تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-21-2024, 03:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-15-2005, 05:50 AM

peace builder
<apeace builder
تاريخ التسجيل: 10-17-2002
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام (Re: peace builder)

    2 - لجنة التحقيق البرلمانية
    463 - أنشئت، وفقا لقرار الجمعية الوطنية 38 المؤرخ كانون الأول/ديسمبر 2003، لجنة برلمانية لتعزيز السلم والأمن والتنمية في ولايات دارفور، تتألف عضويتها من حوالي 59 شخصا. وكان من المقرر أن تلتقي بالسلطات المسؤولة والهيئات التنفيذية، والشخصيات ذات العلاقة، فضلا عن مقابلة أطراف الصراع. وقد توصلت اللجنة إلى نتائج كان من بين ما عبرت عنه القلق إزاء تخلف النمو في دارفور، كما اشتملت النتائج على توصية بتحسين أحوال المشردين داخليا.
    464 - وقدمت اللجنة توصيات في مجالات الأمن، والمعونة الإنسانية، وتعزيز البنية الاجتماعية، والخدمات والتنمية، وفتح مخافر للشرطة مزودة بما يكفي من إمدادات لسرعة مواجهة الأزمات، والاستيلاء على الأسلحة التي في أيدي المشبوهين. وحتى الآن لا يوجد ما يشير إلى امتثال الحكومة لتوصيات اللجنة البرلمانية فيما يتعلق بتحسين أحوال المشردين داخليا، وتنمية البنية الاجتماعية وتحسين الخدمات عموما في دارفور، ولا إلى الامتثال بتوصيتها المتعلقة بالاستيلاء على الأسلحة التي في أيدي المشبوهين. فالاستيلاء على الأسلحة يعني بطبيعة الحال الاستيلاء على أسلحة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة وكذلك مليشيا الجنجويد، التي تحظى بدعم الحكومة من جميع الوجوه الأخرى.

    3 - لجان مكافحة الاغتصاب
    465 - في البيان المشترك الصادر عن الحكومة والأمم المتحدة أثناء الزيارة التي قام بها الأمين العام في 3 تموز/يوليه 2004، بشأن الوضع في دارفور، التزمت حكومة السودان باتخاذ تدابير ملموسة لوضع نهاية للإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة. ولهذه الغاية، تعهدت الحكومة بالتحقيق فورا في جميع حالات الانتهاكات، بما فيها الحالات التي نبهتها إليها الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وغيرهما من المصادر.
    466 - وكان من بين الانتهاكات الجسيمة البارزة لحقوق الإنسان في المنطقة والتي أبلغت عنها مصادر عديدة، الادعاءات المتعلقة باغتصاب النساء، وغير ذلك من حوادث الاعتداء الجنسي على النساء. وقد قام وزير العدل، بموجب الصلاحيات التي تخولها له المادة 3 (2) من قانون لجان التحقيق لعام 1954، بإصدار قرار في 28 تموز/يوليه 2004، بإنشاء لجان منفصلة للتحقيق في حالات الاغتصاب في ولايات دارفور الثلاث.
    467 - وقد تألفت كل لجنة من هذه اللجان من ثلاثة أعضاء، قاضية بمحكمة الاستئناف، رئيسة لها، ومستشارة قانونية عن وزارة العدل وضابطة شرطة. فكان جميع أعضاء اللجان من النساء.
    468 - وكُلفت اللجان بمهمة ”التحقيق في جرائم الاغتصاب في ولايات دارفور الثلاث“. وخُولت اللجان سلطات مكتب المدعي العام المحلي من أجل أداء ولايتها( ). وطُلب إلى اللجان تقديم تقرير إلى وزير العدل في غضون أسبوعين من بدء أعمالها.
    469 - وقبل التعليق على عمل اللجان، يتطلب الأمر التصدي لنقائص الولاية التي أسندت إليها. فقد كانت الولاية المسندة للجان التحقيق في عمليات الاغتصاب أضيق من أن تتيح التصدي للادعاءات الخطيرة المتعلقة بممارسة العنف ضد النساء. علما بأن التقارير المتعلقة بالاعتداءات التي تعرضت لها النساء، قد شملت الاغتصاب، وإن لم تقتصر عليه. ثم إن استبعاد أشكال أخرى من الاعتداء الجنسي من نطاق التحقيق قد ترك عددا كبيرا من الادعاءات دون معالجة. كما أن نطاق الولاية الممنوحة للجان لم يشمل وسائل رد الحق إلى نصابه وتعويض الضحايا. وقد حدَّ ذلك من فعالية المبادرة إلى تحقيق الانتصاف الشامل للضحايا. علما بأن القانون الدولي لا يتطلب من الدول التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان واتخاذ تدابير لمنع وقوعها، فحسب، بل يفرض عليها أيضا تقديم علاج فعال للانتهاكات( ).
    470 - ولم تعط اللجان أي مبادئ إرشادية لضمان تناسب طرق التحقيق مع الغرض من وضع نهاية لحالات الإفلات من العقاب، والتيسير على الضحايا في الإبلاغ عن الجرائم المرتكبة ضدهم. علما بأن القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية في السودان لا يتضمنان نصوصا موضوعية وإجرائية يمكن تطبيقها على الوضع الخاص بالجرائم المرتكبة أثناء الصراع المسلح. إن غياب مثل هذه المبادئ التوجيهية، بما في ذلك تحديد معايير اختيار القضايا التي تقتضي التحقيق فيها والمقاضاة عليها، قد حرم اللجان مما يلزم من توجيه فيما يتعلق بالطرق الملائمة للتحقيق في الجرائم التي تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. إن إغفال هذا الأمر من جانب وزارة العدل قد أثر في عمل اللجان وفي قدرتها على تحقيق أغراضها.
    471 - وقد كان الوقت المخصص للجان لكي تؤدي في غضونه عملها غير كاف إلى حد بعيد، بالنظر إلى ضخامة مهمتها. ويشير ذلك إلى افتقاد أي التزام جاد من جانب الحكومة للتحقيق في الادعاءات المتعلقة بالاغتصاب على نطاق واسع ووضع نهاية لحالات الإفلات من العقاب على هذه الجريمة.
    472 - وخلال البعثة الأولى للجنة إلى السودان التقت في الخرطوم برئيسات وأعضاء اللجان الثلاثة المعنية بحالات الاغتصاب. وتشكر اللجنة الحكومة على إتاحة هذه الفرصة لها، وعلى تمكين أعضاء اللجان من حضور الاجتماعين اللذين عُقدا مع اللجنة.
    473 - وقد أخبر أعضاء اللجنة أن اللجان بدأت عملها في الولايات بمقتضى الولاية القضائية لكل منها في 11 آب/أغسطس 2004. وقد اعتمدت اللجان الثلاث جميعها منهجية مشتركة وقد أعلن عن إنشاء اللجان ووصولها في مختلف الولايات من خلال وسائط الإعلام الإلكترونية. واتخذت اللجان الترتيبات اللازمة لإذاعة هذا الإعلان في جميع مخيمات المشردين داخليا في الإقليم، وقامت بزيارة المخيمات لتلقي شكاوى الاغتصاب. كما زارت مخافر الشرطة ومكتب المدعي العام المحلي للحصول على معلومات عن أي حالات مسجلة بالفعل من حالات الاغتصاب.
    474 - وفي المخيمات التقت اللجان بمديري المخيمات والزعماء القبليين والمحليين لسكان المخيمات. وتم تشكيل لجان صغيرة في كل من المخيمات التي زارتها لشرح ولاية اللجان والحصول على معلومات من المشردين داخليا.
    475 - وأثناء عمل لجان التحقيق في حالات الاغتصاب، صدر قرار لوزير العدل في 21 آب/أغسطس 2004، بإلغاء شرط تسجيل أي شكوى خاصة بحالة اغتصاب لدى الشرطة قبل فحص الضحية طبيا أو حصولها على علاج طبي.
    476 - ويتضح من تقارير اللجان أنها لم تتلق سوى بضع شكاوى. وكان العديد من الحالات التي تناولتها مسجلا بالفعل في مخافر الشرطة قبل وصولها، أو حدث أثناء الفترة التي كانت تجري فيها تحقيقها في مختلف الولايات. وقد اتبعت اللجان نهجا في إجراء تحقيقاتها، يقوم وفقا لما قالته رئيساتها، على الاستماع إلى الشكوى، ثم استجواب الضحية للتحقق مما إذا كانت أركان جريمة الاغتصاب، كما هي معرفة في القانون الجنائي لعام 1991، قائمة( )، ثم الطلب من الضحية الخضوع لفحص طبي. فإذا أكد التقرير الطبي صحة ادعاءات الضحية، تحال القضية إلى الشرطة لإجراء المزيد من التحقيق فيها. وفي الحالة التي لا يذكر فيها اسم المغتصب أو يكون مجهولا، لا يجري مزيد من التحقيقات. وحيثما تثبت صحة الادعاءات وتتعرف الضحية على المغتصب يوصى بإحالة القضية للمقاضاة إلى مكتب المدعي العام المحلي.
    477 - وقد أبلغت رئيسات اللجان اللجنة أن اللجنة التي أوفدت إلى شمال دارفور لم تعالج أي حالة تلقت بشأنها شكوى مباشرة. وقد أكملت تلك اللجنة تحقيقاتها في 8 حالات وأرسلتها إلى المدعي العام لاتخاذ ما يراه من إجراءات أخرى. أما في غرب دارفور فلم تسجل اللجنة الموفدة إليها سوى ثلاث حالات بشأن شكاوى مباشرة من الضحايا. وقد قامت اللجنة بالتحقيق في هذه الحالات الثلاث إضافة إلى حالات أخرى (كانت مسجلة بالفعل لدى الشرطة قبل أن تبدأ اللجنة عملها، ثم أحالتها إلى المدعي العام. وأما في جنوب دارفور، فقد حققت اللجنة الموفدة إليها في حالات سبق تسجيلها لدى مخفر الشرطة في نيالا. ولم تتذكر رئيسات اللجان مجموع عدد الحالات التي حققت فيها اللجان في كل من غرب وجنوب دارفور ولم يكن لدى أعضاء اللجان وثائق تتضمن تفاصيل عن الحالات.
    478 - وقد قام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتسليم وثيقة إلى اللجنة جاء فيها أن لجان التحقيق الثلاث قد أنهت زيارة للمنطقة استغرقت ثلاثة أسابيع وقدمت تقريرها المؤقت إلى وزير العدل في أيلول/سبتمبر. وقد سجلت اللجان معا 50 حالة، 29 حالة في غرب دارفور و 10 حالات في شمال دارفور، و 11 حالة في جنوب دارفور. وكان 35 من هذه الحالات ضد مجهولين. ولا تتوافر معلومات عن عدد الذين تم التعرف عليهم أو مقاضاتهم أو إدانتهم من المتهمين في الحالات التي حققت فيها اللجان. كما لم يُتح للجنة الاطلاع على تفاصيل الحالات. وجاء في المعلومات التي قدمها المجلس الاستشاري بشأن الإجراءات المتخذة لإنهاء حالات الإفلات من العقاب، ذِكْر 7 حالات اغتصاب قبض على مرتكبيها وحوكموا؛ وحالة واحدة حوكم فيها 13 متهما وأدينوا بإنتاج شريط فيديو مزور استهدف توريط القوات المسلحة في ارتكاب جريمة اغتصاب؛ وحالتين قام فيهما المدعي العام المحلي، بناء على تقارير من مراقبي الأمم المتحدة، بزيارة مخيمات المشردين داخليا وسجل أقوال الضحايا وشرع في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة؛ وحالة واحدة من حالات الاختطاف والاغتصاب سجلت ضد جماعات معارضة مسلحة مجهولة.
    479 - وقد أبلغت اللجنة بالمصاعب التي واجهتها لجان التحقيق في حالات الاغتصاب في تنفيذ ولايتها. والعقبات الشديدة التي واجهتها بسبب نقص الموارد والمساعدة التقنية. بيد أن النهج الذي اتبعته اللجان في أداء عملها لم يكن من الممكن أن يؤدي إلى تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها. ولم تقم اللجان بإيلاء الاعتبار الواجب للسياق الذي كانت تعمل فيه، واعتماد نهج مناسب للظروف. ثم إن حوادث الاغتصاب التي دعيت إلى التحقيق فيها كانت قد وقعت على مدى فترة امتدت 18 شهرا، وكانت المتضررات قد رحلن، ربما أكثر من مرة. وقد أقرت جميع اللجان بأنها قد تلقت شكاوى تتعلق بحالات اغتصاب وقعت أثناء هجمات على القرى. ولم يُسجل أي من هذه الشكاوى أو يحقق فيها. وكانت الأسباب التي ذكرت بشأن عدم اتخاذ إجراءات بشأن تلك الحالات هي عدم تقديم الضحايا للجنة، وعدم وجود شهود، وعدم قيام الضحايا بطلب فحص طبي أو تقديم تقرير خاص بفحص سبق أن قامت به سلطة مختصة.
    480 - وقد حمّلت اللجنة الضحايا عبئا لا داعي له طالبة منهن تقديم بينات، ولم تمارس اللجان ما لديها من صلاحيات لحفز السلطات المعنية على إجراء تحقيقات بغية سد الثغرات في المعلومات المقدمة من الضحايا والشهود. ثم إن الاعتماد على الأدلة الطبية، مثلا، للشروع في التحقيق يبدو في غير محله متى كانت غالبية الشكاوى متعلقة بحالات اغتصاب وقعت منذ زمن، أو متى كانت الضحية امرأة متزوجة.
    481 - كما أن نقص التزام اللجان بتحقيق مراميها واضح في العديد من جوانب عملها. وأول هذه الجوانب عدم استجابة الناس لدعوة اللجان لهم بتقديم الشكاوى إليها. وقد تلقت اللجنة نفسها عدة تقارير من ضحايا في مخيمات المشردين داخليا تدعي تعرضها للاغتصاب وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي على النساء أثناء هجمات وقعت على بعض القرى، وأثناء فرارهن من تلك القرى، ثم بعد ذلك حول المخيمات التي أوين إليها. إن إحجام الناس بشكل عام عن الاتصال باللجان لتقديم شكاواهم يشير إلى عدم ثقتهم في الحكومة.
    482 - ولم تستطع اللجان التخفيف من عدم الثقة باتخاذ نهج يوحي بمزيد من الثقة في قدرتها على الانتصاف للضحايا. علما بأن أولئك الذين اتصلوا باللجان لتقديم شكاوى أو معلومات بشأن حالات اغتصاب لم يجدوا استجابة تشجعهم على الاعتقاد بأن التحقيق سيؤدي إلى نتائج مجدية. وفي كثير من الحالات، فإن اللجان لم تجد فيما تلقته من شكاوى ما يكفي من وقائع للمضي في التحقيق. ووجدت في بعض الحالات عدم وجود أدلة كافية للمضي في التحقيق. وكان العديد من الشكاوى التي استمعت إليها موجهة ضد مجهولين. وقد سجلت بعض الشكاوى لدى الشرطة، ولكن العديد منها لم يكن مسجلا لأن الشاكين فقدوا اهتمامهم عندما علموا أن هذه الشكاوى لا يمكن المضي في معالجتها بسبب عدم تحديد المتهم أو المشتبه فيه.
    483 - وقد رفضت اللجان العديد من الحالات بحجة أن استجوابها للضحايا كشف عن أن الجريمة المشكو منها لا تصل إلى حد الاغتصاب، إذ لم يقع فيها إيلاج، أو أن الشاكيات قد خلطن بين الاغتصاب والاضطهاد، وجئن عن خطأ بشكاوى تتعلق بأشكال أخرى للاعتداء أو العنف، مثل الضرب.
    484 - وقد أكدت لجان التحقيق في حالات الاغتصاب أثناء مناقشاتها مع اللجنة بشأن منهجية تلك اللجان، على الإعلان الواسع النطاق عن ولايتها. كما قيل إنه قد أنشئت لجان صغيرة في المخيمات لشرح القصد من التحقيق للضحايا. وفي ضوء ذلك، فإن من غير المفهوم القول بأن النساء اختلط عليهن الأمر وأن شكاواهن لم تكن من وقوع اغتصاب لهن. ومن تجربة اللجنة في مقابلة الضحايا والشهود، فإنها لا تجد هذا التبرير مقنعا. فالنساء اللاتي أدلت ببلاغات إلى اللجنة عن عنف ارتكب ضدهن، كان بإمكانهن فهم طبيعة ما تعرضن له من اعتداء، بما في ذلك الاغتصاب.
    485 - ومن المخيب للآمال أن اللجان قصرت نفسها على جريمة الاغتصاب، ولم تتناول حالات وقعت فيها أشكال أخرى من الاعتداء الجنسي، بما فيها محاولة الاغتصاب. وقد فاتت اللجان فرصة قيّمة لجمع معلومات مهمة عن جرائم ارتكبت ضد نساء بسبب عدم تسجيلها المعلومات التي أحيلت إليها، وقصرها تسجيل الحالات على الشكاوى التي يمكن، في تقديرها، المضي في التحقيق فيها.
    486 - وقد خولت اللجان صلاحيات توجيه التحقيقات، وتوجيه الاتهامات، وتقديم الادعاءات، والإشراف على سير القضايا في المحكمة. غير أن اللجان قصرت مهمتها على تلقي الشكاوى وإحالة الحالات إلى الشرطة لإجراء مزيد من التحقيقات بشأنها. وفي حالة عدم قيام الشرطة بإجراء تحقيقات لم تتخذ اللجان أي إجراءات. وفي الحالات التي أوصت اللجان بمقاضاة مرتكبيها لم تكن لديها أي معلومات عما إذا كانت تلك الحالات قد قدمت للمحاكمة، وما إذا كانت المحاكمة قد أسفرت عن إدانة مرتكبيها. وقد أنهت اللجان عملها في غضون ثلاثة أسابيع وعرضت تقاريرها على وزير العدل من خلال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. ولم تشارك اللجان في أي متابعة لتقاريرها. وهي لم تتلق أي تعليقات على تقاريرها من الوزارة، كما لم تشارك في أي متابعة لتقاريرها.
    487 - ولو أن نية الحكومة كانت وضع نهاية لحالات الإفلات من العقاب وإقامة آلية للتيسير على الضحايا في الإبلاغ عن جرائم الاغتصاب بغية ضمان مساءلة الفاعلين، فإن المبادرة التي اتخذتها كانت سيئة الإعداد وتفتقر إلى إمكانية تحقيق هذا الغرض. وقد أنشأت الحكومة اللجان كتدبير عاجل، ولكنها أخفقت في جعلها فعالة أو ذات أي فائدة لجبر الضحايا. وقد أجري تقييم لمنهجية عمل اللجان والتفاصيل الواردة من رئيساتها عن العمل كشف عن العديد من الثغرات. ولا يمكن للجنة الموافقة على موقف الحكومة القائل بأن الإحصاءات المتعلقة بعمل اللجان تشير إلى معدل لحدوث جريمة الاغتصاب يقل كثيرا عن المعدل المبلغ عنه من قبل مصادر أخرى من قبيل الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وغيرهما من المنظمات الوطنية والدولية. ثم إن عمل لجان التحقيق في حالات الاغتصاب لا يقدم أساسا سليما لأي استنتاجات فيما يتعلق بمعدل حدوث الاغتصاب في دارفور، ولا يفي بشرط تحمل الدولة المسؤولية عن التحقيق في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإخضاع المسؤولين عنها للمساءلة.

    ثامنا - الإجراءات التي اتخذها المتمردون لعلاج الانتهاكات المرتكبة
    488 - أبلغ كل من الحكومة والمتمردين أنفسهم اللجنة أن المتمردين لم يتخذوا أي إجراءات للتحقيق في الجرائم الدولية التي ارتكبها أعضاؤهم وقمع تلك الجرائم. والمبررات التي يقدمها المتمردون لهذا القصور هي إما أن هذه الجرائم لم تُرتكب، وإما أن الذين ارتكبوها هم أعضاء في الوحدات العسكرية قاموا بما قاموا به على مسؤوليتهم الشخصية، من دون تعليمات صدرت إليهم من القادة السياسيين أو العسكريين.

    الجزء الثاني

    هل وقعت أعمال إبادة جماعية؟

    أولا - مفهوم الإبادة الجماعية
    489 - تمثلت المهمة الثانية التي كُلفت بها اللجنة في تحديد ما إذا كانت الجرائم التي زُعم ارتكابها في دار فور يمكن أن توصف كأعمال إبادة جماعية أو كانت تندرج ضمن فئات أخرى للجرائم الدولية.
    490 - وحسبما أشير إليه أعلاه، تقتضي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 والقواعد العرفية الدولية المناظرة توافر عدد من الأركان المادية والمعنوية المحددة حتى تنشأ مسؤولية جنائية فردية عن أعمال الإبادة الجماعية. ويتألف الركن المادي من جانبين. الجانب الأول، يتصل بالسلوك المحظور، وهو كما يلي: وجوب أن تكون الجريمة متخذة شكل: (أ) القتل؛ (ب) أو إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير؛ (ج) أو إخضاع جماعة عمدا لظروف معيشية يقصد بها تدميرها المادي؛ (د) أو فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة؛ (هـ) أو نقل الأطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى. أما الجانب الثاني من الركن المادي فيتصل بالجماعة المستهدفة التي لا بد أن تكون ”جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية“. ويكون توجيه الاتهام بالإبادة الجماعية في الحالة التي يرتكب فيها السلوك المحظور المشار إليه أعلاه بحق إحدى هذه الجماعات أو بحق أفراد فيها.
