|
|
 المقموع والمسكوت عنه في السّرد العربي
|
كتاب جديد للناقد العراقي فاضل ثامر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقموع والمسكوت عنه في السّرد العربي
نصار الحاج
صدر كتاب " المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي " للناقد فاضل ثامر، عن دار المدى بسوريا في 2004، وهو كتاب مهم جداً ضمن التجربة النقدية لفاضل ثامر، الذي يحاول دائماً أن يؤسس لعمل نقدي عربي رصين ومتطور وقادر على ملاحقة وتجاوز التطورات المماثلة في النماذج الإبداعية الأخرى مما جعله من أميز النقاد العرب وهو يعمل بقدرة عالية في حقل الكتابة النقدية منذ الستينات حيث عالج تجارب الكتابة الإبداعية لتلك المرحلة وإرهاصاتها وما تلاها من كتابة أنجزتها الأجيال اللاحقة، حتى الوقت الراهن، وتعامله الإبداعي والعلمي الرصين مع قصيدة النثر وقراءتها بشكل لافت من الجودة والترصد الإبداعي النادر وبمرونة عالية وتطور ملحوظ وانفتاح عال، يؤكد انه ناقد لا يستكين ولا يركن للقوالب الجاهزة والأحكام المتعسفة، ظل يعمل بهذه القدرات المتحركة بجمالية عالية في كل كتبه وحتى كتابه المتميز جداً " اللغة الثانية : في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح الصادر في العام 1994 " ظل فاضل ثامر يقدم جهود غنية ومفيدة للكتابة النقدية ومساهماتها الإيجابية في التحولات المعرفية والإنسانية وقراءة النص الأدبي بما يقدم وعياً إضافياً وتطوراً عالياً في إدراك ما يود أن يقوله النص سواءً عبر ما يود أن يعلن عنه النص أو عبر ما هو مقموع ومسكوت عنه كما يتبين في هذا الكتاب " المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي .
يرى فاضل ثامر أنه من مبررات إنجاز هذا الكتاب، أن تجربة السرد العربي الحديث كشفت عن تحول كبير في الرؤية السردية وفي المنظور والتقنية الفنية مما جعل هذا السرد يحتل موقعاً متميزاً في الإبداع الثقافي العربي خلال نصف القرن الأخير . وأقترن هذا النضج بوعي نقدي حداثي أنفتح على الاتجاهات النقدية التي أطلقها الانفجار النقدي والذي تجلى في عدد من المناهج والمقاربات الحداثية واللسانية والأسلوبية والبنيوية والتفكيكية والقرائية والتأويلية وكان من نتائج هذا التفاعل خاصة في مجال الرواية والقصة القصيرة أن أصبح السرد محوراً مركزياً من محاور الجدل الثقافي وأداة للكشف عن ما هو مغيب ومسكوت عنه في حياتنا وثقافتنا .
لذلك يحاول فاضل ثامر في هذا الكتاب النقدي الكشف عن آلية تشكل الخطاب السردي رؤياً وبنيوياً والكشف عن الخلفيات المعرفية والدلالية والسوسيولوجية لتشكل مرجعيات هذا الخطاب . حيث يعلن فاضل ثامر أن رؤيته النقدية تندرج ضمن مسعى نقدي عربي يحرص على المزاوجة بين المنظورين الجمالي والاجتماعي في خطاب السرد العربي الحديث وما يعد مواصلة لتجربته خلال أكثر من ثلاثة عقود ممثلة في أربعة كتب نقدية .
حيث يتناول محاور مهمة من تجربة السرد العربي منها تعدد الأصوات البوليفونية في الرواية العربية وانعكاس ذلك على البنية السردية وقضية المسكوت عنه والمقموع في الخطاب السردي والإشكاليات التي يثيرها المظهر الغرائبي والعجائبي في تحولات البنية السردية العربية الحديثة .
