاعلي الجرائم المحتملين، بل سيطال أيضا أسماء قائمة الشهود الذين وجهت إليهم اللجنة أسئلة، فضلا عن المصادر الموثوق بها الأخرى لمواد الإثبات. وستدرج هذه الأسماء في الملف المختوم الذي لن يسلم إلا للمدعي العام كما ذكر ذلك أعلاه.
    530 - ومن أجل إضفاء الوضوح على أي مناقشة تتعلق بالفاعلين، يجب الاستعانة بأداتين قانونيتين ضروريتين: فئات الجرائم التي قد يكونون مسؤولون عنها، وتعداد مختلف أنماط الاشتراك في ارتكاب جرائم دولية التي قد يشتبه بموجبها في أن مختلف الأشخاص يتحملون مسؤولية ارتكابها. وحيث إن فئات الجرائم الدولية قد أدرجت في جزء آخر من التقرير، يمكن الاكتفاء هنا بالتذكير في عجالة بمختلف طرق المشاركة في ارتكاب الجرائم الدولية التي تنجم عنها المسؤولية الجنائية الفردية. وتقدم في هذا السياق استنتاجات اللجنة المتعلقة بالفاعلين المحتملين مع توخي أكبر قدر ممكن من السرية بل ومن الشمولية كذلك.
    531 - وتلاحظ اللجنة في البداية أنها حددت هوية 10 مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة المركزية، و 17 مسؤولا حكوميا يعملون على الصعيد المحلي في دارفور، و 14 فردا من الجنجويد، و 7 أفراد من مختلف الجماعات المتمردة، و 3 ضباط ينتمون إلى جيش أجنبي (شاركوا بصفتهم الشخصية في الصراع)، يشتبه في أنهم يتحملون فرديا المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة في دارفور.
    532 - غير أنه لا ينبغي اعتبار ذكر اللجنة لعدد الأفراد الذين حددت هويتهم إشارة إلى أن القائمة شاملة. فقد قامت اللجنة أولا بجمع عدد كبير من أسماء فاعلين محتملين آخرين من الجنجويد حددهم شاهد من شهود العيان بصفتهم مشاركين في عمليات هجوم أو من متزعميها. وستدرج أسماء هؤلاء الأفراد في قائمة ويمكن الاطلاع عليها في مجموعة مواد الإثبات المختومة المسلمة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، لإحالتها إلى آلية المساءلة القضائية التي يختارها مجلس الأمن. وفضلا عن ذلك، تجدر الإشارة إلى أن اللجنة قامت بجمع مواد كثيرة عن جهات مختلفة ذات نفوذ من الأفراد أو المؤسسات أو الجماعات أو اللجان اضطلعت بدور هام في الصراع في دارفور، بما في ذلك في التخطيط لعمليات الهجوم والأمر بشنها والإذن بها والتشجيع عليها. وتشمل هذه الجهات ضمن ما تشمل، القوات العسكرية، وجهاز الأمن الوطني والمخابرات، والمخابرات العسكرية، ولجان الأمن في ولايات دارفور الثلاث. وينبغي إجراء تحقيقات دقيقة بشأن هذه المؤسسات حتى يتسنى تحديد المسؤولية الجنائية المحتملة للأفراد المشاركين في أنشطتها ومداولاتها.

    ثانيا أنماط المسؤولية الجنائية عن الجنايات الدولية
    ألف ارتكاب الجرائم الدولية أو الاشتراك في ارتكابها
    533 - كل من قام، بمفرده أو باشتراك مع آخرين، بتصرف يعتبر محظورا ويجري تجريمه يتحمل، بموجب القانون الجنائي الدولي، المسؤولية الجنائية الفردية عن أفعاله، إذا توفر شرط القصد الجنائي. كما يمكن لشخص ما ارتكاب جريمة في الحالات التي تمتنع فيها عن القيام بواجب التصرف الذي يقع على عاتقه( ).

    1 - حكومة السودان
    534 - حددت اللجنة هوية ستة مسؤولين في حكومة السودان شاركوا بشكل مباشر في ارتكاب جريمة دولية في دارفور. وقام خمسة من هؤلاء الأشخاص الأعضاء في القوات المسلحة العاملة في دارفور أو المسؤولين المدنيين في الحكومة المحلية لولاية من ولايات دارفور الثلاث بقيادة عمليات هجوم على المدنيين أو المشاركة فيها على نحو آخر، أدت إلى التشريد القسري لسكان القرى المتضررين. وإضافة إلى إمكان اعتبار هؤلاء الأشخاص مسؤولين، بموجب مبدأ العمل الإجرامي المشترك، عن الجرائم التي ارتكبها أفراد آخرون خلال الهجمات، فإنه يمكن أن يشتبه في قيام هؤلاء الأشخاص بشن هجمات عشوائية على المدنيين، والتي تعتبر جريمة حرب. وهناك مسؤول واحد يشتبه في أنه ارتكب جريمة التعذيب باعتبارها جريمة ضد الإنسانية في حق معتقلين مختلفين يشتبه في قيامهم بأنشطة تمردية.

    2 - الجنجويد
    535 - جمعت اللجنة مواد موثوق بها تنزع إلى الإشارة إلى أن 14 فردا من الجنجويد شاركوا بشكل مباشر في ارتكاب جريمة دولية في دارفور. وقد شوهد هؤلاء الأشخاص من قبل شهود عيان وهم يشاركون في هجوم على قرية، ارتكبت خلاله في غالب الأحيان أعمال الحرق والنهب والقتل وأحيانا الاغتصاب. وبالإضافة إلى إمكان تحمّل هؤلاء الأشخاص المسؤولية، بموجب مبدأ العمل الإجرامي المشترك، عن الجرائم التي يرتكبها الآخرون خلال الهجوم، فإنهم قد يتحملون أيضا المسؤولية عن ارتكاب الجرائم التي ثبتت ضدهم بما لا يدع مجالا للشك باعتبارهم فاعلين مباشرين. ويشتبه في ارتكاب بعضهم جرائم مختلفة في وقت واحد. ويشتبه في أن جميع هؤلاء الأفراد الجنجويد الذين حددتهم اللجنة بصفتهم فاعلين شنوا هجمات عشوائية على المدنيين والتي تعتبر جريمة حرب. ويشتبه فضلا عن ذلك في أن واحدا منهم شارك في الاعتقال غير القانوني للمدنيين، وأن اثنان منهم يشتبه في ضلوعهما في قتل مدنيين باعتبار ذلك جرائم ضد الإنسانية.

    3 - المتمردون
    536 – تم تحديد هوية ثلاثة أفراد من جماعتي المتمردين شوهدوا وهم يشاركون في هجوم على قرية، وقعت خلاله أعمال نهب واختطاف وتدمير وقتل. وإضافة إلى إمكان تحمّل هؤلاء الأشخاص، بموجب مبدأ العمل الإجرامي المشترك، المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها الآخرون خلال الهجمات، فإنهم قد يتحملون أيضا المسؤولية عن ارتكاب الجرائم التي ثبتت ضدهم بما لا يدع مجالا للشك باعتبارهم فاعلين مباشرين. وفي هذه الحالة يشتبه في أنهم شنوا هجمات عشوائية على المدنيين، مما يعتبر جريمة حرب.

    4 - ضباط الجيش الأجنبي المشاركين بصفتهم الشخصية
    537 – تم تحديد هوية ثلاثة ضباط ينتمون إلى جيش أجنبي شوهدوا وهم يشاركون في هجوم على قرية وقعت خلاله أعمال نهب وتدمير وقتل. وإضافة إلى إمكان تحمّل هؤلاء الأشخاص، بموجب مبدأ العمل الإجرامي المشترك، المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها الآخرون خلال الهجمات، فإنهم قد يتحملون أيضا المسؤولية عن ارتكاب الجرائم التي ثبتت ضدهم بما لا يدع مجالا للشك باعتبارهم فاعلين مباشرين. ويمكن في هذه الحالة أن يشتبه في أنهم شنوا هجمات عشوائية على المدنيين، مما يعتبر جريمة حرب.

    باء - العمل الإجرامي المشترك لارتكاب جرائم دولية
    538 - على غرار معظم النظم الجنائية الوطنية، لا يحمل القانون الجنائي الدولي المسؤولية الجنائية فقط للأشخاص الذين ارتكبوا جنايات دولية بصفة شخصية، سواء بشكل فردي أو باشتراك مع آخرين. فالقانون الدولي يجرم كذلك أفعال كل الأشخاص الذين شاركوا، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، في ارتكاب الجرائم دون أن يكونوا قد ارتكبوا بالضرورة نفس الأفعال. وتناقش أدناه مفاهيم التخطيط للجريمة، والأمر بارتكابها، والتحريض عليها، والمساعدة عليها، والدفع إليها. ويؤيد القانون الدولي أيضا مفهوم العمل الإجرامي المشترك أو مبدأ ’’القصد المشترك‘‘ أو ’’التصميم المشترك‘‘، كما أخذت به دعاوى قضائية مختلفة( )، وبالتالي يجرم أفعال حشد من الأفراد ما كان لهم أن يرتكبوها فرادى، بل تستدعي بالضرورة مشاركة أكثر من فرد واحد. وبالفعل، يكتسب مبدأ العمل الإجرامي المشترك في القانون الجنائي الدولي أهمية أكبر من أهميته في معظم النظم القانونية الوطنية، على اعتبار أن معظم الجرائم الدولية (الجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، ومعظم جرائم الحرب) جرائم لا يتسنى تحقيق نتائجها الجنائية النهائية إلا بمشاركة عدة أشخاص. وحيث أننا بصدد نفس الحالة، فسيكون من غير المنطقي ومن غير المتساوق معاقبة الشخص الذي يوجد في آخر السلسلة، أي الفرد الذي يضغط على الزناد. ويجب تحميل المسؤولية لجميع من شارك، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، في تحقيق النتيجة النهائية، أو ’’إذا كانت الجريمة المتفق عليها قد ارتكبها واحد من المشتركين في العمل الإجرامي المشترك، اعتبر جميع المشتركين في ذلك المشروع مذنبين بغض النظر عن الدور الذي قام به كل واحد منهم في ارتكابها‘‘( )، كما جاء في حكم صادر عن الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
    539 – ومتى تنشأ المسؤولية الجنائية عن العمل الإجرامي المشترك لا بد من توافر الشروط التالية: (أ) تعدد الأشخاص؛ (ب) ووجود خطة مشتركة تشمل ارتكاب جريمة دولية (ولا يلزم أن تكون الخطة أو النية أو التصميم قد تم التحضير لها أو صياغتها مسبقا، بل ’’يمكن أن تتجسد تلقائيا وأن يستنبط وجودها من كون مجموعة من الأشخاص يشتركون في العمل من أجل وضع عمل إجرامي مشترك موضع التنفيذ‘‘)( )؛ (ج) ومشاركة الأشخاص المتهمين في تنفيذ الخطة المشتركة.
    540 – قد يكون هناك نمطان رئيسيان محتملان للمشاركة في عمل إجرامي مشترك بارتكاب جنايات دولية( ). يتمثل أولاهما في إمكانية مشاركة حشد من الأشخاص في ارتكاب جريمة يشتركون منذ البداية في هدف إجرامي واحد (قتل المدنيين عشوائيا، قصف المستشفيات وما إلى ذلك). ويعتبر هؤلاء الأشخاص جميعهم في هذه الحالة مسؤولين على قدم المساواة بموجب القانون الجنائي، وإن كان هناك تباين في دور ومهمة كل واحد منهم في ارتكاب الجريمة (يخطط أحد الأشخاص للهجوم، ويصدر آخر الأمر إلى مرؤوسيه باتخاذ كافة التدابير التحضيرية لتنفيذ الهجوم، ويقوم أشخاص آخرون بتنفيذ الهجوم فعليا، وهكذا دواليك). ويتمثل العامل الحاسم في أن المشاركين ساهموا بمحض إرادتهم في بلوغ القصد المشترك والنتيجة المرجوة. وبطبيعة الحال، قد يختلف وضع كل منهم على مستوى الأحكام الصادرة باختلاف أهمية الدور الذي قام به كل مشارك، وقد يصدر القضاة الدوليون أحكاما مختلفة. إلا أن المشاركين يعتبرون مع ذلك مسؤولين على قدم المساواة أمام القانون الجنائي( ).
    541 - وقد تتخذ المسؤولية الجنائية المشتركة شكلا رئيسيا آخر. ففي الوقت الذي يشترك حشد من الأشخاص منذ البداية في نفس القصد الإجرامي، قد يحدث أن يرتكب فاعل أو فاعلون جريمة لم يتم الاتفاق بشأنها أو لم يكن من المزمع تنفيذها في البداية، سواء بشكل صريح أو ضمني، وبالتالي لا تشكل تلك الجريمة جزءا من العمل الإجرامي المشترك. فعلى سبيل المثال، تباشر وحدة عسكرية على إثر إصدار أوامر عليا إليها اعتقال عدد من المدنيين الأعداء خلافا للقانون الدولي؛ غير أن أحد الجنود يقوم في معترك العملية العسكرية بقتل أو تعذيب أحد المدنيين المذكورين. ففي هذه الحالة تثور مسألة معرفة ما إذا كان أفراد المجموعة، غير الفرد الذي ارتكب الجريمة التي لم يخططوا لارتكابها أو عزموا على ذلك مسبقا، يتحملون كذلك المسؤولية الجنائية عن هذه الجريمة. وكما تنص على ذلك السوابق القضائية ذات الصلة( ) فإن ’’قضية المسؤولية عن ارتكاب جريمة غير الجريمة المتفق عليها في الخطة المشتركة لا تثار، وفقا لملابسات الحالة، إلا إذا (أ) كان من المتوقع ارتكاب مثل تلك الجريمة من قبل أحد أفراد المجموعة، (ب) وقام المتهم بمحض إرادته بتلك المجازفة‘‘. ففي المثال الوارد أعلاه، يتعين على المحكمة، بحسب ملابسات كل قضية على حدة، تحديد ما إذا كان من المتوقع أن يفضي اعتقال مدنيين أعداء بقوة السلاح إلى موتهم أو تعذيبهم.

    1 - حكومة السودان
    542 - حددت اللجنة هوية ستة أعضاء في حكومة السودان المركزية يشتبه في أنهم ارتكبوا جريمة دولية في إطار مفهوم العمل الإجرامي المشترك؛ منهم أعضاء في القوات المسلحة السودانية ومنهم مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة المركزية في الخرطوم. وحيث أن الجرائم المرتكبة في دارفور اتسمت بنطاقها الواسع وقامت على أساس سياسة عامة، فقد اتخذ الأشخاص المذكورون، بصفتهم الرسمية وخلال ممارستهم لمهامهم، إجراءات ساهمت في ارتكاب الجرائم في دارفور. ويمكن بالتالي بحسب ملابسات كل حالة على حدة، وفي إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك، الاشتباه في أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جريمة ضد الإنسانية بقتل مدنيين؛ والقيام بالتشريد القسري وجرائم حرب بقيامهم بهجمات عشوائية على المدنيين وتدميرهم أهدافا مدنية. ويشتبه كذلك في أن ثلاثة من هؤلاء الأفراد يتحملون في إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك المسؤولية عن جريمة الاختفاء القسري التي هي جريمة ضد الإنسانية.
    543 - وحددت اللجنة كذلك هوية ثمانية مسؤولين حكوميين محليين أو أفراد في القوات المسلحة العاملة في دارفور يمكن الاشتباه في ارتكابهم جرائم دولية في إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك. وشارك ثلاثة أفراد منهم بما اتخذوه من تدابير في اعتقال المدنيين وإعدامهم. وحدد شهود عيان هوية باقي الأفراد الخمسة، كما ذكر أعلاه، والذين شوهدوا وهم يشاركون في تنفيذ هجوم على قرية، ارتكبت خلاله أعمال حرق ونهب وقتل. وبالتالي، يمكن الاشتباه في أن هؤلاء الأشخاص، بحسب ملابسات كل حالة على حدة، وفي إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك، ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية بقتل مدنيين، والاحتجاز القسري لمدنيين، والتشريد القسري باعتباره جريمة حرب بتدمير أهداف مدنية.

    2 - الجنجويد
    544 - حددت اللجنة هوية 14 فردا من الجنجويد يشتبه في أنهم ارتكبوا جريمة دولية في إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك. وقد حدد هوية هؤلاء الأفراد شهود عيان شاهدوهم وهم يشاركون في هجوم على قرية، ارتكبت خلاله في الغالب أعمال حرق ونهب وقتل وأحيانا اغتصاب. ويمكن بالتالي، بحسب ملابسات كل حالة على حدة، وفي إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك، الاشتباه في أنهم ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية بقتل مدنيين وبأعمال الاغتصاب والتعذيب والتشريد القسري للمدنيين؛ وجريمة حرب بشن هجمات عشوائية على المدنيين؛ وبتدمير أهداف مدنية وبأعمال النهب.

    3 - المتمردون
    545 – تم تحديد هوية ثلاثة أفراد من جماعتي المتمردين شاهدهم شهود عيان وهم يشاركون في هجوم على قرية ارتكبت خلاله أعمال نهب واختطاف وتدمير وقتل. وقد يتحمل أولئك الأفراد، حسب الملابسات وفي إطار مبدأ العمل الإجرامي المشترك، مسؤولية جرائم الحرب المرتكبة خلال هذه الهجمات، أي قتل مدنيين، وتدمير أهداف مدنية، واحتجاز المدنيين غير القانوني والنهب.

    4 - ضباط الجيش الأجنبي (المشاركين بصفتهم الشخصية)
    546 – تم تحديد هوية ثلاثة ضباط ينتمون إلى جيش أجنبي رآهم شهود عيان وهم يشاركون في هجوم على قرية وقعت خلاله أعمال نهب وتدمير وقتل. وقد يتحمل هؤلاء الأشخاص، بموجب مبدأ العمل الإجرامي المشترك، المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبها الآخرون خلال الهجمات، أي قتل مدنيين وتدمير أهداف مدنية والنهب.

    جيم - المساعدة على ارتكاب جرائم دولية والتحريض عليه
    547 – بموجب قانون السوابق القضائية الدولي( )، فإن المساعدة في ارتكاب جريمة أو التحريض عليه، تتمثل في قيام شخص (الشريك في الجرم) بتقديم مساعدة عملية (بما في ذلك تقديم الأسلحة) إلى مرتكب الجريمة الرئيسي (الفاعل الأصلي) أو تشجيعه أو تقديم الدعم المعنوي له، وفي الأثر الكبير لهذه المساعدة على ارتكاب الجريمة. ويكمن العنصر الذاتي أو القصد الجنائي في علم الشريك في الجرم بأن أعماله تساعد فاعل الجريمة على ارتكابها( ).

    1 - حكومة السودان
    548 - حددت اللجنة هوية ستة أعضاء في الحكومة المركزية للسودان يشتبه في أنهم ساعدوا على ارتكاب جرائم دولية في دارفور وحرضوا على ذلك، عن طريق التجنيد أو التسليح أو تقديم الدعم المالي أو المساعدة والتحريض على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الجنجويد، بقتل المدنيين والتشريد القسري والاغتصاب وارتكاب جرائم حرب تمثلت في شن هجومات عشوائية على المدنيين وتدمير أهداف مدنية فضلا عن النهب. وتلاحظ اللجنة بروز نمط واضح للنهب والاغتصاب من قبل الجنجويد خلال الصراع في دارفور، وذلك أمر ما كان للأفراد الذين حددت اللجنة هويتهم أن يجهلوه. غير أنهم بمواصلتهم أفعالهم، قد يشتبه في أنهم قاموا بمساعدة الجنجويد في النهب والاغتصاب وحرضوهم على ذلك.
    549 - وحددت اللجنة، بناء على نفس الأسباب، هوية سبعة من المسؤولين الحكوميين المحليين أو من أفراد القوات المسلحة العاملة في دارفور، يشتبه في أنهم ساعدوا الجنجويد وحرضوهم على ارتكاب الجرائم المذكورة أعلاه.

    2 - الجنجويد
    550 - حددت اللجنة هوية أربعة أفراد من الجنجويد يشتبه في أنهم ساعدوا وحرضوا على ارتكاب جرائم دولية في دارفور، عن طريق التجنيد أو التسليح أو تقديم الدعم المالي أو المساعدة والتحريض على الجرائم التي ارتكبها الجنجويد. وتشمل هذه الجرائم جرائم ضد الإنسانية منها قتل المدنيين والتشريد القسري والاغتصاب وجرائم حرب منها شن هجمات عشوائية على المدنيين وتدمير أهداف مدنية فضلا عن النهب. ولاحظت اللجنة بروز نمط واضح للنهب والاغتصاب من قبل الجنجويد خلال الصراع في دارفور، وذلك أمر ما كان للأفراد الذين حددت اللجنة هويتهم أن يجهلوه. غير أنهم بمواصلتهم أفعالهم، يشتبه في أنهم قاموا بمساعدة الجنجويد وتحريضهم على النهب والاغتصاب.

    دال - التخطيط لارتكاب الجرائم الدولية
    551 – إن عنصر التخطيط يتمثل في التدبير لارتكاب جريمة والاتفاق على ذلك مع الغير والإعداد والترتيب لذلك. وبموجب قانون السوابق القضائية الدولي، ينطوي التخطيط على قيام شخص أو عدة أشخاص بالتفكير في الترتيب لارتكاب جريمة في مرحلتيها التحضيرية والتنفيذية معا( ).
    552 - ويتضح من عرض الانتهاكات المبينة في الجزء الأول من هذا التقرير أن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني ارتكبت على نطاق واسع من قبل القوات الحكومية أو المليشيات الخاضعة لسيطرة الحكومة. وكانت الانتهاكات من قبيل شن هجمات عن قصد على المدنيين، أو هجمات عشوائية على المدنيين وعلى أهداف مدنية، أو هجمات على القرى التي يختبئ فيها المتمردون أو تؤويهم والتي أسفرت عن إلحاق أضرار فادحة بالمدنيين، أو تنفيذ عمليات إعدام جماعي والترحيل القسري للمدنيين من مواطنهم، وهي انتهاكات ارتكبت على نطاق واسع وبشكل منهجي، وتعتبر جرائم ضد الإنسانية. واتسمت هذه الانتهاكات بالتواتر والتكرار إلى درجة أنها اكتسبت طابع النمط المنهجي لتصرف إجرامي. وبعبارات أخرى، نتجت هذه الهجمات بشكل جلي عن سياسة خُطط لها ونُظمت على المستوى المركزي.
    553 – وعليه، يمكن القول دون تحفظ أن جسامة ونطاق بعض الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية (الهجمات العشوائية على المدنيين، والترحيل القسري للمدنيين)، فضلا عن استمرارها باتساق على مدى فترة طويلة من الزمن (شباط/فبراير 2003 حتى الوقت الراهن)، أمور تدل بالضرورة على أن هذه الجرائم ناتجة عن عملية تخطيط مركزية.
    554 - وفي ظل هذا الواقع، عثرت اللجنة على مواد موثوق بها تشير إلى أن مسؤولين اثنين من كبار المسؤولين المحليين في دارفور شاركا في التخطيط لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على نطاق واسع في دارفور، بما في ذلك شن هجمات عشوائية على المدنيين وتدمير أهداف مدنية، وقتل المدنيين.

    هاء - توجيه الأمر بارتكاب جرائم دولية
    555 – بموجب قانون السوابق القضائية الدولي، لا يتعين بالضرورة توجيه الأمر بارتكاب جريمة دولية، كتابة أو بأي شكل معين من الأشكال. كما أنه يمكن إقامة الدليل على إصدار أمر بالاستعانة بالقرائن( ). غير أن توجيه الأمر يستلزم وجود علاقة رئيس بمرؤوس بين الشخص الذي وجه الأمر والشخص الذي نفذه. ويجب أن يكون ’الرئيس‘ في موقع يملك فيه سلطة توجيه الأمر( ).

    1 - حكومة السودان
    556 - جمعت اللجنة مواد ومعلومات موثوق بها تشير إلى أن عضوين في الحكومة المركزية للسودان وفردين من القوات العسكرية العاملة في دارفور يمكن بسبب موقعهم الرسمي في التسلسل القيادي أو للأوصاف التي أفاد بها شهود العيان في ساحة المعركة، الاشتباه في أنهم وجهوا أوامر بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على نطاق واسع في دارفور، بما في ذلك شن هجمات عشوائية على المدنيين وتدمير أهداف مدنية والتشريد القسري.

    2 - الجنجويد
    557 - جمعت اللجنة معلومات موثوق بها تمكنها من تحديد هوية فردين من الجنجويد قاما بشكل مباشر بتوجيه أمر إلى مرؤوسيهما بإعدام مدنيين. ويشتبه في أنهما أمرا بقتل مدنيين، ما يعتبر جريمة ضد الإنسانية.

    واو - عدم منع أو قمع ارتكاب الجرائم الدولية (مسؤولية الرؤساء)
    558 - تجوز في القانون الدولي مساءلة الأشخاص الذين يتولون مناصب القيادة مساءلة جنائية إذا قصروا عن علم في منع أو قمع جرائم دولية ارتكبها مرؤوسوهم. فمسؤولية القيادة مبدأ مستقر في القانون الدولي يعكس الهيكل الهرمي للقوات المنضبطة( ) فهذه المسؤولية عن الامتناع التي تم إقرارها في عدد من القضايا الوطنية والدولية،( ) تنشأ إذا اجتمعت الشروط التالية: (أ) أن يمارس الشخص قيادة فعلية أو سيطرة أو سلطة فعلية على الجناة؛ ولا يشترط وجود هيكل هرمي رسمي، بل يكفي وجود منصب سلطة أو سيطرة فعلية؛ وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الرئيس قائدا عسكريا أو سياسيا أو قائدا مدنيا؛ علاوة على ذلك، لا تشترط ممارسة السلطة أو السيطرة مباشرة على مرتكبي الجرائم، بل يجوز أن تدبر من خلال التسلسل القيادي؛ (ب) أن يكون الرئيس على علم، أو يفترض فيه أن يكون عالما، أو تكون لديه معلومات كان من شأنها أن تمكنه من استنتاج الظروف السائدة في الوقت الذي يجري فيه ارتكاب الجرائم أو الذي ارتكبت فيه الجرائم، ويصرف نظره عن وعي عن تلك المعلومات أو ذلك العلم؛ ’3‘ أن يقصر الرئيس في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ارتكاب الجرائم، ولاسيما أن يقصر في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع ارتكاب الجرائم؛ أو يقصر في وقف الجرائم في الوقت الذي يجري فيه ارتكابها، أو يقصر في إبلاغ السلطات المختصة بأن مرؤوسيه قد قاموا بسلوك إجرامي، أو يقصر في إصدار أمر بمعاقبة مرتكبي الجرائم إذا كان ذلك العقاب يندرج في نطاق سلطته.
    559- وتبعا لظروف كل حالة، يكون الركن المعنوي الذي يشترطه القانون الدولي هو العلم (أي الوعي بأن جرائم يجري ارتكابها أو أن ارتكابها وشيك) والقصد (الرغبة أو الإرادة في عدم اتخاذ إجراء) أو التقصير على الأقل (الوعي بأن عدم منع عمل المرؤوسين يحتمل أن تترتب عليه بعض النتائج الضارة، ثم تجاهل هذا الاحتمال رغم ذلك). غير أنه ، عندما يفترض في الرئيس أن يكون عالما بأن جرائم يجري ارتكابها أو أنها ارتكبت، فإن المؤاخذة بالإهمال التقصيري كاف فيما يبدو. وأخيرا، عندما يكون الرئيس عالما بأن جرائم ترتكب ولم يتصرف لقمعها، فإنه يشترط بالإضافة إلى العلم أن تكون ثمة نية في عدم اتخاذ إجراء (أو على الأقل يشترط الإهمال التقصيري).
    560 - ومن الضروري الإشارة إلى أن مفهوم مسؤولية الرؤساء يسري أيضا على النزاعات المسلحة الداخلية، على غرار ما أكدته المحكمتان الجنائيتان الدوليتان بكل حجية. ( ) وينحو الرأي القانوني للدول نفس المنحى بهذا الصدد.( )
    561 - وفيما يتعلق بموقع المتمردين، لا يستقيم القول (على غرار ما ذهب إليه بعض قادة المتمردين عندما استجوبتهم اللجنة) إن الجماعتين المتمردتين (حركة تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة) ليستا منظمتين تنظيما عسكريا صارما، وبالتالي فإن الاشتباكات العسكرية التي تقومان بها في الميدان لم تخططها القيادة العسكرية ولم توجهها أو توافق عليها في أغلب الأحيان. بل إنه على افتراض أن هذا صحيح، فإن القادة لا بد وأن يساءلوا مع ذلك عن أعمال مرؤوسيهم. فمن المقبول في القانون الإنساني الدولي على نطاق واسع ذلك المفهوم القائل بأن كل جيش أو ميليشيا أو وحدة عسكرية تخوض القتال في نزاع مسلح دولي أو داخلي لا بد وأن تكون لها قيادة تتولى فرض الانضباط وضمان التقيد بالقانون. وهذا المفهوم بالغ الأهمية لقيام كامل صرح القانون الإنساني الدولي في حد ذاته بل وإنفاذه، لأنه بدون تسلسل قيادي وبدون شخص يتولى التحكم في الوحدات العسكرية، ستعم الفوضى والتسيب ولن يتمكن أحد من فرض احترام القانون والنظام.
    562 - وثمة سبب آخر أكثر تحديدا يبرر كون القيادة السياسية والعسكرية لحركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة لا يمكنها رفض تحمل المسؤولية عن كل جريمة يرتكبها جنودها في الميدان، إذا أحجمت تلك القيادة عن منع أو قمع تلك الجرائم. وهذا السبب يكمن في توقيع تلك القيادة على اتفاقات شتى مع حكومة السودان. فبالدخول في تلك الاتفاقات باسم ’’حركتيهما‘‘، يتحمل قادة كل حركة كامل المسؤولية عن سلوك مقاتليهم وسوء تصرفهم. وعلى وجه التحديد، فإن المتمردين تعهدوا، في البروتوكول المتعلق بإنشاء مساعدة إنسانية في دارفور، المؤرخ 8 نيسان/أبريل 2004، بأن يحترموا المبادئ العامة للقانون الإنساني الدولي، وتشمل هذه المبادئ قطعا مسؤولية الرؤساء.