    491 - ويتألف الركن المعنوي أو القصد الجنائي mens rea بدوره من جانبين: (أ) القصد الجنائي المطلوب لارتكاب الجرائم المشمولة (القتل، إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير ... وما إلى ذلك)؛ و(ب) ”قصد الإهلاك الكلي أو الجزئي“ لجماعة من هذا القبيل. ويمثل هذا العنصر الثاني قصدا إجراميا مشددا dolus specialis، لأنه ينبئ عن أن مرتكب هذه الأفعال رغب عن وعي في أن ينتُج عن الأفعال المحظورة التي اقترفها الإهلاك، الكلي أو الجزئي، للجماعة بصفتها هذه، وأنه كان مدركا أن أفعاله ستؤدي إلى الإهلاك الكلي أو الجزئي للجماعة بصفتها هذه.

    492 - وحسبما توضح أحكام القضاء الدولي، فإن قصد إهلاك جماعة جزئيا يتطلب توافر نية إهلاك عدد كبير من الأفراد( )، أو جزء كبير من الجماعة( ) وإن لا يكن بالضرورة جزءا كبير الأهمية( ) منها( ) وتشمل الحالات التي ذكرت سواء في أحكام القضاء الدولي أو الكتابات القضائية، على سبيل المثال، قصد قتل جميع المسلمين في البوسنة والهرسك، أو جميع المسلمين الذي يعيشون في إحدى مناطق هذا البلد( )، أو على سبيل المثال، إهلاك جميع اليهود الذين يعيشون في إيطاليا أو الأرمن الذين يعيشون في فرنسا( ).
    493 - وبطبيعة الحال، يجب عدم الخلط بين هذا القصد الخاص والدافع، أي السبب المعين الذي يمكن أن يغري شخصا بارتكاب تصرف إجرامي. فعلى سبيل المثال يمكن في حالة الإبادة الجماعية، أن يكون الشخص الذي يقصد قتل مجموعة من الأفراد المنتمين إلى جماعة مشمولة بالحماية بقصد محدد هو إهلاك الجماعة (كليا أو جزئيا)، مدفوعا بالرغبة في سلب ممتلكات لهذه الجماعة، أو تلك المجموعة من الأفراد، أو بالرغبة في الانتقام لهجمات سابقة شنها أفراد من هذه الجماعة، أو الرغبة في إرضاء رؤسائه الذي يزدرون هذه الجماعة. والاعتبار المهم من منظور القانون الجنائي، ليس هو وجود الدافع، بل بالأحرى ما إذا كان ذلك القصد الخاص الضروري الرامي إلى إهلاك الجماعة قائما أم لا( ).
    494 - تعريف الجماعات المشمولة بالحماية. لئن كانت قواعد القانون الدولي المتعلقة بالإبادة الجماعية تحدد أنواع السلوك المحظور، فإنها تستخدم مصطلحات عامة وفضفاضة عندما تشير إلى مختلف الجماعات التي يمكن أن يقترف المرء بحقها أفعال الإبادة الجماعية، بما في ذلك تضمينها إشارات إلى مفاهيم ربما تكون متداخلة (مثل ”قومي“ و ”إثني“). وتتعرض هذه المصطلحات للانتقادات لأنها تشير إلى مفاهيم من قبيل ”العرق“، التي بات ينظر إليها الآن عموما باعتبارها مفاهيم بالية أو عفا عليها الزمن. ومع ذلك، فإن مبدأ تفسير القواعد الدولية على نحو يستطيع المرء من خلاله إعطاء هذه القواعد أقصى ما لها من تأثير (مبدأ الفعالية الذي يعبر عنه أيضا بالقاعدة اللاتينية بأن يكون تفسير القانون بما يعززه لا بما يقوضه، ut res magis valeat quam pereat). يوحي باتباع نهج في تأويل القواعد المتعلقة بالإبادة الجماعية يعطيها أقصى ما لها من تأثير قانوني. ويستتبع ذلك أن المرء يعني بمصطلح ”الجماعات القومية“ تلك المجاميع من الأفراد الذين يملكون هوية متميزة من ناحية الجنسية أو الأصل الوطني. وعلى جانب آخر، تشمل”الجماعات العرقية“ تلك المجاميع من الأفراد الذين تجمعهم بعض السمات أو الخصائص الوراثية. أما ”الجماعات الإثنية“ فيمكن أن يقصد بها الإشارة إلى مجاميع الأفراد الذي تجمعهم لغة واحدة وتقاليد أو تراث ثقافي مشترك. ويمكن فهم تعبير ”الجماعات الدينية“ على أنه يشمل مجاميع من الأفراد ينتمون إلى دين واحد، مقارنة بجماعات أخرى تدين بدين مختلف.
    495 - هل الجماعات القبلية مشمولة بحماية القواعد الدولية التي تحظر الإبادة الجماعية؟ في عام 1996، ذكرت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في تعليقها على مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها أن اللجنة ترى ”أن المادة الراهنة [المادة 17] تشمل الأفعال المحظورة عند ارتكابها مع توافر القصد الضروري ضد أفراد جماعة قبلية“ (التعليق على المادة 17 الفقرة 9؛ التوكيد مضاف). وحسبما يذهب إليه علماء أصول الأجناس، فإن القبيلة تمثل قسمة إقليمية لسكان معينين كبيري العدد تقوم على أساس القرابة أو الاعتقاد بالتحدر من سلف واحد: ولهذه الجماعات زعيم، وهي تطلق على نفسها إسما واحدا وتتحدث لغة واحدة( ).
    496 - ومن الممكن قبول الرأي الوارد أعلاه بشأن الجماعة القبلية، التي بقيت منعزلة( )، بشرط أن تشكل الجماعة القبلية أيضا جماعة عرقية أو قومية أو إثنية أو دينية. وبعبارة أخرى، فإن القبائل بهذا الوصف لا تشكل جماعة مشمولة بالحماية( ).
    497- ومن الواضح أن القواعد الدولية المعنية بالإبادة الجماعية ترمي إلى إسباغ حماية من الإفناء على جماعات لا تُستهدف على أساس أنها تشكل وحدة إقليمية موصولة ببعض الأواصر الاجتماعية (كالقرابة أو اللغة أو السلالة)، بل فقط على تلك الجماعات التي - بصرف النظر عن حجمها - تبدي الطابع المميز الذي ينبع من المشاركة في الدين أو في العرق أو السمات الإثنية، وتُستهدف تحديدا بسبب تميزها. ومجمل القول إنه يجوز إدراج القبائل ضمن مفهوم الإبادة الجماعية المحدد في القانون الدولي إذا ما أظهرت أيضا، كما ذكر أعلاه، الخصائص المنسوبة لواحدة من الفئات الأربع للجماعات المشمولة بحماية القانون الدولي.
    498- مسألة أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكب ضد جماعات لا تنطبق عليها تماما تعاريف الجماعات الأربع المذكورة سلفا - أوضحت عمليات الإبادة الجماعية التي اقتُرفت في عام 1994 في رواندا بشكل جلي محدودية القواعد الدولية الراهنة المعنية بالإبادة الجماعية، وأجبرت قضاة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا على الأخذ بتفسير مبتكر لهذه القواعد. والواقع أن التوتسي والهوتو لا يشكلون للوهلة الأولى جماعتين متميزتين إثنيا وعرقيا ودينيا ووطنيا. فالجماعتان تتكلمان نفس اللغة وتتشاركان في الثقافة والدين، كما تحملان في الأساس السمات الجسدية نفسها. وفي قضية Akayesu، أكدت الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أن الجماعتين متمايزتان بسبب (أ) أن المستعمر البلجيكي ميز بينهما عندما أنشأ نظاما لبطاقات الهوية يفرق بين الجماعتين (الفقرة 702)؛ و (ب) أن هذا التمايز تأكد بالتصور الذاتي لدى أفراد الجماعتين. وكما أوضحت الدائرة الابتدائية فإن ”جميع الشهود الروانديين الذين مثلوا أمامها أجابوا كافة وبشكل تلقائي وبدون أي تردد عن سؤال المدعي العام بشأن هويتهم الإثنية“ (المرجع نفسه). وأكدت الدائرة الابتدائية أيضا أن المطلوب وفقا للقواعد الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية هو أن تكون الجماعة المستهدفة، جماعة مستقرة ودائمة، تكونت في نمط دائم، ويكون مرجع الانتماء إليها هو المولد، وتكون قابلة للتمييز بصفتها هذه (الفقرتان 511 و 702). وفي الأحكام القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا (وفي وقت لاحق في الأحكام القضائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا) استكمل المعيار المادي المتمثل في أن تكون ”الجماعة مستقرة ودائمة“، والذي قد يكون محلا للتشكيك إذا نظر إليه في ذاته، بالمعيار المعنوي المتعلق بتصور وجود جماعة،
    والتصور الذاتي للفرد بالانتماء إلى جماعة( ). ووفقا للأحكام القضائية الدولية يمكن للمرء، في حالة التشكك، أن يحدد أيضا: (أ) ما إذا كانت مجموعة من الأشخاص، تُرى وتعامل واقعيا، بوصفها تنتمي إلى جماعة مشمولة بالحماية، و (ب) ما إذا كانت هذه المجموعة ترى نفسها باعتبارها مشمولة بواحدة من هذه الجماعات( ).
    499- وباختصار، فإن النهج المتبع لتحديد ما إذا كانت الجماعة المعينة هي جماعة مشمولة (تماما) بالحماية، تطور من معيار مادي إلى معيار معنوي لمراعاة أن ”الهويات الجمعية، وبخاصة الهويات الإثنية، هي في طبيعتها الأصيلة تراكيب اجتماعية، وأن الهويات ”المتخيلة“ تعتمد كلية على تصورات متغيرة وعرضية، وليس على حقائق اجتماعية يمكن التحقق منها بالطريقة نفسها التي تطبق على الظواهر الطبيعية أو الحقائق المادية“( ).
    500- ويبدو أن تجربة المعيار المعنوي يمكن أن تكمل أو تطور بشكل مفيد، أو على الأقل توسع، نطاق المعيار الموضوع في اتفاقية عام 1948 والقواعد العرفية المناظرة في مسألة الإبادة الجماعية. وفي واقع الأمر، أثبتت المعايير التي استخدمتها المحكمتان ابتداء في تفسير وتطبيق أحكام الاتفاقية والقواعد العرفية تلك أنها إما فضفاضة للغاية أو جامدة للغاية؛ وباختصار كانت المحكمتان عاجزتين عن أن تضعا في اعتبارهما أحوالا قام فيها بشكل صريح تعارض وتصارع مطلقان بين مجموعتين متميزتين من الأشخاص، إحداهما تقترف الفعل الإجرامي الذي يحمل الطابع النمطي للإبادة الجماعية بقصد إهلاك المجموعة الأخرى كليا أو جزئيا. وعلاوة على ذلك، سيكون من الخطأ التهوين من شأن أحد العناصر الحاسمة أي: عملية تكوين التصور والتصور الذاتي عن جماعة أخرى باعتبارها متميزة (على أساس إثني أو قومي أو ديني أو عرقي). ولئن قام ذلك في البداية كرؤية معنوية مبنية على أسس تاريخية واجتماعية، كوسيلة للنظر إلى الآخرين بوصفهم يشكلون جماعة مختلفة ومعارضة، إلا أنه يتجه تدريجيا إلى التجسد والتبؤر في شكل معارضة حقيقية ووقائعية. فيؤدي من ثم، إلى قيام تعارض مادي. من هنا، يتحول الصراع من المعنوي إلى المادي. ويسفر في نهاية المطاف عن تكون جماعتين متصارعتين تهدف إحداهما إلى إهلاك الأخرى.
    501- والمهم من المنظور القانوني أن توسع المحكمتين الدوليتين في تأويل أحد أركان مفهوم الإبادة الجماعية (مفهوم الجماعة المشمولة بالحماية) يتماشى مع موضوع ونطاق القواعد المتعلقة بالإبادة الجماعية (من أجل إسباغ الحماية من الإفناء المتعمد لجماعة بشرية مستقرة ودائمة بصورة أساسية؛ وهو ما يمكن تمييزه استنادا إلى واحد من الأسباب التي قصدتها الاتفاقية والقواعد العرفية المناظرة). وإضافة إلى ذلك، لا يبعد هذا التوسع في التأويل كثيرا عن نص اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والقواعد العرفية المناظرة، لأنه يرتكز أيضا على أربع فئات من الجماعات لم يعد مع ذلك يُكتفى في تعريفها بالدلالات المادية بل أيضا استنادا إلى المفاهيم المعنوية لأفراد الجماعة. والنقطة الأخيرة، وربما الأكثر أهمية، هي أن هذا التفسير الواسع لم يلق اعتراضا من الدول. ولذلك يمكن القول بأمان أن التفسير والتوسع أصبحا جزءا لا يتجزأ من القانون العرفي الدولي.
    502 -دليل توافر قصد الإبادة الجماعية - إذا افتقر إلى دليل مباشر على قصد الإبادة الجماعية، وهو الحاصل في معظم الحالات، يمكن الاستدلال على هذا القصد من الكثير من الأفعال والمظاهر أو الظروف الوقائعية( ). وفي قضيةJelisić لاحظت دائرة الاستئناف أنه ”فيما يتعلق بالبينة على قصد محدد، يجوز، في حالة عدم وجود دليل واضح مباشر، الاستدلال عليه من عدد من الوقائع والظروف، مثل السياق العام، والتحضير لأفعال أخرى مستحقة للعقوبة موجهة بشكل منهجي ضد الجماعة نفسها، ونطاق الفظائع المرتكبة، والاستهداف المنظم للضحايا على أساس انتمائهم إلى جماعة معينة، أو تكرار أفعال الإهلاك أو الأفعال التمييزية“.
    503- ومع ذلك، لا بد أن تتوخى المحاكم والهيئات الأخرى المنوطة بتحديد ما إذا كانت أعمال للإبادة الجماعية قد وقعت، الحرص الشديد في إثبات القصد المعنوي. وحسبما ذهبت إليه عن حق دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا في قضية Krstić (الاستئناف) فإن ”جريمة الإبادة الجماعية واحدة من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية، وتنعكس خطورتها في صرامة المتطلبات فيما يتعلق بالاستدلال على قصد محدد. ولا يمكن توجيه إدانات بالإبادة الجماعية إلا عندما يجري بشكل قاطع إثبات القصد“ (الحكم المؤرخ 9 نيسان/أبريل 2004، الفقرة 134). وعلى هذا الأساس وجدت دائرة الاستئناف أن الدائرة الابتدائية أخطأت في إظهار توافر قصد الإبادة الجماعية لدى المتهم، وردّت حكم الإدانة بجريمة الإبادة الجماعية الصادر عن المحكمة الإبتدائية، وأصدرت حكمها على كريستدش، بتهمة المشاركة في جريمة الإبادة الجماعية.
    504 - كذلك، تظهر الدول حذرا عندما تُعرّف قصد الإبادة الجماعية فيما يتعلق بحوادث معينة، حسبما يظهر على سبيل المثال في الموقف الذي اتخذته السلطات الكندية في عام 1999 إزاء مسألة القتل الجماعي للألبان الكوسوفيين على يد القوات المسلحة التابعة للسلطات المركزية لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، في سياق الصراع الداخلي المسلح بين كوسوفو وحكومة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية( ).
    505- هل جريمة الإبادة الجماعية أشد جسامة من الجرائم الدولية الأخرى؟ ثمة اتفاق على نطاق واسع بأن الإبادة الجماعية هي الجريمة الدولية الأشد خطورة. وفي قضيتي Kambanda (الفقرة 6) و Serushago (الفقرة 15) عرّفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا هذه الجريمة بأنها ”جريمة الجرائم“ (انظر مع ذلك أدناه). وفي قضية Krstić، ذكرت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا أنه ”من جملة الجرائم الخطيرة التي يقع على عاتق هذه المحكمة واجب المعاقبة عليها، تنفرد جريمة الإبادة الجماعية بإدانة ومذمة خاصتين. فالجريمة رهيبة في نطاقها، ويسعى مرتكبوها وراء جماعة بشرية كاملة لإفنائها. إن غاية مخططي ومقترفي جريمة الإبادة الجماعية هو حرمان البشرية من الثراء المتعدد الجوانب الذي تتيحه قومياتها وأعراقها وإثنياتها ودياناتها. إنها جريمة بحق البشرية جمعاء، ولا يقتصر أذاها على المجموعة المستهدفة بل تحسه البشرية كلها“ (الفقرة 36).
    506- ولا منازع في أن جريمة الإبادة الجماعية تحمل وصمة خاصة، لأنها تتجه إلى الإفناء الجسدي لجماعات بشرية. إلا أنه على المرء ألا يغفل عن أن بعض فئات الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية يمكن أن تكون أشد شناعة، وتحمل وصمة خطيرة مشابهة. وقد ذهبت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، في واقع الأمر، إلى عكس الرأي القائل بأن الإبادة الجماعية هي ”جريمة الجرائم“. وفي قضيتي Kayishema، و Ruyindana، ادعى المتهمان بأن الدائرة الابتدائية أخطأت في اعتبار أن الإبادة الجماعية هي ”جريمة الجرائم“، لأنه لا يوجد مثل هذا الترتيب الهرمي للجرائم. وأقرت ذلك دائرة الاستئناف بقولها ”إن دائرة الاستئناف تلاحظ أنه لا يوجد ثمة ترتيب هرمي للجرائم في نطاق النظام الأساسي، وأن جميع الجرائم المحددة فيه هي ”انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي“ و يمكن أن تستدعي إصدار الحكم نفسه“( ).

    ثانيا - هل تشكل الجرائم التي اقترفت في دارفور أعمالا للإبادة الجماعية؟
    507- عام - ليس ثمة شك في أن بعض الأركان المادية للإبادة الجماعية وجدت تجسيدا لها في دارفور. وحسبما سبق مناقشته، جمعت اللجنة مادة كبيرة وموثوقا بها تنحو إلى إظهار وقوع عمليات قتل منهجي على نطاق كبير لمدنيين ينتمون إلى قبائل محددة، مسببة أذى جسديا وعقليا خطيرا لأفراد من السكان ينتمون إلى قبائل معينة، ومسددة ضربات شديدة ومتعمدة للظروف المعيشية لهذه القبائل ومتسببة بذلك في تدميرها المادي كليا أو جزئيا (على سبيل المثال، عن طريق القيام بشكل منهجي بتدمير قراهم ومحاصيلهم وطردهم من بيوتهم وسلب ماشيتهم). غير أن ركنين تأسيسيين آخرين للإبادة الجماعية يحتاجان إلى مزيد من التحليل المتعمق وهما: ما إذا كانت الجماعات المستهدفة ترقى إلى مصاف واحدة من الجماعات المشمولة بحماية القانون الدولي، وإن كان الأمر كذلك، ما إذا كانت الجرائم قد ارتكبت بقصد الإبادة الجماعية. ويجري فيما يلي تناول هذين العنصرين بصورة منفصلة.
    508- هل يمثل أفراد القبائل التي وقعت ضحية للهجمات والقتل، ماديا، جماعة مشمولة بالحماية؟ لا يبدو أن القبائل المختلفة التي تعرضت للهجمات وعمليات القتل (وهي أساسا قبائل الفور، والمساليت والزغاوة) تشكل جماعات إثنية مختلفة عن الجماعة الإثنية التي ينتمي إليها المليشيات والأشخاص الذين يشنون عليهم هذه الهجمات. فهم يتحدثون اللغة نفسها (العربية)، ويعتنقون الديانة نفسها (الإسلام). وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى ارتفاع معدلات الزواج المختلط يصعب التمييز بينهم من ناحية سماتهم الجسدية الخارجية عن أفراد القبائل التي يٌزعم أنهم يعتدون عليهم. كذلك، نحا الزواج المختلط والتعايش من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية على مدى السنين، إلى طمس التمييز بين الجماعتين. ومن الملاحظ أيضا أن أفراد القبائل الأفريقية يتكلمون بلهجتهم الخاصة إضافة إلى العربية، فيما لا يتكلم أفراد القبائل العربية إلا اللغة العربية.
    509- إن لم يكن الأمر كذلك، هل يمكن للمرء القول بأنهما، معنويا، تشكلان جماعتين متميزتين؟ إذا كانت جماعتا الأشخاص محل القضية لا تشكلان، ماديا، جماعتين متميزتين مشمولتين بالحماية، يثور سؤال حول ما إذا كان يمكن مع ذلك النظر إليهما، معنويا، بهذه الصفة، أي أن كل جماعة منهما تنظر إلى الجماعة الأخرى وإلى نفسها، باعتبارهما تشكلان جماعتين متميزتين.