وفي تطرقه للمقموع والمسكوت عنه في الرواية العربية يرى أن الجزء الغاطس أو المغيب في الخطاب الروائي يمثل نصاً غائباً أو موازياً للنص الظاهر لا يقل أهمية وتأثيرا عن النص المكتوب، ذلك أن النص الإبداعي العربي وخاصة الروائي يجد نفسه مضطرا في الغالب إلى الصمت أو السكوت تاركاً المزيد من الفراغات والفجوات الصامتة التي تتطلب جهدا استثنائيا فاعلا من جهة التلقي والقراءة . وذلك يمكن إرجاعه إلى وقوع النص الروائي تحت سلسلة من الضغوط الداخلية والخارجية تجعله تحت رحمة سلطات قامعة وكابحة منها سلطات زمانية وأخرى روحية وثالثة جمالية، مثل سلطات وإرهاب الدولة والتراث واللغة والدين والجنس والأعراف والتقاليد الأدبية والمؤثرات الثقافية الأجنبية وسلطة المجتمع والقبيلة والأب والأعراف والتقاليد الاجتماعية، بما تمارسه هذه السلطات من عنف معلن ومبطن ضد النص الروائي الذي يتراجع مضطراً إلى المراوغة وإقصاء أو حذف بعض الفضاءات الحساسة والمحظورة والمقموعة كذلك عمليات الحذف الجمالي لتجنب المباشرة والتصريح وغير ذلك تندرج ضمن حالة الجزء المغيب من النص . يرى فاضل ثامر أن كل ذلك يجب أن يضع على الناقد مهمة الكشف عن النصوص المغيبة أو المتوازية أو المقموعة أو المحورة وكذلك الكشف عن " رؤيا العالم " بتعبير لوسيان غولدمان . وترد الإشارة إلى بيير ماشيري الذي يرى " أن العمل الأدبي لا يرتبط بالأيديولوجية عن طريق ما يقوله، بل عبر ما لا يقوله " ويقترح ماشيري برنامجاً لإظهار المضمر الأيديولوجي في الرواية ينهض على أمرين : هما الإلمام بالسياق التاريخي الأيديولوجي الذي كتبه النص الروائي أو المنكتب في سطوره . وثانيهما، بناء الإشكالية التي تطرحها الرواية انطلاقا من الجواب الذي قدمته بهدف استكناه الأسباب التي تجعل الحديث الروائي جواباً أيديولوجيا عن سؤال لم يطرح بكيفية واضحة ويشير فاضل ثامر إلى أن مهمة الناقد الحديث لا تشترط الإجابة عن جميع أسئلة النص الروائي وإشكالياتها كما أن عملية البحث النقدي عن المستويات المقموعة أو المسكوت عنها يجب أن لا تظل بعيدة عن فكرة التناص ومحاولة الكشف عن النص الغائب أو النصوص الكبرى التي قد تعود في بعض مستوياتها إلى " الأنماط العليا " والى الشعائر والرموز والميثولوجيا القديمة مثلما يحيل نص جيمز جويس " يولسيس " إلى ملحمة هوميروس أو نجيب محفوظ في أولاد حارتنا إلى ملحمة الخليقة ونصوص إبراهيم الكوني إلى الميثولوجيا الصحراوية .
يتفق فاضل ثامر مع سايمنتن في أن زيادة تمركز سلطة الدولة وهيمنتها مؤشر مهم لممارسة مظاهر مباشرة وغير مباشرة من القمع والاستلاب ضد الإبداع الثقافي وهذا يتجلى بوضوح في الزمن العربي الراهن حيث أن تمركز الدولة الوطنية قد مارس عملية تغييب للكثير من العناصر الحضورية في الخطاب مما جعل الخطاب الروائي يعاني من فجوات وثغرات وتآكلات بسبب عمليات التضاغط الاجتماعي والسياسي والنفسي ضد الروائي وهذا ما يجب أن يدفع الناقد العربي لاعادة فحص الكثير من الخطابات الروائية لإعادة تشكيل وتكوين الصورة الممزقة والمشوهة للخطاب الروائي الأصلي . وهنا يرى ثامر أن رواية " أولاد حارتنا " لنجيب محفوظ أبرز مثال على ذلك وكذلك أبطال صنع الله إبراهيم يتحولون إلى عملية تغييب الوعي بسبب سلطة القمع الخارجي وقريب من ذلك في روايات إبراهيم نصر الله " عو " و " براري الحمى " و " مجرد أثنين فقط " وفي روايات إبراهيم الكوني تكون الميثولوجيا الطبيعية سلطة مهيمنة على الوعي الروائي بحيث يمارس قطب الطبيعة قمعاً ضد مظاهر قطب الثقافة .وأشكال القمع تحدث نتيجة مظاهر أخرى عديدة ومبررات متنوعة مثل المكان كما في رواية " البلدة الأخرى " لإبراهيم عبد المجيد والأيدلوجيا في روايات فؤاد التكرلي " الرجع البعيد " و " خاتم الرمل " و " المسرات والأوجاع " وإشكالية الجنس في رواية " ليلة القدر " للطاهر بن جلون وسلطة التاريخي والاجتماعي في رواية " الشاهدة والزنجي " و " أشواق طائر الليل " لمهدي عيسى الصقر والقامع السياسي في رواية " المسافة " ليوسف الصائغ و " الوشم " لعبد الرحمن الربيعي وفخ السلطة الذكورية في رواية " ذاكرة الجسد " لأحلام مستغانمي والتاريخ الثقافي وموروثاته الميثولوجية في روايتي " اليتم " و " الغربة " لعبد الله العروي ومحاولة أسطرة الواقع والتحرك في فضاء لا زمني يجرد اليومي من مالوفيته كما في روايات فاضل العزاوي وسليم مطر في روايته " امرأة القارورة " وفي رواية " اعترافات كاتم صوت " لمؤنس الرزاز تبرز قوى القمع السياسي ويرى نفس الهاجس السياسي يشكل جوهر الفعل الروائي لدى غائب طعمة فرمان مما يجعل الأبطال تحت ضغط المؤسسة السياسية والاجتماعية والثقافية . عبر رواية محمد برادة " لعبة النسيان " تبرز تساؤلات عن دور المثقف العربي في مواجهة آلية القمع والاستلاب وهي نفس الأسئلة بالنسبة لروايتي عبد الله العروي " اليتيم " و " الغربة " وروايات أحلام مستغانمي وطاهر بن جلون مما يتطلب الكشف عن المغيب والمسكوت عنه في هذه الأعمال نبشاً في سجلات الثقافية في دول المغرب وفي روايات عبد الخالق الركابي تتعرض الشخصيات الروائية إلى سلطات قمع متنوعة بما فيها المستعمر والسلطة المحلية والأبوية والقبلية والمؤسسة الدينية .
يعالج الناقد فاضل ثامر موضوعه في هذا الكتاب عبر عدة محاور هي : المقموع والمسكوت عنه في الرواية العربية، البنية السردية وتعدد الأصوات في الرواية العربية، ثنائية الصمت / الصوت بنية روائية – قراءة في رواية " اعترافات كاتم صوت " لمؤنس الرزاز، الكتابة الروائية في درجة الوعي المخدر – قراءة في تجربة إبراهيم نصر الله، في البنية الدائرية للسرد الروائي – قراءة في رواية قامات الزبد للياس فركوح، دلالة المظهر الغرائبي في السرد العربي، الواقعي والغرائبي في القصة القصيرة " الأردن نموذجاً "، ثنائية الطبيعة / الثقافة في روايات إبراهيم الكوني، الرواية العراقية من الكبت إلى النضج، جدل الشخصية الروائية وسلطة الواقع – قراءة في تجربة غائب طعمة فرمان، رواية المخاض لغائب طعمة فرمان بين أزمة البطل وأزمة الواقع، المقهى في الرواية العربية – رمزاً ومؤسسة وبنية مولدة – نجيب محفوظ ومقهى قشتمر، المقهى في الرواية العربية – المقهى رمزاً للسلطة والقوة والاستغلال – المقهى عند غائب طعمة فرمان في رواية القربان، من فردوس البراءة إلى جحيم المأساة – قراءة في رواية زنقة بن بركة لمحمود سعيد، رواية " سكر مر " و " ميرامار " ومكانيزم تيار الشعور، القصة القصيرة في العراق – تأسيس شعرية سردية واعية، بنية الواقعي والملحمي في السرد القصصي – النص والنص الغائب في قصص محمود جنداري، البطل الضد في فخ الواقع – قراءة في تجربة القاص عائد خصباك، السرد القصصي بين الرؤية البصرية والرؤية الاستذكارية ، عندما يخترق السرد القصصي السكونية – قراءة في تجربة سليمان الأزرعي القصصية والنقد العربي وتأويل النص السردي .
يخلص فاضل ثامر من كل هذا كما أشار في مقدمته إلى الأهمية الاستثنائية التي يكتسبها في الوقت الحاضر الاستنطاق النقدي للعناصر المغيبة والمسكوت عنها في الرواية العربية وضرورة إيجاد استراتيجية نقدية مرنة تساعد على إجراء حفريات معرفية وابستمولوجية تميط اللثام عن ما هو مغيب ومقموع ومحذوف بفعل عوامل ضغط وسلطات قمع داخلية وخارجية تؤثر تأثيراً فعالاً على بنية الوعي وعلى حركية الأحداث الروائية وبالتالي على صياغة البنية السردية ذاتها وعلى فاعلية الخطاب وبنيته .
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
nassar elhaj
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست