|
|
 وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟
|
*د: مصطفي عثمان اسماعيل
الحدث السياسي السوداني يعيش حالة من تشبع يصل الى حد التخمة، بسيولة سياسية ساخنة وطازجة ومتسارعة، بل حتى متسرعة. ومن عجب أن بعض الحيثيات في داخله توشك أن تتقاطع بصورة تجعل المشهد لا يخلو من تناقضات واضحة في التعاطي معه، سواء كان ذلك التعاطي من بعض كبار الأسرة الدولية، أو من بعض الفعاليات السياسية السودانية.
فلم يمض على توقيع سلام السودان، بين حزب المؤتمر الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان في 9 يناير الماضي سوى شهر واحد، لم يلتقط فيه من انخرطوا في ذلك العمل الكبير منذ تدشينه في 20 يوليو 2000 بضاحية ماشاكوس الكينية أنفاسهم، ليدخلوا في معارك تطبيقه، حتى عاودت أزمة دارفور فتح جبهاتها المحلية والإقليمية والدولية في وجه ذلك السلام، فجاءت مداولات مجلس الأمن في الأسبوع الماضي بأحاديثها الممتدة والقائمة على تقرير لجنة مجلس الأمن حول دارفور، وانفتاح آفاق لرؤى سياسية في مجلس الأمن تتراوح بين تيارات ثلاثة، هي فرض العقوبات والتمهل ومحاكمات رموز بجرائم حرب.
ومن أسف أن بعض الأطراف الخارجية تبدو، كما لو أنها مصابة بحالة من العصاب، جعلها لا تتوقف مع جهود حكومية واضحة في معالجة أزمة دارفور. والإشارة تحديدا هنا الى تشكيل الحكومة للجنة قومية لتقصي الحقائق في هذه الأزمة برئاسة القانوني دفع الله الحاج يوسف، وهو رئيس قضاء سابق، وليست له صلة لا بحزب المؤتمر الحاكم، ولا بنظام الإنقاذ، فيما ضمت لجنته إداريين وسياسيين وضباط شرطة وقوات مسلحة بنفس المواصفات، وأعني الحيدة والاستقلالية.
ولعل اللافت للنظر هنا، أن اللجنة القومية السودانية، وبالنظر الموضوعي البحت لنتائج تحقيقاتها، قد تلاقت في استنتاجاتها مع لجنة مجلس الأمن، فيما تفوقت عليها في منهج المعالجة وآلياتها. فكلا اللجنتين أقرت بأنه ليس في مجمل الأحداث ما يرقى لوصفه بالتطهير العرقي، فيما أثبتتا معا أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان وأن هناك أشخاصا بعينهم ضالعين في تلك الانتهاكات، وأنه لا بد من أن يمثلوا أمام محاكمات، وأنه لا بد أن تكون هناك تعويضات، لتتفوق لجنة دفع الله الحاج يوسف على لجنة مجلس الأمن في مساحات جديدة عالجت بصورة أكثر دقة أمورا، مثل الأراضي والتعويضات، بدعوتها لتشكيل لجنة لهذا الغرض، فيما جاءت مرجعيات هذه اللجنة السودانية من حيث الشرائح التي استجوبتها أوسع بكثير من لجنة مجلس الأمن، وكذلك المناطق التي زارتها ووقفت على ما يحدث فيها.
ولكن، ومن أسف، أن كل ذلك لم يدر بخلد الداعين الى محاكمات خارجية، أو إقليمية باستدعاء نموذج رواندا ـ بورندي، ومحكمة أروشا التي تعاطت مع تلك المذابح فوقعوا في قياس فاسد وخطأ في المقارنة، فتغافلوا عن حقائق، في مقدمتها أنه لم تكن هناك سلطة وسيادة فاعلتان في بوروندي ورواندا، فيما يقوم في السودان نظام حكم ودولة مؤسسات راسخة، وليس ذلك برأي شخصي، ولكنه شهادة ماثلة، بل أن مبعوث الأمم المتحدة للسودان يون برونك قد أكدها نصا في تقريره لمجلس الأمن، وبعبارة دالة وقاطعة تقول: «السودان لم يكن يوما دولة فاشلة ولن يكون»، وهناك التغاضي عن الاختلافات الماثلة مع النسيج الاجتماعي في المثالين، ولي أن أنبه هنا الى أن من شأن محاكمات خارجية أن تنداح بتأثيرات مدمرة على الجبهة الأمنية في دارفور وهي أحد مرتكزات حل الأزمة، وهنا فقد نواجه أحد السيناريوهات المزعجة بتفشي ظواهر الاختطاف للعاملين من غير السودانيين، وما أكثرهم في دارفور، من قبل ناشطي القبائل هناك، في محاولات منهم، على خطئها، لفدية من يمثلون في محاكم خارج السودان.
ما أريد قوله إن معظم رؤى الآخر في الخارج للشأن السوداني تبدو مشوشة ومفتقدة للموضوعية والحيدة، بل ومتسرعة، ويكفي أن أشير هنا الى مواقف أكثر من عاصمة غربية من الأخبار التي تواترت أواخر يناير الماضي، عن مصرع مائة مدني في قصف من الحكومة بدارفور، فخرجت علينا عواصم غربية بالإدانات المبنية على خبر غير صحيح في أصله، ولكني أسجل أنها جميعها، وفي لقاءاتي الأخيرة بوزراء خارجية في أوروبا الغربية لم تفتقد الشجاعة والأمانة في الاعتراف لي بخطئهم وتسرعهم، معللين ذلك، بعد سؤالي لهم، بأن لقضية دارفور حضورا خاصا في أجهزة إعلامهم ولدى رأيهم العام، ولم أشأ بالطبع أن أخدش مشاعرهم لأقول، وفي الأجندة الانتخابية أيضا وللأسف.
والى ذلك، وفي لحظات كثيرة، اشعر بأن الحدث السوداني مع قضية التعاطي الخارجي وبعض الداخلي له، يطرح أمامي أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. فما الذي يجعل الأبصار هكذا تبدو، كما لو أن عليها غشاوة، أو مصابة بالعمى الليلي، تجاه حدث هو مفخرة للسودانيين والعرب والأفارقة والمسلمين والمسيحيين، بل والأسرة الدولية، وأعني السلام السوداني الذي تم التوقيع عليه. ما الذي يحول بين تلك الأطراف وإعطاء هذا السلام فرصته المستحقة لينطلق بآثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مجمل الأداء السياسي والحياتي للشعب السوداني، بل ونحو دول الإقليم؟ وما الذي يمنع من أن نوفر لطرفي السلام قليلا من الوقت للخروج برؤاهما ونياتهما وأدبيات ذلك السلام الى أرض الواقع للتيقن من مفهوم واسع وشامل لدى طرفيه بأخذه كأفضل مدخل لحل كل مشاكل السودان بمنظور يتخطى بكثير مجرد الحزبية والولاءات الضيقة؟
ومع أني لا أملك أجوبة، إلا أني لا أستنكف أن أناشد من على هذا المنبر: أعطوا هذا السلام فرصته المستحقة.
_________________________________________________________________
* وزير خارجية السودان، والمقال من مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط» بلندن أمس
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | luai | 02-14-05, 01:48 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | أبوالريش | 02-14-05, 03:00 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | luai | 02-14-05, 04:15 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | Asskouri | 02-14-05, 05:16 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | luai | 02-14-05, 05:41 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | أبوالريش | 02-14-05, 06:16 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | luai | 02-14-05, 06:50 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | أبوالريش | 02-14-05, 07:17 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | Asskouri | 02-14-05, 07:50 PM |
| Re: وزير الخارجيـة يكتب : سلام السودان لماذا لا نعطيه فرصته ؟ | luai | 02-15-05, 04:12 AM |
|
| |
luai
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست