تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2024, 07:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-15-2005, 05:22 AM

peace builder
<apeace builder
تاريخ التسجيل: 10-17-2002
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام (Re: peace builder)

    سادسا - انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي - النتائج الوقائعية والقانونية التي خلصت إليها اللجنة

    ألف - لمحة عامة عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي قدمت الهيئات الأخرى تقارير بشأنها
    182 - وفقا للولاية التي حددها مجلس الأمن للجنة والتي أوكل إليها بموجبها ”التحقيق في التقارير التي تفيد بوقوع انتهاكات لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي“، درست اللجنة بعناية التقارير التي وردتها من مختلف المصادر، بما فيها الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية ومختلف آليات وهيئات الأمم المتحدة، وكذلك من المنظمات غير الحكومية. وفي أعقاب إنشاء اللجنة مباشرة، أُرسلت مذكرة شفوية إلى الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2004 تطلب إليها فيها موافاة اللجنة بأي معلومات ذات صلة. وأُرسلت رسالة مماثلة إلى المنظمات غير الحكومية في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2004. وتلقت اللجنة فيما بعد عددا كبيرا من الوثائق والمواد الأخرى من مصادر متنوعة، بما فيها حكومة السودان. وقامت اللجنة بتحليل تلك المواد وأدخلت مضمونها في قاعدة بيانات. وفيما يلي عرض موجز لتلك التقارير يوضح إطار مهمة تقصي الحقائق والتحقيقات التي اضطلعت بها اللجنة. وفي الفروع التي تلي هذه اللمحة العامة، سيجري عرض فرادى الحوادث بحسب نوع الانتهاك أو الجريمة الدولية المحددة.
    183 - وتستند المعلومات المقدمة في التقارير السابقة التي درستها اللجنة إلى إفادات الشهود أساسا التي جُمعت من خلال إجراء مقابلات مع المشردين داخليا واللاجئين. وتستند بعض التقارير التي تلتها إلى تحقيق أوسع نطاقا يستند إلى مصادر وطرائق أخرى لجمع المعلومات تشمل الصور المأخوذة بواسطة السواتل لتقصي حالات تدمير وإحراق القرى، فضلا عن القيام بزيارات ميدانية إلى دارفور ذاتها. واستندت تلك التقارير أيضا إلى النتائج التي خلص إليها الباحثون والمراقبون التابعون لمختلف المنظمات التي ترصد الحالة في دارفور.
    184 - وتلاحظ غالبية التقارير وجود نمط من الهجمات العشوائية ضد المدنيين في القرى والمجتمعات المحلية في جميع ولايات دارفور الثلاث بدءا من مطلع عام 2003. كما شُنت هجمات في عامي 2001 و 2002( ) لكن حدة الهجمات وكثافتها وتواترها ازدادت بصورة ملحوظة في أوائل عام 2003. وثمة اتفاق عام على أن التصعيد يتزامن مع تكثيف حدة الصراع المسلح الداخلي بين الحكومة وحركتي التمرد: حركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة. ويتعلق جزء كبير من المعلومات بأثر ذلك الصراع على السكان المدنيين، بما في ذلك إشارة إلى أساليب القتال التي استخدمتها الأطراف وسياسات مكافحة التمرد التي اتبعتها الحكومة.
    185 - وثمة نتيجة مشتركة مفادها أن الحكومة، في إطار ردها على التمرد، ارتكبت أفعالا ضد السكان المدنيين إما بصورة مباشرة أو من خلال مجموعات مسلحة تقوم مقامها بهذه المهمة، وهي أفعال تصل إلى حد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. ورغم وجود معلومات أقل نسبيا عن الانتهاكات التي ارتكبتها جماعتا التمرد، أفادت بعض المصادر عن وقوع انتهاكات من هذا القبيل. وهناك أيضا معلومات تشير إلى أنشطة اضطلعت بها عناصر مسلحة استغلت حالة الانهيار التام للقانون والنظام لتصفية خصوماتها السابقة في سياق النزاعات القبلية التقليدية أو لنهب وسرقة المواشي.
    186 - وهناك إفادات متواترة عن نمط متكرر من الهجمات على القرى والمستوطنات اشتملت في بعض الأحيان على هجمات جوية بواسطة طائرات عمودية مسلحة أو طائرات ثابتة الجناحين (من طراز انطونوف وميغ)، بما في ذلك القصف بالقنابل والرشق بالأسلحة الأوتوماتيكية. غير أن غالبية الهجمات المبلّغ عنها عبارة عن هجمات أرضية شنتها القوات العسكرية ومليشيات الجنجويد أو عناصر مشتركة منهما. وأفادت التقارير عن وقوع مئات من الحوادث التي اشتملت على قتل المدنيين وارتكاب المذابح وعمليات الإعدام بدون محاكمة والاغتصاب وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والاختطاف ونهب الممتلكات والمواشي، فضلا عن التدمير المتعمد للقرى وإحراقها. وأسفرت هذه الحوادث عن نزوح جماعي لشرائح كبيرة من السكان المدنيين داخل دارفور ذاتها وإلى تشاد المجاورة. وتشير التقارير إلى أن حدة الهجمات والفظائع التي ارتُكبت في أي قرية من القرى نشرت درجة من الخوف في صفوف سكان القرى المجاورة الذين نجوا من تلك الهجمات دفعهم إلى الفرار أيضا إلى مناطق يسود فيها أمن نسبي.
    187 - وباستثناء بضع حالات، ليس هناك أي مبررات عسكرية لها صلة بأي نشاط محدد من جانب قوات المتمردين للحوادث المبلغ عن وقوعها. وقد عزز هذا الأمر الانطباع السائد في أوساط المراقبين بأن السكان المدنيين قد استهدفوا عن علم وعمد بغية تحقيق أهداف ومصالح مشتركة أو محددة للحكومة ومليشيات الجنجويد.
    188 - ويذكر شهود العيان الذين رأوا العديد من تلك الحوادث المنشورة في تلك التقارير أن عناصر القوات المهاجمة كانوا يرتدون الزي الرسمي، غير أنهم لاحظوا وجود اختلاف بين الزي الذي يرتديه أفراد القوات النظامية والزي الذي ترتديه مليشيات الجنجويد. وقُدمت إيضاحات متباينة لهذا الاختلاف المشار إليه في التقارير، بما في ذلك الإيضاح القائل أن قوات الدفاع الشعبي التابعة للحكومة، وهي قوات تجند غالبية عناصرها من القبائل العربية، تندرج تحت مصطلح الجنجويد الشائع استخدامه في سياق هذا الصراع. ويزعم آخرون أن الحكومة تزود المليشيات بهذه الملابس الرسمية إضافة إلى الأسلحة، ويرون في ذلك تأكيدا لتبعية تلك المليشيات للحكومة وارتباطها بها.
    189 - وتتضمن بعض التقارير أيضا روايات عن وقوع اشتباكات عسكرية بين الحكومة وقوات المتمردين أسفرت عن انتهاكات خطيرة لحقوق السكان المدنيين وأظهرت عدم اكتراث الأطراف المتحاربة بالكامل بالتزاماتها حيال أمن المدنيين. وأفادت التقارير عن ارتكاب القوات التابعة للحكومة غالبا أفعال تدمير لا مبرر لها يتجاوز نطاقها أي ضرورة عسكرية. وظهر اسم مليشيات الجنجويد في بعض تلك الحوادث وهي تساهم في أعمال التدمير ولا سيما بإلحاق ضرر بالسكان المدنيين وممارسة النهب على نطاق واسع في أثناء المعارك أو في المرحلة التالية لها.
    190 - وبالرغم من قلة المعلومات المتوافرة عن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات المتمردين، هناك بعض التقارير التي تفيد قيامها بهجمات عشوائية أسفرت عن إزهاق أرواح المدنيين وإصابتهم بأذى وتدمير الممتلكات الخاصة. وهناك تقارير أخرى تبلغ عن قتل الجنود الجرحى أو الأسرى، وعن شن هجمات أو الشروع بها من مبان محمية مثل المستشفيات، وعن اختطاف المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، وعن حالات اختفاء قسري للمسؤولين الحكوميين وسرقة المواشي والمركبات التجارية والسلع. وهناك أيضا مزاعم باستخدام المتمردين للأطفال الجنود. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عدد الانتهاكات المبلغ عنها التي نُسبت لقوات الحكومة ومليشيات الجنجويد يتجاوز بكثير عدد الحالات المبلغ عنها التي ارتكبها المتمردون.
    191 - وفي حين تتفق غالبية التقارير في وصفها للأحداث والانتهاكات المرتكبة، فإن الجرائم المنسوبة إلى قوات الحكومة ومليشيات الجنجويد تتفاوت تبعا للاختلافات في تفسير الأحداث والسياق الذي حدثت فيه. ومع ذلك، فإن تحليلات غالبية المراقبين للوقائع تشير إلى أن أشد انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني جسامة ارتكبتها المليشيات المعروفة في الأوساط الشعبية باسم ”الجنجويد“ بإيعاز من الحكومة أو بالتواطؤ معها باعتبارها جندت تلك العناصر في إطار حملتها الرامية إلى مكافحة التمرد.
    192 - وهناك أدلة مقنعة، حسب ادعاءات وتقارير صحفية، مفادها أن مناطق بعينها قد استهدفت بسبب قربها من نشاط المتمردين أو اتخاذها موضعا لهذا النشاط، بل والأهم من ذلك بسبب التكوين العرقي للسكان المقيمين في تلك المناطق. فقد لاحظت غالبية الكيانات التي قدمت تقارير عن الحالة السائدة في دارفور أن السكان الذين تعرضوا للانتهاكات هم من الدارفوريين الذين يعتبرون أنفسهم أفارقة متميزين عن القبائل العربية في المنطقة التي تنتمي إليها، حسبما تفيد التقارير أيضا، غالبية أفراد الجنجويد.
    193 - وتفيد التقارير أيضا أن قبائل أفريقية معينة، هي على وجه التحديد، قبائل الزغاوة والفور والمساليت المتواجدة بكثرة سكانية ملحوظة في بعض المناطق، قد استُهدفت بذاتها دون غيرها من القبائل الأفريقية. ويعزى هذا بصفة عامة إلى انتماء جماعتي التمرد الرئيسيتين في دارفور، عرقيا، إلى الأصل الأفريقي وإلى جلبهم غالبا من تلك القبائل الثلاث. ولهذا السبب بالذات استنتج بعض المراقبين أن أحد الأهداف الرئيسية لتدمير المناطق المستهدفة وإخلائها من السكان هو القضاء على أي إمكانية لتقديم الدعم إلى المتمردين أو درئها.
    194 - وتأخذ بعض التقارير في الحسبان السياق التاريخي والعرقي للسياسات القبلية في دارفور والفوارق في طرق العيش وسبل كسب الرزق( )، التي أدت إلى تزاحم المطالبات بحق السيطرة على الموارد الطبيعية والأراضي واستغلالهما. واستنادا إلى ذلك، توصلت بعض التقارير إلى نتيجة مفادها أن نمط التدمير والتشريد ينطوي على أركان الاضطهاد و ”التطهير العرقي“.
    195 - وقد أضافت قراءة المعلومات على هذا النحو من قبل بعض المصادر بعدا آخر للصراع. فقد رئي إيقاع التدمير المتعمد للسبل الفعلية لبقاء هؤلاء السكان بمثابة مخطط يراد به طردهم بصورة دائمة من أماكن إقامتهم. وأشار العديد من المصادر إلى أن أعمال القتل والتدمير والتشريد القسري، إذا نظر إليها ككل، تصل إلى حد الإبادة. ولمحت بعض التقارير، فيما أكد عدد قليل منها، أن أركان جريمة الإبادة الجماعية قائمة في أنماط وطبيعة الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة والمليشيات التابعة لها.
    196 - واستنادا لما أفادت به بعض التقارير مؤخرا لم تتوقف أعمال العنف هناك لغاية الآن حتى بالرغم من تناقص عدد الهجمات العسكرية ومستوى تشرد السكان المدنيين على نطاق واسع في شمال وغرب دارفور في الشهور القليلة الماضية الذي يعزى على الأرجح إلى إخلاء أجزاء كبيرة من المناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة من سكانها الريفيين. وفي المناطق الخاضعة للحكومة، لا يزال المدنيون المشردون تحت رحمة ميليشيات الجنجويد بصفة عامة. وقد أفاد المراقبون أن المدنيين المشردين الذين يعيشون تحت سيطرة الحكومة في تلك المناطق لا يزالون يعيشون فيها كسجناء فعليين - مقيدي الحركة داخل المخيمات والمستوطنات وليس لديهم ما يكفي من الغذاء أو المأوى أو المساعدة الإنسانية وهم عرضة دائما لمزيد من الهجمات والاغتصاب ولنهب ما تبقى في حوزتهم من ممتلكات. وحتى عندما يتم إبلاغ الشرطة أو مسؤولي الحكومة الآخرين بتلك الحوادث لا تتخذ السلطات أي إجراء يذكر لاعتقال مرتكبي تلك الجرائم. وأفادت التقارير أيضا عن قيام مليشيات الجنجويد المدعومة من قبل الحكومة بغزوات لمناطق جديدة في جنوب دارفور. ووردت أيضا تقارير عن ”عمليات اقتحام قامت بها مليشيات“ مجهولة الهوية على امتداد الحدود مع تشاد يتمثل هدفها غالبا، فيما يبدو، في الإغارة على قطعان الماشية وغيرها من المواشي.
    197 - وأُعرب عن شواغل إزاء عدم تحسن الحالة الأمنية بالرغم مما أعطته الحكومة من تأكيدات إلى المجتمع الدولي بهذا الصدد. إذ لا يزال يعتري غالبية السكان المشردين داخليا الخوف من العودة إلى مواطنهم الأصلية خشية تجدد الهجمات ضدهم وبسبب تفشي حالة الإفلات من العقاب على أفعال العنف المرتكبة ضد السكان المدنيين. وتشير بعض التقارير التي نشرت مؤخرا إلى أن السكان العرب بدأوا بالتوطن في بعض مناطق كان يشغلها من قبل السكان المشردون.
    198 - وأشار تقرير واحد إلى أن المنظمات الدولية ووسائط الإعلام الدولية تشوه الحقائق فيما يخص الحالة في دارفور. وطبقا لهذا المصدر، عمدت غالبية المراقبين إلى تضخيم الحالة إلى حد أكبر بكثير مما هي عليه. وينبغي أن يعزى سبب الصراع بالدرجة الأولى إلى المشاحنات القبلية في الوقت الذي ردت فيه الحكومة على التمرد ووفرت كذلك مساعدة إنسانية إلى السكان المشردين والمتضررين.

    باء - المعلومات المقدمة من حكومة السودان
    199 - سبقت الإشارة إلى أن اللجنة اجتمعت مع العديد من المسؤولين الذين يمثلون مختلف القطاعات الحكومية، بمن فيهم مسؤولون في الرئاسة والشؤون الخارجية والعدل والدفاع والداخلية والحكومة المحلية والأمن القومي. وعُقدت الاجتماعات في الخرطوم وفي ولايات دارفور الثلاث. وعرض المسؤولون وجهة نظر الحكومة وسياساتها إزاء الصراع الدائر في دارفور. وعلى الرغم من وجود بعض التفاوتات في وجهات النظر المعروضة، هناك قاسم مشترك يتسم به الموقف الرسمي. وبالإضافة إلى ذلك، قدمت الحكومة إلى اللجنة كمية كبيرة من المواد، تشمل وثائق وأشرطة فيديو. كما قدمت إليها بعض المواد استجابة إلى أسئلة محددة أثارتها اللجنة.
    200 - وأفضل وجهة نظر متماسكة قدمتها الحكومة بشأن الصراع عرضتها لجنة أنشأها وزير الداخلية بصفته ممثل رئيس الجمهورية لشؤون دارفور. وتتكون اللجنة من ستة موظفين رفيعي المستوى من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ودائرة الأمن الوطني والمخابرات ويرأسها ضابط من الجيش برتبة لواء. وخلال الاجتماعات الثلاثة التي استغرقت ما يزيد على 6 ساعات، نقلت اللجنة إلى لجنة التحقيق وجهات نظر وإحصاءات ووثائق. وردد العديد من المسؤولين الآخرين رفيعي المستوى معظم وجهات النظر التي عرضتها هذه اللجنة. كما عرض مسؤولون آخرون الوثائق المبينة أدناه، لا سيما من يعمل منهم مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ودائرة الأمن الوطني والمخابرات، ومع حكومات ولايات دارفور الثلاث.
    201 - وأكدت اللجنة، على غرار الكثير من أجهزة الحكومة الأخرى، الطابع القبلي للصراع. وأفادت أن منطقة دارفور لها تاريخ من التعايش بين مختلف القبائل فيها، ورغم ذلك لها أيضا تاريخ مشحون بالصراعات القبلية. وغالبا ما كانت تُحل الصراعات عن طريق مؤتمرات المصالحة التقليدية، وهو ما تحاول الحكومة التشجيع عليه الآن. وفيما يتعلق بهوية الجماعات المختلفة وما إذا كانت هذه الجماعة أو تلك عربية أو أفريقية، تمسكت اللجنة بموقفها القائل أنه لا يوجد تقسيم عربي أفريقي بالنظر إلى شيوع الزواج المختلط فيما بين أفراد مختلف القبائل. كما قالوا ”إن السودانيين يعتبرون أفارقة من وجهة نظر العرب ويعتبرون عربا من وجهة نظر الأفارقة“ ولهذا، لا يوجد بعد عرقي لهذا الصراع.
    202 - وأكدت اللجنة أيضا أن التمرد المسلح في دارفور ليس بالأمر الجديد. وذكرت عددا من جماعات المعارضة المسلحة في دارفور منذ عام 1956. وفي الواقع، ذكرت أسماء ثماني حركات مسلحة مختلفة ظهرت في دارفور منذ الاستقلال ولغاية اليوم.
    203 - وعزت اللجنة الصراع الدائر إلى سبعة عوامل. العامل الأول هو التنافس بين مختلف القبائل على الموارد الطبيعية الشحيحة نتيجة التصحر ، ولا سيما بين القبائل المستقرة والقبائل البدوية. والعامل الثاني يكمن في ضعف الإدارة المحلية عقب حلها من قبل الرئيس السابق نميري. وكانت هذه الإدارة قد أُنشئت على أساس الهياكل القبلية التقليدية وكانت قادرة في الماضي على احتواء الصراعات والتوسط في حلها. والعامل الثالث يكمن في الوجود الضعيف للشرطة. والعامل الرابع يكمن في تدخل الجهات الأجنبية في الحالة في دارفور. والعامل الخامس يكمن في توافر الأسلحة والملابس العسكرية الرسمية على نطاق واسع نتيجة الصراعات السابقة الأخرى في المنطقة, ولا سيما الحرب بين الجماهيرية العربية الليبية وتشاد والحرب في الجنوب. والعامل السادس يكمن في تسييس المسائل واستغلالها من قبل مختلف أحزاب المعارضة السياسية في السودان. والعامل السابع يكمن في ضآلة التنمية ونقص الهياكل الأساسية نسبيا في دارفور.
    204 - وعددت اللجنة أيضا جميع الصراعات القبلية وجميع اتفاقات السلام التي أبرمت بين القبائل خلال الفترة من عام 1932 إلى عام 2004. وأظهرت القائمة أن تلك الصراعات كانت دائرة، في بعض الأحيان، بين ما يسمى القبائل العربية والقبائل الأفريقية؛ وفي أحيان أخرى بين مختلف القبائل العربية، وفي بعض الأحيان بين مختلف القبائل الأفريقية. وقد جرى حلها جميعا بالطرق التقليدية على يد الوسطاء من الوجهاء ”الأجاويد“ الذين يجري انتقاؤهم من قبل القبائل المعنية للتوسط فيما بينها. والقاسم المشترك التي تتسم به تلك الصراعات هو أنها كانت تجري في أغلب الأحيان بين الجماعات المستقرة والجماعات البدوية.
    205 - وفيما يتعلق بالصراع الدائر حاليا، نحت اللجنة باللوم على المتمردين ولا سيما جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة لارتكابهم معظم الفظائع التي ارتكبت في دارفور. وترى اللجنة أن المتمردين هم الذين بدأوا الهجمات وأن الحكومة تصرفت من موقف الدفاع فحسب. وأكدت أن الحكومة منيت بخسائر جسيمة، وأبرزت بصورة خاصة الهجمات المتكررة التي شنت ضد أفراد الشرطة والإدارة المحلية وغيرهما من ضباط إنفاذ القانون. وذكرت اللجنة أنه تم توثيق 100 هجوم من تلك الهجمات وأنها تدل على وجود نمط معين. وأحرق المتمردون الوثائق الموجودة في مخافر الشرطة وأطلقوا سراح المجرمين. وادعت اللجنة أن هذه الأعمال أفضت إلى نشوء ظاهرة الجنجويد. وقالت اللجنة إن الحكومة عندما استولت على سلاح المتمردين خلال تلك الهجمات وجدت في عداد تلك الأسلحة أنواعا لا توجد عادة في السودان، وهذا يعني وجود رعاية أجنبية للتمرد.
    206 - وقدمت اللجنة أيضا إحصاءات تتعلق بالهجمات التي شنها المتمردون ضد المدنيين خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 2003 ولغاية تشرين الثاني/نوفمبر 2004. وذكرت أنه وقع 67 هجوما في شمال دارفور، و 60 في جنوب دارفور، و 83 في غرب دارفور. وأكدت واقعة تعرض مدينة كلبص إلى 27 هجوما شنه المتمردون عليها. واتهمت المتمردين بأعمال القتل المستهدف وتقييد حرية التنقل وتحصيل الضرائب وإعاقة التعليم ونهب المستشفيات وشن هجمات على عمال الإغاثة الإنسانية.
    207 - وفيما يتعلق بالهجمات التي شنت ضد القوات المسلحة خلال الفترة ذاتها، ذكرت اللجنة أنه في الفترة من كانون الثاني/يناير 2003 ولغاية تشرين الثاني/نوفمبر 2004، وقع 19 هجوما في شمال دارفور؛ و 16 هجوما في جنوب دارفور؛ و 8 هجمات في غرب دارفور. وادعت اللجنة أن عددا غير معروف من الجنود و 13 مدنيا قد قتلوا على يد المتمردين داخل المستشفى في برام. وادعت أن غالبية الهجمات قد نفذت بصورة مشتركة من قبل جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.
    208 - وقدمت اللجنة إلى لجنة التحقيق قائمة بعدد الإصابات المتكبدة وبعدد الأسلحة المسروقة خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 2003 إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2004. وفيما يتعلق بالجيش، ادعت أن 937 فردا قُتلوا و 264 2 فردا أصيبوا بجروح و 629 فردا في عداد المفقودين، وأن 934 قطعة سلاح قد سرقت. وفيما يتعلق بالشرطة، ادعت اللجنة أن 685 شرطيا قتلوا و 500 شرطي أصيبوا بجروح و 62 شرطيا في عداد المفقودين، وأن 247 1 قطعة سلاح قد سرقت. وفيما يتعلق بجهاز الأمن والمخابرات، ادعت أن 64 عنصرا قتلوا وأصيب عنصر واحد بجروح و 26 عنصرا في عداد المفقودين، وأن 91 قطعة سلاح قد سرقت. وبالنسبة للمدنيين، ادعت اللجنة أن 990 1 مدنيا قتلوا و 112 مدنيا أصيبوا بحروح و 402 مدني في عداد المفقودين. ومن الملفت للنظر قول اللجنة إنه لم تُسرق أي أسلحة من المدنيين.
    209 - وفيما يتعلق بتشريد السكان، تمسكت اللجنة بالقول إن قوات المتمردين أجبرت السكان على مغادرة منازلهم فنشدوا الحماية إثر ذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وذكرت اللجنة كذلك أن المتمردين منعوا المشردين داخليا من العودة إلى ديارهم. ولاحظ بعض المسؤولين الآخرين أن تدمير القرى يُعتبر نتيجة طبيعية للصراع حيث يحاصر المدنيين وسط التراشق بالنيران. حتى أن بعض المسؤولين اعترفوا أن الحكومة تتعقب المتمردين إلى القرى باعتبارها المكان الذي يختبئون فيه وأن التدمير حدث من جراء القتال الذي نشب إثر ذلك.
    210 - وفيما يتعلق بأعداد المشردين، قالت اللجنة أن الحكومة لا توجد لديها أرقام دقيقة لكنها تعتمد على الأرقام التي تقدمها المنظمات الدولية. وادعت أن المشردين لم يكونوا راغبين في التعاون بل تهجموا على المسؤولين الحكوميين، وأن بعض زعماء المشردين بالغوا في تضخيم الأرقام لأنهم ينتفعون من ذلك الوضع. وقالت اللجنة إن الحكومة تحاول حماية السكان المدنيين وأنها لم تشن أي عمليات عسكرية ضد المدنيين وإنما ضد أهداف تابعة للمتمردين فقط. وذكرت أن مخيمات المشردين داخليا تستخدم الآن كمواقع لشن هجمات على الحكومة.
    211 - وتمسكت اللجنة بموقفها القائل أن الحكومة اتخذت عدة مبادرات لحل الصراع بالوسائل السلمية، بما في ذلك عقد مؤتمر في الفاشر في عام 2001 لمعالجة الأسباب الجذرية للمشاكل السائدة، ولا سيما في منطقة جبل مُرة وما حولها فضلا عن قيام الرئيس بإنشاء لجنة للتوسط بين القبائل.
    212 - وفيما يتعلق بمليشيات الجنجويد، لم تقدم اللجنة ولا المسؤولون الآخرون وجهة نظر متسقة. ففي حين أكد البعض أن أفراد الجنجويد عبارة عن قطاع طرق من جميع القبائل، اعترف مسؤولون آخرون أن الحكومة تحاول مساعدة قبائل معينة وتعبئة أفرادها. وأقر بعض المتحاورين بوجه خاص أن الحكومة زودت القبائل غير المتمردة بالسلاح وأنه كان هناك تعاون مع بعض زعماء القبائل الذين يتلقون منحا مالية للمساعدة في القتال ضد المتمردين. واعترف بعضهم صراحة أنه كانت هناك عملية للتجنيد في قوات الدفاع الشعبي في سياق المعركة ضد المتمردين.
    213 - وأكدت الحكومة أيضا أنها اتخذت تدابير لتعويض الذين تعرضوا، بطريق الخطأ حسب تقديرها، إلى القصف المدفعي. وذكرت كذلك أنها أنشأت لجنة تحقيق وطنية مستقلة لدراسة التقارير المتعلقة بالانتهاكات. وسوف يجري بحث فعالية هذه الهيئات في سياق هذا التقرير.

    جيم - المعلومات المقدمة من جماعتي التمرد
    214 - سبقت الإشارة إلى أن اللجنة اجتمعت مع قيادة حركتي التمرد الرئيسيتين وهما حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في أسمرة، كما اجتمعت مع ممثلين آخرين في دارفور. وفيما يتعلق بالأسباب الأصلية للصراع والحوادث التي وقعت في أثناء الصراع، فإن مواقف الجماعتين إزاء تلك المسائل متشابهة إلى حد كبير.
    215 - وذكرت الجماعتان كلتاهما أن دارفور، منذ استقلال السودان في عام 1956، قد هُمشت وأُهملت من حيث التنمية. ولاحظت جماعة العدل والمساواة أن الحكومة المركزية خاضعة أساسا لسيطرة ثلاث قبائل عربية من شمال البلد، وقد عملت باستمرار على تهميش المناطق الرئيسية الأخرى (الجنوب والشرق وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق ودارفور) وغالبية تلك المناطق أشهرت السلاح ضد الحكومة ردا منها على أعمال القمع والتهميش و ”الاستعمار الداخلي“ والإهمال. ويتضح هذا الخلل من حقيقة أن الشمال لا يمثل سوى 4 في المائة من السكان لكنه يمتلك إلى حد كبير أكبر قدر من النفوذ والسلطة في الحكومة المركزية. وطبقا لأقوال جماعتي التمرد، تتمثل الاستراتيجية الرئيسية التي تتبعها الحكومة المركزية في التمسك بزمام السلطة عن طريق إبقاء المناطق الأخرى متخلفة عن ركب التنمية ومجزأة وعديمة القوة. وما الحرب التي دارت في الجنوب وأزهقت أرواح ما يزيد على مليوني شخص سوى مثال واحد على القمع الذي تمارسه الحكومة.
    216 - ولاحظت حركة/جيش تحرير السودان، بصورة خاصة، نشوء تحالف في دارفور في منتصف الثمانينات بين القبائل العربية والتجمع العربي ضد القبائل الأفريقية، حظي أيضا بالدعم فيما بعد من حكومة ”الإنقاذ“ برئاسة البشير. وفي هذا السياق، كان ينظر إلى القبائل إما على أنها قبائل ”موالية للإنقاذ“ أو ”مناوئة للإنقاذ“، وانبثقت عن ذلك خطة سياسية وعنصرية نوعا ما. ومن القضايا الهامة التي ظهرت آنذاك مسألة السيطرة على الأراضي. ونظرا إلى أن بعض القبائل لا تمتلك أرضا تقليدية مخصصة لها، ومع تنامي الصراع على الموارد الطبيعية، كانت هناك محاولة منهجية لإخلاء القبائل التي ينظر إليها كقبائل ”غير إنقاذية“ من أراضيها.
    217 - وفي هذا السياق، لاحظت حركتا التمرد كلتاهما أنهما بدأتا بأنشطتهما ردا على السياسات التمييزية والهدامة التي تمارسها الحكومة في الخرطوم. ولاحظت كلتا الجماعتين أن خططهما لم تكن قبلية ولم تكن موجهة ضد القبائل العربية. ولهذا السبب، وجه المتمردون هجماتهم ضد المنشآت الحكومية وتجنبوا عن عمد شن هجمات على القبائل العربية.
    218 - وأكدت حركة العدل والمساواة أن لوائحها الداخلية تحتوي التزامات قوية تتعهد فيها باحترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وأكدت كذلك أنها لم ولن توجه هجماتها ضد أهداف مدنية. وأكدت الحركة كذلك أن جميع عتادها العسكري قد تم شراؤه بصورة مستقلة من خلال وسائلها الخاصة أو حازت عليه عن طريق السلب من الحكومة.
    219 - وذكرت جماعتا التمرد كلتاهما أن الحكومة قامت، بدعم من المليشيات العربية والجنجويد بهجمات على المدنيين في سائر أرجاء دارفور. وقد أنشأت الحكومة الجنجويد عن طريق تدريبهم وتسليحهم. وذكرت مجموعتا التمرد كذلك أن أفراد الجنجويد قد جُندوا من القبائل التي ليس لها موطن تقليدي ومنها قبائل مُحاميد والعريقات (شمالي الرزيقات) والعطيفات وزبالات والمهاجرية وكذلك من قبائل خارج السودان من تشاد والكاميرون وموريتانيا والجزائر. والدليل الذي يثبت ارتباط الحكومة بالجنجويد قيامهما معا بشن الهجمات. والمكافأة الرئيسية التي وُعد الجنجويد بالحصول عليها هو تمليكهم أراض، الأمر الذي يوضح أيضا الترحيل القسري لأعداد ضخمة من السكان المدنيين.
    220 - وطبقا لما أفادت به حركة العدل والمساواة، ارتكبت الحكومة و مليشيات الجنجويد جريمة الإبادة الجماعية باستهدافها على وجه التحديد الأشخاص المنتمين لقبائل أفريقية، ولا سيما قبائل الفور والمساليت والزغاوة والبرقد والأرنجا والجبل والتامة. ونسبت إلى القوات المسلحة التابعة للحكومة وقوات الدفاع الشعبي وعناصر دائرة الأمن الوطني والمخابرات، وأفراد الشرطة ومليشيات الجنجويد إقدامها، منذ بداية الحرب، على قتل ما يزيد على 000 70 شخص وحرق ما يزيد على 200 3 قرية وتشريد ما يزيد على مليوني شخص. وادعت حركة العدل والمساواة أن الحكومة أصدرت أمرا إلى الشرطة بعدم قبول أي شكاوى من القبائل الأفريقية أو التحقيق فيها.
    221 - وطبقا لما أفادت به حركة العدل والمساواة، ارتكبت العناصر التابعة للحكومة ومليشيات الجنجويد أعمال اغتصاب واسعة النطاق اشتملت على عملية اغتصاب جماعية لـ 120 امرأة قيل إنها حدثت في تموز/يوليه 2003 في بلدة الطويلة. ولاحظت حركة العدل والمساواة أن عدم اغتصاب أي امرأة عربية وعدم تدمير أي قرية عربية يمثلان دليلا على أن الحكومة كانت تستهدف القبائل الأفريقية على وجه التحديد. وبالإضافة إلى ذلك، قام أفراد من الحكومة ومن مليشيات الجنجويد مرارا وتكرارا باختطاف النساء والأطفال وبنهب الممتلكات بصورة منهجية، بما في ذلك نهب المواشي والأموال النقدية والأواني.

    دال - مهمة اللجنة

    222 - وأجرت اللجنة، آخذة هذه التقارير في الاعتبار، تحقيقات مستقلة من أجل إثبات الحقائق. وتستند استنتاجات اللجنة إلى تقييم للحقائق التي جمعت أو جرى التحقق منها من خلال التحقيقات. غير أن التقارير الواردة من مصادر أخرى إنما يستند إليها لأغراض التحليل عندما تكون الحقائق المبلغ عنها متساوقة مع النتائج التي توصلت إليها اللجنة عن طريق تحقيقاتها.
    223 - ولم يكن ممكنا للجنة أن تحقق في جميع المئات العديدة من الحوادث الموثقة كلا على حدة المبلَّغ عنها من مصادر أخرى. وبالتالي، فقد اختارت اللجنة الحوادث والمناطق التي هي أكثر تمثيلا للأفعال والاتجاهات والأنماط ذات الصلة، بتحديد انتهاكات حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي، والتي تتوافر لها إمكانات أكبر لتقصي الحقائق على نحو فعال. وقد أولي في هذا الاختيار اعتبار رئيسي لجملة أمور منها إمكانية الوصول إلى مواقع الحوادث وحماية الشهود، وإمكان جمع الأدلة اللازمة.
    224 - وبالإضافة إلى المادة التي جمعتها اللجنة خلال زيارتها إلى دارفور، قام فريق المحققين الذين يعملون تحت إشرافها بالتحقيق في عدد كبير من الحوادث، شملت ولايات دارفور الثلاث جميعها (انظر المرفق 4 للاطلاع على التفاصيل).

    هاء - الحقيقتان اللتان لا يمكن دحضهما: التشريد الجماعي والتدمير الواسع النطاق للقرى
    225 - يرد في الفروع التالية من التقرير عرض لنتائج تقصي الحقائق والتحقيقات، ويجري تحليلها على ضوء الإطار القانوني المنطبقة الذي ورد بيانه في الفرع السابق. غير أنه يجب، قبل المضي في ذلك، إبراز حقيقتين لا تقبلان الجدل.
    226 - ثمة حقيقتان لا يمكن دحضهما كانتا ظاهرتين على الفور فيما يتعلق بالحالة في دارفور وقت إنشاء اللجنة، ثم بعد ذلك لدى وصولها إلى السودان في تشرين الثاني/نوفمبر 2004. أولا، كان هناك أكثر من مليون من المشردين داخليا داخل دارفور (1.65 مليون شخص، وفقا لتقارير الأمم المتحدة)، وأكثر من 000 200 لاجئ من دارفور في المناطق المجاورة الممتدة من تشاد إلى شرق السودان. ثانيا، كانت هناك عدة مئات من القرى والقرى الصغيرة المدمرة والمحروقة في أنحاء ولايات دارفور الثلاث. وعلى الرغم من أن عدد المشردين وعدد القرى المدمرة لم يتحدد بعد على وجه الدقة، فإن التشريد الجماعي وتدمير القرى حقيقتان لا جدال فيهما. وجميع المراقبين والجهات الفاعلة متفقون في ذلك، كما أكده للجنة خلال مهمتها في تشرين الثاني/نوفمبر كل من تحدثت معهم، سواء كانت الحكومة في الخرطوم أو الإدارة المحلية في ولايات دارفور الثلاث، أو زعماء القبائل، أو المنظمات الدولية أو غير ذلك.
    227 - وقد استخدمت اللجنة هاتين الحقيقتين اللتين لا جدال فيهما كنقطة انطلاق، للاضطلاع بمهمتها في تحديد الأعمال التي أفضت إلى الحالة التي تجسدت في هاتين الحقيقتين غير القابلتين للإنكار، ولا سيما تحديد الجرائم الناشئة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان التي ارتكبت خلال هذه الأحداث، فضلا عن تحديد المسؤولين عن ارتكابها.
    228 - وقبل المضي في عرض نتائج تقصي الحقائق الذي قامت به اللجنة، فضلا عن التقييم القانوني لهاتين الحقيقتين، يجدر تقديم بعض الحقائق عن كل من التشريد والدمار، بهدف إعطاء صورة واضحة عن حجم الحالة ونطاقها.

    1 - التشريد
    229 -ذكر مكتب نائب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالسودان، ومنسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية في ”موجز الاحتياجات الإنسانية لدارفور، العدد 8“ لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2004 الصادر عنه أن ما يلي:
    ”مجموع عدد السكان المتأثرين بالصراع في دارفور يقدر بـ 2.27 مليون نسمة، أي ثلث عدد السكان قبل الصراع، الذي كان يقدر بـ 6.3 ملايين نسمة. ويقدر العدد الكلي للمشردين داخليا في دارفور بـ 1.65 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد المقيمين المتأثرين الذين تستطيع أن تصل إليهم وكالات المساعدة الإنسانية حوالي 000 627 شخص.
      وتوجد أكبر الأعداد في غرب دارفور، حيث يبلغ مجموع المتأثرين 036 833 شخصا، وهو نصف عدد سكان غرب دارفور قبل الصراع ويبلغ 1.6 مليون نسمة. ويشمل الرقم المتعلق بغرب دارفور 509 652 مشردين داخليا. أما جنوب دارفور فبها 030 761 من المتأثرين بالصراع، من بينهم 594 595 من المشردين داخليا. وفي شمال دارفور، التي سجلت أقل ولايات دارفور الثلاث عددا، فيقدر عدد السكان المتأثرين بالصراع بها 200 685 شخص منهم 000 403 مشرد“.
      وذُكر أيضا أنه ”بالإضافة إلى ذلك،
        في عواصم الولايات الثلاث - نيالا والفاشر والجنينه - ليس مدرجا بفئة المتأثرين بالصراع أحد من السكان المقيمين، وذلك مرجعه جزئيا إلى أن عددهم كبير نسبيا بالمقارنة بالسكان المشردين الذين يستضيفونهم. ولم يتقرر بعد ما إذا كانوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وإمكان أن كثير منهم ربما يعانون من الضعف بشكل متزايد“( ).
        ولوحظ أن هناك 101 موقع، أغلبها مخيمات، في جميع أنحاء منطقة دارفور تأوي المشردين داخليا، منها 22 موقعا في شمال دارفور و 42 موقعا في جنوب دارفور، و 37 موقعا في غرب دارفور. وتأوي بعض المخيمات ما يصل إلى 000 70 شخص، في حين أن بعض المواقع الأخرى ذات حجم متواضع بدرجة أكبر، وتأوي بضعة آلاف فقط من المشردين.
        230 - وفي اجتماع مع المفوض العام لهيئة المعونة الإنسانية الحكومية، حسبو محمد عبد الرحمن، في 12 كانون الثاني/يناير 2005، أكدت حكومة السودان للجنة أن العدد الكلي للمشردين داخليا يبلغ 1.651 مليون نسمة، والعدد الكلي للمتأثرين بالصراع يبلغ 000 627 نسمة. وذكر المفوض العام أن الحكومة تتفق بوجه عام مع الأرقام المذكورة في ”موجز الاحتياجات الإنسانية“ الصادر عن الأمم المتحدة (المقتبس منه أعلاه). وذكر أن 1.65 مليون مشرد يقيمون في 81 مخيما ومنطقة آمنة، بينما يقيم في المخيمات الفعلية 000 300 مشرد. وأضاف المفوض العام أن مجموع عدد المشردين داخليا الذين عادوا إلى ديارهم يبلغ 000 400؛ وهو رقم لم تتمكن الأمم المتحدة من تأكيده.
        231 - وبالإضافة إلى ذلك، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه اعتبارا من 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، يقيم 051 203 شخصا من منطقة دارفور في 11 مخيما ومواقع أخرى كلاجئين في شرق تشاد، على طول الحدود مع السودان( ).
        232 - والعـــدد التقـــديري للسكان المتــأثرين بالصراع في دارفور، مضافا إليه عدد اللاجـئين في تشاد (1.65 مليون مشرد و 000 627 شخص متأثر بالصراع بطرق أخرى، و 051 203 لاجئا) يصل إلى رقم مذهل إذ يبلغ حوالي 2.5 مليون شخص متأثر بطريقة أو أخرى - أغلبيتهم العظمى بالتشريد من ديارهم.

        2 - تدمير القرى
        233 – في حين أصبح التشريد الجماعي للسكان في دارفور هو المظهر الذي تتخذه الأزمة الإنسانية في المنطقة، يشكل التدمير الواسع النطاق للقرى حقيقة أخرى لا تقبل الجدل.
        234 - وقد تمكنت اللجنة خلال زيارتها لدارفور من التوصل إلى تقدير منظور لمدى الدمار الذي وقع خلال الصراع الدائر حاليا في جميع ولايات دارفور الثلاث. وشهدت اللجنة قرى مدمرة وقرى مدمرة جزئيا عن طريق الاستطلاع الجوي من فوق بعض المناطق المتأثرة مثل تلك المحيطة بمناطق مورني وهبيلا وغارسيلا في غرب دارفور، وأجزاء من هضبة جبل مرَّة في جنوب دارفور ومنطقة الطويلة وكتم في شمال دارفور. وكثير من هذه القرى كان مهجورا وكانت هناك مناطق تضم عدة قرى مدمرة تماما. وللتحقق من الوقائع، زارت اللجنة أيضا بعض القرى التي حصلت بشأنها على معلومات محددة عن وقوع هجمات أو تدمير، بما فيها القرى الواقعة في محليتي الشطبية ومستيري والتي دمرت وهجرت تماما.
        235 - وهناك عدد وافر من المواقع التي تقف برهانا على القرى المحروقة، سواء كليا أو جزئيا، التي لم يعد قائما منها إلا هياكل من الجدر الخارجية للمنازل الدائرية التقليدية. وقد دمرت طلمبات وآبار المياه وحُطمت أوعية تجهيز الطعام وحُرقت وقُطعت الأشجار والمحاصيل سواء في القرى أو في الوديان( )، التي هي مصدر رئيسي للمياه بالنسبة للسكان الريفيين. وليست المناطق الريفية في دارفور هي مشاهد الدمار الوحيدة. فهناك عدة بلدات أيضا بها دلائل على الدمار الذي لحق بالمنازل والهياكل الأساسية الضرورية مثل المستشفيات والمدارس ومراكز الشرطة.
        236 - ولم يحص عدد القرى المحروقة والمدمرة على وجه الدقة، غير أن عدة مصادر قدرت مدى الدمار من خلال تقارير شفوية ومعاينات للمواقع وغيرها من الأدلة. ووفقا لبعض التقديرات، دمِّر كليا أو جزئيا أكثر من 700 قرية في جميع ولايات دارفور الثلاث( )، وحصلت اللجنة أيضا على معلومات مفادها أن الشرطة قد وضعت تقديرا للدمار وسجلت عدد القرى المدمرة فبلغ أكثر من 000 2 قرية. ولم تقدم الحكومة أية أرقام رسمية على الرغم من الطلبات المتعددة في هذا الشأن من جانب اللجنة. وعلى الرغم من ذلك، فقد حصلت اللجنة على تقارير موثوقة وقامت بنفسها بزيارة بعض المواقع التي حرقت فيها مئات البيوت في منطقة واحدة.

        واو - الانتهاكات التي ارتكبها الأطراف
        237 - يقدم كل فرع من الفروع التالية على حدة سردا للنتائج الوقائعية التي توصلت إليها اللجنة، مصنفة بحسب نوع الانتهاك والجريمة الدولية المرتكبة الناجمة عنه. ويرد في كل فرع بصفة مبدئية موجز وتحليل للنتائج المبلغة من مصادر أخرى. ويعقب ذلك سرد للنتائج التي توصلت إليها اللجنة والمعلومات التي جمعتها عن بعض الحوادث المنفردة. ويتناول كل فرع الجرائم المرتكبة من جانب فئات الجهات الفاعلة الثلاث المحددة، وهي الحكومة، وقوات الجنجويد والمتمردون. ويرد بعد ذلك تقييم قانوني للنتائج الوقائعية.

        1- الهجمات العشوائية على المدنيين
        (أ) النتائج الوقائعية
        238 - استعرضت اللجنة تقارير عديدة عن الهجمات العشوائية على المدنيين. ويكشف تحليل جميع الروايات المقدمة من مصادر أخرى، عن وجود نمط للهجمات العشوائية على المدنيين في القرى والمجتمعات المحلية في جميع ولايات دارفور الثلاث، ابتداء من أوائل عام 2003. وأُبلغ أيضا عن وقوع هجمات في عامي 2001 و 2002. غير أن الهجمات قد ازدادت بشكل ملحوظ في حجمها وكثافتها وتواترها ابتداء من أوائل عام 2003، ولاسيما عقب الهجوم الذي شنته القوات المتمردة على مطار الفاشر في نيسان/أبريل 2003. وما زالت الهجمات على المدنيين مستمرة حتى وقت كتابة هذا التقرير.
        239 – والتقت اللجنة أيضا بشهود وحصلت من أفراد ومجموعات في أنحاء ولايات دارفور الثلاث، وكذلك في الخرطوم وفي مواقع اللاجئين في تشاد، على روايات عيان مباشرة عن الهجمات على المدنيين. وقد تم التحقق، حيثما كان ذلك ممكنا، من التقارير التي تلقتها اللجنة، وذلك من خلال عمل المحققين القضائيين وخبراء الطب الشرعي والمحللين العسكريين، الذين كلفوا بالعمل مع اللجنة. وحصلت اللجنة أيضا على معلومات عن حوادث إضافية عديدة، شملت هجمات على المدنيين وتحققت منها، وذلك استنادا إلى المعلومات والأدلة التي تلقتها في سياق عملها. ويرد وصف لهذه الحوادث من خلال عدة دراسات حالة إفرادية مجملة في الفروع التالية.
        240 - ومن جميع الروايات تخلص اللجنة إلى أن الغالبية العظمى من الهجمات على المدنيين في القرى إنما قامت بها القوات المسلحة التابعة للحكومة السودانية، والجنجويد، سواء على نحو مستقل أو مشترك. وعلى الرغم من وقوع هجمات من جانب قوات المتمردين أيضا، لم تجد اللجنة أي دليل على سعة انتشارها أو على أنها كانت تستهدف بشكل منتظم السكان المدنيين. وأغلب حوادث هجمات المتمردين إنما كان يوجه ضد أهداف عسكرية أو ضد قوات الشرطة أو قوات الأمن. غير أن هناك حوادث قليلة شُنت فيها الهجمات من جانب المتمردين على مدنيين ومنشآت مدنية، فضلا عن قوافل المساعدات الإنسانية. وتقدم الفروع التالية وصفا للنتائج الوقائعية التي توصلت إليها اللجنة، فيما يتعلق بأنماط الهجمات على المدنيين في ولايات دارفور الثلاث.


        ’1‘ هجمات القوات المسلحة التابعة للحكومة وقوات الجنجويد
        241 - تبين للجنة، استنادا إلى التحليل الذي أجرته للمصادر الأخرى وإلى أعمال التحقيق التي أجرتها بنفسها، وقوع هجمات على القرى في دارفور من جانب القوات المسلحة التابعة للحكومة السودانية والجنجويد طوال فترة الصراع، مع وجود فترات معينة بلغت فيها تلك الهجمات ذروتها من حيث الكثافة. وكانت الهجمات تبدأ في أغلب الأحيان في الصباح الباكر، أي قبيل شروق الشمس، بين الساعة 30/4 و 00/8، عندما يكون القرويون إما نائمين أو يؤدون الصلاة. وفي كثير من الحالات كانت الهجمات تستمر لعدة ساعات. وكانت بعض القرى تتعرض للهجمات بشكل متكرر خلال عدة أيام وشهور( ).
        242 - وفي حالات كثيرة كان الهجوم الأرضي يبدأ بجنود يستقلون عربات لاند كروزر ومركبات أخرى، تعقبهم مجموعة كبيرة من الجنجويد على ظهور الخيل والجمال، ويحمل جميعهم أسلحة من قبيل البنادق الآلية طراز AK47 و G3 وقاذفات الآر. بي. جي. وكان كثير من الهجمات يشتمل على قتل المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وحرق المنازل، والمدارس وغيرها من المنشآت المدنية، فضلا عن تدمير الآبار والمستشفيات والمحال التجارية. وكان يعقب الهجمات بشكل ثابت عمليات نهب وسرقة الممتلكات المدنية، لا سيما الماشية، وفي كثير من الحالات كان المهاجمون يسرقون كل شيء من الممتلكات المنقولة أو يدمرونه. وفي أغلب الأحيان كان المدنيون يشردون قسرا نتيجة للهجوم.
        243 - ونفذت عدة هجمات على القرى بدعم من قوات حكومة السودان بما في ذلك سلاح الطيران واشتملت على عمليات قصف جوي، ورصد جوي منتظم. وقد حصلت اللجنة على أدلة موثوقة على استخدام طائرات الهليكوبتر من طراز Mi-8 و Mi-24 وطائرات طراز أنتونوف خلال الهجمات الجوية على القرى. وكان يسبق الهجمات الأرضية في أحيان كثيرة وجود طائرات قريبا من القرى أو فوقها مباشرة، ثم تقوم بقصف القرى أو المناطق


        المحيطة بها، أو تحوم في سماء القرى ثم تكر عائدة( ). وفي بعض الحالات، كانت الطائرات تستخدم لأغراض الاستطلاع أو للسيطرة على القوات على الأرض وإعطائها المعلومات، بينما في حالات أخرى كان الدعم الجوي يستخدم لإمداد القوات الأرضية بالأسلحة والذخيرة الإضافية.( ) واشتملت عدة حوادث على قذف جوي للمناطق المحيطة بالقرى/أو إلقاء القنابل على المدنيين والمنشآت المدنية داخل القرى ذاتها. ويعتبر تلقي بعض الهجمات مساندة جوية دلالة واضحة على الصلة بين الجنجويد والحكومة السودانية.
        244 - وكان الأثر المطلوب للهجمات المتكررة على القرى والطريقة التي كانت تنفذ بها، بما في ذلك الرصد الجوي المنتظم عند الفجر، وتحليق طائرات الهيلكوبتر المسلحة والقصف المتكرر، هو إرهاب المدنيين وإرغامهم على الفرار من القرى. أما الذين تمكنوا من العثور على ملاذ في مخيمات المشردين أو المجتمعات المحلية المضيفة فغالبا ما كانوا يرفضون العودة إلى قراهم خوفا من وقوع هجمات أخرى.
        245 - وفي أغلبية الحالات، كان ضحايا الهجمات ينتمون إلى قبائل أفريقية، لا سيما قبائل الفور والمساليت والزغاوة. وعندما سئل بعض الشهود عن سبب الهجوم عليهم في اعتقادهم، قالوا ”لأنهم يريدون أرضنا وماشيتنا“ أو ”لأنهم يبغون استئصالنا من المنطقة“. وأشار شهود آخرون إلى عبارات قالها المعتدون عليهم أثناء بعض الهجمات، من قبيل ”أنتم تورا بورا (أي متمردون) وجيش تحرير السودان هو راعيكم“ أو ”قبيلة الفور عبيد، ونحن سنقتلهم“ أو ”نحن هنا للقضاء على السود (النوبة) ”أو ”سنجعلكم فقراء“ أو ”هذه ليست أرضكم“ أو ”أنتم لستم من هذه المنطقة“ وعندما سئل معظم الشهود عن وجود مجموعات مسلحة داخل القرى أنكروا وجود متمردين في قراهم عند مهاجمتها. وفي حالات قليلة قال الشهود أن القرويين كان لديهم أسلحة من أجل حماية ماشيتهم وأسرهم.
        246 - وعلى الرغم من أن الشهود في حالات كثيرة كانوا يحددون بوضوح هوية المهاجمين على أنهم من جنود الحكومة أو الجنجويد، كان من الصعب التحقق من الهوية الصحيحة للأفراد مرتكبي هذه الهجمات. ففي أغلب الحالات كان المهاجمون يرتدون أزياء رسمية شبيهة بالأزياء العسكرية ويضعون على رؤوسهم إما قبعات عسكرية أو عمائم ويمتطون ظهور الجمال أو الخيل. وفي حادثة واحدة على الأقل، كان الشهود يتعرفون على الجنجويد من علامة شبيهة بالحصان على أكتافهم (ذُكر أنها شعار قوات الدفاع الشعبي). وتمكن الضحايا في بعض الحالات من تحديد هوية المرتكبين الأفراد على أنهم إما من الجيران أو من الزعماء المعروفين لقبائل عربية بعينها. وثمة حالات قليلة، فيما يبدو، هي التي اشتركت فيها قوات للشرطة مع القوات المسلحة التابعة للحكومة الجنجويد( ). وأشارت إحدى الحالات التي أبلغت إلى اللجنة إشارة صريحة إلى اشتراك قوات الدفاع الشعبي في الهجمات إلى جانب القوات المسلحة النظامية التابعة للحكومة الجنجويد. غير أنه في أغلب الحالات، لم يفرق الضحايا بين القوات المسلحة الحكومية من ناحية والمليشيات والمجموعات الأخرى التي كانت تعمل، أو يعتقد أنها تعمل، بدعم من السلطات الحكومية، من ناحية أخرى. وعندما سئل أحد الضحايا عما إذا كان المرتكبون للهجمات من القوات المسلحة التابعة للحكومة أو من الجنجويد، قال إنه ”بالنسبة لنا، هما شيء واحد“( ).
        247 - ومن الجدير بالذكر أيضا أن اللجنة لم تجد دليلا على أي تحذيرات كانت تصدر للمدنيين قبل وقوع الهجمات على القرى.
        248 - وقد أسفر كثير من الهجمات الأرضية والجوية على القرى عن القتل العشوائي للمدنيين. وفي أغلب حالات الهجمات الأرضية، كان الرجال هم المستهدفين مباشرة بالقتل، وفي بعض الحالات وُجدت أدلة على جهود بذلها مرتكبو الهجمات للإبقاء على حياة النساء. ومع ذلك فقد كان النساء والأطفال أيضا من بين ضحايا أعمال القتل في هجمات كثيرة. واشتملت عدة هجمات أيضا على العنف الجنسي، بما في ذلك اغتصاب النساء كجزء من الهجوم على المدنيين. وفي معظم الحالات، نسب الضحايا ارتكاب أعمال العنف الجنسي إلى الجنجويد؛ غير أنه في عدة حوادث، فيما زعم، اشترك جنود الحكومة مع الجنجويد في القيام بهذه الأعمال.
        249 - وفي هذا السياق، لاحظت اللجنة أيضا التعليقات التي أدلى بها مسؤولو الحكومة في لقاءاتهم مع اللجنة. فقد ذكر وزير الدفاع بوضوح أنه يعتبر وجود ولو متمرد واحد كافيا لجعل قرية بأكملها هدفا عسكريا مشروعا. وقال الوزير أنه متى تلقت الحكومة معلومات تفيد بوجود متمردين داخل قرية بعينها، فإنها ”لا تصبح بعد محلية مدنية، بل تصبح هدفا عسكريا“. وأضاف قائلا إنه في رأيه”القرية منطقة صغيرة، يصعب تقسيمها إلى أجزاء، ومن ثم تصبح القرية بأكملها هدفا عسكريا“. ومن الجدير بالذكر أيضا أن وزير الشؤون الاجتماعية لغرب دارفور الذي هو أيضا نائب والي ولاية غرب دارفور اعتبر القرويين مسؤولين عن الدمار الذي أفضى إلى تشريدهم الجماعي، لأنهم سمحوا لأولادهم بالانضمام إلى صفوف المتمردين، وباستخدام قراهم في القيام بأنشطة تمرد.
        250 - ويرد في دراسات الحالة الإفرادية التالية توضيح للطابع العشوائي للهجمات التي كانت تشنها القوات المسلحة التابعة للحكومة وقوات الجنجويد على المدنيين والأهداف المدنية في القرى.

        دراسة حالة إفرادية: قرية أنكا، شمال دارفور
        251 - عاينت اللجنة مكان هجوم وقع في قرية أنكا شمال دارفور وفيما حولها. وأثبتت الوقائع التالية من خلال مقابلات الشهود وفحوص الطب الشرعي:
        في حوالي الساعة 00/9 من يوم 17 أو يوم 18 شباط/فبراير 2004 تقريبا، تعرضت قرية باري، الواقعة على بعد نحو 5 كيلومترات من قرية أنكا، لهجوم شنته قوة مشتركة من جنود الحكومة وقوات الجنجويد. وقام أحد الشهود من قرية باري عندئذ بإخطار سكان قرية أنكا بالهجوم الوشيك المحتمل.
        وفي حوالي الساعة 00/17 من اليوم ذاته، شاهد شهود من قرية أنكا عددا يتراوح بين 300 و 400 من قوات الجنجويد، يسيرون على الأقدام، و 100 آخرين من الجنجويد، يمتطون الجمال وظهور الخيل، يتقدمون نحو قرية أنكا من جهة قرية باري. ووُصف المهاجمون بأنهم كانوا يرتدون نفس الزي الكاكي الذي يرتديه جنود الحكومة، وأنهم كانوا مسلحين ببنادق الكلاشينكوف G-3، وقاذفات الآر. بي. جى.
        وشاهد الشهود نحو 18 مركبة تقترب من وراء قوات الجنجويد، منها أربع شاحنات ثقيلة، و 18 سيارة بيك آب طراز تويوتا. وكانت بعض المركبات باللون الأخضر وغيرها باللون الأزرق الداكن. وكانت سيارات البيك آب مثبتا على ظهرها مدافع طراز Dshk (مدافع رشاشة عيار 12.7 مم مثبتة على منصب ثلاثي القوائم)، وكان على إحداها وحدة إطلاق قذائف طــــراز هاوند، استخدمت لإطلاق القذائف على القرية وعبرها. وكانت الشــــاحنات تقل قــوات مسلحة تابعة للحكومة واستخدمت فيما بعد لنقل الممتلكات المنهوبة من القرية.
        ووفقا لأقوال الشهود، فر القرويون من القرية متجهين شمالا نحو منطقة غابات تقع على بعد 5 كيلومترات من القرية.
        وقبل أن تدخل قوات الجنجويد القرية، قامت القوات المسلحة التابعة للحكومة بقصف المنطقة المحيطة بالقرية بطائرات من طراز أنتونوف. فكانت إحداها تحوم في سماء القرية، بينما تقوم أخرى بقصفها بالقنابل. وكانت الأولى بيضاء اللون سوداء من أسفل، في حين كانت الثانية بيضاء كلها. واستمر القصف بالقنابل نحو الساعتين، أُسقط خلالهما ما يتراوح بين 20 و 35 قنبلة حول أطراف القرية. وأصيب مبنى مستشفى أثناء القصف الجوي.
        وبعد القصف الجوي، دخل الجنجويد وجنود الحكومة القرية ونهبوها، بما في ذلك مواد الفراش والملابس والماشية. وبعد ذلك دمرت المباني المتبقية حرقا. وكانت قوات الجنجويد تطلق مقذوفات الآر. بي. جى على القرية من قمة التل المطل على قرية أنكا. وكان قصف المناطق المحيطة بالقرية يتم فيما يبدو بغرض تسهيل عملية نهب وتدمير القرية على أيدي الجنجويد والقوات المسلحة التابعة للحكومة العاملة على الأرض.
        ووفقا لأقوال الشهود، كان حوالي 30 من أفراد حركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان، موجودين في القرية وقت الهجوم، وذلك، فيما يبدو، للدفاع عن القرية عقب الإعلان عن الهجوم الوشيك.
        وقتل 15 مدنيا في أنكا من جراء إصاباتهم بالشظايا خلال الهجوم وبعده. وأصيب 8 آخرين بجراح. وفي حين استرد بعضهم عافيته، أفادت التقارير بإصابة الآخرين بالعجز نتيجة ما تعرضوا له من إصابات. والقرية الآن مهجورة كلية.

        دراسة حالة إفرادية: شـــوبه وكبكابيه
        252 - حصلت اللجنة على معلومات موثوقة من شهود، بشأن ثلاث عمليات هجوم على المدنيين في القرى الواقعة في منطقة شوبه وفي كبكابيه شمال دارفور( ).
        بدأ الهجوم الأول في الساعة 30/8 من يوم 2 نيسان/أبريل 2001، وهو يوم السوق. وقد ذكرت الروايات أن المليشيا العربية قامت بالهجوم على غرب شوبه، وشوبه كاريكا، بقصد نهب الحيوانات. ومع ذلك فقد قتل 15 شخصا وجرح 9 نتيجة لذلك الهجوم. وقام حوالي 55 من المليشيا العربية يرتدون أزياء خضراء اللون مموهة، مسلحين ببنادق طراز AK-47 و G-3 وقاذفات الآر. بي. جي، بالهجوم على القريتين وهم على ظهور الجياد والجمال. وكان الضحايا يعرفون قائد الهجوم وهوية عدد من المهاجمين الآخرين، وأبلغوا ذلك لقسم الشرطة المجاور. وقامت الشرطة بالتحقيق في الحادث وألقت القبض على أربعة ممن اشتبه في ارتكابهم للهجوم كانوا لا يزالون في القرية في ذلك الوقت. ووفقا لما ذكره الشهود، لم يكن أحد من المتمردين موجودا في القرية سواء وقت الهجوم أو في أي وقت آخر.
        وفي حادثة ثانية وقعت في 28 نيسان/أبريل 2002، قام حوالي 100 من المليشيا العربية بالهجوم على غرب شوبه وشوبه كاريكا من الشمال،. وكانت أوصاف مرتكبي الهجوم الثاني شبيهة بأوصاف المسؤولين عن الهجوم الأول، وكانوا هذه المرة بقيادة اثنين من كبار قادة المليشيا العربية. وقتل أثناء الهجوم 24 شخصا، وجرح 23 شخصا آخر. وحرق 338 منزلا، ودمر شمال وشرق القرية تدميرا كاملا. ونهبت ممتلكات لسكان القرية، بما فيها جميع الماشية والأغذية والأدوية. ووفقا لما ذكره الشهود، وقع الهجوم من الساعة 15/4 حتى حوالي الساعة 30/9 حين وصلت قوات الحكومة. وتعرف سكان القرية على مرتكبي الهجوم، الذين كانوا على مسافة 500 متر من القرية ومعهم الأشياء التي نهبوها. غير أن قوات الحكومة، وفقا لما ذكرته الروايات، أبت أن تتعقبهم، وقال ضابط لأحد الشهود إن التعليمات الصادرة إليه هي ألا يتعقب المهاجمين. وقامت القوات المسلحة التابعة للحكومة فيما بعد بمصادرة أسلحة سكان القرية. وعقب الهجوم بفترة، قام وزير الداخلية بزيارة المنطقة، يرافقه ولاة ولايات دارفور الثلاث، لتقييم الحالة، ثم قاموا فيما بعد بإرسال الأغذية والدعم لإعادة بناء القرية.
        ووقع هجوم ثالث من الساعة 00/5 إلى الساعة 00/18 من يوم 25 تموز/يوليه 2003، واستهدف هذه المرة شرق شوبه وغرب شوبه. وذكرت الروايات أن الهجوم كان بقيادة اثنين من كبار قادة الجنجويد، واشترك فيه نحو 400 من قوات الجنجويد والقوات المسلحة الحكومية مستخدمين الجمال والخيل وعربات لاند كروزر المسلحة بالرشاشات عيار 12.7 مم. وقد دمرت القريتان تماما أثناء الهجوم. وقتل 42 شخصا وجرح 10 ونهب كل شيء من المنقولات في القريتين.
        حالة دراسة إفرادية: عدوة
        253 - حققت اللجنـــة في تقـــارير تفيــد بوقوع هجــوم في الآونة الأخيرة، قامت به القوات المســـلحة التابعة للحكومة والجنجويد، على قرية عدوة في جنوب دارفور، وذلك على النحو التالي:
        وفقا لأقوال الشهود، شنت القوات المسلحة التابعة للحكومة السودانية هجوما على قرية عدوة، في الساعة 00/6 من يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 متواطئة مع الجنجويد. وذكرت التقارير أن قوات المتمردين كانت تسيطر على قاعدة على قمة الجبال الواقعة بالقرب من عدوة، وتبع ذلك وقوع معركة بين جنود الحكومة وقوات المتمردين. واستخدم في الهجوم طائرتا هليكوبتر مسلحتان وطائرة من طراز أنتونوف، ربما لأغراض الاستطلاع. واستخدمت القوات الأرضية مختلف الأسلحة بما فيها البنادق الهجومية طراز AK-47 و G-3 و G-4 وقاذفات الآر. بي. جي. والرشاشات والمدافع الرشاشة طراز Dshk عيار 12.7 مم المركبة على عربات. ووفقا لروايات الشهود، استهدف المدنيون بمن فيهم النساء والأطفال والمسنون أثناء الهجوم. واضطر كثير منهم للفرار إلى جبل قريب، حيث بقوا عدة أيام. وهناك تقارير تفيد بأن القوات المسلحة التابعة للحكومة والجنجويد، أصدرت تعليمات إلى النساء بعدم الفرار وأخبرنهن بأنهن غير مستهدفات بالهجوم. ومع ذلك، فقد قام المهاجمون بالقبض على بعض النساء واحتجزوا عددا منهن لمدة يومين. أما الرجال فكانوا يقتلون على الفور، كما كان يقتل كل من يحاول الفرار. وكان المهاجمون يقتادون الفتيات إلى موقع آخر وكثيرات منهن أغتصبن في حضور نساء أخريات. وقام المهاجمون بنهب القرية. وأفادت التقارير أن جنود الحكومة والجنجويد قد قتلت عددا من الضحايا بإطلاق النار عليهم عندما كانوا في الجبال. وقُتل كثيرون وأصيب أكثر من 100 شخص بجراح. وعقب الهجوم، قام ممثلو إحدى المنظمات الدولية بتفتيش القرية، وعثروا على عدد من النساء والأطفال الجرحى، قاموا بنقلهم إلى المستشفي. كما عثروا على جثث عدد يتراوح بين 20 و 30 مدنيا، منهم النساء والأطفال، كانوا قد قتـــلوا أثناء الهجوم، وأفادت التقارير أن جميع الضحايا كانوا من قرية عدوة، وينتمون إلى قبيلة ألفور. كما زعم أن الكثيرين لم يتم العثور عليهم بعد في الجبال.
        ’2‘ هجمات قوات المتمردين
        254 - ثبت للجنة أيضا أن قوات المتمردين، كانت مسؤولة عن شن هجمات كانت في أغلب الحالات موجهة ضد أهداف عسكرية أو ضد قوات الشرطة أو الأمن. ففي غرب دارفور على سبيل المثال، هاجمت قوات المتمردين مركزا للشرطة في تنغافوكا، في تشرين الأول/أكتوبر 2003. وذكر الشهود أنه في جنوب دارفور هاجم المتمردون ونهبوا مركزا للشرطة ومكاتب حكومية في ياسين، في كانون الثاني/يناير 2004. وفي شمال دارفور هاجمت قوات المتمردين مركزا للشرطة في الطويلة، فقتلت 28 من رجال الشرطة. ووفقا لروايات الشهود، كان أغلب الهجمات التي قامت بها قوات المتمردين ضد أهداف عسكرية، تتم بتوجيه من حركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان، سواء بصورة مستقلة أو بالاشتراك مع قوات المتمردين التابعة لحركة العدل والمساواة.
        255 - وحصلت اللجنة أيضا على معلومات من شهود عدد من الهجمات التي قامت بها قوات المتمردين على القرى وعلى المدنيين الأفراد. ففي ثلاث حوادث منفصلة وقعت في غرب دارفور، قام أفراد من حركة العدل والمساواة، بالهجوم على بلدة كلبص. وخلال الهجوم الأول وصل أفراد حركة العدل والمساواة حوالي الساعة 00/15 من يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 2003، يستقلون 35 عربة لاند كروزر، فباغتوا القوات المسلحة الحكومية في البلدة. وكان بعضهم يرتدي الزي العسكري المموه بلون الصحراء، بينما كان آخرون يرتدون ملابس مدنية ويمتطون ظهور الخيل والجمال، ويحملون أسلحة مثل قاذفات الآر. بي. جى وبنادق الغرانوف والكلاشينكوف والبنادق طراز GM-4، والقاذفات طراز كاتيوشا ومدافع الهاون عيار 106، والهاون عيار 120 والرشاشات. وقتل 42 جنديا و 17 مدنيا كلهم من الذكور إلى جانب طفل واحد، كما جرح خمسون مدنيا. وفي يومي 25 و 26 كانون الأول/ديسمبر 2003، قام أكثر من 40 مركبة محملة بالجنود التابعين لحركة العدل والمساواة بالهجوم مرة أخرى على بلدة كلبص. غير أن القوات المسلحة الحكومية أعاقت تقدم المهاجمين، فلم يستطيعوا الدخول إلى البلدة. وقتل 28 من جنود الحكومة إلى جانب أربعة ذكور من المدنيين.
        256 - وأفادت التقارير أن قوات المتمردين مسؤولة أيضا عن الهجمات التي ذكرت أنها كانت تشن على قوافل المدنيين، بما فيها المركبات التي تقل الإمدادات الإنسانية. وحصلت اللجنة على معلومات عن هجمات المتمردين على المركبات التجارية وعلى الشاحنات التي كانت تنقل الإمدادات الإنسانية أو على قطارات البضائع أو حافلات الركاب ونهبهم لها. غير أن اللجنة لم تتمكن من التحقق من هذه الروايات عن طريق ما أجرته من تحقيقات. وقد قدمت حكومة السودان إلى اللجنة وثيقة تتضمن قائمة بالهجمات التي شنت على القوافل الإنسانية.

        دراسة حالة إفرادية: برم
        257 - وفي سلسلة حوادث خطيرة للغاية، شنت قوات المتمردين هجمات في برم، بجنوب دار فور، في ثلاث مناسبات متفرقة، على النحو التالي:
        في أثناء الهجوم الأول، الذي وقع في الساعة السادسة من صباح 13 آذار/مارس 2004، وصل المتمردون إلى برم من الشمال مستقلين ثماني سيارات لاند كروزر، كل منها تقل 9 أو 10 جنود. وكان المهاجمون يرتدون أزياء عسكرية مختلفة. وهاجموا المكتب المحلي للأمن الوطني وجهاز المخابرات وأشعلوا فيه النيران ثم شرعوا في إطلاق الرصاص على مكتب هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية السودانية. ثم هاجموا مركز الشرطة، فقتلوا شرطيين ونقلوا منه الأسلحة والذخائر. ومن هناك، ذهبوا إلى مكاتب الإدارة المحلية، حيث سرقوا خزانتين ودمروا وثائق رسمية. ثم ذهبوا إلى مكتب الزكاة، حيث دمروا وثائق وسرقوا خزانة وشاحنة نصف نقل من طراز ميتسوبيشي.ثم توجهوا إلى المصرف، حيث أزالوا خزانتين وأشعلوا النيران في المبنى. كما سرقوا شاحنة مملوكة لأحد المدنيين. وكان هناك حشد من الناس شهد الحادث وتابع المهاجمين. ومن الواضح أن هذا الحشد لم يكن خائفا لأن المتمردين كانوا قد أعلنوا أنهم لا يودون إيذاء أحد بخلاف المستهدفين، ومن بينهم بعض المسؤولين. وذهب المتمردون إلى مسكن مدير الأمن الذي أفادت التقارير بأنه كان قد فر مع أسرته، وأشعلوا النيران في المسكن وسرقوا سيارة مدير الأمن. وفي الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي غادر المتمردون البلدة باتجاه شراب. وفي وادي هجام سرقوا أسلحة من الشرطة. وفي حفرة النحاس هاجموا قوة عسكرية وقتلوا 17 جنديا حكوميا.
        ووقع هجوم ثان بعد ذلك بأسبوع، وأفادت التقارير بأن من قاموا بالهجوم هم نفس الجناة الذي استقلوا نفس السيارات التي استعملت في الهجوم الأول. وبعد وصول المهاجمين إلى القرية في الساعة الثانية بعد الظهر، ذهبوا إلى السجن وأطلقوا سراح السجناء كافة. ودعا المتمردون السجناء إلى الانضمام إليهم، وهذا ما فعله البعض. وأشعل المهاجمون النيران في السجن، وقتلوا أحد حراس السجن وضربوا حارسا آخر. ثم غادروا القرية، وأخذوا معهم السجناء الذين انضموا إليهم. وبعد الهجوم، صرح المتمردون علانية بأنهم كانوا قد أتوا ليحرروا الناس بالقوة وأنهم يريدون التأييد من الشعب.
        وبعد ذلك، خاض المتمردون معركة مع القوات العسكرية الحكومية في مكان قريب. وفي تلك المعركة، نقل الجنود الذين أصيبوا إلى برم لتلقي الرعاية الطبية. وأطلق المتمردون النيران على مباني المستشفى، فقتلوا جنودا ومدنيين. ولم تستطع اللجنة أن تؤكد ادعاء الحكومة أن جنودا ومدنيين مصابين قد قتلوا داخل مبنى المستشفى.


        (ب) التقييم القانوني
        258 - حسب ما جاء أعلاه، فإن أحكاما مختلفة تتعلق بحقوق الإنسان وتندرج في القانون الإنساني الدولي تتصل بحماية المدنيين أثناء الصراع المسلح. ويحظر القانون الدولي أي هجوم يوجه عمدا إلى المدنيين، أي إلى أشخاص لا يشتركون اشتراكا مباشرا في أعمال القتال المسلحة. كما يحظر القانون الدولي الهجمات العشوائية على المدنيين، بمعنى أي هجوم على مناطق أو أماكن قد يوجد فيها مدنيون ومحاربون على السواء، ولا يكون موجها إلى هدف عسكري معين، أو هجوم تستخدم فيه أساليب أو وسائل قتال لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري معين. ولذلك، ينبغي على أطراف الصراع أن يميزوا في كل الأوقات بين المدنيين وبين من يؤدون دورا مباشرا في أعمال القتال، فضلا عن التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. والهجمات المتعمدة على الأهداف المدنية محرمة. ويشمل معنى ”الأهداف المدنية“ جميع الأهداف (البيوت، والمساكن الخاصة، والبساتين، والمدارس، والمآوى، والمستشفيات، والكنائس، والمساجد، ومعابد اليهود، والمتاحف، والأعمال الفنية، وما إلى ذلك) التي لا تخدم أي غرض عسكري أو تستخدم لمثل هذا الغرض.
        259 - ولكي لا تعرض الهجمات الموجهة إلى أماكن أو مناطق قد يوجد بها مدنيون ومحاربون على السواء مدنيين للخطر على نحو مخالف للقانون، يفرض القانون الدولي التزامين أساسيين، ينطبقان في كل من الصراعات المسلحة الدولية والصراعات المسلحة الداخلية. والالتزام الأول هو اتخاذ الإجراءات الاحتياطية لتفادي الإضرار بالمدنيين والأهداف المدنية قدر الإمكان. والإجراءات الاحتياطية التي من هذا القبيل مبينة في القانون الدولي العرفي، وهي كما يلي: ينبغي على المحارب (أ) عمل كل ما هو ممكن للتحقق من أن الأهداف التي ستهاجم ليست مدنية الطابع؛ (ب) اتخاذ جميع الإجراءات الاحتياطية الممكنة عند اختيار وسائل القتال وأساليبه لتفادي الإصابة العارضة للمدنيين أو للأهداف المدنية، أو على الأقل لتقليلها إلى أدنى حد ممكن؛ (ج) الامتناع عن شن هجمات قد يتوقع أن تتسبب في فقدان أرواح المدنيين بشكل عارض أو إصابتهم بشكل عارض أو إصابة أهداف مدنية بشكل عارض، بحيث يكون ذلك مفرطا بالنسبة للفائدة العسكرية المحددة المباشرة المتوقعة؛ (د) توجيه تحذير مسبق فعال بخصوص الهجمات التي قد تؤثر على السكان المدنيين، باستثناء ما يحدث في حالات الهجوم، على النحو المنصوص عليه في المادة 26 من أنظمة لاهاي لسنة 1907، أو على النحو المنصوص عليه في المادة 57 (2) (ج) ونصها ’ما لم تسمح الظروف بذلك‘ أي عندما يرى المحارب أن الهجوم المباغت لا غنى عنه. ومثل هذه التحذيرات قد تكون في شكل إسقاط منشورات من الطائرات أو إعلان بالراديو عن اعتزام شن هجوم. ووفقا للتعليق على البروتوكولات الإضافية الملحقة باتفاقيات جنيف المبرمة (ICRC,Y.Sandoz and others eds; 1987, at § 2224)، يمكن أيضا توجيه تحذير بإرسال طائرات تحلق على ارتفاع شديد الانخفاض فوق المنطقة التي ستهاجم، وذلك لإعطاء المدنيين الوقت اللازم للجلاء عن المنطقة.
        260 - والالتزام الأساسي الثاني الواقع على عاتق المحاربين (أو بمعنى أعم، على عاتق أي طرف في صراع مسلح دولي أو محلي) هو احترام مبدأ التناسب عند شن هجمات على أهداف عسكرية قد تنطوي على خسائر مدنية. وبموجب هذا المبدأ، ينبغي للمحارب، عندما يهاجم هدفا عسكريا، ألا يتسبب في إصابة عارضة لمدنيين بشكل لا يتناسب مع الفائدة العسكرية المحددة المباشرة المتوقعة. وفي منطقة عمليات القتال يظل مبدأ التناسب معيارا ذاتيا إلى حد بعيد، يستند إلى توازن بين التوقع وانتظار كسب عسكري وبين الخسارة الفعلية لأرواح المدنيين أو تدمير أهداف مدنية. ورغم ذلك، فإنه يؤدي دورا هاما، أولا وفي المقام الأول لأنه يجب أن يطبق بحسن نية، وثانيا لأن تطبيقه قد ينطوي على الأقل على حظر إصابة المدنيين إصابات غير متناسبة بشكل صارخ. وبذلك، يمكن للمرء أن يقدر بيانات من قبيل بيان القاضية ر. هيغينز، الوارد في رأيها المخالف الذي ذُيلت به فتوى محكمة العدل الدولية بشأن مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها. إذ أشارت إلى أن ”مبدأ التناسب ... ينعكس في العديد من أحكام البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949. ولذلك لا يجوز الهجوم حتى على هدف مشروع إذا كانت الخسائر في الأرواح والإصابات التي تحدث بين المدنيين كنتيجة غير مباشرة له لا تتناسب مع المكسب الحربي المحدد الذي يحققه الهجوم.“ (الفقرة 20، الصفحة 587).
        261 - والهجمات الموجهة عمدا ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، يعد انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي ويرقى إلى مرتبة جرائم الحرب( ). وأركان جريمة الحرب هذه هي نفسها سواء ارتكبت الأعمال في أثناء صراع مسلح دولي أو صراع مسلح غير دولي( ).
        262 - وينبغي تحليل النتائج الوقائعية التي توصلت إليها اللجنة فيما يتصل بالهجمات التي شنت على المدنيين في دار فور من منظور تحريم الهجمات العشوائية على المدنيين. وفي هذا الصدد، يلزم النظر في: (أ) ما إذا كانت الإجراءات الاحتياطية قد اتخذت لضمان حماية المدنيين والأهداف المدنية، (ب) ما إذا كانت الهجمات متناسبة مع الأهداف العسكرية.
        263 - وكما لوحظ أعلاه، فإن أحد المبررات المقدمة لتسويغ هجمات القوات المسلحة للحكومة السودانية والجنجويد على القرى هو أن المتمردين كانوا موجودين في ذلك الوقت واتخذوا من القرى قاعدة يشنون منها الهجمات - أو أن القرويـيـن، على أقل تقدير، كانوا يقدمون الدعـم إلى المتمردين في أنشطتهم التمرديـة. ولذلك، يرى المسؤولون الحكوميون أن القرويـيـن قد فقدوا مركزهم القانوني كأشخاص مشمولين بالحماية.
        264 - وقد رأت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أن التعريف الواسع لمصطلح السكان المدنيـيـن لـه ما يبـرره، في سياق الجرائم المرتكبة بحـق الإنسانية، وأن وجود أولئك المشاركين بنشاط في الصراع ينبغي ألا يحـول دون توصيـف السكان بأنهم مدنيون( ). وفي قضية أخرى، اعتبـرت تلك المحكمة مرة أخرى العناصر المختلفة لهجوم موجـه ضد السكان المدنييـن جزءا من تعريف الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية. ووفقـا لما رأته دائرة ابتدائية تابعة لتلك المحكمة، يجب على الأقـل أن يكون الجاني على علم بأن ضحية جريمتـه إنسان مدنـي أو يكون قد فكر في هذا الاحتمال. وأكـدت أنـه في حالة عدم التيقـن مما إذا كان الشخص مدنيا أم لا يجب اعتباره مدنيـا( ). وبالمثل، رأت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أنـه متـى كان هناك أفراد معينـون في صفوف السكان المدنييـن لا ينطبق عليهم تعريف المدنيـيـن، فإن هذا لا يحرم السكان من طابعهم المدنـى( ). واستنادا إلى هذا التفسير المنطقـي، يتضح أن مجرد وجود فرد أو أفراد من قوات متمـردة داخل قرية من القرى لا يحرم بقية سكان القرية من صفتهم كمدنيـيـن.
        265 - وفضلا عن ذلك، وكما أُشيـر أعلاه، وخلافا لما أكده للجنة مسؤولون حكوميون مختلفون، يبـدو من الروايات المتسقــة التي أدلـى بها شهود عيان موثوق بهـم أنـه لم يحدث أبدا أن اتـُّـخذت إجراءات احتياطية من قـِـبل السلطات العسكرية لتجنيب المدنيـين الخطـر عند شــن الهجمات المسلحة على القـرى. ولم يـُـفـِـد أي من شهود العيان بتوزيع منشورات أو بتوجيـه تحذيرات بالإذاعـة أو بواسطة شيوخ القبائل، أو بتحليق الطائرات على ارتفاعات منخفضة فوق القرى لتحذير المدنيين من هجوم وشيك. وفضلا عن ذلك، فإن طريقة ونمـط عمليات التحليق الجوي السابقة للهجمات لم يكن ممكنـا بأي حال تأويلهما بأنهما إشـارات تحذير، إذ أن تلك العمليات كانت، وبوضوح، جزءا من الهجوم. بل إن الحكومة نفسهـا لم تستخدم هذا على سبيل الدفاع عن موقفها بشأن الهجمات الجوية أو مساندة القوات البريـة أثنـاء الهجمات.
        266 - ومن الواضح أن مسألة التناسـب لم تـُـثـَـر حينما لم تكن هناك جماعات مسلحة في القرية، حيث استهدف الهجـوم المدنييـن وحدهـم. إلا أنـه متى كان محتملا وجود أيـة عناصر مسلحة في القرية يكون الهجوم غير متناسب، لأنه في معظم الحالات كانت القرية بأكملها تدمـَّـر أو تـُـحـرَق وكان المدنيون يرغمـون على الفـرار من القرية تجنبــا للمزيـد من الضرر، هذا إن لم يكونوا قد قـُـتلـوا أو أصيـبـوا. ولذلك فإن الخسائر المدنيـة الناجمة عن العمل العسكري تكون في العادة مفرطـة بالنسبة للفائدة العسكرية المتوقعـة من قتل المتمردين أو إخراجهم من ساحة القتال.
        267 - ملاحظـات ختاميــة: يتضح من النتائج الوقائعيـة التي خلصت إليها اللجنة أن القوات الحكومية والميليشيات الخاضعة لسيطرتها قد هاجمـت المدنيين في عديد من الحالات ودمـرت القرى وأحرقتها في دارفـور على نحو يخالف مبـادئ القانون الإنساني الدولي وقواعده ذات الصلة. وحتى إذا افترضنا أنه كان هناك متمردون في جميع القرى التي هوجمت أو كان هناك على الأقل بعض المتمردين المختبئين هناك، أو أن بعض الأشخاص كانوا يساندون المتمردين - وهذا قول لم تدعمه المواد أو المعلومات التي جمعتها اللجنة - فإن المهاجمين لم يتخذوا الإجراءات الاحتياطية اللازمة لتمكين المدنيين من مغادرة القرى أو الاحتماء من الهجمات بطريقة أخرى( ). ويبين تأثير الهجمات أن القوة العسكرية المستخدمة كانت بشكل واضح غير متناسبة مع أي تهديد يمثله المتمردون. والواقع أن الهجمات كانت في الغالب الأعم توجه عمدا ضد المدنيين وضد الأهداف المدنية. وعلاوة على ذلك، فإن الطريقة التي شنت بها هجمات كثيرة (في الفجر، ويسبقها تحليق مفاجئ لطائرات الهليكوبتر المسلحة وقصف جوي في غالب الأحيان) تبين أن مثل هذه الهجمات كان مقصودا بها أيضا نشر الرعب في صفوف المدنيين لإرغامهم على الفرار من القرى. وفي غالبية الحالات، كان ضحايا الهجمات ينتمون إلى القبائل الأفريقية، لا سيما قبائل الفور والمساليت والزغاوة. ومن وجهة نظر القانون الجنائي الدولي، فإن هذه الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي تشكل دون شك جرائم حرب واسعة النطاق.
        268 - ويتضح من استنتاجات اللجنة أن المتمردين مسؤولون عن هجمات شنت على المدنيين، تشكل جرائم حرب. وبوجه عام، لم تجد اللجنة دليلا على أن هجمات المتمردين على المدنيين كانت واسعة النطاق، أو أن هجمات المتمردين كانت تستهدف السكان المدنيين بشكل منتظم.

        2 - قتل المدنيين
        (أ) النتائج الوقائعية
        ’1‘ القتل على أيدي القوات الحكومية أو الميليشيات أو كلتيهما
        269 - اطلعت اللجنة على عدد ضخم من التقارير الآتية من مصادر مختلفة، وهي توثق عمليات قتل المدنيين على نطاق واسع في شتى أنحاء دار فور، ابتداء من عام 2003 وحتى وقت نشر هذا التقرير. وتشير هذه التقارير إلى أن الغالبية الكبرى من أعمال القتل قد ارتكبها ناس وصفهم الشهود بأنهم من الجنجويد، وكانوا في معظم الأحيان يرتدون أزياء رسمية ويمتطون ظهور الخيل أو الإبل. وأفادت التقارير بأن عمليات القتل كانت ترتكب بصفة عامة أثناء الهجمات التي تشن على القرى والقرى الصغيرة. كما تلاحظ التقارير أن عمليات القتل غالبا ما تكون نتيجة لإطلاق نيران البنادق. وتصف شهادات الشهود الواردة في هذه التقارير المهاجمين بأنهم كانوا يحملون بنادق الكلاشينكوف وغيرها من الأسلحة الآلية التي يطلقونها إما بصورة عشوائية أو مستهدفين أُناسا معينين، غالبا ما يكونون رجالا في سن الخدمة العسكرية. كما لوحظ استخدام أسلحة أخرى، من قبيل السيوف، وإن كان ذلك أقل حدوثا. وأفادت التقارير أنه في بعض هذه الحالات وقعت عمليات قتل على نطاق واسع، حيث قتل المئات من المدنيين خلال إحدى الهجمات. كما أفادت التقارير بوقوع حوادث احتجز فيها سكان مدنيون، واقترن ذلك بعمليات إعدام تعسفي، فضلا عن وفاة مدنيين نتيجة للهجمات الجوية العشوائية التي شنتها القوات الحكومية. وتلاحظ التقارير أن عمليات القتل قد استمرت خلال التشريد في المخيمات، على أيدي الميليشيات المحاصرة لتلك المخيمات، وأن بعض الأشخاص المشردين داخليا كانوا هم الآخرين ضحايا لإطلاق الرصاص العشوائي من قِبل الشرطة داخل المخيمات، ردا على وجود مزعوم للتمردين.
        270 - ويتطابق وصف عمليات القتل الوارد في هذه التقاريــــر مع النتائـــج التي توصلت إليها اللجنة خلال بعثاتها في السودان، وذلك على الرغــم من شهادات الشهــــود الموثوقة ومن التحقيقات. ويستحيل في هذا التقرير وصف جميع حوادث القتل التي وثقتها اللجنة. ومع ذلك يرد هنا عرض لبعض الحالات التي يتسم بها نمط عمليات القتل الذي لاحظته اللجنة.
        271 - وقد وجدت اللجنة أنه بينما ارتكبت جميع الأطراف المشاركة في الصراع جرائم بحق السكان المدنيين، تتحمل حكومة السودان والجنجويد مسؤولية الغالبية الساحقة مما ارتكب من عمليات قتل المدنيين المتعمدة( ) خلال الصراع في دار فور. وعلاوة على ذلك، فإن معظم المدنيين المقتولين على أيدي قوات الحكومة أو المليشيات ينتمون، دائما وبشكل ملفت للنظر إلى حد بعيد، إلى نفس القبائل، أي قبائل الفور والمساليت والزغاوى، وينتمون بدرجات أقل إلى قبائل أفريقية أخرى، لا سيما الجِبل وآرانغا في غرب دارفور.

        أ - القتل في هجمات مشتركة شنتها القوات الحكومية والجنجويد
        272 - هناك مثال وثقته اللجنة يحكي الكثير عن حالة من حالات قتل المدنيين بأعداد كبيرة، هي حالة الهجوم في كانون الثاني/ يناير عام 2004 على قرية سُرة التي يربو عدد سكانها على 700 1 شخص، والواقعة إلى الشرق من زالينغي بجنوب دارفور. وقد قدم الشهود، المستجوبون في جماعات منفصلة، رواية متسقة ومفصلة وقابلة للتصديق إلى حد بعيد فيما يختص بالهجوم، الذي قُتل خلاله أكثر من 250 شخصا، من بينهم نساء وعدد كبير من الأطفال. وهناك ثلاثون شخصا آخر في عداد المفقودين. وقد هاجم الجنجويد والقوات الحكومية معا القرية في ساعات الصباح الأولى. وأطلق الجيش قذائف الهاون على المدنيين العزل. وكان الجنجويد يرتدون أزياء عسكرية مموهة ويطلقون نيران البنادق والرشاشات. ودخلوا المنازل وقتلوا الرجال. ثم جمعوا النساء في المسجد. وكان هناك نحو 10 رجال مختبئين مع النساء. وقد وجد الجنجويد هؤلاء الرجال وقتلوهم داخل المسجد. ثم أرغموا النساء على خلع المكسي (هو ثوب سابغ يغطي أجسادهن بأكملها) فإذا وجدوهن يخفين أولادهن الصغار تحت تلك الثياب قاموا بقتل الصبية. وفرت الناجيات بجلودهن من القرية، ولم يدفن قتلاهن.
        273 - واستطاعت اللجنة أن تجد عناصر مختلفة تثبت روايات الشهود وتؤكد حدوث عمليات القتل الجماعي للمدنيين على أيدي القوات الحكومية والميليشيات. وعلى سبيل المثال، زارت اللجنة قرية كايلك في جنوب دارفور، التي يسكنها أساسا أناس ينتمون إلى قبيلة الفور، وتأكدت مما قاله شهود العيان للجنة. وهذه الحالة لا تصور فحسب حدوث عمليات قتل المدنيين بأعداد كبيرة، بل تصور أيضا عمليات الاحتجاز المخالف للقانون والمصحوبة بعمليات الإعدام العاجلة والاغتصاب وغير ذلك من التجاوزات. وخلال الهجوم الأول المبين في الفرع السابق، دمرت تسع قرى حول بلدة شاتايا المجاورة، وقتل 85 شخصا، من بينهم خمس نساء وثلاثة أطفال. وبعد الهجوم، توجه سكان المنطقة بأكملهم إلى كايلك. وكان الجنجويد لا يزالون موجودين في القرى المحيطة، وكل من حاول العودة إلى هذه القرى تعرض للهجوم، وقتل البعض منهم. وعثرت اللجنة على عناصر تؤكد صحة التقارير القائلة بأن 28 رجلا أعزلا حاولوا الاستسلام في مركز شرطة كايلك قد قتلوا بإطلاق الرصاص عليهم جميعا - ولم ينج منهم سوى رجل واحد. وبالإضافة إلى ذلك، قُتل 17 شرطيا في هذا الهجوم، وكلهم ينتمون إلى قبائل أفريقية.
        274 - ووقع هجوم ثان في آذار/مارس عام 2004. فقد شنت القوات الحكومية والجنجويد هجوما حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، تساندها الطائرات والمركبات العسكرية. ومرة أخرى، فر القرويون غربا إلى الجبال. وبدأ الجنجويد، الذين يمتطون الخيول والإبل، في مطاردة القرويين، بينما ظلت القوات العسكرية عند سفح الجبل. وقد قصفت أجزاء من الجبال بالهاونات، كما أطلقت نيران الرشاشات على الناس. وأطلقت النيران على الناس عندما اضطروا، وقد عانوا من العطش، إلى مغادرة مخابئهم للذهاب إلى نقاط المياه. وهناك تقارير متسقة تفيد بأن بعض الذين ألقي القبض عليهم وبعض الذين استسلموا للجنجويد قد أطلق عليهم الرصاص فورا وقتلوا. وزعمت امرأة أنها فقدت 17 شخصا من أفراد أسرتها في الجبل. وقد أطلق الجنجويد نيرانهم على شقيقتها وطفلها من مسافة قريبة. أما من استسلموا أو عادوا إلى كايلك فقد احتجزوا في ساحة صغيرة مكشوفة رغم إرادتهم لفترة طويلة (ربما لأكثر من خمسين يوما). وتعرض كثيرون لأفظع صور المعاملة، وأُعدم الكثيرون منهم بصورة عاجلة. فنودي على الرجال الذين احتجزوا في كايلك وأطلق الرصاص عليهم أمام أعين الجميع أو نقلوا بعيدا حيث أطلق الرصاص عليهم. وقد لقي هذا المصير قادة المجتمع المحلي على وجه التحديد. وهناك تقاريــر تفيد بأن أناسا قد ألقي بهم في النار ليموتوا حرقا. وهناك تقارير تفيد بأن أناسا قد سُلخت جلودهم سلخا جزئيا، أو أُحدثت بهم إصابات بطرق أخرى وتركوا ليموتوا.
        275 - وحالة كايلك ليست حالة منفردة. فهي مماثلة لحوادث أخرى تحدثت التقارير عن استعمال أنماط مماثلة فيها. فعلى سبيل المثال، تجمع أشخاص عديدون في دِليج بعد أن فروا من قراهم، عقب هجمات متواصلة على قرى المنطقة لمدة شهور. وفي آذار/مارس 2004، حاصر أفراد الجنجويد والقوات الحكومية بلدة دِليج هذه، ثم ذهبوا من بيت إلى بيت يبحثون عن أفراد معينين. وقبضوا على العديد من الرجال وأخذوهم إلى مركز الشرطة. وقُسم هؤلاء إلى مجموعات مختلفة، ونقل البعض منهم في شاحنة، قيل إنها توجهت بهم إلى منطقة غارسيلا. وكانت الشاحنة تعود فارغة، ثم تذهب مرة أخرى محملة بمجموعة جديدة من الرجال. وكان يُعدم معظم أولئك الذين أخذوا بعيدا. ووفقا لما ذكره شهود عيان موثوق بهم أشد الثقة، قُتل أكثر من 120 رجلا (تفيد التقارير بأنهم أساسا مثقفون أو قادة). وهذه حالة أخرى من حالات الهجوم المشترك المخطط والمنظم من قِبل القوات الحكومية والجنجويد، التي ارتكبت خلالها عمليات قتل جماعي وعمليات إعدام عاجلة. وآخر حادثة من هذا القبيل وقعت، رغم صغرها نسبيا، في عدوة في تشرين الثاني/نوفمبر 2004. ولا ترى اللجنة أنه من قبيل المصادفة أن معظم عمليات القتل الوحشية هذه قد ارتكب بحق أبناء قبيلة الفور.
        276 - وترى اللجنة أن الهجمات التي شنتها الجنجويد والقوات الحكومية في دارفور، والتي تعد بالمئات، قد انطوت كلها تقريبا على قتل للمدنيين.

        ب - القتل في هجمات شنتها الجنجويد
        277 - ارتكب الجنجويد خلال الهجمات عمليات قتل متعددة. وقد تحققت اللجنة من حوادث عديدة من هذا النوع. فقد أدى هجوم وقع في موللي بغرب دارفور في نيسان/ أبريل 2003 إلى وفاة 64 شخصا، من بينهم طفلة في السابعة من عمرها. وقد دُفن الموتى في ثماني مقابر جماعية بمنطقة سوق القرية. ولاحظت اللجنة أمرا هاما، هو أن الحادث قد أُبلغ إلى الشرطة وأن سبعة أشخاص قد اعتقلوا واحتجزوا ثم أطلق سراحهم بعد ذلك بثلاثة أشهر. وهاجم الجنجويد والقوات الحكومية في كانون الأول/ديسمبر 2003 قرية نوري القريبة من بلدة مورني بغرب دارفور. وهذا الهجوم سانده غطاء بطائرات الهليكوبتر. وقد قُتل 67 مدنيا عندما أطلق المهاجمون النيران عليهم عمدا وبصورة عشوائية. وقد أحرقت جميع دور القرية. ودفنت جثث الضحايا في مقابر جماعية بالقرب من القرية. وفي حالة أخرى، هاجم الجنجويد قرية مالاغا في تشرين الأول/أكتوبر 2004. وقد قُتل 18 رجلا، وأصيب أربعة رجال وامرأتان. وتحققت اللجنة من وجود موقعين لمقابر في القرية - واحد قيل إنه يضم جثمانين لرجلين والآخر قيل إنه يضم جثث سبعة رجال، وكلهم ماتوا أثناء الهجوم. وفي الجنينة، زار الفريق أيضا إحدى المناطق المستعملة كمقبرة عامة، حيث دُفن - حسب قول الشهود - تسعة من ضحايا الهجوم على ملاغا في مقبرة جماعية، وذلك بعد أن نقل القرويون الجثث إلى مستشفى البلدة.
        278 - وتلاحظ اللجنة أيضا أن الجنجويد استهدفوا وقتلوا بوجه خاص، في عدد من المناسبات، أطفالا، بما في ذلك الأطفال الذين قُتلوا في كايلك وسره المشار إليهم أعلاه. وتلقت اللجنة تقارير عديدة عن قتل الأطفال بصورة عشوائية أو مقصودة أو بهما معا، وحدث ذلك أحيانا في ظروف فظيعة بوسائل شملت الحرق أو بتر الأطراف.
        279 - وقد تحققت اللجنة من حوادث عديدة من هذا النوع. وإجمالا، فقد جمعت اللجنة مواد وشهادات جوهرية للغاية تميل إلى تأكيد قتل الآلاف من المدنيين، وذلك في سياق الهجمات على القرى.

        ج - القتل نتيجة للقذف الجوي
        280 - هناك حالات قتل أخرى تعزى بصفة مباشرة إلى القوات المسلحة التابعة للحكومة السودانية، لا سيما عمليات القتل الناجمة عن الهجمات الجوية العشوائية. وعلى سبيل المثال، فإن قرية أميكا سارا بجنوب دارفور، قد أفادت التقارير بقصفها بطائرات الهليكوبتر المسلحة، وذلك في هجوم لقي مساندة من طائرات الأنتونوف ومساندة برية من الجنجويد، وذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2004. وقد زارت اللجنة ذلك الموقع في ثلاث مناسبات. وكانت الأدلة التي عثرت عليها اللجنة متسقة مع شهادة الشهود، الذين أفادوا بأن 17 مدنيا قد قُتلوا. وقد أمكن بسهولة تمييز آثار القذائف المطلقة من طائرات الهليكوبتر. ويوحي تحليل الحفر الناتجة عن القصف بأن هجمات الهليكوبتر انطوت إما على طلعات متعددة أو قامت بها طائرات متعددة، أو على الأسلوبين معا. وقد تحققت اللجنة من وجود قبور حديثة في المنطقة.
        281 - وثمة مثال آخر على هجمات عديدة من هذا النوع وثقتها اللجنة، هو الهجوم الواقع على بلدة هابيلة غرب دارفور في آب/أغسطس 2003 عندما أسقطت ست قنابل من طائرة أنتونوف على البلدة والسوق، مما أدى إلى قتل ثلاثين مدنيا. وتحقق محققو اللجنة من شهادات الشهود، وعاينوا المواقع التي تبين أدلة على القصف وشاهدوا القبور التي دُفن فيها 27 ضحية من الضحايا الثلاثين. وهبيلة تقطنها أساسا قبيلة المساليت. ولم تجد اللجنة دليلا على وجود أي نشاط للمتمردين أو أية هياكل تابعة لهم في المنطقة كان يمكن أن تكون هدفا لهذا الهجوم. وقد أقرت الحكومة بالهجوم وعرضت تعويض للضحايا.
        282- وفي حالة أخرى حققت فيها اللجنة وأشارت إليها في الفرع السابق، تعرضت قرية أنكا والمناطق المحيطة بها في شباط/فبراير 2004 إلى قصف بطائرات أنتونوف. وفي أعقاب القصف، شن أفراد الجنجويد هجوما قاموا فيه بتدمير المنازل ونهب الممتلكات. وأودى هذا الهجوم بحياة خمسة عشر شخصا أصابتهم الشظايا، بينما جرح آخرون، وأحرقت المنازل وضاعت الممتلكات. ويعاني الآن بعض من ظلوا على قيد الحياة من إعاقات بدنية نجمت عن إصاباتهم.
        283- وبناء على التحقيقات التي أجرتها اللجنة، واستنادا إلى نمط الهجمات الجوية الذي أثبتته، ترى اللجنة أن القوات العسكرية تتحمل المسؤولية عن عدد كبير للغاية من الهجمات الجوية العشوائية التي أودت بحياة العديد من المدنيين.

        (د) القتل في أعقاب التشريد
        284- كان المدنيون يقتلون بعد وصولهم إلى مواقع المشردين داخليا في أعقاب تشريدهم. وفي بعض الحالات، جرى قتلهم عند مغامرتهم بالخروج من المخيم، إما للعودة إلى قريتهم أو لأي سبب آخر. فعلى سبيل المثال، ذكر شهود مختلفون للجنة أن ثلاثة أشخاص قد قتلوا مؤخرا عندما غادروا مخيم المشردين داخليا في كاس للذهاب لرؤية قريتهم القريبة من المخيم, وعلى الرغم من عدم تحديد هوية الجناة، فقد ذكر الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات أنهم ”يحتمل أن يكونوا من الجنجويد“. وأفادوا بأن المليشيات ظلت موجودة حول المخيمات والقرية تحسبا لإقدام أي شخص على محاولة العودة. وفي واقعة أخرى، أفيد بمقتل وإصابة عدد من المشردين داخليا في مخيم كلمة بجنوب دارفور في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، عندما كانت اللجنة في نيالا، وذلك عندما أطلقت الشرطة النار داخل المخيم، في ما زعم أنه رد على هجمات شنها متمردون يختبئون بالمخيم.

        2 - القتل على أيدي جماعات المتمردين
        (أ) قتل المدنيين
        285- وجدت اللجنة أيضا أن المتمردين قاموا بقتل المدنيين، إلا أن عدد الحوادث والوفيات كان قليلا.
        286- وقامت اللجنة بتوثيق بعض الهجمات التي شنها المتمردون وتحققت من إفادات الشهود عن طريق تحقيقات مستفيضة أجرتها في الميدان. فعلى سبيل المثال، قامت اللجنة بالتحقيق في هجوم شنته حركة العدل والمساواة على بلدة كلبص بغرب دارفور، في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2003، وفي 25 و 26 كانون الأول/ديسمبر 2003. وقد قتل في أثناء الهجوم الأول الذي وقع في كلبص 42 جنديا و 17 مدنيا من الذكور، من بينهم طفل واحد. واستطاع خبراء الطب الشرعي التابعون للجنة أن يتحققوا من دفن بعض أفراد القوات العسكرية في الخنادق المحيطة بالمخيم العسكري، أما المدنيون فقد دفنوا جميعا في مقابر متعددة بمدافن البلدة. وفي هجوم آخر وقع يومي 25 و 26 كانون الأول/ديسمبر، قتل 28 من الجنود التابعين للحكومة، وأربعة من المدنيين الذكور. ويمكن القول بأن بلدة كلبص كانت هدفا عسكريا، كما يشهد بذلك المعسكر الموجود هناك. ويحتاج الأمر إلى المزيد من التحقيقات لتحديد ما إذا كان المدنيون قد وقعوا على سبيل المصادفة في مرمى النيران، أم أنهم قد تعرضوا للهجوم بصورة عشوائية أو مفرطة، أو أنهم قد قتلوا عمدا.
        287- وقد سبق هذه الهجمات هجوم وصفه بعض شهود العيان للجنة، فذكروا أن أفرادا من قبيلة الرزيقات قد هوجموا في منطقة كلبص من جانب أفراد جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. وقام المهاجمون بقتل ثمانية وأربعين شخصا، من بينهم نساء وأطفال، وسرقة الممتلكات والماشية من السوق ثم تدميره. وتم دفن الضحايا بعد عدة أيام من الهجوم في المناطق المحيطة بكلبص.
        288- وتعذر على اللجنة التأكد من التقارير التي تلقتها، وبخاصة من الحكومة، بشأن ارتكاب المتمردين لعمليات خطف، وأعمال قتل تستهدف أشخاصا معينين، وحالات إعدام للمدنيين يعزى السبب الأساسي فيها إلى اشتباه المتمردين في أن هؤلاء الأفراد يعملون جواسيس للحكومة. وبالرغم من أن اللجنة لا تستبعد إمكانية أن يكون هذا قد حدث، فإنها لم تتمكن من التحقق من وقوعه فعلا.

        (ب) قتل العاملين في مجال المساعدة الإنسانية
        289- قدم للجنة عدد من التقارير عن حوادث وقع فيها العاملون في مجال المساعدة الإنسانية ضحايا للهجمات. ورغم أن اللجنة لم يمكنها في أثناء تأديتها لعملها، أن تتحقق بنفسها من هوية الجناة، فقد نسبت مصادر لها مصداقيتها معظم هذه الحوادث لمختلف جماعات المتمردين. فعلى سبيل المثال، تتهم حركة المتمردين الجديدة، وهي الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية، بأنها كانت وراء حادث وقع في تشرين الأول/أكتوبر 2004 في أومبارو، بشمال دارفور، وقتل فيه اثنان من العاملين الدوليين في واقعة بسبب الألغام.
        290- وفي واقعة أخرى تتعلق بالمنظمة الإنسانية الدولية نفسها، قتل بصورة وحشية اثنان من موظفي تلك المنظمة كانا يعملان في مستوصف صحي متنقل، أثناء سفرهما ضمن قافلة إنسانية تحمل علامة واضحة تبين هويتها على الطريق الرئيسي بين مرشينغ ودومة في جنوب دارفور. وما زالت ملابسات عمليات القتل تلك غير واضحة.
        (ب) التقييم القانوني
        291- حسب ما ذكر آنفا، يتعارض القتل مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وأحكام الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، التي تنص على حماية الحق في الحياة وفي ”عدم الحرمان من الحياة تعسفا“( ). أما فيما يتعلق بالقانون الإنساني الدولي، فهو يحظر قتل المدنيين الذين لا يشاركون فعليا في أعمال القتال التي تدور في إطار الصراعات المسلحة الداخلية، وذلك بموجب كل من المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949، والمادة التي تقابلها في القانون الدولي العرفي، حسبما هو مدون في المادة 4 (2) (أ) من البروتوكول الإضافي الثاني. كما يجرم هذا العمل إما بوصفه جريمة من جرائم الحرب أو، تبعا للظروف المحيطة به، بوصفه جريمة ضد الإنسانية، حسب ما يدل عليه قانون السوابق القضائية والنظم الأساسية لمختلف المحاكم الدولية. ومن الضروري التشديد مرة أخرى في هذا الصدد على أنه عند النظر في ما إذا كان قتل المدنيين يشكل جريمة من جرائم الحرب أم جريمة ضد الإنسانية، فإن وجود أفراد من غير مدنيين لا ينزع عن السكان صفتهم المدنية( ). ومن ثم، فحتى إذا ثبت وجود متمردين في قرية تعرضت للهجوم، أو ثبت أنهم قد استخدموا السكان المدنيين عموما ”كدروع واقية“، فليس هناك ما يبرر قتل المدنيين الذين لم يشاركوا في أعمال القتال.
        292- ويتسم الصراع في دارفور بسمة خاصة ينبغي التشديد عليها. فعلى الرغم من أن ضحايا الهجمات في بعض الحالات قد اعترفوا طوعا بأنهم مسلحون، فمن المهم الإشارة إلى أن معظم القبائل في دارفور تمتلك أسلحة للدفاع عن أراضيها ومواشيها، وكثيرا ما تكون تلك الأسلحة مرخصة على النحو الواجب. وحتى لو كان المدنيون الذين تعرضوا للهجوم يمتلكون أسلحة، فإن هذا ليس بالضرورة دلالة على أنهم من المتمردين، وبالتالي أهداف مشروعة للهجمات، أو على أنهم يشتركون فعليا في أعمال القتال. وبالإضافة إلى ذلك، فمن الجدير بالإشارة أن حكومة السودان لم تدع أنها قد عثرت على أسلحة في القرى التي هوجمت. وفضلا عن ذلك، فإن كثيرا من الهجمات قد وقعت في أثناء نوم المدنيين أو أدائهم للصلاة، وهم في وضع لا يسمح لهم ”بأداء دور مباشر في أعمال القتال“. فمجرد وجود أسلحة في القرية لا يكفي لحرمان المدنيين من وضع الحماية الواجب لهم بحكم صفتهم المدنية.
        293- وفي ضوء النتائج الوقائعية المذكورة آنفا، ترى اللجنة أن هناك مجموعة من المواد المتسقة والموثوق بها التي يغلب عليها الدلالة على إقدام كل من حكومة السودان والجنجويد على قتل العديد من المدنيين الذين لم يشاركوا في أعمال القتال. ولا سبيل إلى إنكار وقوع أعمال قتل جماعي في دارفور، أو أن أعمال القتل تلك قد اقترفتها قوات الحكومة والجنجويد في مناخ يتم فيه الإفلات تماما من أي عقاب، بل ويتم فيه التشجيع على ارتكاب جرائم خطيرة ضد قطاع بعينه من السكان المدنيين. ومن العوامل التي تؤدي باللجنة إلى استنتاج أن أعمال القتل قد ارتكبت بصورة واسعة النطاق ومنهجية في نفس الوقت كثرة عدد تلك الأعمال ونمطها الظاهر الوارد وصفه أعلاه، بما في ذلك استهداف المنتمين إلى قبائل أفريقية ومشاركة المسؤولين أو السلطات في ذلك. ومن ثم، فمن المحتمل أن القتل الجماعي للمدنيين في دارفور يبلغ مبلغ جريمة ضد الإنسانية.
        294- وقد تعذر على اللجنة، بالنظر إلى حدود المهام المحددة لها، أن تؤكد بصورة يقينية عدد الضحايا المدنيين في دارفور. وتترك اللجنة إلى المحكمة المختصة التي ستفصل في أمر تلك الجرائم المدعى ارتكابها مسألة تحديد ما إذا كانت أعمال القتل الجماعي تلك يمكن أن تبلغ مبلغ أعمال إبادة تندرج ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية( ).
        295- وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى طابع التمييز القائم على أسباب سياسية الذي يتسم به قتل المدنيين بشكل منهجي وعلى نطاق واسع، يجوز للغاية أن تشكل تلك الأعمال جريمة الاضطهاد التي تندرج ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. ففي قضية: زوران وكوبريشكتش وآخرون، تعرّف الدائرة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة الاضطهاد بوصفه ”الحرمان الجسيم أو الصارخ، لأسباب تمييزية، من أحد الحقوق الأساسية المقررة في القانون العرفي الدولي أو قانون المعاهدات، إلى حد يصل إلى نفس المستوى من الخطورة التي تتسم به الأعمال الأخرى المحظورة في المادة 5“( ). وفي المادة 7 (2) (ز) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعرّف الاضطهاد بوصفه ”الحرمان المتعمد والشديد من الحقوق الأساسية، بما يخالف للقانون الدولي، بسبب هوية الجماعة أو المجموع“. والأمر الجدير بالإشارة في هذا الصدد هو أن الاضطهاد يمكن أن ينطوي على انتهاك لعدد من الحقوق الأساسية وأنه لا بد وأن يكون قد ارتكب على أساس تمييزي. وبالنظر إلى أن أعمال القتل التي ارتكبتها الحكومة والجنجويد قد استهدفت فيما يبدو بشكل منهجي قبائل الفور والمساليت والزغاوة وغيرها من القبائل الأفريقية لأسباب سياسية، فإن هذا يدل على اتسام أعمال القتل هذه بطابع تمييزي، ومن ثم، يمكن لهذه الأعمال أن تشكل اضطهادا يندرج ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
        296- أما فيما يتعلق بقتل المتمردين للمدنيين، فلا بد من النظر في كل انتهاك من الانتهاكات بوصفه جريمة خطيرة للغاية من جرائم الحرب. بيد أنه ليس في وسع اللجنة أن تخلص إلى أن تلك الأعمال تشكل جزءا من هجوم ”منهجي“ أو ”واسع النطاق“ ضد السكان المدنيين.

        ’3‘ قتل المحتجزين من جنود العدو
        (أ) النتائج الوقائعية
        297- أبلغت جميع الأطراف اللجنة بوقوع بعض حالات الوفاة أثناء الاحتجاز، رغم أنه لا يعتقد أن تلك الحوادث قد وقعت على نطاق واسع. وقد لاحظت اللجنة نفسها، في جملة أمور، الأحداث التي وقعت في كاليك وديليغ، حيث قامت قوات الحكومة وأفراد المليشيات باحتجاز أشخاص يزعم أنهم متمردون مختبئون بين صفوف المدنيين. وبناء على ما لدى اللجنة من كم كبير من المعلومات المتعلقة بالأحداث التي شهدها هذان الموقعان، تشير اللجنة أولا إلى أن المتمردين إن وجدوا، كان عددهم قليلا للغاية من بين الآلاف الذين احتجزوا في كاليك وديليغ. ثانيا، حتى لو كان الشبان الذين قتلوا أعضاء بالفعل في جماعات المتمردين، كما تدعي الحكومة، فإن قتلهم بإجراءات موجزة يتعارض مع القانون الدولي، وينبغي تحميل الجناة المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب. أما فيما يتعلق بقتل المتمردين للجنود المحتجزين، فقد تلقت اللجنة تقارير، وبخاصة من الحكومة، بشأن قيام المتمردين بإعدام الجنود المحتجزين. وتشكل حالات الإعدام تلك جرائم حرب، بيد أن اللجنة لم تتلق معلومات مستقلة تدعم ما وصلها من تقارير.

        (ب) التقييم القانوني
        298- يحظر القانون الإنساني الدولي إساءة معاملة المحتجزين من مقاتلي العدو، لا سيما استخدام العنف الذي يضر بحياة الفرد أو شخصه، بما في ذلك القتل بجميع أنواعه (انظر المادة 3 (1) (أ) المشتركة بين اتفاقيات جنيف). كما أنه يحظر على وجه التحديد إصدار الأحكام بالإعدام وتنفيذها دون أن تصدر مسبقا في هذا الشأن أحكام من محكمة مشكلة على النحو المعتاد، تمنح جميع الضمانات القضائية التي تسلم الشعوب المتحضرة بأنها ضمانات لا غنى عنها (انظر المادة 3 (1) (د) من اتفاقيات جنيف). أما القتل المتعمد للمقاتلين المحتجزين فيشكل جريمة حرب.

        ’4‘ قتل الجرحى من جنود العدو
        (أ) النتائج الوقائعية
        299- رغم وجود ادعاءات بقتل الجرحى من الجنود، فلم تبلغ اللجنة في الواقع إلا بحالات قليلة للغاية، ولم تتمكن من التحقق من تلك التقارير.

        (ب) التقييم القانوني
        300- يحظر القانون الإنساني الدولي (انظر المادة 23 (ب) و (ج) من قواعد لاهاي والمادة المشتركة 3 (1) (أ) بين اتفاقيات جنيف) حظرا تاما القتل العمد للجرحى من الجنود. ويشكل ذلك جريمة من جرائم الحرب.

        ’5‘ التدمير الغاشم للقرى أو التخريب الذي لا تبرره ضرورة عسكرية
        (أ) النتائج الوقائعية
        1 - التدمير المرتكب من جانب القوات المسلحة والجنجويد
        301- تلقت اللجنة عددا كبيرا من التقارير التي توثق التدمير المنهجي والواسع النطاق في نفس الوقت لقرى وقرى صغيرة بأكملها في ولايات دارفور الثلاث وقامت اللجنة بفحص تلك التقارير. وقدم عدد من التقارير صورا ساتلية توثق بوضوح هذا التدمير الواسع النطاق. وتقدر بعض التقارير عدد القرى والقرى الصغيرة التي دمرت تماما بما يزيد على 600 قرية وقرية صغيرة، بينما تعرض ما يتراوح بين 100 و 200 قرية أخرى لتدمير جزئي. وتشير مصادر أخرى، استنادا إلى تقارير الشرطة السودانية، إلى أن ما يزيد عن 000 2 قرية قد دمرت. وحسبما أشير إليه آنفا، فإن التدمير الذي تعرضت له القرى قد ثبت على نحو لا يقبل الجدل، وهو ما اعترفت به حكومة السودان بوضوح.
        302- وفحصت اللجنة تقارير تفصيلية تتعلق بتدمير نحو 140 قرية في ولايات دارفور الثلاث. وفي حين أن بعض التقارير قد أشارت إلى ارتكاب جماعات المتمردين لبضع حوادث من حوادث تدمير القرى والممتلكات الخاصة، فإن معظم التقارير تشتمل على أقوال للشهود تبين أن أغلبية القرى قد دمرت أثناء الهجمات التي شنها الجنجويد، وهو ما كان يجري في كثير من الأحيان بتوجيه من القوات المسلحة التابعة للحكومة السودانية وبمشاركة ودعم منها.
        303- وأفيد بوقوع كثير من الحوادث التي يقال إن القوات الحكومية قد قامت فيها بتطويق القرى وتولي مهمة الحراسة أثناء ارتكاب الجنجويد لأعمال الحرق والنهب وغيرها من الفظائع ضد السكان. ويقال إن الكثير من القرى قد تعرضت للهجوم أكثر من مرة حتى دمرت تماما.
        304- كما تشير تقارير كثيرة إلى أن بعض القرى تم حرقها حتى بعد أن هجرها سكانها الذين فروا إلى مخيمات المشردين داخليا في المراكز الحضرية الأكبر في دارفور، أو إلى تشاد المجاورة. وهذا ما أفضى إلى خشية كثير من المراقبين من أن يكون هذا جزءا من سياسة تنفذ عن طريق الجنجويد لطرد السكان من المناطق المستهدفة ومنع عودة السكان على الفور أو ربما حتى في الأجل الطويل. ويعزى السبب فيما أعرب عنه من قلق إلى أن القرى التي أفيد بأنها تعرضت للحرق والتدمير على هذا النحو لا تسكنها تقريبا إلا قبائل أفريقية، هي في أغلبها قبائل الفور والمساليت والزغاوة.
        305- وأفيد بأن كثيرا من القرى قد دمر بشكل كامل عن طريق الهدم المتعمد لهياكلها، وفي الغالب عن طريق حرق القرية بأكملها. فقد أضرمت النيران في الأسقف المصنوعة من القش التي تعلو المنازل الدائرية التقليدية، وكذلك في جميع المواد الأخرى القابلة للاشتعال، ودمرت جميع النباتات داخل القرية والمناطق المتاخمة لها عن طريق إحراقها. وكان بعض تلك القرى يضم مئات المنازل التي أضرمت فيها النيران وأحرقت بالكامل. وأفيد بأن الجنجويد قاموا في أثناء تلك الهجمات بإتلاف أوعية الطعام ومعدات تجهيز الطعام وأوعية المياه وغير ذلك من الأدوات المنـزلية الضرورية لبقاء السكان. وأفيد بأن الآبار تم تسميمها عن طريق إلقاء جثث الماشية فيها. وبالإضافة إلى ذلك وحسبما يشار إليه أدناه، فقد اقترن هذا التدمير فيما يبدو بشكل مستمر بنهب الممتلكات الشخصية الثمينة، ونهب النقدية، والأهم من ذلك كله، الماشية.
        306- وقد شهدت اللجنة مباشرة مدى استشراء التدمير، وبالتالي قامت بتقصي الحقائق على نحو تفصيلي في عدة مواقع في جميع ولايات دارفور الثلاث، لأغراض التحقق وإثبات الأفعال التي أدت إلى التدمير، والوسائل المستخدمة، والقوات المسؤولة، والأنماط التي تدل على القصد من وراء تلك الأعمال.
        307- ووجدت اللجنة أن إفادات الشهود التي وصلتها من قبل تتماشى مع ما اكتشف بناء على الاستفسارات والتحقيقات التي قامت بها اللجنة. ويمكن التأكيد بأن معظم أعمال التدمير قد تسببت فيها الجنجويد بدعم من الحكومة السودانية.
        308- وتمثل حالة غرب دارفور الاتجاهات والأنماط السائدة أفضل تمثيل، إذ يتجلى فيها بأوضح صورة ما تم من تدمير واسع النطاق. ووجدت اللجنة 35 قرية تم تدميرها فيما لا يزيد على أربعة مواقع (هي الجنينة، وهبيلا، وكلبص، ووادي صالح). وليس هذا سوى عدد بسيط من عشرات القرى التي أفيد بأنها قد دمرت في نفس المنطقة، وهو يضاف إلى أعداد القرى التي لحقت بها أضرار من جراء الهجمات الجوية التي شنتها قوات الحكومة والتي تحققت منها اللجنة.
        309- ومن بين تلك القرى دمرت 13 قرية في غارات شنتها الجنجويد و 18 قرية في هجمات اشتركت فيها قوات الحكومة وأفراد من الجنجويد، كانوا يرتدون زيا رسميا مشابها لزي العسكريين. وقد سارت الطريقة التي اتبعت في تدمير معظم القرى فيما يبدو على نمط منهجي واضح. فقد ارتكب الجنجويد معظم أعمال التدمير، بإشعال النيران في قرى بأكملها وتدمير أي ممتلكات خاصة لم يجر نهبها. وفي أحيان كثيرة كانت القوات المسلحة التابعة للحكومة السودانية موجودة، إما في طائرات أو في مركبات خارج القرية، إلا أنها، باستثناء حالات قليلة، لم تشارك في أعمال التدمير الفعلية، إلا في الحالات التي نجم فيها التدمير عن القصف الجوي.
        310- ويتضح من المواد التي تم جمعها أن غالبية القرى التي تعرضت للتدمير أو الضرر تنتمي إما لقبائل المساليت أو الزغاوة أو الفور، أو غيرها من القبائل الأفريقية. ففي غرب دارفور على سبيل المثال، ومن بين القرى التي دمرت بشكل كامل أو جزئي وعددها 35 قرية والتي حققت اللجنة في أمرها، تنتمي 31 قرية إلى قبائل أفريقية كان من الواضح أنها قد استهدفت بشكل منهجي، بينما تنتمي القرى الأربع المتبقية إلى قبيلتين عربيتين تعرضتا للهجوم إما من جانب حركة العدل والمساواة أو من جانب جيش تحرير السودان. ومن الحقائق التي تبين ذلك أيضا أن معظم القبائل الأخرى لم تستهدف على هذا النحو، إن كانت قد استهدفت على الإطلاق. ولاحظت اللجنة على سبيل المثال أنه في مساحة قدرها 50 كيلومترا تقع بين الجنينة ومستيري وتسكنها في الغالب قبائل عربية، لم تسجل أي دلائل على التدمير. ولوحظت أنماط مشابهة في شمال وجنوب دارفور في المناطق التي يتركز فيها السكان من قبيلتي الزغاوة والفور، اللتين استهدفت قراهما.
        311- واستمعت اللجنة إلى روايات لها مصداقيتها تبين أن أعمال التدمير كانت أعمالا غاشمة ومتعمدة، وأنه بالإضافة إلى المنازل، تم أيضا تدمير جميع الهياكل الأساسية والأدوات اللازمة لبقاء السكان. فقد وجد في المواقع التي فتشها فريق اللجنة أن معاصر الزيوت، وطواحين الدقيق، ومصادر المياه من قبيل الآبار والمضخات، والمحاصيل والنباتات، وتقريبا جميع الأدوات المنـزلية، قد أضرمت فيها النيران أو تم تدميرها. كما لاحظت اللجنة أن المدارس والمراكز الصحية والأسواق وغير ذلك من الأهداف المدنية قد دمرت.
        312- ولا يمكن تفسير هذا النمط من أنماط التدمير إلا على أنه يهدف إلى طرد السكان عن طريق العنف ومنعهم من العودة بتدمير جميع وسائل البقاء وكسب العيش. كما تحققت اللجنة من أن عددا من القرى التي كانت فيما سبق تسكنها قبيلة الفور في جنوب دارفور والمساليت في غرب دارفور، أصبحت الآن تسكنها قبائل عربية.
        313- ولم تجد اللجنة أية أدلة على وجود نشاط عسكري من جانب المتمردين في المناطق الرئيسية التي تعرضت للتدمير يمكن بأي شكل من الوجهة العسكرية أن يبرر الهجمات التي شنت عليها.
        314- وفي بعض الحالات، كما هو الوضع في المناطق المحيطة بكورنوي وتيني في الأجزاء الشمالية من غرب دارفور وفي بعض أجزاء شمال دارفور، يرتبط التدمير بصورة أساسية بالقصف الجوي، إلا أنه اقتصر على بعض الأجزاء، ولم تدمر إلا هياكل قليلة.
        315- وفي الختام، يتبين للجنة أن هناك تدميرا واسع النطاق تعرضت له القرى في جميع ولايات دارفور الثلاث. وقد حدث هذا التدمير بشكل عمدي على وجه العموم، على أيدي قوات الجنجويد في أثناء هجمات شنها أفراد منهم، إما بصورة مستقلة أو بالاشتراك مع قوات الحكومة. وعلى الرغم من أن قوات الحكومة في معظم الحوادث قد لا تكون شاركت في التدمير، فإن تواطؤها في الهجمات التي تم فيها ذلك التدمير، ووجودها في موقع حدوثه يكفيان لجعلها شريكة في المسؤولية. وقد استهدف التدمير المناطق التي تسكنها قبائل أفريقية، ولا سيما الفور والزغاوة والمساليت. ولم تكن هناك أي ضرورة عسكرية لذلك التدمير والتخريب اللذين نجما عن الأعمال المشتركة للجنجويد وقوات الحكومة. واقتصرت أهداف التدمير خلال الهجمات الجاري مناقشتها على أهداف مدنية؛ وتم بشكل متعمد وغاشم تدمير الأدوات التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.

        2 - التدمير على أيدي المتمردين
        316- وبالإضافة إلى ما تقدم، سجلت اللجنة حوادث في شمال دارفور أفيد فيها بأن جيش تحرير السودان قام بإحراق منازل ومركز للشرطة في أثناء الهجمات التي شنها على بلدتي الطويلة وكورما.
        317- ولم تجد اللجنة أي معلومات أو أدلة يمكن أن تبين أن جماعات المتمردين مسؤولة عن إحداث تدمير واسع النطاق. بيد أن هناك بضع حوادث قامت فيها تلك الجماعات بتدمير منازل ومبان في بعض البلدات والقرى، ويلاحظ هذا بصفة خاصة في الهجمات التي شنتها حركة العدل والمساواة على بلدة كلبص في غرب دارفور، وعلى القرى الواقعة في هذه المحلية في الفترة ما بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2003. واستمعت اللجنة إلى إفادات لها مصداقيتها تصف التدمير الذي تعرضت له أجزاء من إحدى المدارس والمستشفى والسوق، بشكل متعمد من جانب جماعة المتمردين في أثناء الهجوم الذي وقع على البلدة. وهناك أيضا روايات موثوق بها عن تدمير قرية واحدة على الأقل في تلك المحلية.

        (ب) التقييم القانوني
        318- تنص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في جملة أمور، على ما يلي: ”تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى
          كاف
            يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى،“( ). وفضلا عن ذلك، يحظر القانون الدولي العرفي ويجرم تدمير ممتلكات الطرف المعادي على يد أحد المتحاربين في أثناء صراع مسلح دولي أو داخلي، دون أن تبرر ذلك ضرورة عسكرية.
            319- من الواضح أنه لم تكن هناك ضرورة عسكرية تبرر قيام قوات الحكومة والجنجويد بهذا التدمير الشامل للقرى. فتلك القرى كان يسكنها مدنيون، وحتى إذا كان بعض المتمردين يعيشون هناك أو يحتمون ببعض المنازل، فإن ذلك لم يكن مبررا لتدمير القرية بأكملها بإشعال النار فيها. ومن ثم، فإن تدمير هذا العدد الكبير من القرى المدنية يشكل جريمة حرب خطيرة جدا.
            320- أما تدمير الممتلكات، فضلا عن أنه يشكل جريمة حرب( )، فإنه، إذا كان جزءا من هجوم منهجي أو واسع النطاق على السكان المدنيين، قد يشكل جريمة اضطهاد تندرج ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، إذا كان قائما على التمييز. بيد أنه ليس كل تدمير للممتلكات في حد ذاته يشكل اضطهادا. فلا بد أيضا من إثبات أن تدمير الممتلكات سيكون له أثر ضار على حرية من يعيشون في تلك المنطقة وسبل كسبهم للعيش. وحسب ما حكمت به دائرة ابتدائية تابعة للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، في قضية: زوران وكوبريشكتش وآخرون( )، فإن هذا الدمار يماثل ”في عواقبه نفس العواقب غير الإنسانية المترتبة على النقل بالإكراه أو الترحيل“. وقضت دائرة ابتدائية أخرى في نفس المحكمة، في قضية بلاسكتش، بأن ”تدمير الممتلكات لا بد وأن يفسر على أنه يعني تدمير البلدات والقرى والممتلكات الأخرى العامة أو الخاصة، الذي لا تبرره الضرورة العسكرية، والذي يتم بصورة غير مشروعة، وعلى نحو غاشم يتسم بالتمييز“( ).
            321- ومن الواضح أن تدمير الممتلكات الذي حدث في دارفور كان جزءا من هجوم منهجي واسع النطاق على السكان المدنيين؛ ومن الواضح أنه كان له أثر ضار على حرية أولئك الأشخاص وسبل كسب عيشهم، إذ حرموا من جميع ضروريات الحياة في القرى المعنية؛ كما انطوى ذلك التدمير في جميع الحالات تقريبا على تشريد الأشخاص بالإكراه. ومن الواضح أن التدمير قد تم ”بصورة غير مشروعة وعلى نحو غاشم“، كما أن انتماء الأغلبية الواسعة من القرى المدمرة إلى قبائل أفريقية من شأنه أن يدل أيضا على أن التدمير قد تم ”على نحو يتسم بالتمييز“. وعلى ضوء هذه الحقائق تميل اللجنة إلى استنتاج أنه من الممكن تماما أن يشكل هذا التدمير جريمة اضطهاد تندرج ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

            6 - نقل السكان المدنيين قسرا
            (أ) النتائج الوقائعية
            322 - كما ذكر أعلاه، فإن تشريد جزء كبير جدا من سكان دارفور هو حقيقة لا نزاع فيها. ويتفق جميع ما فحصته اللجنة من تقارير على حقيقة مفادها أن التشريد كان قسريا وواسع النطاق، تضرر به ما يزيد على 1.85 مليون شخص (1.65 مليون من المشردين داخليا في دارفور، وما يزيد على 000 200 لاجئ في تشاد)( ). وما زال من الصعب تحديد حجم ما أُحدث من تشريد في بداية الأزمة، حيث لم تجر عمليا أية تقييمات أو تقديرات، لأنه لم تكن هناك منظمات إنسانية كائنة في دارفور لإجراء تقديرات من هذا القبيل، ولم تقدم الحكومة أية أرقام. وأعيقت أيضا بشكل خطير إمكانية وصول الإمدادات الإنسانية حتى منتصف عام 2004 عندما وافقت الحكومة في نهاية المطاف على إجراء أكثر مرونة وأسرع لإتاحة إمكانية وصول العاملين في المجال الإنساني. وتشير معظم التقارير إلى أن التشريد كان إحدى السمات الرئيسية، بل كان فيما يبدو هدفا لبعض الأطراف الفاعلة خلال الصراع.
            323 - وتشير معظم تقارير الأمم المتحدة الرسمية إلى أن عدد المشردين قد زاد بشكل هائل على مدار فترة قصيرة نسبيا. فعلى سبيل المثال، كما ذكر أعلاه، أشار مكتب نائب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالسودان ومنسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية، في ”موجز الاحتياجات الإنسانية“ الذي أصدره المكتب في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، إلى أن مجموع عدد المشردين داخليا تجاوز 1.65 مليون شخص. بيد أنه عندما بدأت الأمم المتحدة في بداية الأمر تقدير عدد المشردين في أيلول/سبتمبر 2003، كان العدد يقل عن 000 300 شخص( ).
            324 - واطلعت اللجنة والفريق التابع لها على أدلة مسهبة على التشريد، وأجرت عددا كبيرا من المقابلات مع المشردين داخليا في دارفور واللاجئين في تشاد. وفي جنوب دارفور، زارت الأفرقة المشردين داخليا في مخيم كالما، والمواقع في أوتاش وزالنجي وكاس ومواقع أخرى. وفي شمال دارفور، أجرت الأفرقة مقابلات مع المشردين داخليا في أبى شوك وزمزم ومخيم فاتوبو رنو قرب الفاشر، فضلا عن المشردين داخليا في كتم. وأجرى فريق غرب دارفور مقابلات مع اللاجئين عبر الحدود في تشاد، بما في ذلك مخيمات بريدجينج، وتكلم أيضا مع المشردين داخليا في مورني وماستيري.
            325 - وكما ذكر في الفروع أعلاه المتعلقة بالهجمات وأعمال القتل والتدمير، تبين للجنة أن معظم التشريد الداخلي فضلا عن التشريد إلى تشاد قد وقع كنتيجة مباشرة للهجمات التي شنها الجنجويد أو القوات الحكومية أو كلاهما. وقرر القرويون، عقب تدمير قراهم وأيضا نتيجة للتهديدات المباشرة من المهاجمين وما ارتكبوه من أعمال عنف، ترك منازلهم طلبا للأمن في المنطقة الحضرية الكبيرة داخل دارفور، أو عبر الحدود في تشاد. وفرّ آخرون خوفا من الهجمات، نظرا لأنهم تلقوا معلومات عن الأعمال الوحشية التي وقعت في الأماكن المجاورة. وفي الواقع العملي لم يتمكن جميع المشردين من العودة إلى قراهم بسبب استمرار انعدام الأمن نتيجة للتهديدات الموجهة من الجنجويد أو بسبب تواجدهم. وتسنى للجنة تأكيد أن معظم القرى الواقعة بين كلبص وتينا قد هجرت، وفرّ السكان الأصليون إلى تشاد أو إلى مناطق أخرى داخل البلد. وليس هناك سوى عدد ضئيل من المستوطنات ما زال مسكونا، ولكن يسكنه الرعاة البدو الذين لوحظ أنهم يقيمون حول القرى أو داخلها. ولاحظت اللجنة أيضا وجود هؤلاء الرعاة حول القرى الأخرى المهجورة الواقعة حول سربه وأبي سروج غرب دارفور. وتكلمت اللجنة مع بعض المشردين داخليا الذين حاولوا العودة ولكن ووجهوا مرة أخرى بالهجمات.
            326 - وجاء وصف دقيق للتشريد وعدم القدرة على العودة بسبب استمرار تهديدات الجنجويد في المقابلة التالية التي أجريت مع أحد اللاجئين، من قبيلة المساليت، في تشاد، وهو أصلا من قرية تقع في منطقة ماستيري:
            هاجم جنود الحكومة والجنجويد القرية في تشرين الأول/أكتوبر 2003، وكان ذلك يوم الأربعاء الخامس أو السادس من شهر رمضان. وكانت النساء قد ذهبن لإحضار المياه، وفي حوالي السابعة صباحا رأيت أناسا يقتربون من القرية، كانوا من جنود الحكومة والعرب القادمين على الجياد أو بالسيارات. وكانت هناك طائرة خلف هؤلاء الأشخاص. وكان هناك حوالي 200 شخص يحملون البنادق ويصيحون ”هذه ليست أرضكم“، وكانوا يضربون الأطفال بالسياط. فأسرعت إلى بقرتي وفككت قيدها. وقد رآني أحد المهاجمين، الذي كان يرتدي ملابس كاكية اللون، من الربوة التي كان يقف عليها وأطلق النيران علي. ولقد أصبت في المنطقة الواقعة بين الفخذين وأسرعت واختبأت في حظيرة البقر. ولم أخرج من مكاني إلا عقب مغادرتهم بعد مرور حوالي 15 إلى 20 دقيقة. وكان أصحاب القرية يفرون منها. وحملني بعض منهم معهم إلى ماستيري، حيث عولجت في المستشفى من إصابتي. وأُبلغت بعدئذ أن أبي وأخي الأصغر قد قتلا. وقتل أيضا أربعة أشخاص آخرين. وأُبلغت أيضا أن الجنود والجنجويد قد استولوا على جميع الماشية والدواجن. وبعد مرور 15 يوما عاد البعض إلى القرية، ولكن العرب كانوا لا يزالون يحومون حول القرية، وإذا رأوا أحدا جلدوا النساء بالسياط وقتلوا الرجال. ولقد أقمنا في بداية الأمر قرب مخيم للمشردين داخليا في ماستيري، وبعد ثلاثة أشهر عبرت الحدود إلى تشاد. وكان هناك أشخاص من 20 قرية في المكان الذي أقمت به قبل قدومي إلى السودان.
                  

العنوان الكاتب Date
تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 04:41 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:03 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:09 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:22 AM
        Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:43 AM
          Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:46 AM
            Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:48 AM
              Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:50 AM
                Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:55 AM
                  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:57 AM
                    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 07:26 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام مصدق مصطفى حسين02-16-05, 06:21 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-16-05, 06:43 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-19-05, 07:58 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de