|
يا مساء الذكريات كُن حفياً بي ...
|
مسافر في بلاد بلا هوية في سهول بلا معالم ... راحلاً تستظلُ برأفة الحب وسحابة الأشواق
منذ فراقك والأيام لا تزال تعاني الرتابة والفراغ ... أليمة تقطر حزناً وكآبة ... آه من حزني عليك عندما لا تنثني أغصانه... ها أنا ذا أستسلم لوساوسي الخاصة عبر زمني الخجول في غيابك متمرداً على ذاتي المنشطرة في غياهب العدم ... كي أكونك أتجلّد واخبئي سطوة الفقد على وجهي ... منزوياً في أقصى زوايا روحي الباكية ... هكذا تقتلني الشهوة لتلك المساحات الجميلة بيننا ... تزجرني... أتذكر كيف كنت أجلس إليك وأرى في عينيك بريق الفرح بي ... يربكني غياب بسمتك الشافية عن حياتي ... تلك المملوءة زهواً وفخراً وإعجاباً ... آه من فقدك وآه من الأيام دونك ...تركتُ الشعر والكتابة والقراءة .. بتُ أهيم في الطرقات وحدي علني أجدك بين أولئك الفقراء الذي كانوا يلتفون حول موائدك العامرة ... علني أجدك في عيون اليتامي والمساكين ... صار كل شيء عادياً جداً وغير مبهج ... ركلني الزمن وراءك وفقدت الأشياء توازنها ... رحلتِ عني .. وأنا مذ كنتُ صغيراً يافعاً لا أجيد الانزواء بحرفةٍ في دهاليز الحياة بغير وجهك والصباحات المشعة ببريق عينيك المضيء ... مائة سبعة وأربعون يوماً على رحيلك ومازال الحزن هو الحزن .. ما زالت أصحو كل صباح وأسأل نفسي : هل حقاً رحلت عن دنياي .. العالم موحش يا أمي ... من المؤلم أن تعيش بلا أم في هذا العالم ... يا أمي ... ما زالت الدموع هي الدموع ... ما زال الوطن جاثماً على ركبتيه كما تركتيه بفعل التتار ... ما زال الناس في بلدي يهرعون كل يوم إلى المنافي في أقاصي الدنيا ... ومن المنافي إلى غياب الموت ... ما زال الموت يحاصرنا ويصيبنا في مقتل كل يوم ... لا زال تعقيد الحياة مستمراً بنفس الوتيرة وأسوأ .. لا زال الإقطاعيون جاثمون على سدة الحكم ... والليل هو الليل مظلم طويل ومقلق ... أفتقدك بشدة يا أمي ... أفتقد أبسط الأشياء بيننا وأسماها ... أفتقد حبك وحنانك وطلتك البهية ... أفتقد ابتسامتك وصباحك الذي غبتُ عنه قسراً سبعة أعوام لأفقده الآن إلى الأبد ... أحسب الأيام منذ أن فارقتك لأعلم كم مكثتُ وراءك في هذا العالم وحدي دونك .. لأعلم كم كنتُ من الوقت قوياً لأحتمل هذا العالم دون عونك ورعايتك ... مائة سبعة وأربعون يوماً وبضع ساعات يا أمي هي عمري بعدك في هذا الكون .. والحياة دونك غريبة لا تحتمل ... أحاول منذ رحيلك أن أأقلم نفسي على العالم فأفشل أيما فشل ... لا تنسي أني حدثتك عنها ... عن حبيبتي ... تذكرين عندما طلبت مني أن أحضر إليك صورتها وأنت تصارعين المرض ... رغم معاناتك في تلك اللحظات طلبت أن ترينها ... إنها جميلة يا أمي ... جميلة وشامخة مثلك ... طيبة... لها قلب كبير وطيب مثل قلبك تماماً ... تحملني بين عينيها مثل الطفل ... أحبها كثيراً يا أمي ... نتشاجر ونختصم لكننا نعود لبعضنا بعذوبة ورقة ... تشبهك في كل شيء ... قوية في مواقفها مثلك ... مناكفة في الحق ... معطاءة كريمة ... لا تدخر شيئاً لنفسها تهتم بتفاصيل كل من حولها متناسيةً أشياءها الخاصة... تماماً مثلك تُسعد كل من حولها بحضورها ... كم كنت محظوظاً أن كانت حبيبتي ... وكم كنتُ محظوظاً في هذا العالم أن كنتِ أنت أمي ... الصغار بخير ... وليد وأيمن ... عانوا فقدك كثير لكنهم بخير ونعمل بوصاياك حيالهم .. أعلم جيّداً أنهم كانوا فرحة الدنيا في عينيك ... الكل يعتني بهم والحياة تسير كما ينبغي ... في جنات الخلد يا أغلى الحبايب ... سلامي وكثيف أشواقي أبنك المُحب نادر
|
|
|
|
|
|
|
|
|