|
أول جاسوس سوداني لإسرائيل سوداني «ضكر» ومن اسرة عريقة ومرموقة ومشهورة بأمدرمان
|
جريدة الصحافة16/1 جرائم في ذاكرة الفريق أبَّارو الاستماع الخامس إعداد/ الفاتح عباس «سند» والقتل زرعاً بمسمار بالرأس!! كبس الجبة ومحمد أحمد محجوب
يخرج الفريق أبارو في هذا الإستماع من المحلية قليلاً ليدخل فضاء تعامل الشرطة السودانية مع الاجهزة الامنية الخارجية.. وتحديداً علاقة الامن السوداني بالمخابرات المصرية.. والتي بدأت مبكراً وتعمقت بتجنيد جاسوس سوداني لحساب اسرائيل والتعامل مع زيارة الزعيم جمال عبد الناصر للسودان في عام 1961.. الفريق أبارو» يحكي ويواصل الغوص في اعماق ذاكرته المليئة بالحكاوي والقصص المثيرة.. ولنسمع.. رجل الشرطة الفكي... وجثة سند لقد وجدت جثة القتيل سند ملقية على شاطيء النيل بناحية الموردة. وبعد عملية التشريح اتضح بأن سبب الوفاة ليس الغرق، وانما مسمار ضرب في رأس القتيل.. وعليه تحولت المسألة الى قضية قتل.. وسند كان موظفاً حكومياً وهو من سكان مدينة أم درمان وقد اشتهر في مجتمع المدينة بأنه شخص يحب حياة الليل جداً.. كان مأمور الجنايات المرحوم الرشيد عبد الرحمن وهو من ضباط الشرطة الذين ترقوا من الصف الى ان وصلوا الى اعلى الرتب. وكما قلت فإن المرحوم «سند» كان شاباً مولعاً بحياة الليل. وكثيراً ما يشاهد في اماكن اللهو والسهر بالموردة والعباسية... فتتبع المأمور الرشيد عبد الرحمن تلك الاماكن فلم يعثر على دليل يساعده في معرفة القاتل أو حتى المكان الذي قتل فيه «سند» قبل إلقائه بالنيل.. والغريب في الامر بأن المرحوم الرشيد كان يؤمن بعملية «الفنجان» وحقيقة الامر فإن المرحوم الرشيد كان رجلاً ذاكراً ومتديناً وعلى خلق عظيم... وفجأة قال إنه يستطيع التوصل الى قاتل «سند» بواسطة الفنجان.. وعندما سألناه كيف يتم ذلك؟! اجاب: فقط احضروا لي صبياً لم يبلغ سن الحلم وفنجاناً به ماء وعربة!! وتم توفير كل تلك الاشياء للمأمور الرشيد.. فاحضرنا احد عربات الشرطة المصفحة والتي كانت تستخدم في مكافحة الشغب... وكذلك الصبي دون سن الحلم.. وركبنا جميعاً تلك العربة المصفحة والصبي ممسك بالفنجان واخذ في توجيهنا.. خذوا شمال.. خذوا يمين.. وانتهينا إلى «زقاق» بحي بيت المال.. وكان زقاقاً «مقفول».. فأوضحنا له بأن هذه الطريقة لن تمكنا من الوصول الى القاتل وعليك المواصلة في التحريات والتي كانت شاقة للغاية وأخذت منا وقتاً طويلاً... ومع الاسف لم نتوصل الى نتيجة وسجل البلاغ ضد مجهول!! حدث ذلك تحديداً في عام 1947م. نهاية كبس الجبة... والمحجوب!! اشتهر كبس الجبة بالفتونة والبلطجة وهو مسجل مجرم خطر.. فأذاق الموردة تحديداً الامرين فكان لا يستطيع احد ان «يشق» خور أبو عنجة بعد الساعة السادسة مساءاً.. فلا يمر يوم إلا ويكون كبس الجبة بطل احد المعارك!! وفي ذات يوم وبأحد بيوت الاعراس بالموردة هجم كبس الجبة على ذلك الحفل وحطم الانوار والكراسي فسادت حالة من الهرج والمرج بيت العرس... ووسط ذلك الهرج اخرج مهندس بلدية أم درمان واسمه «يسن» مسدسه فطارت طلقة استقرت في صدر «كبس الجبة».. اجريت التحريات وقدم «يسن» الى المحكمة بتهمة جريمة القتل غير العمد وترافع عنه محمد احمد محجوب «السياسي والمحامي الضليع وكان القاضي ابراهيم محمد نور».. فحكم على «يسن» بالسجن لمدة 6 أشهر وعند الاستئناف تمت براءته. علاقتي بالمخابرات المصرية... وصلاح نصر!! أول علاقة مباشرة بين الشرطة السودانية وجهاز المخابرات المصري تمت عند ترتيبات زيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للسودان في عام 1961... بالتأكيد للمخابرات المصرية رجالها في السودان.. واقتنعت المخابرات المصرية بأن الزعيم جمال عبد الناصر سوف يتعرض لمحاولة اغتيال بالسودان.. واخبرت المخابرات المصرية بأن مهمة الامن داخل الاراضي السودانية يجب ان تباشرها الشرطة السودانية المهم درست مع طلائع رجال المخابرات المصرية الذين وصلوا قبل زيارة الرئيس جمال عبد الناصر كل الاماكن التي سوف يقوم بزيارتها الزعيم جمال.. ولكنهم توقفوا طويلاً عند الدعوة الموجهة للزعيم جمال من السيد الصديق المهدي... واعترضوا على هذه الدعوة واكدوا بأن عندهم من المعلومات ما يفيد بأن الرئيس جمال سوف يتعرض لمحاولة اغتيال.. ولكن انهيت الامر بقولي «هذه مسؤولية الامن السوداني وليست مسؤوليتكم».. واستقبل جمال عبد الناصر استقبالاً حاشداً وحاراً من الانصار وخابت ظنون المخابرات المصرية. وعندما استطعنا كشف اخطر الجواسيس السودانيين الذين يعملون لحساب اسرائيل.. والله سوداني «ضكر» ومن اسرة عريقة ومرموقة ومشهورة بأمدرمان وتحريت مع ذلك الجاسوس كثيراً وعلمت بأن تجنيده قد تم بأسمرا وتلقى تدريباً عالياً من الـ CIA.. باثيوبيا وقصة ذلك الشاب انه في بداية حياته التحق بكلية الشرطة بالسودان ولم يستمر بها واشتغل في وظيفة كاتب على الآلة الكاتبة بأحد الوزارات.. وبعد ان تم تدريبه باثيوبيا سلم جهاز ارسال واستقبال عالي الكفاءة... ومن خلال التحقيقات عرفت بأن مهمة هذا الجاسوس ليست موجهة ضد الامن السوداني وانما ضد الامن المصري.. وعرفت كذلك بأن من اهم مهامه ان يكون جاسوساً مزدوجاً لحساب اسرائيل ولحساب مصر.. وعندما تجمعت كل هذه المعلومات لدى تحدثت الى الرئيس الفريق ابراهيم عبود فقال عبود انه لا يمانع بأن نتصل بالأمن المصري ونطلعهم على الأمر.. وقد كان فقابلت سفير مصر لدى الخرطوم السيد محمود سيف اليزل... وكان واضحاً وصريحاً معي وقال بالحرف الواحد «هذه العملية من اختصاص جهاز المخابرات ولا علاقة لي بها كرجل دبلوماسي وما استطيع عمله هو ترتيب زيارة الى القاهرة لمقابلةرئيس المخابرات صلاح نصر...».. وقد كان فاتصل سعادة السفير بجهاز المخابرات المصرية فارسلوا شخصاً يدعى حسن وكان الرجل الثاني بجهاز المخابرات ويتميز بعيون كبيرة للغاية واظنه مازال على قيد الحياة حتى يومنا هذا.. تحدثنا طويلاً في موضوع الجاسوس وفي النهاية قال حسن المصري «لازم نقابل الراجل الكبير بالقاهرة» وكان يعني صلاح نصر. حدد لي يوم السفر من الخرطوم ولظروف اسرية «مرض ابني د. سمير» اجلت السفر الى اليوم التالي.. ولقد سبقني السفير محمود سيف اليزل الى القاهرة... وعندما وصلت مطار القاهرة لم اجد احداً من المخابرات في استقبالي ومن المطار توجهت الى زميلي محمد طه زكي وكان يعمل بالسفارة السودانية بالقاهرة «الملحق الاداري وزميلي بكلية غردون» واخبرته بأنني اريد مقابلة السفير محمود سيف اليزل ولم اخبره على الاطلاق بموضوع الجاسوس.. وذهبت الى منزل السفير محمود واخبرته بأنني فقدت الاتصال بالمخابرات وارجو ان نتصل بهم! وقد كان.. وارسلت المخابرات احد رجالاتها ليصحبني لمقابلة صلاح نصر... ودخلت الى مكتب صلاح نصر وكان معه كبار رجال المخابرات المصرية فأخذت اشرح في العملية التي قام بها «البوليس» السوداني... ونقلت إليه فكرة بأن يعمل ذلك الجاسوس لحسابهم وحساب اسرائيل!! وشيئاً فشيئاً بدأ كبار رجالات المخابرات يغادرون مكتب صلاح نصر واحداً تلو الآخر حتى اصبحنا أنا وصلاح نصر... وهنا فتح صلاح نصر درجه واعطاني مظروفاً كبيراً للغاية... وعندما سألته.. ما هذا؟!.. فكان رده: هذا حقك في العملية ده!!».. والله لم استطع رؤية شيء وبلاتحفظ اخذت في شتم صلاح نصر.. وقليلاً هدأت ثورة الغضب فخفت وتذكرت بأنني في مكتب اخطر رجل بمصر.. فطلبت منه ان يرجعني إلى الفندق.. وقد كان واتصل بي السفير محمود سيف اليزل وعندما حكيت له الحكاية كان تعليقه «أمسحها في وشي!! وتأسف شديد الأسف لسلوك مدير المخابرات معي... المهم نجح الجاسوس السوداني في عمله كعميل مزدوج وقدم معلومات في غاية الاهمية للمخابرات المصرية... لكن مع الأسف نهايته كانت نهاية حزينة إذ مر بأزمة نفسية وقابلني بعد ان تركت العمل بعد اكتوبر 1964 واشتكى لي من معاملة المخابرات المصرية فأخبرته بأنني الآن خارج دائرة الضوء... ولا استطيع عمل شيء.. آخر مرة سمعت اخباراً عن ذلك الجاسوس كانت قبل عامين ومن شقيقه فقد جاء لمكتبي هذا ومازال يشكو أخيه من الاهمال كما قال. وحكايتي مع المخابرات المصرية لها بقية!!
|
|
|
|
|
|
|
|
|