    1 - حكومة السودان
    563 - جمعت اللجنة معلومات موثوقا بها تتيح التعرف على ثمانية من كبار المسؤولين في الحكومة المركزية ومن القادة العسكريين وستة من المسؤولين الحكوميين المحليين أو أفراد القوات المسلحة العاملين في دارفور ممن يشتبه في أنهم مسؤولون عن تقصيرهم عن علم في منع أو قمع ارتكاب الجرائم، أي يؤاخذون بمسؤولية الرؤساء. وثمة كَمٌّ متسق من المستندات الجديرة بالثقة والتي جمعتها اللجنة يفيد بأن هؤلاء المسؤولين كانوا على علم ، من مصادرهم الخاصة ومن مصادر أخرى، بالحالة في دارفور، وبارتكاب انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي على نطاق واسع في المنطقة أو على الأقل، يفترض فيهم العلم بما يقع في دارفور، غير أنهم لم يتخذوا أي إجراء لوقف الأعمال الوحشية التي يجري ارتكابها. وعلاوة على ذلك، فإنهم لم يعاقبوا من هم خاضعون لسلطتهم ممن ارتكبوا جرائم خطيرة. وتبعا لظروف كل حالة، ربما يشتبه في كونهم يتحملون مسؤولية الرؤساء عن الجرائم التي ارتكبها رجال يخضعون لسيطرتهم الفعلية، ومنها جرائم ضد الإنسانية، هي قتل المدنيين والتشريد القسري، وجرائم حرب هي الهجمات العشوائية على المدنيين، وتدمير الأعيان المدنية والنهب والتعذيب.
    2 - المتمردون
    564 - ومراعاة للتعليق الذي أبدي أعلاه بشأن هيكل الجماعات المتمردة، جمعت اللجنة ما يكفي من المستندات الموثوق بها والتي تشير إلى أن أربعة أفراد يتولون مناصب مهمة داخل الجماعات المتمردة المختلفة قد يشتبه في كونهم مسؤولين عن التقصير عن علم في منع ارتكاب الجرائم التي اقترفها المتمردون أو قمعها. وثمة معلومات تفيد بأنه كانت لهم سيطرة عامة فعلية على الأفراد العسكريين المقاتلين لفائدة الجماعات المتمردة، ومن ثم فإنهم كانوا على علم ببعض الجرائم التي ارتكبها أولئك الأفراد العسكريون، أو على الأقل كان يفترض فيهم أن يكونوا على علم بما يقع، غير أنهم لم يتخذوا أي إجراء لوقف الأعمال الوحشية التي يجري ارتكابها. وعلاوة على ذلك، فإنهم لم يعاقبوا من هم خاضعون لسلطتهم ممن ارتكبوا جرائم خطيرة. وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد يمكن الاشتباه في كونهم مسؤولين، بمقتضى مبدأ مسؤولية الرؤساء، عن جرائم الحرب التي ارتكبها المتمردون الخاضعون لسلطتهم، أي قتل المدنيين، وتدمير الأعيان المدنية، والاختفاءات القسرية، والنهب.


    الجزء الرابع

    الآليات الممكنة لضمان المساءلة على الجرائم المرتكبة في دارفور

    أولا- أوجه القصور في نظام العدالة الجنائية بالسودان وما يترتب عليها من ضرورة اقتراح آليات جنائية أخرى
    565 - ضرورة إقامة العدل. إن حجم وخطورة الجرائم المرتكبة ضد السكان المدنيين في دارفور من قبل الحكومة والجنجويد من ناحية والمتمردين من ناحية أخرى، يستوجبان اتخاذ المجتمع الدولي لإجراءات فورية لإنهاء هذه الأعمال الوحشية. فلا بد من تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة. وفي الوقت ذاته، يتعين اتخاذ إجراءات لإنصاف الضحايا لإتمام عملية المساءلة.
    566 - وجدير بالذكر أن الأمر لا يقتصر على أن مجلس الأمن، في قراريه 1556 (2004) و 1564 (2004) أكد على الحاجة الملحة إلى إقامة العدل، بل إن أطراف النزاع في دارفور ألحوا هم أنفسهم على مبدأ المساءلة. وهكذا، فإن الأطراف أكدوا في بروتوكول تحسين الحالة الإنسانية في دارفور، المؤرخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 على ضرورة بسط سيادة القانون وصونها، بما فيها التحقيق في كافة حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، تمشيا مع الالتزام الذي أعرب عنه الاتحاد الأفريقي لمكافحة الإفلات من العقاب. وبالإضافة إلى ذلك، التزم أطراف النزاع بأن جميع الأفراد المتورطين أو الذين تفيد التقارير بأنهم متورطون في انتهاكات حقوق المشردين داخليا والفئات الضعيفة والمدنيين الآخرين سيحقق معهم تحقيقا شفافا ويساءلون أمام السلطات المختصة. غير أن السؤال المطروح هو ما إذا كانت هذه مجرد التزامات جوفاء لم تُسَقْ إلا للتنميق.
    567 - عدم اتخاذ السلطات السودانية والمتمردين لأي إجراء. إن تقصير الحكومة والمتمردين على السواء في ملاحقة ومحاكمة المسؤولين المفترضين عن الجرائم العديدة المرتكبة في دارفور أمر جلي وغير مقبول. وكما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فإن الحكومة اتخذت بعض الإجراءات التي لا تعدو أن تكون ذرا للرماد في العيون أكثر مما هي تصدٍّ فعلي لإجرام واسع النطاق مرتبط بالنزاع المسلح. ولم يتخذ المتمردون أي إجراء تحقيقي أو زجري إطلاقا.
    568 - فالتصدي العادي والمثالي للأعمال الوحشية هو تقديم الجناة المفترضين إلى العدالة في محاكم الدولة التي ارتكبت فيها الجرائم، أو في دولة جنسية الجناة المفترضين. وقد تكون ثمة فعلا حالات يعمل فيها النظام المحلي بطريقة فعالة ويكون قادرا على التصدي بصورة ملائمة للأعمال الوحشية المرتكبة داخل ولايته. غير أن طبيعة معظم الجرائم الدولية في حد ذاتها، تفترض ضمنا، كقاعدة عامة، أنها ارتكبت على يد مسؤولين في الدولة أو باشتراكهم، وبالتالي فإن ملاحقتهم قضائيا كثيرا ما يستحسن تركها لآليات أخرى. ونظرا لطابع الجرائم المرتكبة في دارفور وجوانب قصور نظام العدالة الجنائية السوداني التي أدت إلى الإفلات الفعلي للجناة المفترضين من العقاب، فإن اللجنة ترى أن المحاكم السودانية عاجزة عن الملاحقة القضائية للجناة المفترضين ومحاكمتهم وغير راغبة في ذلك. ولهذا يلزم وضع آليات أخرى لإقامة العدل. 569 - وترى اللجنة أن يتخذ مجلس الأمن تدبيرين لضمان إقامة العدل فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في دارفور، اعتبارا لأن أي آلية للعدالة لا بد وأن تلتزم ببعض المبادئ المعترف بها: فلا بد أن تكون نزيهة ومستقلة وعادلة. وفيما يتعلق بآلية المساءلة القضائية، توصي اللجنة بأن يحيل مجلس الأمن حالة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكما سبق ذكره أعلاه، فإن النظام القضائي السوداني ثبت عجزه عن ضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة في دارفور، كما ثبت أن السلطات غير راغبة في ذلك. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي في وقت تزهق فيه الأرواح وتمتهن فيه الكرامة البشرية يوميا وعلى نطاق واسع للغاية في دارفور. فلا بد أن يتولى المجتمع الدولي مسؤولية حماية المدنيين في دارفور وإنهاء حالة الإفلات من العقاب المتفشية هناك حاليا.
    570 - والغرض من التدبير الآخر هو تقديم تعويض لضحايا تلك الانتهاكات الصارخة والمتعددة لحقوق الإنسان، والتي يشكل معظمها جرائم دولية. ويُقتَرَح بالتالي أن ينشئ مجلس الأمن لجنة للتعويض.

    ثانيا - التدابير التي يتعين أن يتخذها مجلس الأمن

    ألف - الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية
    1 - مبررات اقتراح إشراك المحكمة
    571- إن المحكمة الجنائية الدولية هي أول محكمة دولية دائمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، أي جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية. وقد دخلت حيز النفاذ المعاهدة المنشئة للمحكمة، أي نظام روما الأساسي،( ) في 1 تموز/يوليه 2002.
    572 - فاللجنة ترى أن اللجوء إلى المحكمة ستكون له ست مزايا رئيسية على الأقل. أولا، لقد أنشئت المحكمة بقصد التصدي للجرائم التي من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يسوغ لمجلس الأمن تحريك اختصاص المحكمة بموجب المادة 13 (ب) من النظام الأساسي. ولعل التحقيق في الجرائم المرتكبة في دارفور والملاحقة عليها سيكون لهما أثر على السلم والأمن. وعلى الأخص، سيفضيان أو يسهمان في السلم والاستقرار في دارفور، بإزالة العقبات الكأداء التي تعترض المصالحة الوطنية واستعادة العلاقات السلمية. ثانيا، بما أنه من الصعب بل ومن المستحيل التحقيق مع الأشخاص المتمتعين بالسلطة والحظوة في البلد والممارسين للسيطرة على جهاز الدولة وملاحقتهم قضائيا، فإن اللجوء إلى المحكمة، باعتبارها المؤسسة الدولية الحقيقية الوحيدة للعدالة الجنائية، من شأنه أن يضمن إقامة العدل. فكون إجراءات المحاكمات ستتم في لاهاي، مقر المحكمة، بعيدا عن المجتمع الذي يمارس عليه هؤلاء الأشخاص السلطة ويعيش فيه أتباعهم، من شأنه أن يضمن جوا محايدا ويجعل المحاكمات لا تثير مشاعر سياسية أو إيديولوجية أو غيرها من المشاعر. ثالثا، إن سلطة المحكمة، المدعومة بسلطة مجلس الأمن بالأمم المتحدة، هي وحدها التي يمكنها أن تجبر الشخصيات القيادية في الحكومة السودانية وزعماء جماعات المتمردين على الخضوع للتحقيق وربما للإجراءات الجنائية. رابعا، إن المحكمة، بحكم تشكيلها الدولي كليا وبما لها من قواعد إجرائية وقواعد إثبات محددة بإحكام، هي أنسب جهاز لضمان محاكمة عادلة حقا لمن يصدر في حقهم المدعي العام للمحكمة قرار اتهام. خامسا، ستشرع المحكمة فورا في العمل، دون تأخير (كان سيترتب على إنشاء محاكم خاصة أو مختلطة أو مدولة). سادسا، إن إقامة الدعوى الجنائية أمام المحكمة، بناء على طلب مجلس الأمن، لن ينطوي بالضرورة على عبء مالي كبير بالنسبة للمجتمع الدولي.( )
    2 - عدم استصواب الآليات الأخرى
    573 - ترى اللجنة أن المحكمة هي الطريقة الوحيدة ذات المصداقية لتقديم الجناة المفترضين إلى العدالة. وتنصح بقوة بعدم اتخاذ تدابير أخرى.
    (أ) عدم استصواب إنشاء محكمة جناية دولية خاصة
    574- نظرا للحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراء دولي، قد يرى المرء أن من الملائم إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة، على غرار ما كان عليه الأمر في نزاعات مسلحة سابقة من قبيل النزاعين في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، عندما لم يكن للمحكمة الجنائية الدولية وجود بعدُ. غير أن ثمة على الأقل اعتبارين يجعلان هذا الحل أمرا غير محبذ. فأولا، إن هاتين المحكمتين مُكلِفتان للغاية، رغم ما لهما من مزايا. ثانيا، أنهما ظلتا حتى الآن على الأقل، وفي عدد من الجوانب بطيئتين في مقاضاة الأشخاص الصادر في حقهم قرار اتهام وفي معاقبتهم. ولهذه الأسباب أساسا، أنه لن تكون ثمة في الوقت الراهن إرادة سياسية لدى المجتمع الدولي لإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة أخرى (وثمة سبب رئيسي آخر هو أنه في الوقت الراهن توجد مؤسسة جنائية دولية دائمة ومكتملة).
    (ب) عدم استصواب توسيع ولاية محكمة من المحكمتين الجنائيتين الخاصتين القائمتين
    575- ونفس الأسباب تنسحب على إمكانية قيام مجلس الأمن بتوسيع نطاق ولاية المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة أو المحكمة الجنائية الدولية لرواندا حتى تُدرَج في اختصاصها الجرائم المرتكبة في دارفور. فأولا، إن التوسيع عملية تستغرق وقتا. وستتطلب، بعد اتخاذ مجلس الأمن لقرار بهذا الشأن، انتخاب قضاة جدد ومدعين عامين جدد وكذا تعيين موظفي قلم المحكمة. والواقع، أن هاتين المحكمتين مرهقتان في الوقت الراهن، لأنهما تسعيان جاهدتين إلى تنفيذ استراتيجية الإنجاز التي وضعها مجلس الأمن ووافق عليها. وبالتالي، فإن أي مهمة جديدة تناط بأي من المحكمتين الجنائيتين الخاصتين ستتطلب موظفين جددا على جميع المستويات. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من الواضح أن التكليف بمهام جديدة والانتخاب وتعيين موظفين جدد سيتطلب تمويلا جديدا. ولهذا فإن العيب الثاني لهذا الخيار هو أنه مكلف للغاية. ويضاف إلى ذلك أن تخويل ولاية جديدة لمحكمة من المحكمتين القائمتين سيكون له عيب ثالث: فتوسيع نطاق الولاية سيفضي إلى حالة من الارتباك الشديد في المحكمة التي سيتعين عليها فجأة أن تعيد تحديد أولوياتها وتكيف مهامها حتى تستوعب الوظائف الجديدة.

    (ج) عدم استصواب إنشاء محاكم مختلطة
    576- عندما تواجه الدول، كما حدث في السودان، حالات طوارئ تنطوي على ارتكاب أعمال وحشية على نطاق واسع، ربما يكون أحد الخيارات هو عدم اللجوء إلى المحاكم الجنائية الوطنية أو الدولية، بل إنشاء محاكم مختلطة التشكيل، أي تتألف من قضاة ومدعين دوليين ومن قضاة ومدّعين يحملون جنسية الدولة التي تعقد فيها المحاكمات.
    577- وقد اتبعت المحاكم المختلطة التي أُنشئت في صراعات أخرى نموذجين متشابهين ولكنهما متميزان. الأول هو أن تكون المحاكم المختلطة من أجهزة الدولة التي يتعلق بها الأمر بوصفها جزءا من هيئتها القضائية، كما حدث في كوسوفو وتيمور - ليشتي والبوسنة والهرسك وكمبوديا. ويجوز، كبديل، أن تكون المحاكم دولية الطابع، أي محاكم قائمة بذاتها لا تشكل جزءا من الهيئة القضائية الوطنية كما حدث في سيراليون. فالمحكمة في الأخيرة، مثلا، هي محكمة جنائية دولية ولكن بعض قضاتها ومسؤوليها الآخرين من رعايا سيراليون مما يضفي عليها طابعا مركّبا يجعلها مختلفة عن المحاكم الجنائية الدولية الأخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وهي تختلف أيضا عن هذه المحاكم الجنائية الدولية في أنها موجودة في البلد الذي حدثت فيه الجرائم وأنها ممولة عن طريق التبرعات (وليس عن طريق الاشتراكات المقررة من ميزانية الأمم المتحدة، أو كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية عن طريق الدول الأطراف في نظام روما الأساسي).
    578- وإحدى السلبيات الواضحة لإنشاء محكمة خاصة للجرائم المرتكبة في دارفور هي الآثار المالية التي تترتب على ذلك. فالمحكمة الخاصة لسيراليون، باعتمادها على التبرعات، تكاد تعجز عن تلبية متطلبات إقامة العدل هناك. وهناك سلبية رئيسية أخرى وهي طول الوقت الذي يستغرقه إنشاء هذه المحاكم عن طريق اتفاق مع الأمم المتحدة. والميزة الصافية للمحكمة الجنائية الدولية، كما أشير إليه أعلاه، هي أنها لا تفرض أي عبء مالي يُذكر على المجتمع الدولي وأنها متاحة في الحال.
    579- والسلبية الثالثة هي أن التحقيق والمحاكمة سيتعلقان بأشخاص يتمتعون بالسلطة والنفوذ في البلد ويسيطرون على جهاز الدولة. وإنشاء محكمة خاصة عن طريق اتفاق بين الحكومة الحالية والأمم المتحدة للتحقيق مع أعضاء من تلك الحكومة ذاتها ومحاكمتهم يبدو أمرا بعيد الاحتمال. وعلاوة على ذلك، فإن وضع القضاة الوطنيين الذين سيجلسون في محاكم تنظر في جرائم يمكن أن يكون قد ارتكبها بعض القادة لن يكون وضعا غير مريح فحسب، بل أيضا وضعا غير محتمل ومحفوفا بالخطر.
    580- والسلبية الرابعة هي أن كثيرا من القوانين السودانية تتناقض بشكل صارخ مع القواعد الدولية. ولذلك فإن إنشاء محاكم مختلطة قد تستطيع الاعتماد على النظام القانوني الوطني سيؤدي إلى مشاكل خطيرة، خاصة فيما يتعلق بقانون الإجراءات الجنائية السودانية لسنة 1991. وعلى عكس ذلك، فإن المحكمة الجنائية الدولية تشكل نظاما قائما بذاته تحكمه مجموعة من القواعد المفصلة سواء فيما يتعلق بالقانون الموضوعي أو بقانون الإجراءات روعي فيها تماما احترام حقوق الإنسان الأساسية لجميع المشاركين في القضايا المعروضة على المحكمة.
    581- والمهم، فضلا عن ذلك، هو أن الوضع في السودان يختلف عن معظم الحالات التي أُنشئت فيها محكمة خاصة في الماضي من ناحية واحدة على الأقل. فالجرائم الموجهة للمتهمين تدخل بالفعل في نطاق الاختصاص الزمني للمحكمة الجنائية الدولية، لأن الجرائم التي تتناولها المناقشة في هذا التقرير ارتكبت بعد 1 تموز/يوليه 2002( ).
    582- واستنادا إلى جميع التعليقات المذكورة أعلاه، تعتقد اللجنة اعتقادا قويا أن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهي المؤسسة الجنائية الدولية الحقيقية الوحيدة، هو الآلية المثلى الوحيدة التي تسمح بإقامة العدل بالنسبة للجرائم المرتكبة في دارفور.

    3 - طرائق تفعيل اختصاص المحكمة
    583- وقَّع السودان نظام روما الأساسي في 8 أيلول/سبتمبر 2000، ولكنه لم يصدِّق عليه بعد، وبالتالي فهو ليس دولة طرفا( ). ومحاكمة رعايا دولة ليست طرفا في نظام روما الأساسي ممكن في ظروف محدودة. فهو ممكن، أولا، إذا كانت الجريمة قد وقعت في إقليم دولة طرف (نظام روما الأساسي، المادة 12 (2) (أ)). وواضح هذا الحكم لا ينطبق على هذه الحالة لأن الجرائم وقعت في السودان ويُدعى أن مَن ارتكبوها من رعايا السودان( ). وهو ممكن، ثانيا، لأن تحريك اختصاص المحكمة يمكن أن يتم بأن يقوم مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (المادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي) بإحالة الأمر إلى المدّعي العام للمحكمة. وهو ممكن، أخيرا، لأن السودان يمكنه، بإعلان يودع لدى مسجّل المحكمة، أن يقبل ممارسة المحكمة لاختصاصها فيما يتعلق بالجرائم التي يتصل بها الأمر (المادة 12 (3) من نظام روما الأساسي).
    584- وتوصي اللجنة بشدة بأن يقوم مجلس الأمن على الفور بإحالة الوضع في دارفور والجرائم المرتكبة هناك منذ بداية الصراع المسلح الداخلي إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهذه الإحالة ستكون مبررة تماما لأن الحالة في دارفور تشكل بلا نزاع تهديدا للسلام، كما قرر مجلس الأمن في قراريه 1556 (2004) و 1564 (2004). ولا شك في أن محاكمة الأشخاص المدعى بمسؤوليتهم عن أخطر الجرائم التي ارتكبت في دارفور سوف تسهم في إعادة السلام إلى تلك المنطقة. واللجوء إلى المحكمة ستكون له المزايا الرئيسية المتعددة التي أُكدت أعلاه.
    585- وليس هناك شك في أن الجرائم المدعى ارتكابها التي وثّقت في دارفور تتوافر فيها الشروط المحددة بنظام روما الأساسي في المواد 7 (1) و 8 (1) و 8 (2) (و). فهناك اليوم، كما ذُكر من قبل، صراع مسلح طال أمده وغير ذي طابع دولي في دارفور بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة. وكما يتبين من النتائج المتعلقة بالوقائع، فإن ثمة مجموعة من المعلومات الموثوق بها تشير إلى احتمال ارتكاب جرائم حرب على نطاق واسع، وإلى أن هذه الجرائم كانت أحيانا جزءا من خطة أو سياسة. وهناك أيضا كمية وفيرة من المواد الموثوق بها التي تشير إلى أن أعمالا جنائية تشكل هجمات واسعة النطاق أو منتظمة موجهة ضد السكان المدنيين قد ارتكبت عن علم بحدوث الهجمات. وهذه الهجمات قد يمكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
    586- ونظام العدالة في السودان غير قادر وغير راغب في التصدي للوضع في دارفور. فقد أُضعف هذا النظام إلى حد كبير خلال العقد الماضي. وأضعفت القوانين التقييدية التي تمنح سلطات واسعة للسلطة التنفيذية فعالية السلطة القضائية إضعافا شديدا. والواقع أن كثيرا من القوانين السارية في السودان اليوم تتعارض مع معايير حقوق الإنسان الأساسية. والقوانين الجنائية السودانية لا تحظر على نحو كاف جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية مثلما وقع في دارفور، وقانون الإجراءات الجنائية يشتمل على أحكام تمنع المحاكمة الفعالة على هذه الأعمال. وبالإضافة إلى ذلك، أبلغ كثير من الضحايا اللجنة بأن ثقتهم قليلة في نزاهة نظام العدالة في السودان وفي قدرته على تقديم مقترفي الجرائم الخطيرة المرتكبة في دارفور إلى العدالة. وعلى أية حال، فإن الكثيرين يخشون الانتقام إذا لجأوا إلى نظام العدالة الوطني.
    587- والإجراءات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لمعالجة الأزمة كانت غير كافية وغير فعالة إلى حد كبير. وكما ذكـِـر في مكان آخر من هذا التقرير، فإن قليلين جدا من الضحايا هم الذين قدموا شكاوى رسمية تتعلق بالجرائم المرتكبة ضدهم أو ضد أسرهم بسبب انعدام الثقة في نظام العدالة. وفي الحالات القليلة التي قـُـدمت فيها شكاوى، لم تتابـَـع معظم القضايا على نحو سليم. وحـدَّت عقبات إجرائية إضافية من قدرة الضحايا على الوصول إلى العدالة مثل اشتراط الكشف الطبي على ضحايا الاغتصاب. وقرار وزارة العدل الذي يخفـف فيه هذا الشرط لتسجيل شكاوى الاغتصاب غير معروف بالنسبة لمعظم وكالات إنفاذ القانون في دارفور. ولم تكن اللجان المعنية بالاغتصاب التي أنشأتها وزارة العدل فعالة في التحقيق في هذه الجريمة. وقد أنشأت وزارة الدفاع لجنة لتعويض ضحايا ثلاث حوادث قصــف عن طريق الخطأ في هبيـلة وأم قوزيـن وتولـو. وبالرغم من أن تقرير لجنة التحقيق الوطنية التي أنشأها الرئيس اعترفت ببعـض الأخطاء التي وقعت من جانب الحكومة فإن معظم التقرير قد كُرس لتبـرير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة فيما يتعلق بالصراع وإيجاد مسوغات لها. والحقيقة هي أن الحكومة، بالرغم من حجم الأزمة وأثرها الواسع على المدنيـين في دارفور، لم تبلغ اللجنـة إلا بعدد قليل جدا من الحالات لأفراد حوكموا أو حتى اتُخذت ضدهم إجراءات تأديبية في إطار الأزمة الحالية.
    588- إن إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بقرار يعتمد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيكون له أثر إلزامي. وبهذه الطريقة، لا تستطيع حكومة السودان إنكار اختصاص المحكمة تحت أي ظرف. وتوصي اللجنة بأن يمكَّن القرار المدّعي العام في المحكمة من التحقيق بمبادرة منه في أي قضية فردية تتعلق بالصراع الحالي في دارفور. أما فيما يتعلق بالنطاق الزمني لهذه التحقيقات، فتقترح اللجنة ألا يقصر القرار التحقيقات على إطار زمني معين. وكما هو واضح من هذا التقرير فبالرغم من أنه كان هناك تصعيد في الهجمات بعد شباط/فبراير 2003، تلقت اللجنة معلومات تتعلق بأحداث وقعت في عام 2002 بل وقبل ذلك. وبما أن المحكمة لها طبقا للمادة 11 (1) من نظامها الأساسي اختصاص زمني اعتبارا من 1 تموز/يوليه 2002، فإن بوسع المدعي العام أن يحقق في أية جرائم ارتكبت بعد ذلك التاريخ.
    589- ومن رأي اللجنة أنه سيكون من المناسب تماما أن يقوم مجلس الأمن بعرض الحالة في دارفور على المحكمة الجنائية الدولية. فقد أكد المجلس مرارا، في قراريه 1556 (2004) و 1564 (2004)، أن حكومة السودان قد ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد رعاياها، وأن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ترتكب أيضا من جانب المتمردين. وهذا النمط المنتظم من الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان لا ينبغي أن تتصدى له الدول منفردة فحسب، بل ينبغي أن يتصدى له المجتمع العالمي بأسره من خلال أهم أجهزته السياسية. وفضلا عن ذلك، فقد شدد مجلس الأمن في قراريه المذكورين آنفا على ضرورة وضع حد للإفلات من العقاب في دارفور، لأن إنهاء هذا الإفلات من العقاب سوف يسهم في استعادة الأمن في المنطقة، وبذلك يتيح لمئات الآلاف من المشردين داخليا العودة إلى ديارهم أو إلى أي مكان آخر يختارونه. وهكذا، يكون مجلس الأمن، وهو أعلى هيئة في المجتمع الدولي مسؤولة عن صون السلم والأمن، متسقا مع قراراته عندما يحيل الوضع في دارفور والجرائم المرتكبة هناك إلى أعلى مؤسسة قضائية جنائية في المجتمع العالمي.

    باء - إنشاء لجنة للتعويضات
    590- للأسباب الواردة أدناه، تقترح اللجنة أيضا على مجلس الأمن إنشاء لجنة للتعويضات، لا كبديل بل كإجراء مكمل لإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. فالدول ملزمة بالعمل لا ضد مقترفي الجرائم فحسب بل أيضا نيابة عن الضحايا. وإذا كان إنشاء لجنة للتعويضات لا يشكل آلية لضمان محاسبة المسؤولين فإنه سيكون أمرا حيويا بالنسبة لرد حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في دارفور.

    (ط) مبررات اقتراح إنشاء لجنة للتعويضات
    591- بالنظر إلى حجم الدمار الذي سببه الصراع المسلح للسكان المدنيين يعتبر من الضروري التفكير في منح تعويضات لضحايا الجرائم المرتكبة خلال هذا الصراع، سواء تم أو لم يتم تحديد مرتكبي الجرائم الدولية.
    592- ويستند هذا المقترح إلى أسس عملية وأخلاقية بالإضافة إلى الأسس القانونية. وفيما يتعلق بالأولى، يكفي أن نذكر أنه في عدة حالات، لا سيما في حالات الاغتصاب، سيكون من الصعب جدا على أية آلية قضائية أن تحدد على وجه القطع مَن ارتكبوا هذه الجرائم. وبعبارة أخرى فقد يكون من الصعب جدا أو حتى من المستحيل أن تخلص محكمة إلى نتائج قضائية وأن تقرر عقوبات. وفي مثل هذه الحالات يكون من الضروري على الأقل جبر الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالضحايا. وإذا كان الجناة سيظلون في الواقع بمنأى عن العقاب، فإن المجتمع الدولي لا يجوز له أن يغض الطرف عن محنة الضحايا. فمن واجبه على الأقل أن يخفف معاناتهم بإلزام دولة السودان بتعويضهم عما لحق بهم من ضرر.
    593- والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان يمكن أن تترتب عليها لا المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكب الجريمة فحسب بل أيضا المسؤولية الدولية للدولة التي يتصرف مرتكب الجريمة باسمها (أو الكيان الشبيه بالدولة الذي تصرف باسمه). وتنطوي هذه المسؤولية الدولية على ضرورة قيام الدولة (أو الكيان الشبيه بالدولة) بدفع تعويض للضحية( ).
    594- وفي الوقت الذي تقرر فيه هذا الالتزام الدولي للمرة الأولى، بل وربما في عام 1949، عندما وضعت مشاريع اتفاقيات جنيف وتمت الموافقة عليها، كان الالتزام يعتبر بوضوح التزاما من جانب كل دولة متعاقدة تجاه أية دولة متعاقدة أخرى يتعلق بها الأمر. وبعبارة أخرى، كان ينظر إليه على أنه التزام بين الدول يترتب عليه (أ) أن أية دولة يتعلق بها الأمر يحق لها أن تطلب جبرا أو تعويضا من الدولة الأخرى التي يتعلق بها الأمر؛ و (ب) أنه لا يمكن أن يمنح رعايا تلك الدولة تعويض فعلي عن أي ضرر لحق بهم إلا عن طريق التقدم بمطالبات إلى المحاكم الوطنية أو غيرها من أجهزة الدولة. وقد ذهبت المحاكم في السوابق القضائية الوطنية ببعض البلدان( ) إلى أن الالتزام محل البحث لم يكن القصد منه مباشرة منح حقوق لضحايا جرائم الحرب أو الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف من الأفراد. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر أن الالتزام الدولي قد أوفي به في أي وقت توافق فيه الدولة المسؤولة بعد إبرام معاهدة سلام على دفع تعويضات حرب أو جزاءات للدولة أو الدول الأخرى عن الأضرار التي لحقت برعايا الخصم، بغض النظر عما إذا كان الدفع قد تم فعلا في أي وقت.
    595- وقد كان لظهور مذاهب حقوق الإنسان في المجتمع الدولي وإعلان حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والوطني منذ اعتماد ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945، أثر ملحوظ على هذا المجال أيضا. وعلى وجه الخصوص، فقد سجلت معاهدات دولية كثيرة الحق في التعويض الفعلي عن أي انتهاك خطير لحقوق الإنسان( ). وعلاوة على ذلك، فإن إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة الذي اعتمدته الجمعية العامة في عام 1985، ينص على أن الدول عليها أن تستحدث الحقوق ووسائل الانتصاف الملائمة وتتيحها للضحايا( ).
    596- وينطوي الحق في الإنصاف الفعلي أيضا على حق الجبر (بما فيه التعويض) إذا اقتنعت الهيئة القضائية التي تنظر في الأمر بأن انتهاكا لحقوق الإنسان قد ارتكب؛ والواقع أن جميع الأحكام المذكورة أعلاه تذكر كلها تقريبا الحق في الجبر بوصفه نتيجة منطقية للحق في الإنصاف الفعلي.
    597- وكما أكد بحق القاضي كلود جوردا الذي كان وقتئذ رئيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في خطابه إلى الأمين العام بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2000( ) فإن الاعتراف والقبول العالميين بالحق في الإنصاف الفعلي لا يمكن إلا أن يكون لهما أثر على تفسير الأحكام الدولية بشأن مسؤولية الدولة عن جرائم الحرب وغيرها من الجرائم الدولية. فتلك الأحكام يجوز الآن تفسيرها على أنها تعني أن الالتزامات المقررة فيها هي التزامات تتحملها الدول لا إزاء الدول المتعاقدة الأخرى فحسب بل أيضا تجاه الضحايا، أي الأفراد الذين عانوا من تلك الجرائم. وبعبارة أخرى فقد ظهر الآن في القانون الدولي حق لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة (لا سيما جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية) في الجبر (بما فيه التعويض) عن الضرر الناجم عن تلك الانتهاكات.
    598- وفي ضوء التعليقات الواردة أعلاه، واستنادا إلى مجموعة القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان المذكورة آنفا، يجوز القول في الوقت الحاضر بأنه متى ارتكب انتهاك جسيم لحقوق الإنسان يرقى أيضا إلى مستوى الجريمة الدولية فإن القانون الدولي العرفي لا ينص فقط على المسؤولية الجنائية للأفراد الذين ارتكبوا ذلك الانتهاك، بل إنه أيضا يفرض التزاما على الدول التي ينتمي إليها مرتكبو الجرائم أو الدول التي تصرفوا بوصفهم أجهزة لها بحكم القانون أو بحكم الأمر الواقع، جبر الضرر الذي وقع (بما في ذلك دفع التعويضات).
    599- وطبقا للظروف المحددة لكل حالة، يجوز أن يأخذ الجبر شكل رد الأصول المنهوبة أو المسروقة، أو التعويض المالي، أو إعادة التأهيل بما في ذلك الرعاية الطبية والنفسية، بالإضافة إلى الخدمات القانونية والاجتماعية، أو الترضية بما فيها الاعتذار العلني مع الاعتراف بالحقائق وقبول المسؤولية، أو تقديم ضمانات بعدم التكرار( ). وكما أكد الأمين العام بحق في عام 2004، فإنه سيكون من المهم أيضا الجمع بين آليات أو أشكال مختلفة من الجبر( ).
    600- وفي ضوء هذه القاعدة القانونية الدولية يجب أن يُنظر إلى التزام السودان بدفع تعويضات عن جميع الجرائم التي ارتكبها في دارفور وكلاؤه ومسؤلوه أو أجهزته بحكم الأمر الواقع. وثمة التزام مماثل يتحمله المتمردون عن جميع الجرائم التي قد يكونون قد ارتكبوها سواء تم أو لم يتم تحديد الجناة ومعاقبتهم.

    2 - إنشاء لجنة للتعويضات
    601- من أجل هذا يُقترح إنشاء لجنة تعويضات دولية تتألف من 15 عضوا، 10 يعينهم الأمين العام للأمم المتحدة و 5 تعينهم هيئة سودانية مستقلة. وهذه اللجنة، التي ينبغي أن يرأسها عضو دولي، ينبغي أن تتألف من أشخاص ذوي سمعة دولية ثابتة، بعضهم متخصص في القانون (ولا سيما القانون الدولي، أو قانون الأضرار أو القانون التجاري)، وبعضهم في المحاسبة وتسوية الخسائر والضرر البيئي. وينبغي أن تنقسم اللجنة إلى خمس دوائر، يتألف كل منها من ثلاثة أعضاء؛ وينبغي أن تنعقد في دارفور وأن تكون ولايتها لمدة ثلاث سنوات. وينبغي أن تتناول أربع دوائر التعويض عن أي جريمة دولية ارتكبت في دارفور. وتتناول دائرة خامسة خاصة التعويضات لضحايا الاغتصاب على وجه التحديد. وهذه الدائرة ضرورية بالنظر إلى طابع الانتشار الواسع لهذه الجريمة في دارفور والطبيعة المختلفة للضرر الواقع على الضحايا. كما أن للتعويض هنا معنى خاص، بالنظر إلى ما سبق ذكره من أنه من الصعب جدا، بالنسبة للاغتصاب بصفة خاصة، العثور على الجناة الفعليين. وكثيرات من الضحايا لن يستفدن من رؤية المعتدين عليهن مدانين أمام محكمة. ولهذا فقد يكون من المستصوب وضع مشروع خاص يكفل التعويض (أو الجبر بشكل أعم) عن العواقب غير الإنسانية بصفة خاصة التي تعاني منها الكثيرات اللاتي اغتُصِبن في دارفور.
    602- وينبغي أن تتخذ اللحنة قرارات بشأن مطالبات التعويض المقدمة من جميع ضحايا الجرائم، وهم (حسبما جاء في إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 40/34 المؤرخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1985)، الأشخاص الذين أصيبوا، فرادى أو جماعات، بضرر، بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية، أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية نتيجة للجرائم الدولية التي ارتكبت في دارفور، إما بواسطة السلطات الحكومية أو أي جهاز يعمل باسمها بحكم الأمر الواقع أو بواسطة المتمردين، سواء تم أو لم يتم تحديد الجناة ومحاكمتهم.
    603- وينبغي أن توفر السلطات السودانية التمويل اللازم لدفع التعويضات لضحايا الجرائم التي ارتكبتها قوات الحكومة أو وكلاؤها بحكم الواقع، وينبغي أن يطلب منها مجلس الأمن إيداع المبلغ اللازم في حساب ضمان. وينبغي أن يتم تحمل التمويل اللازم لتعويض ضحايا الجرائم المرتكبة من جانب المتمردين (سواء تم أو لم يتم تحديد الجناة ومحاكمتهم) من خلال صندوق استئماني يُنشأ على أساس تبرعات دولية.

    ثالثا - التدابير التي يمكن أن تتخذها الهيئات الأخرى
    604- إذا كانت الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية هي التدبير الفوري الرئيسي الذي ينبغي اتخاذه لضمان المساءلة، فإن اللجنة تود أن تلقي الضوء على بعض التدابير المتاحة الأخرى، التي لم تُقترح كبدائل محتملة لإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة.

    ألف - الدور الذي يمكن أن تقوم به المحاكم الوطنية فيما عدا السودان من الدول
    605- يمكن أن تؤدي محاكم دول أخرى غير السودان دورا هاما في تقديم الأشخاص المشتبه فيهم أو المتهمين بارتكاب جرائم دولية في دارفور للعدالة. على أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو ما إذا كان ذلك يتواءم، وإلى أي مدى يتواءم، مع تفعيل المحكمة الجنائية الدولية. ولذلك، يكون من المناسب أن نناقش بإيجاز مسألة دور المحاكم الوطنية ودور المحكمة الجنائية الدولية في المرات التي أحال فيها مجلس الأمن حالة إلى المحكمة.

    1 - الإحالة من مجلس الأمن ومبدأ التكامل
    606- إن السؤال الذي ينبغي التصدي له هو ما إذا كان مبدأ التكامل الذي تقوم عليه المحكمة الجنائية الدولية، أي المبدأ الذي بموجبه لا تتدخل المحكمة إلا عندما يثبت أن المحاكم الوطنية المختصة غير قادرة أو غير راغبة فعلا في محاكمة الأشخاص المتهمين بجرائم دولية خطيرة تقع في نطاق اختصاص المحكمة، ينبغي أن ينطبق في الحالة التي تتناولها المناقشة. وبعبارة أخرى، فالسؤال هو ما إذا كان يجب على المحكمة، عندما يحيل إليها مجلس الأمن حالة بموجب المادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي، أن تطبق مبدأ التكامل ومن ثم أن تنظر أولا فيما إذا كانت هنـــاك محكمة وطنية مختصة راغبة وقادرة على محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الناشئة في تلك الحالة.
    607- وتشير اللجنة إلى أنه وإن كان من الصحيح أن المدعي العام ملـــزم بموجـــب المادة 18 (1) من النظام الأساسي للمحكمة بإخطار جميع الدول الأطراف بأن إحدى الدول قد أحالت إليه حالة أو بأنه قد قرر الشروع في إجراء تحقيقات من تلقاء نفسه، لا يوجد واجب إخطار الدول الأطراف هذا فيما يتعلق بإحالات مجلس الأمن. ومع ذلك، فإنه لا يلزم من هذه القواعد بشأن عمليات الإخطار، أن يصبح التكامل غير قابل للتطبيق في حالة إحالات مجلس الأمن. بل إنه يبدو أن حقيقة أن المدعي العام غير ملزم بإخطار الدول الأطراف بإحالة مجلس الأمن، تبررها حقيقة أنه يفترض في حالة كهذه أن تكون جميع الدول على علم بهذه الإحالة، بالنظر إلى أن أعمال تلك الهيئة معلنة ومعروفة على نطاق واسع. ويستدل على هذا كذلك، من حقيقة أن مجلس الأمن هو الهيئة العليا في المنظمة وجميع أعضاء الأمم المتحدة ملزمون بقراراته عملا بالمادة 25 من الميثاق. وعلى العكس من ذلك، فإنه بدون إخطار المدعي العام يكون من الصعب على الدول أن تعلم فورا بقراره الشروع في إجراء تحقيق من تلقاء نفسه أو إثر إحالة من دولة من الدول. ولذلك، فإن التكامل ينطبق أيضا على الإحالات المقدمة من مجلس الأمن.
    608- على أن أي إحالة من مجلس الأمن تقوم عادة على افتراض أن دولة الإقليم لا تقيم العدل لأنها غير راغبة في ذلك أو غير قادرة عليه( ). ولذلك لا يحتج عادة بمبدأ التكامل في أحوال تتعلق بتلك الدولة.
    609- وتستند توصية اللجنة بأن يحيل مجلس الأمن الحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية إلى افتراض صحيح هو أن المحاكم السودانية غير راغبة وغير قادرة على محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية العديدة المرتكبة في دارفور منذ عام 2003. على أن اللجنة تدرك أن القرار الأخير في هذا الصدد هو قرار المدعي العام بالمحكمة.