    510- وحسبما لوحظ أعلاه، زادت في السنوات الأخيرة حدة تصور الاختلافات واتسعت لتشمل عناصر للتمييز لم تكن من قبل تمثل الأساس الغالب للهوية. وانتقلت الانشقاقات بين القبائل ومعها الاستقطاب السياسي القائم حول مواقف المتمردين إزاء السلطات المركزية إلى قضايا الهوية. فالقبائل الموجودة في دارفور التي تؤيد المتمردين، باتت تٌصنِّف بشكل متزايد باعتبارها ”أفريقية“، بينما تصنف القبائل التي تدعم الحكومة بأنها ”عربية“. ومن الواضح مع ذلك أن القبائل ”الأفريقية“ لا تدعم كلها المتمردين، كما أن القبائل ”العربية“ لا تؤيد كلها الحكومة. وبعض ما يسمى بالقبائل العربية يبدو إما محايدا أو حتى مؤيدا للمتمردين. وعلى سبيل المثال، فإن قبيلة الجيمر، وهي قبيلة أفريقية مناصرة للحكومة تعتبر في منظور القبائل الأفريقية الأخرى المعارضة للحكومة قبيلة مٌعرّبة. وثمة تدابير أخرى تسهم في وجود هذا الاستقطاب لدى الجماعتين منها الصراع في عامي 1987-1989 على الوصول إلى الأراضي الرعوية ومصادر المياه، بين البدو ذوي الأصول العربية وقبيلة الفور المستقرة. ويزداد الانقسام العربي - الأفريقي حدة أيضا بالإصرار المتزايد في بعض الدوائر، وفي وسائل الإعلام على وجود مثل هذا الانقسام. وقد أسهم ذلك كله في تكريس التناقض وهيأ تدريجيا استقطابا ملحوظا في تصور وجود جماعة، وتصور ذاتي للفرد بالانتماء إلى جماعة لدى أفراد الجماعتين المعنيتين. وقد ذهب، على الأقل، الأشخاص الأشد تضررا بالأحوال الموضحة أعلاه، بمن فيهم الأشخاص الذين أضيروا مباشرة بالصراع، إلى تصور أنفسهم باعتبارهم إما أفارقة أو عربا.
    511- وثمة عناصر أخرى تفضي إلى إظهار تصور ذاتي لجماعتين متميزتين. ففي حالات كثيرة، يميل المحاربون الذين يهاجمون القرى ”الأفريقية“ إلى استخدام نعوت مُحِِطة مثل ”عبيد“ أو ”سود“ أو نوبيين أو زورغا، قد توحي بتصور للضحايا باعتبارهم أفرادا في جماعة متميزة. إلا أنه جرى في إطار حالات عديدة أخرى استخدام لغة مُحِطّة لا صلة لها بالإثنية أو بالعرق( ). ويشير الضحايا عادة إلى المعتدين عليهم باسم الجنجويد، وهو وصف مزر يقصد به عادة ”رجل (من الجان) يحمل بندقية ويمتطي صهوة جواد“، غير أن لفظة الجنجويد في هذه القضية تشير بوضوح إلى ”المليشيات من القبائل العربية الذين يمتطون ظهور الجياد أو الجمال“. وبعبارة أخرى، ينظر الضحايا إلى مهاجميهم باعتبارهم أشخاصا ينتمون إلى جماعة أخرى معادية.
    512- ولهذه الأسباب، يمكن اعتبار أن القبائل التي وقعت ضحية للهجمات وعمليات القتل تشكل معنويا جماعة مشمولة بالحماية.
    513- هل توافر قصد الإبادة الجماعية؟ يمكن لبعض الأركان النابعة من الوقائع، بما فيها نطاق الفظائع المرتكبة والطابع المنهجي للهجمات والقتل والتشريد والاغتصاب، إضافة إلى العبارات المبنية على دوافع عنصرية التي صدرت عن مقترفي الجرائم واستهدفت أفراد القبائل الأفريقية وحدهم، أن تكون مؤشرات على قصد الإبادة الجماعية. ومع ذلك، فثمة أيضا عناصر أكثر دلالية تنم عن عدم وجود هذا القصد. وأحد هذه العناصر المهمة يتمثل في أن الهجمات التي ارتكبت في عدد من القرى التي هاجمتها وحرقتها المليشيات، تجنبت إفناء مجمل السكان الذين لم يلوذوا بالفرار، وقامت بدلا من ذلك بقتل مجموعات من الشباب انتقائيا. وثمة مثال بَيّن على ذلك هو الهجوم الذي ارتكب في 22 كانون الثاني/يناير 2004 في وادي صالح، وهي مجموعة من القرى عددها 25 قرية ويقطنها 000 11 من قبيلة الفور. وحسب إفادات موثقة لشهود عيان استجوبتهم اللجنة، فإن مفوض الحكومة وقائد المليشيات العربية التي شاركت في الاعتداء والحرق، قاما بعد احتلال القرية بجمع كل الناجين أو الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الفرار في منطقة واسعة. وباستخدام مكبر للصوت اختاروا 15 شخصا (تُليت أسماؤهم من قائمة مكتوبة) فضلا عن سبعة من العمد وقاما باعدامهم في الموقع. وفيما بعد أرسلا عددا كبيرا من الرجال، بمن فيهم جميع كبار السن، وجميع الأطفال، وجميع النساء إلى قرية مجاورة وقاما باحتجازهم فيها لفترة من الوقت، حيث قاما بإعدام 205 من صغار القرويين مؤكدين أنهم ينتمون إلى المتمردين (تورا بورا). ووفقا لإفادات بعض الذكور الناجين ممن استجوبتهم اللجنة، لم يُقتل زهاء 800 شخص (معظمهم من الشباب الذين استثناهم المهاجمون وأبقوهم لفترة من الوقت في سجن موكجار).
    514- وتوضح هذه الحالة بجلاء أن قصد المهاجمين لم يكن إهلاك الجماعة الإثنية بصفتها هذه، أو جزءا من هذه الجماعة. إنما كان القصد هو قتل جميع الرجال الذين اعتبروهم من المتمردين، فضلا عن طرد مجمل السكان قسرا من أجل إخلاء القرى وحرمان المتمردين من الاختفاء بين السكان المحليين أو تلقي الدعم منهم.
    515 - ويمكن الوقوف على عنصر آخر يفضي إلى إظهار عدم توافر قصد الإبادة الجماعية لدى الحكومة السودانية وهو أن الأشخاص الذين انتزعوا من قراهم قسرا جرى تجميعهم في مخيمات خاصة بالمشردين داخليا. وبعبارة أخرى، فإنه لم يجر على التَّو قتل السكان الناجين من الهجمات على القرى سعيا إلى استئصال الجماعة؛ إنما أجبروا على ترك بيوتهم والعيش معا في مناطق اختارتها الحكومة. وفي حين يمكن اعتبار أن هذا الموقف من جانب حكومة السودان يشكل خرقا للمعايير القانونية الدولية لحقوق الإنسان وقواعد القانون الجنائي الدولي، إلا أنه لا يعد مؤشرا على أي قصد لإفناء الجماعة. ويصدُق هذا القول أكثر بسبب أن الأحوال المعيشية في هذه المجتمعات، رغم تعرضها لانتقادات قوية انطلاقا من أسباب مختلفة، لا يبدو أنها كانت مدبرة لكي تؤدي إلى إفناء الجماعة الإثنية التي ينتمي إليها المشردون داخليا. ويكفي ملاحظة أن حكومة السودان سمحت، على وجه العموم، للمنظمات الإنسانية بمساعدة السكان في المخيمات، بتزويدهم بالطعام والمياه النظيفة والدواء والمساعدة اللوجستية (بناء المستشفيات ومرافق الطبخ والمراحيض ... وما إلى ذلك).
    516 - وثمة عنصر آخر يفضي إلى إظهار انتفاء قصد الإبادة الجماعية وهو أنه، خلافا لحالات أخرى ورد وصفها أعلاه، لم يجر في عدة حالات الهجوم على عدد من القرى التي تضم خليطا من القبائل (أفريقية وعربية). ويصح ذلك، على سبيل المثال بالنسبة لقرية آباتا (شمال شرق زالينجي، في غرب دارفور)، التي تتألف من قبيلة الزغاوة وأفراد من قبائل عربية.
    517 - وعلاوة على ذلك، أفاد مصدر موثوق به أن أحد سكان قرية جابر (تقع على بعد 150 كيلومترا من مخيم أبو شوق) كان ضمن ضحايا الهجوم الذي شنه الجنجويد على القرية في 16 آذار/مارس 2004. وقد ذكر هذا الشخص أنه لم يقاوم المهاجمين عندما استولوا على 200 من جماله، رغم أنهم ضربوه بكعوب بنادقهم. ومع ذلك فإنهم ، وقبل أن ينالوه بالضرب ، صرعوا أخيه بالرصاص رغم أنه كان يملك جملا واحدا لكنه قاومهم عندما حاولوا انتزاعه منه. ومن الواضح في هذه الحالة انتفاء القصد الضروري لقتل فرد في الجماعة من أجل إهلاك الجماعة بصفتها هذه، فدافع القتل هو فقط الرغبة في الاستيلاء على ممتلكات تعود لسكان القرية. وبصرف النظر عن الدافع، فإنه لو كان قصد المهاجمين إفناء الجماعة ما كانوا استثنوا أحد الأخوين.
    518 - استنتاج . تستنتج اللجنة، على أساس الملاحظات المذكورة أعلاه، أن حكومة السودان لم تنتهج سياسة للإبادة الجماعية. ويمكن جدلا استنباط اثنين من أركان الإبادة الجماعية من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الحكومة والميليشيات الخاضعة لسيطرتها. وهذان الركنان هما: أولا، الفعل الجرمي المتمثل في القتل وإحداث أضرار جسدية وعقلية والقيام عمدا بفرض أحوال معيشية يمكن أن تؤدي إلى هلاك مادي، وثانيا، وعلى أساس المعيار المعنوي، وجود جماعة مشمولة بالحماية يستهدفها مرتكبو التصرف الاجرامي. وتفضي التطورات الحاصلة في الآونة الأخيرة إلى تصور وجود الجماعة والتصور الذاتي لدى أفراد القبائل الأفريقية وأفراد القبائل العربية بأنهما يشكلان جماعتين عرقيتين متميزتين. غير أن ثمة عنصرا حاسما يبدو غائبا، على الأقل عندما يتعلق الأمر بسلطات الحكومة المركزية وهو: قصد الإبادة الجماعية. وعلى وجه الإجمال، لا تَنُم سياسة الاعتداء والقتل والتشويه القسري لأفراد بعض القبائل عن وجود قصد محدد للإفناء الكلي أو الجزئي لجماعة محددة على أساس عرقي أو إثني أو قومي أو ديني. والظاهر أن قصد هؤلاء الذين خططوا ونظموا للهجمات على القرى كان بالأحرى هو السعي إلى إخراج الضحايا من بيوتهم لأغراض تتعلق بالدرجة الاولى بحرب مكافحة المتمردين.
    519 - إلا أن الحكومة، وحسبما أشير إليه أعلاه، توافر لديها أيضا قصد إخراج جماعة معينة من منطقة ما على أساس اضطهادي وتمييزي تحقيقا لأغراض سياسية. وفي حالة دارفور، يمكن الوقوف على هذا القصد الاضطهادي والتمييزي في مناسبات كثيرة، لدى بعض الميليشيات العربية، وكذلك لدى الحكومة المركزية: فالهجمات المنتظمة على قرى يسكنها مدنيون (أو غالبيتهم من المدنيين) ينتمون إلى بعض القبائل ”الأفريقية“ (الفور والمساليت والزغاوة)، والتدمير والحرق المنهجيان لهذه القرى، والتشريد القسري للقرويين المدنيين، تشهد على وجود قسر اضطهادي واضح. وفي هذا الصدد، وإضافة إلى القتل، باعتباره جريمة ضد الإنسانية، يمكن اعتبار الحكومة مسؤولة عن الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية. غير أن ذلك لا يمس الاستنتاج الذي توصلت إليه اللجنة بأن حكومة السودان لم تنتهج سياسة للإبادة الجماعية في دارفور.
    520 - وينبغي للمرء ألا يستبعد إمكانية أن يوجد في بعض الحالات أشخاص فرادى، بمن فيهم موظفون حكوميون، ممن قد يتوافر لديهم قصد الإبادة الجماعية، أى بمعنى آخر، الاعتداء على الضحايا بقصد محدد هو القيام، جزئيا، بإفناء جماعة ينظر إليها باعتبارها جماعة إثنية معادية( ). وإذا توافر هذا القصد لدى أي شخص بمفرده، بمن في ذلك أي مسؤول حكومي، يرجع الأمر إلى المحكمة مختصة للبت في هذا الشأن، على أساس كل حالة على حدة. وإذا ما رأت المحكمة أن بعض الأفراد أضمروا في حالات معينة قصد الإبادة الجماعية، يمكن أن تثار مسألة إثبات مسؤولية جنائية مباشرة أيا كانت، على كبار الموظفين، سواء عن المشاركة في الإبادة الجماعية أو التقاعس عن التحقيق في تصرفات محتملة للإبادة الجماعية أو قمعها أو المعاقبة عليها.
    521 - كذلك، يرجع الأمر إلى محكمة مختصة أن تقرر ما إذا كان بعض الأشخاص الأعضاء في المليشيات التي تؤيدها الحكومة، أو حتى فرادى المسؤولين الحكوميين، قد انتهجوا سياسة إبادة بوصف ذلك جريمة ضد الإنسانية، أو ما إذا كان جرى قتل للمدنيين على نطاق واسع ومنهجي بشكل يجعله يكتسب السمات القانونية المميزة للإبادة بوصفها جريمة ضد الإنسانية.
    522 - بيد أن الاستنتاج بأنه لم يجر اتباع أو تنفيذ سياسة للإبادة الجماعية في دارفور من قبل سلطات الحكومة، مباشرة، أو عن طريق الميليشيات الواقعة تحت سيطرتها، ينبغي ألا يؤخذ على أنه ينتقص أو يقلل على أي نحو، من جسامة الجرائم التي ارتكبت في هذه المنطقة. وحسبما ذُكِر أعلاه فإن الإبادة الجماعية ليست بالضرورة هي الجريمة الدولية الأشد خطورة. ورهنا بالظروف، فإن بعض الجرائم الدولية مثل الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو جرائم الحرب التي ترتكب على نطاق واسع قد لا تقل خطورة وشناعة عن الإبادة الجماعية. وهذا هو ما حدث بالضبط في دارفور، حيث ارتكبت فظائع خطيرة على نطاق واسع للغاية وظلت حتى الآن بمنأى عن المعاقبة عليها.
                  

العنوان الكاتب Date
تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 04:41 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:03 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:09 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:22 AM
        Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:43 AM
          Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:46 AM
            Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:48 AM
              Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:50 AM
                Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:55 AM
                  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:57 AM
                    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 07:26 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام مصدق مصطفى حسين02-16-05, 06:21 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-16-05, 06:43 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-19-05, 07:58 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de