|
كاتب عربي في جريدة "الخليج" عن الحكومة السودانية والقرار: على نفسها جنت براقش !!
|
أبعاد قرار "دارفور"الدولي رضي السماك ربما يكون تعليق الصادق المهدي زعيم حزب الامة السوداني ورئيس الحكومة المنتخب التي انقلب عليها جنرالات نظام الانقاذ بقيادة عمر البشير “جنت على نفسها براقش” هو الوصف الأدق لردود فعل حكومته العنيفة على قرار مجلس الامن التاريخي بإحالة مائة مسؤول سوداني متورطين في جرائم ضد الانسانية بإقليم “دارفور” الى المحكمة الجنائية الدولية.
مهما يكن، ليس هنالك ادنى مبالغة اذا ما وصف المراقبون القرار الدولي ب “التاريخي” باعتباره اول تدشين عملي واضح المعالم في منح المحكمة الجنائية الدولية مباشرة سلطتها واختصاصها الدولي في ملاحقة المهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية دون اعتبار لمناصبهم الرسمية وتمترسهم خلف حقوق السيادة الوطنية.. وهنا تكمن بالضبط اهمية القرار ومغزاه بارسائه هذه الممارسة كسابقة يمكن الاحتذاء بها أو التلويح بتكرارها مستقبلا في وجه الانظمة الشمولية المماثلة ولا سيما اذا ما نجح المجتمع الدولي في المضي قدما بدعم وحماية المحكمة في ممارسة سلطاتها الى آخر المطاف.. وهذا ما ينبغي من الآن ان تتعظه جيدا كل هذه الانظمة المتبقية في العالم على تفاوت درجات تورطها في جرائم ضد الانسانية بحقوق شعوبها.
ولا يقلل من اهمية وضرورة الاتعاظ من ذلك القرار الدولي تجاه حكومة الانقاذ ذريعة كونه قرارا معيبا يتصف بازدواجية المعايير لاعفائه مواطني القطب الامريكي من سلطة ملاحقة المتهمين منهم بارتكاب الجنايات التي تقع تحت اختصاصها.
ثمة ثلاثة ابعاد رئيسية ذات مغزى ينطوي عليها قرار مجلس الامن:
البعد الاول: يتصل بالشعارات “الاسلامية” التي رفعها نظام الانقاذ فهو لم يعجز بهذه الشعارات عن حماية حقوق الأعراق والطوائف التي يتكون منها الشعب السوداني - دع عنك قواه السياسية - بل وعجز ايضا عن حماية الأعراق التي تدين بالدين الاسلامي الحنيف كما تجلى ذلك في أزمة المذابح المرتكبة في دارفور.
البعد الثاني: يتصل بالتجمعات والمنظمات الاقليمية الدولية التي انضم اليها السودان وهي على وجه التحديد الاتحاد الافريقي والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي وعدم الانحياز والتي عجزت جميعها ولا سيما الجامعة العربية عن التعامل مع الأزمة ومعالجتها وحلها في نطاق أطرها عوضا عن تدويلها الحالي مما يفتح الباب لاستغلالها من قبل القوى الدولية ذات المآرب الخاصة.
البعد الثالث: ويتصل بإشكالية ازدواجية المعايير الانتقائية في القرارات والشرعية الدولية والتي تصر القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة على فرضها على المجتمع الدولي مما يلحق ابلغ الضرر ليس فقط بهيبة الشرعية الدولية وسيادة القانون الدولي على الجميع بل ويمد الدول الشمولية ومنظريها بذرائع التمرد على قرارات هذه الشرعية وتبرير جرائمها بحق شعوبها باسم “مقاومة المؤامرات الامبريالية الامريكية التي تستهدف هذه الشعوب”!
في الوقت الذي عملت واشنطن كل ما في وسعها لتسهيل تمرير هذا القرار الدولي لايقاع الخرطوم في قفص هذه المحكمة الدولية واستخدام عصاها للضغط على النظام العسكري فإنها لا تجد اي غضاضة من عدم الانضمام الى اتفاقية المحكمة التي تعد التطور الأهم في استنباط أدوات ورسائل دولية لحماية حقوق الانسان عالميا بل ولا تجد ما يعيبها او يعيب شريعة القانون الدولي اذا ما نص القرار صراحة تقريبا على استثنائها من سلطة المحكمة.
البعد الرابع: يتصل بردود الفعل العنيفة التي سارعت الخرطوم بإبدائها إزاء القرار ملوحة بالتهديد بترسانة “أسلحتها” من مسيرات ونفرات “جهادية” وتعبئة وفتح معسكرات تدريب.. فإذا كانت مثل هذه الاسلحة ثبت بما لا يدع اي مجال للشك فسادها وعقمها في فرض النظام لرؤيته الأحادية لمشكلة الجنوب حيث اضطر في نهاية المطاف لتقديم تنازلات مهمة افضت الى الاعتراف بحقوق الجنوبيين وتوقيع اتفاقية السلام معهم فإنه لا يبدو ان النظام قد اتعظ من حصاد تلك المواجهة المزمنة المريرة وهو يعاود الكرة الآن في الوقت الضائع بممارسة نفس الاساليب التي ربما تأذن هذه المرة بتقريب نهايته وبخاصة في ضوء التفاف مختلف قوى المعارضة حول القرار الدولي والترحيب به في ظروف أزمة داخلية مزمنة متصاعدة تأخذ بخناق النظام وعزلتين اقليمية ودولية دع عنك العزلة الداخلية.
نقلا عن جريدة "الخليج" الاماراتية
|
|
|
|
|
|