    2 - مفهوم الولاية القضائية العالمية
    610- تود اللجنة أن تؤكد على أن تفعيل مجلس الأمن لولاية المحكمة الجنائية الدولية ينبغي أن يتم دون الإخلال بالدور الذي يمكن أن تؤديه المحاكم الجنائية الوطنية بالدول الأخرى. فالواقع أنه يمكن للدول الأخرى أن تمارس ما يسمى بالولاية القضائية العالمية على الجرائم التي يدعى ارتكابها في دارفور. وترى اللجنة أن ممارسة الولاية القضائية العالمية، رهنا باستيفاء الشروط الواردة أدناه، وسيلة مكملة لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة في دارفور يمكن أن تساعد بالفعل في تخفيف عبء المحكمة الجنائية الدولية.
    611- والطريقة التقليدية لمحاكمة من يدعى ارتكابهم لجرائم دولية هي أن تعتمد الدول على واحد من مبدأين لا يرقى إليهما الشك: مبدأ الإقليمية (وهو أن تكون الجريمة قد ارتكبت في أراضي الدولة) ومبدأ الجنسية الفعلية (وهو أن تكون الجريمة قد ارتكبت في الخارج ولكن مرتكبها أحد رعايا الدولة التي تجري المحاكمة). وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولاية القضائية خارج الإقليم على الجرائم الدولية التي يرتكبها غير المواطنين، تمت ممارستها ومقبولة بصفة عامة على أساس الشخصية السلبية (أن يكون المجني عليه من رعايا الدولة التي تجري المحاكمة).
    612- وفي غياب أي من هذه الروابط الاختصاصية المقبولة في وقت ارتكاب الجريمة، يمكِّن مبدأ العالمية أي دولة من تقديم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية إلى المحاكمة بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، أو جنسية الجاني أو جنسية المجني عليه. وهذا المبدأ يبرره مفهوم أن الجرائم الدولية تشكل هجمات على المجتمع الدولي برمته، وتنتهك القيم المشتركة بين جميع أعضاء ذلك المجتمع.
    613- ويبدو أنه لا جدال في أن هناك قاعدة عامة من قواعد القانون الدولي تجيز للدول تأكيد الولاية القضائية العالمية على جرائم الحرب وكذلك على الجرائم ضد الإنسانية وعلى الإبادة الجماعية. ووجود هذه القاعدة ثابت باتفاق إعلانات الدول وبالتشريعات الوطنية( ) وبالسوابق القانونية( ).
    614- وعلى أنه يمكن القول بأن هذه القواعد العرفية، إذا ما فُسرت في ضوء المبادئ العامة السائدة حاليا في المجتمع الدولي، تجعل ممارسة الولاية القضائية العالمية مرهونة بشرطين رئيسيين. الأول هو أن الشخص المشتبه فيه أو المتهم بارتكاب جريمة دولية يجب أن يكون موجودا بأراضي الدولة التي تجري المحاكمة. والثاني أنه ينبغي قبل الشروع في الإجراءات الجنائية أن تحدد تلك الدولة ما إذا كانت دولة الإقليم أم الدولة التي يدعى بارتكاب الجريمة فيها أو دولة الجنسية الفعلية (أي الدولة التي يكون الشخص المشتبه فيه أو المتهم من رعاياها) راغبة في محاكمة ذلك الشخص وبالتالي مستعدة لطلب تسليمه. ولا يجوز للدولة التي يوجد الشخص في أراضيها أن تشرع في إقامة الدعوى ضده إلا إذا رفضت الدولة أو الدول التي يتعلق بها الأمر أن تطلب التسليم، أو كان انعدام قدرتها على تقديم الشخص للعدالة أو عدم رغبتها في ذلك واضحا.
    615- والأمر في حالة دارفور لا يحتاج إلى تطبيق الشرط الثاني، لأن المحاكم السودانية وغيرها من السلطات القضائية قد أبدت بوضوح، كما أشير إليه أعلاه، أنها غير قادرة على ممارسة الولاية القضائية على الجرائم المرتكبة في دارفور أو غير راغبة في ذلك.

    3 - ممارسة الولاية القضائية العالمية ومبدأ التكامل في المحكمة الجنائية الدولية
    616- لقد تمت مناقشة مسألة إحالات مجلس الأمن ومبدأ التكامل أعلاه. وترى اللجنة أن مبدأ التكامل يمكن أن ينطبق أيضا على العلاقات بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية فيما عدا السودان من البلدان. وبعبارة أخرى ينبغي للمحكمة الجنائية الدولية أن تفسح المجال لما عدا محاكم السودان من المحاكم الوطنية التي تتولى إجراء محاكمات حقيقية على أساس الولاية القضائية العالمية. وإذا كانت الإحالة من مجلس الأمن تستند في الأحوال العادية، كما سبقت الإشارة، إلى افتراض أن دولة الإقليم لا تقيم العدل لأنها غير راغبة في ذلك أو غير قادرة عليه( )، فليس هناك سبب للشك مسبقا في قدرة أية دولة أخرى أو في استعدادها لتأكيد ولايتها القضائية العالمية أو القضائية خارج إقليمها استنادا إلى أي من الأسس المذكورة أعلاه. ولذلك، فإن مبدأ التكامل، الذي يشكل إحدى دعامات نظام المحكمة، ينبغي أن يعمل تماما في حالات تأكيد الولاية القضائية العالمية على جريمة يحيلها مجلس الأمن إلى المحكمة.

    باء - لجنة تقصي الحقائق والمصالحة
    617- ترى اللجنة أن إنشاء لجنة لتقصي الحقائق والمصالحة يمكن أن يكون له دور هام في كفالة العدالة والمساءلة. فالمحاكم الجنائية وحدها قد لا تكون مناسبة للكشف عن أوسع نطاق من الجرائم التي وقعت خلال فترة من القمع، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن هذه المحاكم لا يجوز لها أن تدين أحدا إلا عندما يقوم على الجريمة دليل لا يتناوله الشك المعقول. وفي ظروف الجرائم الجماعية، مثلما يحدث في دارفور، فإن إقامة عدد محدود نسبيا من الدعاوى، مهما يكن نجاحها، قد لا تلبي على وجه تام ما يتوقعه المجني عليهم من الاعتراف بمعاناتهم. فالمهم في السودان هو الكشف الكامل عن كل ما ارتكب من الجرائم.
    618- وقد نظرت اللجنة في عدد من آليات المساءلة التي تشكل جزءا من بعض لجان تقصي الحقائق والمصالحة. وفي إحدى هذه اللجان منح العفو لمرتكبي انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني. وإذا كانت حالات العفو هذه قد منحت في مقابل تقديم الجناة لاعترافات علنية، فإنها اعتبرت غير مقبولة في القانون الدولي - وهذا صحيح في رأي اللجنة. كذلك فإن حالات العفو هذه اعتبرت في رأي الكثيرين خروجا على موقف الأمم المتحدة المسلم به وهو أنه لا ينبغي منح العفو في حالات الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية. على أنه حدث في لجنة تقصي الحقائق والمصالحة هذه (وفي لجنة أخرى) أن بعض الشهود الذين استدعوا للشهادة تحت طائلة العقوبة، وألزموا بأن يشهدوا على أنفسهم، منحوا ”حصانة الاستخدام“ التي تكفل لهم ألا تستخدم ضدهم في أية دعاوى جنائية المعلومات التي يكشفون عنها للجنة تقصي الحقائق والمصالحة. ويمكن اعتبار حصانة الاستخدام مقبولة في القانون الدولي، في ظروف لجنة لتقصي الحقائق والمصالحة على الأقل، من حيث إنها تسهم في الكشف عن الحقيقة. وفي هذه الحالة يكون الجناة ملزمين بالكشف عن كل شيء، وإن يكن ذلك مقابل ضمان محدود بألا تستخدم شهاداتهم أمام لجنة تقصي الحقائق والمصالحة ضدهم في أية دعاوى جنائية. ومع ذلك فإن بوسع المجتمع أن يعتبرهم مسؤولين عن الجرائم التي اعترفوا بارتكابها، ويظل من الممكن إقامة الدعوى عليهم، وتكون الأدلة الوحيدة التي لا يجوز استخدامها ضدهم هي الأدلة التي قدموها في جلسات استماع لجنة تقصي الحقائق والمصالحة.
    619- وفي لجنة أخرى من لجان تقصي الحقائق والمصالحة، أمكن استبعاد المسؤولية الجنائية والمدنية بالنسبة لبعض الجرائم غير الخطيرة (خلاف القتل والاغتصاب مثلا)، بشرط أن يكشف الجناة كشفا تاما عن جميع جرائمهم، وأن يقدموا اعتذارات للمجني عليهم، وأن يوافقوا على القيام بخدمات في المجتمع المحلي أو جبر الأضرار التي لحقت بالمجني عليهم أو دفع تعويضات لهم. وقد حدث كل ذلك في ظروف أشرفت فيها المحاكم على العملية كلها. وهذا التدبير هو شكل من أشكال آليات المساءلة؛ وهو يكفل الكشف عن أكبر عدد ممكن من الجناة لأنهم يتقدمون للشهادة، ولكنهم يدفعون أيضا ثمنا ما للمجتمع - وخاصة للمجني عليهم. وهذا التدبير ليس عملية عفو بالمعنى المعروف؛ ولكنه ليس بعيد الشبه بالترتيب الذي يتم بين الدولة والجاني حيث يعترف الجاني بجريمة أدنى لتجنب الإدانة في جريمة أكبر. وهناك فائدة إضافية للأخذ بهذا الترتيب بمبادرة من لجنة تقصي الحقائق والمصالحة وهي أنه يصبح عملية يشارك فيها المجتمع المحلي، والمجني عليهم خاصة، بشكل مباشر جدا.
    620- وعلى ذلك فقد قامت لجان تقصي الحقائق والمصالحة، في كثير من الظروف، بدور هام في إقامة العدل، والكشف عن الحقيقة، واقتراح أشكال الجبر، والتوصية بإصلاحات في المؤسسات الفاسدة.
    621- ومسألة ما إذا كان وجود لجنة لتقصي الحقائق والمصالحة مناسبا للسودان والمرحلة التي ينبغي فيها إنشاء هذه اللجنة مسألة يقررها الشعب السوداني وحده من خلال عملية مشاركة حقيقية. والوضع الأمثل هو أن تتخذ هذه القرارات: (أ) عندما ينتهي الصراع ويستتب السلام من جديد؛ و (ب) كتدبير مكمل للدعاوى الجنائية التي ينبغي، على عكس ذلك، تحريكها في أقرب وقت ممكن، حتى ولو كان الصراع ما زال مستمرا، وذلك لكي يكون لها أثر رادع يمنع المزيد من العنف؛ و (ج) بناء على مناقشة متبصرة بين أوسع قطاعات ممكنة من المجتمع السوداني تراعى فيها الخبرة الدولية ويتم فيها، على هذا الأساس، تقدير الإسهام المحتمل لوجود لجنة لتقصي الحقائق والمصالحة في السودان. وتشير الخبرة الدولية في الفترة الأخيرة إلى أن من المحتمل ألا تكون لهذه اللجان مصداقية أو أثر إلا عندما تحدد ولاياتها ويحدد تشكيلها استنادا إلى عملية تشاور واسعة تضم المجتمع المدني ومجموعات المجني عليهم. وينبغي تجنب إنشاء لجان تقصي الحقائق والمصالحة لتكون بديلا للعدالة او للتوصل إلى حقائق مشوهة.

    جيم - تعزيز نظام العدالة الجنائية في السودان
    622- من الضروري إزاء الإفلات الواسع من العقاب في دارفور وفي السودان تعزيز النظام القانوني والقضائي السوداني حتى يكون قادرا على إقامة العدل على نحو يتسق وقانون حقوق الإنسان.
    623- ومن المستصوب في السودان أن يتم أولا إلغاء ”المحاكم الخاصة“ التي لم تثبت أي قدر من الكفاءة في مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم الناشئة عن حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس. كذلك ينبغي أن ينظر السودان في إصدار تشريع يكفل الاستقلال التام والحيدة الكاملة للهيئة القضائية ويزودها بالسلطات الكافية التي تمكنها من التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان.
    624- وعلاوة على ذلك، ينبغي للسودان أن ينظر في توفير التدريب لقضاته ومدعيه ومحققيه على أيدي خبراء دوليين لديهم الخبرة المناسبة في مجال التدريب. وينبغي التركيز بوجه خاص على قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني والقانون الجنائي الدولي. كذلك ينبغي التفكير في إصدار تشريعات خاصة وتوفير التدريب الخاص لزيادة استقلال الهيئة القضائية وحيدتها.
    625- ومن المهم أيضا أن توصى السلطات السودانية بإلغاء المادة 33 من قانون قوات الأمن الوطني لسنة 1999، الذي يمنح الحصانة من إقامة الدعوى لأي ”عضو“ أو ”متعاون مع العدو“ بسبب أي عمل يتصل بالعمل الرسمي لهؤلاء الأشخاص. وإذا كانت السلطات قد أكدت للجنة أن الحصانة قد رفعت تلقائيا في الحالات التي ارتكبت فيها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الدولية أو للقانون الإنساني، فإن اللجنة لم تستطع أن تتحقق، على الرغم من الطلبات الرسمية العديدة التي قدمتها، من أن هذا هو ما حدث بالفعل. وعلى العكس من ذلك، فإن اللجنة لا تملك إلا أن تستنبط من انعدام أية محاكمة حقيقية للمسؤولين عن الجرائم العديدة التي ارتكبت في دارفور أن النص المشار إليه الذي يمنح الحصانة قد طبق، كأمر واقع على الأقل. وهذا النص هو على كل حال متعارض مع القانون الدولي، على الأقل عندما يطبق على انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وعلى جرائم ضد الإنسانية. كذلك ينبغي إلغاء الحصانات الممنوحة حاليا لبعض الموظفين العموميين الآخرين مثل أفراد الشرطة، بالنسبة لانتهاكات حقوق الإنسان.

    الجزء الخامس
    الاستنتاجات والتوصيات
    626- لقد عانى أهل دارفور معاناة شديدة خلال السنوات القليلة الماضية. ويجب أن تظل محنتهم في بؤرة الاهتمام الدولي. لقد عاشوا كابوسا من العنف والقسوة جردهـــم مـــن كل ما يملكونه وهو أقل القليل. فقد قتل الآلاف، واغتصبت النساء، وحرقت القرى، ودمرت المنازل، ونهبت الممتلكات. وتعرض نحو 1.8 مليون شخص للتشريد عنوة وأصبحوا لاجئين أو مشردين داخليا، وهم في حاجة إلى الحماية.
    627- إن إقرار السلام وإنهاء العنف في دارفور أمران لازمان لتحسين الوضع فيما يتعلق بحقوق الإنسان. على أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يستتب بدون إقامة العدل. ومما يؤسف له أن نظام العدالة السوداني قد أثبت أنه لا يملك القدرة أو الرغبة بالنسبة للتحقيق مع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور وإقامة الدعوى عليهم. ومن الضروري ضرورة مطلقة أن يقدم هؤلاء الجناة إلى المحاكمة أمام محكمة جنائية دولية مختصة وذات مصداقية. ومن المهم أيضا تعويض ضحايا الجرائم التي ارتكبت في دارفور.
    628- إن السودان دولة ذات سيادة ويجب أن تحترم وحدة أراضيه. وإذا كانت اللجنة تسلم بحق السودان في اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على سلطته أو استعادة هذه السلطة وفي الدفاع عن وحدة أراضيه، فإن السيادة تستتبع المسؤولية. والسودان مطالب ليس باحترام القانون الدولي فحسب، وإنما بضمان احترامه أيضا. ومما يؤسف له أن حكومة السودان قد أخفقت في حماية حقوق شعبها. والتدابير التي اتخذتها لمواجهة التمرد في دارفور كانت انتهاكا صارخا للقانون الدولي. وعلى ذلك يتعين على المجتمع الدولي أن يتصرف فورا وأن يتخذ التدابير التي تكفل المساءلة. كذلك تتعين محاسبة أعضاء جماعات المتمردين الذين ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني.
    629- ويجب أن تكون التدابير التي تتخذها جميع أطراف الصراع الداخلي في السودان متفقة مع القانون الدولي.

    أولا - النتائج فيما يتعلق بالوقائع والنتائج القانونية
    630- إزاء ما تبين للجنة مما أشير إليه فيما سبق من أبواب، تخلص اللجنة إلى أن حكومة السودان وميليشيا الجنجويد مسؤولتان عن عدد من انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. ومن المرجح جدا أن تعتبر بعض هذه الانتهاكات جرائم حرب، كما أن كثيرا من هذه الانتهاكات يمكن، بالنظر إلى ما تتسم به من الانتظام واتساع النطاق، أن تعتبر جرائم ضد الإنسانية. كذلك تبين للجنة أن حركات التمرد مسؤولة عن انتهاكات يمكن اعتبارها جرائم حرب.
    631- وقد تبين للجنة على وجه الخصوص أن قوات الحكومة والميليشيات الخاضعة لسيطرتها قامت في كثير من الحالات بمهاجمة المدنيين وتدمير القرى وحرقها في دارفور، مخالفة بذلك مبادئ القانون الإنساني الدولي وقواعده ذات الصلة. وحتى على افتراض وجود متمردين في كل القرى التي هوجمت، أو على الأقل اختباء بعض المتمردين بها، أو وجود أشخاص مؤيدين للمتمردين بها - وهي واقعة لم تستطع اللجنة أن تتحقق منها لعدم وجود أدلة يطمأن إليها - فإن المهاجمين لم يتخذوا الاحتياطات اللازمة لتمكين المدنيين من مغادرة القرى أو الاحتماء من الهجوم بأي شكل آخر. ويتبين بوضوح من أثر الهجمات على المدنيين أن استخدام القوة العسكرية كان غير متناسب مع أي تهديد يمثله المتمردون. ويبدو، إضافة إلى ذلك، أن هذه الهجمات أريد بها أيضا بث الذعر بين المدنيين لإكراههم على الهروب من القرى. ومن وجهة نظر القانون الجنائي الدولي، فإن هذه الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي تشكل بلا شك جرائم حرب على نطاق واسع.
    632- وقد تبين للجنة أن تدمير القرى على نطاق واسع في دارفور تسببت فيه عمدا وإلى حد كبير هجمات قامت بها ميليشيا الجنجويد، وحدها أو بالاشتراك مع قوات الحكومة. وحتى مع احتمال ألا تكون الحكومة في معظم الحالات قد اشتركت في التدمير، فإن اشتراكها في الهجمات التي تم خلالها التدمير ووجود قواتها في مكان التدمير يكفيان لجعلها شريكة في المسؤولية عن هذا التدمير. ولم تكن هناك ضرورة عسكرية للتدمير وما أحدثه من خراب. فأهداف التدمير خلال الهجمات التي تتناولها المناقشة كانت كلها أهدافا مدنية. ومن الواضح أن تدمير كل هذا العدد من قرى المدنيين هو انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي ويعتبر جريمة خطيرة جدا من جرائم الحرب.
    633- وترى اللجنة أن ثمة كمية من المواد المتسقة والمطمأن إليها التي يغلب عليها إظهار أنه قد ارتكبت من جانب حكومة السودان وميليشيا الجنجويد أعمال قتل عديدة لمدنيين غير مشتركين في أعمال القتال. وليس هناك من ينكر أنه حدثت عمليات قتل جماعي في دارفور وأن هذه العمليات ارتكبتها قوات الحكومة وميليشيا الجنجويد في مناخ ساده الإفلات التام من العقاب بل والتشجيع على ارتكاب جرائم خطيرة ضد قطاع معين من السكان المدنيين. وضخامة عدد القتلى، والنمط الواضح للقتل، ومشاركة المسؤولين أو السلطات، كلها من العوامل التي تحدو باللجنة إلى استنتاج أن أعمال القتل تمت على نطاق واسع وبطريقة منتظمة. وعلى ذلك فالأرجح أن يعتبر القتل الجماعي للمدنيين في دارفور جريمة ضد الإنسانية.
    634- وواضح من المعلومات التي جمعتها اللجنة وتحققت منها أن الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي التي ارتكبتها ميليشيا الجنجويد وجنود الحكومة في دار فور كانت واسعة النطاق ومنتظمة ومن الممكن جدا لهذا السبب أن تعتبر هذه الأعمال جريمة ضد الإنسانية. وعلم الجناة بأن أعمال العنف التي ارتكبوها كانت جزءا من هجوم منتظم على المدنيين يمكن استنباطه من أمور بينها أنهم كانوا على علم بأنهم سوف يفلتون فعلا من العقاب. وترى اللجنة أن جرائم العنف الجنسي التي ارتكبت في دار فور يمكن أن ترقى إلى الاغتصاب بوصفه جريمة ضد الإنسانية أو إلى الاستعباد الجنسي بوصفه جريمة ضد الإنسانية.
    635- وترى اللجنة أن التعذيب كان جزءا متسقا لا يتجزأ من الهجمات الموجهة ضد المدنيين من جانب ميليشيا الجنجويد وقوات الحكومة. ويمكن اعتبار أن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة قد ارتكبا على نطاق واسع وبطريقة منتظمة مما يجعل منهما جريمة ضد الإنسانية. وبالإضافة إلى ذلك، ترى اللجنة أن ما شوهد من الأوضاع في معتقل المخابرات الوطنية بالخرطوم يعتبر بوضوح تعذيبا ومن ثم يشكل انتهاكا خطيرا لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني.
    636- ويقدر أن أكثر من 1.8 مليون شخص أخرجوا عنوة من ديارهم، وهم الآن نزلاء في مواقع المشردين داخليا الموجودة بجميع أنحاء دار فور وفي مخيمات اللاجئين الموجودة في تشاد. وقد تبين للجنة أن تشريد السكان المدنيين عنوة كان منتظما وتم على نطاق واسع وهو عمل يعتبر جريمة ضد الإنسانية.
    637- وتبين للجنة أن ميليشيا الجنجويد قامت باختطاف النساء، وهو سلوك يمكن أن يرقى إلى الاختفاء القسري بوصفه جريمة ضد الإنسانية. وقد ثبت من الحوادث التي تم التحقيق فيها أن عمليات الاختطاف هذه كانت منتظمة وتمت بتغاضٍ من الدولة حيث تمت عمليات الاختطاف في أعقاب هجمات مشتركة قامت بها ميليشيا الجنجويد وقوات الحكومة وتمت في وجودها وبعلمها. وظلت النساء في الأسر لفترة طويلة ولم تكن أسرهن تعلم شيئا عن مكان وجودهن طوال فترة احتجازهن. كذلك تبين للجنة أن القيود التي فرضت على المشردين داخليا في المخيمات، وخاصة النساء منهم، عن طريق إرهابهم بارتكاب أعمال الاغتصاب أو القتل أو التهديد العنيف لحياتهم أو لأشخاصهم من جانب ميليشيا الجنجويد، يعتبر حرمانا شديدا من الحرية البدنية انتهاكا لقواعد القانون الدولي. وتبين للجنة أيضا أن إلقاء القبض على الأشخاص واحتجازهم من جانب جهاز أمن الدولة والاستخبارات العسكرية، بما في ذلك إلقاء القبض عليهم واحتجازهم أثناء عمليات الهجوم على القرى وعمليات الاستخبار فيها، يمكن، فضلا عن كونها انتهاكات خطيرة لقانون حقوق الإنسان الدولي، أن ترقى أيضا إلى جريمة الاختفاء القسري بوصفه جريمة ضد الإنسانية حيث كانت هذه الأعمال منتظمة وتمت على نطاق واسع.
    638 - وفي أغلبية ساحقة من الحالات، كان ضحايا الهجمات ينتمون إلى القبائل الأفريقية، وخاصة قبائل الفور والمساليت والزغاوة، التي استهدفت بشكل منتظم لأسباب سياسية في إطار سياسة الحكومة في التصدي للتمرد. ويبدو أن نهب القرى وتدميرها، اللذين تما بشكل منتظم وعلى نطاق واسع وعلى نحو تمييزي كان الغرض منهما هو القضاء على سبل العيش ووسائل البقاء لهؤلاء السكان. كذلك ترى اللجنة أن ما تم من أعمال القتل والتشريد والتعذيب والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي ضد المدنيين تم على نحو تمييزي ويمكن أن يشكل جريمة الاضطهاد بوصفه جريمة ضد الإنسانية.
    639- ولم يتبين للجنة أن الانتهاكات التي ارتكبها المتمردون كانت منتظمة أو واسعة النطاق، ومع ذلك فقد وجدت أدلة يطمأن إليها على أن أعضاء من حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة كانوا مسؤولين عن انتهاكات خطيرة لقانون حقوق الإنسان الدولي وقانون حقوق الإنسان وهي انتهاكات يمكن اعتبارها جرائم حرب. وتشمل هذه الانتهاكات على وجه الخصوص حالات من قتل المدنيين وحالات من النهب.

    ثانيا - هل تشكل الجرائم المرتكبة في دار فور أعمال إبادة جماعية؟
    640- خلصت اللجنة إلى أن حكومة السودان لم تنتهج سياسة تستهدف الإبادة الجماعية. ويمكن القول بأن هناك ركنين من أركان الإبادة الجماعية يمكن استنباطهما من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الحكومة والميليشيات الخاضعة لسيطرتها. وهذان الركنان هما، أولا، الفعل الجرمي المتمثل في القتل أو إحداث ضرر جسمي أو عقلي جسيم، أو تعمد فرض ظروف حياة يرجح أن تؤدي إلى الفناء المادي؛ والركن الثاني، المستند إلى معيار ذاتي، هو وجود جماعة محمية استهدفها مرتكبو السلوك الإجرامي. فقد أدت التطورات الأخيرة إلى أن أصبح أفراد القبائل الأفريقية والقبائل العربية ينظرون إلى أنفسهم وإلى الآخرين على أنهم جماعتان إثنيتان متميزتان. وقد امتد الصدع القائم بين القبائل، كما امتد الاستقطاب السياسي حول معارضة المتمردين للسلطات المركزية، إلى مسائل الهوية. فقبائل دارفور المؤيدة للمتمردين أصبحت على نحو متزايد تعتبر قبائل ”أفريقية“ والقبائل المؤيدة للحكومة تعتبر قبائل ”عربية“. على أن الركن الحاسم وهو نية الإبادة الجماعية يبدو مفتقدا، على الأقل فيما يتعلق بالسلطات الحكومية المركزية. وبوجه عام فإن سياسة مهاجمة أفراد من بعض القبائل وقتلهم أو تشريدهم قسرا لا يكشف عن نية محددة في الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة متميزة على أساس عنصري أو إثني أو قومي أو ديني. بل يبدو أن من خططوا للهجوم على القرى ونظموه كانت نيتهم طرد الضحايا من بيوتهم، لأغراض تتعلق في المقام الأول بالحرب على المتمردين.
    641- على أن اللجنة تدرك بالفعل أن الأفراد، ومنهم المسؤولون الحكوميون، يمكن في بعض الحالات أن يرتكبوا أعمالا بتنية الإبادة الجماعية. والســــؤال عمــــا إذا كان هـــذا هو ما حدث في دار فور سؤال لا تستطيع أن تبت فيه سوى محكمة مختصة على أساس كل حالة على حدة.
    642- على أن ما خلصت إليه اللجنة من أن السلطات الحكومية لم تنتهج أو تنفذ في دارفور، مباشرة أو عن طريق الميليشيات الخاضعة لسيطرتها، سياسة تستهدف الإبادة الجماعية لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يعتبر تقليلا من خطورة الجرائم التي ارتكبت في تلك المنطقة. فالجرائم الدولية كالجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب التي ترتكب على نطاق واسع قد لا تقل خطورة أو بشاعة عن الإبادة الجماعية، والأمر في ذلك متوقف على الظروف. وهذا على وجه التحديد هو ما حدث في دارفور حيث ارتكبت على نطاق واسع جدا فظائع هائلة وأفلت مرتكبوها حتى الآن من العقاب.

    ثالثا - من هم الجناة؟
    643- لكي يمكن تحديد الجناة، كما طلب مجلس الأمن، قررت اللجنة أن أنسب معيار لذلك هو اشتراط وجود قدر يطمأن إليه من المواد المتسقة مع ملابسات أخرى متحقق منها يبدو منه بوجه عام أن من المعقول أن يشتبه في اشتراك الشخص في ارتكاب جريمة. وعلى ذلك لم تصدر اللجنة أحكاما نهائية فيما يتعلق بارتكاب الجرائم، ولكنها قامت بدلا من ذلك بتقييم لمن يحتمل أن يكونوا من المشتبه فيهم، بما يمهد الطريق لتحقيقات تجرى مستقبلا، ولاتهامات يمكن أن يوجهها مدعٍ، ولأحكام بالإدانة تصدرها محكمة.
    644- ويتألف من تم تحديدهم باعتبار أنهم قد يكونون مسؤولين عن الانتهاكات المذكورة آنفا من جناة أفراد، بينهم مسؤولون في حكومة السودان، وأعضاء في قوات الميليشيا، وأعضاء في جماعات المتمردين، وبعض ضباط الجيش الأجانب العاملين بصفتهم الشخصية. كذلك ذُكرت أسماء بعض المسؤولين الحكوميين وبعض أعضاء قوات الميليشيا باعتبار أنهم قد يكونون مسؤولين عن مشروع جنائي مشترك لارتكاب جرائم دولية. وهناك آخرون تم تحديدهم لاحتمال اشتراكهم في التخطيط لارتكاب جرائم دولية و/أو الأمر بها، أو احتمال مساعدتهم على ارتكاب هذه الجرائم. كذلك حددت اللجنة عددا من كبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين الذين يحتمل أن يكونوا مسؤولين، في إطار مفهوم مسؤولية الرؤساء (أو القيادة)، عن الامتناع عن علم عن منع أو قمع ارتكاب الجرائم. وقد ذُكرت أسماء أعضاء جماعات المتمردين كمشتبه في اشتراكهم في مشروع جنائي مشترك لارتكاب جرائم دولية وباعتبار أنهم قد يكونون مسؤولين عن الامتناع عن علم عن منع أو قمع ارتكاب الجرائم التي ارتكبها المتمردون. وقد جمعت اللجنة مادة كافية ومتسقة (من الشهود ومن الوثائق) تشير إلى عدد كبير من المشتبه فيهم (51). وبعض هؤلاء الأشخاص مشتبه في أنهم مسؤولون لأكثر من سبب وعن أكثر من جريمة.
    645- وقد قررت اللجنة أن تحجب أسماء هؤلاء الأشخاص عن المجال العام. ويستند هذا القرار إلى ثلاثة أسباب رئيسية: (أ) أهمية مبدأي المحاكمة العادلة واحترام حقوق المشتبه فيهم؛ و (ب) كون اللجنة لم تمنح سلطة التحقيق أو سلطة توجيه الاتهام؛ و (ج) الضرورة الحيوية لكفالة حماية الشهود من احتمال التحرش أو التخويف. وبدلا من ذلك ستقوم اللجنة بإيراد الأسماء في ملف مختوم يودع لدى الأمين العام. وتوصي اللجنة بتسليم الملف إلى مدعٍ مختص (المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية)، يستخدم تلك المادة في تحقيقاته حسبما يراه مناسبا. وسوف يسلم إلى مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ملف كبير مستقل ومختوم، يشتمل على كل ما جمعته اللجنة من الأدلة. وينبغي أن يحال ذلك الملف أيضا إلى مدعٍ مختص.
    646- على أن ذكر اللجنة لعدد الأفراد الذين حددتهم لا ينبغي اعتباره إشارة إلى أن القائمة جامعة. فهناك جناة محتملون آخرون كثيرون تم تحديدهم بدون أدلة لا تكفي لاعتبارهم من المشتبه فيهم، وقد وردت هذه الأسماء ضمن مواد الأدلة المختومة التي ستسلم إلى المفوضة السامية لحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، قامت اللجنة بجمع مادة كبيرة عن جهات مختلفة ذات نفوذ تضم أفرادا ومؤسسات وجماعات من الأشخاص ولجانا قامت بدور هام في الصراع الذي دار في دارفور، وشمل ذلك الدور التخطيط للهجمات والأمر بها والإذن بها والتشجيع عليها. وتشمل هذه الجهات، دون حصر، القوات المسلحة، وجهاز الأمن الوطني والمخابرات، والاستخبارات العسكرية، ولجان الأمن في ولايات دارفور الثلاث. وينبغي التحقيق بعناية في دور هذه المؤسسات لتحديد ما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية محتملة للأفراد الذين يشاركون في أنشطة هذه المؤسسات وفي مداولاتها.









    رابعا - توصيات اللجنة فيما يتعلق بالتدابير التي تكفل محاسبة المسؤولين
    ألف - التدابير التي ينبغي أن يتخذها مجلس الأمن
    647- فيما يتعلق بآلية المساءلة القضائية، توصي اللجنة بشدة بأن يقوم مجلس الأمن بإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية عملا بالمادة 13 (ب) من نظامها الأساسي. فكثير من الجرائم الموثقة المدعى ارتكابها في دارفور هي جرائم ارتكبت على نطاق واسع وبشكل منتظم. وهي جرائم تتوافر فيها جميع الشروط الدنيا الواردة بنظام روما الأساسي. وقد أثبت نظام العدالة في السودان عدم قدرته على التحقيق مع مرتكبي هذه الجرائم ومحاكمتهم وعدم رغبته في ذلك.
    648- ومن رأي اللجنة أن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية ستكون له ست مزايا رئيسية على الأقل. الأولى هي أن المحكمة أنشئت وفي الحسبان الجرائم التي يحتمل أن تكون تهديدا للسلم والأمن. وهذا هو السبب الرئيسي في أنه يجوز لمجلس الأمن تحريك اختصاص المحكمة بمقتضى المادة 13 (ب) من النظام الأساسي. وسوف يكون للتحقيق في الجرائم المرتكبة في دارفور ومحاكمة مرتكبيها أثر على السلم والأمن. وبوجه أخص، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق السلم والاستقرار في دارفور، أو يسهم في ذلك، بإزالة العقبات الخطيرة التي تعترض سبيل المصالحة الوطنية وإعادة العلاقات السلمية. والميزة الثانية هي أن إجراء التحقيق والمحاكمة في السودان لأشخاص يتمتعون بالسلطة والنفوذ في البلاد ويسيطرون على جهاز الدولة هو أمر صعب بل مستحيل، ومن ثم فإن اللجوء إلى المحكمة، وهي المؤسسة الدولية حقا فيما يتعلق بالعدالة الجنائية، من شأنه أن يكفل إقامة العدل. وإجراء المحاكمة في لاهاي، مقر المحكمة، بعيدا عن المجتمع الذي ما زال لهؤلاء الأشخاص سلطة عليه والذي يعيش به أتباعهم، يمكن أن يكفل مناخا حياديا ويمنع تسبب المحاكمات في إثارة المشاعر السياسية أو الإيديولوجية أو غيرها من المشاعر. والميزة الثالثة هي أن السلطان الأدبي للمحكمة، معززا بالسلطان الأدبي لمجلس الأمن، هو ما قد يحمل الشخصيات القيادية في الحكومة السودانية وزعماء جماعات المتمردين على الرضوخ للتحقيق واحتمال المحاكمة الجنائية. والميزة الرابعة، هي أن المحكمة، بتشكيلها الدولي التام وقواعدها الإجرائية وقواعدها في الإثبات المحددة تحديدا جيدا، هي أنسب جهاز لكفالة المحاكمة المتحقق من نزاهتها لمن يوجه إليه الاتهام من قبل المدعي العام للمحكمة. والميزة الخامسة هي أن المحكمة يمكن عقدها فورا وبدون أي تأخير (وهو ما سوف يحدث في حالة إنشاء محاكم مخصصة أو ما يسمى بالمحاكم المختلطة أو المدولة)، والميزة السادسة هي أن إقامة الدعوى الجنائية أمام المحكمة، بناء على طلب مجلس الأمن، لن ينطوي بالضرورة على عبء مالي كبير بالنسبة للمجتمع الدولي.
    649- على أنه ينبغي لمجلس الأمن أن يتصرف لا ضد الجناة فحسب بل أيضا نيابة عن المجني عليهم. وفي هذا الصدد، تقترح اللجنة إنشاء لجنة تعويض دولية تتألف من 15 عضوا، منهم 10 أعضاء يعينهم الأمين العام و 5 أعضاء تعينهم هيئة سودانية مستقلة.
    باء - الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها السلطات السودانية
    650- لقد نُبهت حكومة السودان إلى ما يدعى وقوعه من جرائم خطيرة في دارفور، وطلب إليها لا من جانب المجتمع الدولي فحسب بل، وهذا هو الأهم، من جانب شعبها نفسه أن تضع حدا للانتهاكات وأن تقدم الجناة إلى العدالة. وعليها أن تتخذ تدابير جادة للتصدي لهذه الانتهاكات. وعلى ذلك توصي لجنة التحقيق حكومة السودان بما يلي:
    (أ) وضع حد للإفلات من العقاب بالنسبة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في دارفور. وهناك عدد من التدابير يتعين اتخاذها في هذا الصدد. فمن الضروري تعديل القوانين السودانية بما يجعلها متوائمة مع معايير حقوق الإنسان، وذلك بخطوات من بينها إلغاء الأحكام التي تجيز احتجاز الأفراد بدون عرض أمرهم على المحاكم، والأحكام التي تمنح المسؤولين الحصانــة من إقامة الدعوى، والأحكام المتعلقة بالمحاكم الخاصة؛
    (ب) احترام حقوق المشردين داخليا والتنفيذ الكامل للمبادئ التوجيهية المتعلقة بالتشرد الداخلي، وخاصة بالنسبة لتيسير عودتهم الطوعية سالمين مكرمين؛
    (ج) تعزيز استقلال السلطة القضائية وحيدتها ومنح المحاكم السلطات الكافية للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان؛
    (د) منح لجنة الصليب الأحمر الدولية ومراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة حق الوصول الكامل دون معوقات إلى جميع المحتجزين فيما يتعلق بالحالة في دارفور؛
    (هـ) كفالة حماية جميع الضحايا والشهود في انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة من كانوا على اتصال بلجنة التحقيق، وكفالة حماية جميع المدافعين عن حقوق الإنسان؛
    (و) العمل، بمساعدة المجتمع الدولي، على تعزيز قدرة القضاء السوداني عن طريق تدريب القضاة والمدعين والمحامين. وينبغي التركيز على قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني والقانون الجنائي الدولي؛
    (ز) التعاون التام مع هيئات وآليات حقوق الإنسان ذات الصلة في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وخاصة الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان؛
    (ح) القيام، من خلال عملية تشاور واسعة تشمل المجتمع المدني ومجموعات الضحايا بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق والمصالحة متى استتب السلام في دارفور.

    جيم - التدابير التي يمكن أن تتخذها هيئات أخرى
    651- كذلك توصي اللجنة بأن تشمل التدابير التي تتخذ لكسر حلقة الإفلات من العقاب ممارسة الدول الأخرى للولاية القضائية العالمية كما ورد ذكره في موضع آخر من هذا التقرير.
    652- وإزاء خطورة الوضع فيما يتعلق بحقوق الإنسان في دارفور وأثره على حالة حقوق الإنسان في السودان، توصي اللجنة بأن تنظر لجنة حقوق الإنسان في إعادة إنشاء ولاية المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في السودان.
    653- وتوصي اللجنة بأن تصدر مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقارير دورية علنية عن حالة حقوق الإنسان في دارفور.

    المرفق الأول - السير الشخصية لأعضاء اللجنة
    أنطونيو كاسيسي (الرئيس)
    عمل الأستاذ كاسيسي قاضيا (1993-2000) في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة وكان أول رئيس لها (1993-1997). وعمل أيضا بصفته عضوا في الوفد الإيطالي بلجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة مجلس أوروبا التوجيهية المعنية بحقوق الإنسان، ورئيسا للجنة مجلس أوروبا لمناهضة التعذيب (1989-1993).
    وعمل الأستاذ كاسيسي بتدريس القانون الدولي في جامعة فلورنسا ومعهد جامعة أوروبا في فلورنسة. وفي عام 2002، حصل على جائزة منحتها له الأكاديمية العالمية للثقافات التي يرأسها السيد إيلي فيزل الحائز على جائزة نوبل للسلام، لقاء مساهمته الفائقة في حماية حقوق الإنسان في أوروبا والعالم. ونشر الأستاذ كاسيسي العديد من البحوث في مسائل القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وهو مؤلف International Law الطبعة الثانية (دار جامعة أكسفورد للنشر، 2005) وInternational Criminal Law (دار جامعة أكسفورد للنشر، 2003). وهو من المشاركين في تأسيس وتحرير European Journal of International Law، ومؤسس Journal of International Criminal Justice ورئيس تحريرها. وقد مُنح الدكتوراه الفخرية من جامعة إيراسموس في روتردام، وجامعة باريس الثامنة، وجامعة جنيف، وهو عضو في معهد القانون الدولي.
    محمد فائق
    محمد فائق هو أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية. وهو عضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر والمجلس المصري للشؤون الخارجية، وهو نائب رئيس اللجنة المصرية للتضامن الأفرو -آسيوي. وهو صاحب ومدير دار المستقبل العربي للنشر.
    وقد سبق للسيد فائق العمل في مصر وزيرا للإعلام، ووزير دولة للشؤون الخارجية، ووزيرا للإرشاد القومي، ومديرا لمكتب الرئيس ومستشارا له للشؤون الأفريقية والآسيوية. وكان عضوا منتخبا في البرلمان المصري لفترتين متتاليتين عن دائرة قصر النيل بالقاهرة.
    هينا جيلاني
    تعمل هينا جيلاني بوصفها الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان منذ إنشاء الولاية في عام 2000. وهي محامية أمام المحكمة العليا في باكستان وتعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان منذ سنوات عديدة، حيث تعمل بصفة خاصة لصالح حقوق النساء والأقليات والأطفال. وقد شاركت في تأسيس أول شركة محاماة مؤلفة جميعها من النساء في باكستان في عام 1980 وأسست أول مركز للمساعدة القانونية في البلد في عام 1986.
    والسيدة جيلاني هي الأمينة العامة للجنة حقوق الإنسان في باكستان. وهي عضو في المجلس والهيئة التأسيسية للمجلس الدولي لسياسات حقوق الإنسان؛ واللجنة التوجيهية لمنتدى آسيا والمحيط الهادئ المعني بالمرأة والقانون والتنمية؛ والمجلس الدولي لحقوق الإنسان في مركز كارتر؛ ومنتدى أعمال المرأة في باكستان. وهي عضو في نقابة المحامين أمام المحاكم الجزئية العليا ونقابة المحامين أمام المحكمة العليا في باكستان.
    دوميزا نتسبيزا
    في عام 1995، عُين دوميزا نتسبيزا مفوضا في لجنة تقصي الحقائق والمصالحة في جنوب أفريقيا. وقاد السيد نتسبيزا وحدة التحقيق التابعة للجنة، وترأس برنامجها لحماية الشهود، وعمل أحيانا بصفته نائبا للرئيس ورئيسا بالنيابة. والسيد نتسبيزا هو مؤسس رابطة جنوب أفريقيا الوطنية للمحامين الديمقراطيين ورئيسها السابق. وقد عمل قاضيا بالنيابة بالمحكمة العليا في جنوب أفريقيا، وبمحكمة العمل في جنوب أفريقيا.
    وعمل السيد نتسبيزا محاضرا في جامعة ترانسكي وترأس مجلس إدارتها، وهو مجلس جامعة ترانسكي. وعمل أستاذا زائرا للعلوم السياسية والقانون في جامعة كونيتيكت. وهو محامٍ أمام المحكمة العليا في جنوب أفريقيا وعضو في نقابة محامي مدينة كيب تاون، وهو يمارس المحاماة حاليا في مدينة كيب تاون.
    تيريز ستريغنر - سكوت
    تيريز ستريغنر - سكوت محامية وشريكة رئيسية في شركة استشارات قانونية في أكرا بغانا. وقد عملت قاضية بالمحكمة العليا في كل من غانا وزمبابوي، ومديرة تنفيذية للجنة إصلاح القانون في غانا في الفترة من كانون الثاني/يناير 2000 إلى شباط/فبراير 2004. وكانت السيدة ستريغنر - سكوت عضوا في لجنة التحقيق الدائمة بشأن منع العنف والتخويف ضد الجماهير في جنوب أفريقيا (لجنة غولدستون).
    وتولت السيدة ستريغنر – سكوت مناصب دبلوماسية متعددة، بما في ذلك منصب سفيرة لغانا لدى فرنسا (معتمدة في أسبانيا والبرتغال واليونان والكرسي الرسولي، فضلا عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)) ولدى إيطاليا (معتمدة في تركيا وكرواتيا وسلوفينيا واليونان، فضلا عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية). وقد عملت عضوا في اللجنة القانونية لليونسكو وعضوا منتخبا في المجلس التنفيذي للمنظمة. وعملت أيضا عضوا في اللجنة المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات، وهيئة حقوق الإنسان التابعة للمجلس التنفيذي، ورئيسة للجنة في الدورة 140 للمجلس التنفيذي.
                  

العنوان الكاتب Date
تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 04:41 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:03 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:09 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:22 AM
        Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:43 AM
          Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:46 AM
            Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:48 AM
              Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:50 AM
                Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:55 AM
                  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:57 AM
                    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 07:26 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام مصدق مصطفى حسين02-16-05, 06:21 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-16-05, 06:43 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-19-05, 07:58 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de