|
سادت ثم بادت .. زهير السراج
|
تحدثت أمس عن معاناة عدد كبير من المغتربين السودانيين بمنطقة الخليج، بعضهم يتسكع بلا عمل، وبعضهم يعمل بمرتبات ضعيفة لا تتناسب ومقدراتهم، ولا تكاد تكفي احتياجاتهم الاساسية، وبعضهم يمتلئ بالديون، وتتراكم عليه فوائدها كل يوم بسبب عجزه عن السداد، وبعضهم قضى السنوات الطويلة في الغربة بدون ان يخرج منها بشئ، ويصر على البقاء هناك، عسى ان يهبط عليه الفرج في الزمن الضائع، وبعضهم اضطرته ارتفاع تكاليف الحياة والتعليم والعلاج الى اعادة ابنائه الى البلاد والافتراق عنهم بالبقاء هناك.. وبعضهم الف حياة الغربة، ونمط الحياة المتطورة، فلم يعد مؤهلا للعودة الى السودان، ومكابدة ظروف الحياة القاسية هنا.. وبعضهم .. وبعضهم.. الخ!! * أنماط وأنواع من المغتربين لكل منهم قصة تختلف عن قصص الآخرين!! غير ان القاسم المشترك الذي يجمع بينهم هو عدم الرغبة في العودة الى الخرطوم.. وتفضيل البقاء هنالك.. ولو في حجرة يتكدس فيها العشرات، ويتناوبون النوم على سرائرها بنظام الورديات!! * ويجمع بينهم شئ آخر، ولأكون اكثر صدقا مع النفس، فإنه يجمع بين معظمهم، وهو السبب الرئيسى في حالة (التفتيش الجماعي) الذي يتعرض له السودانيون بالخليج، وهو عدم المقدرة على ملاءمة التطورات الجديدة في العمل، وعدم تطوير انفسهم بما يجعلهم يحافظون على اعمالهم ووظائفهم.. وينطبق هذا بشكل خاص على الذين قدموا الى الخليج في السنوات العشرين الاخيرة.. فالذين جاءوا قبل ذلك، كان معظمهم اصحاب مؤهلات وخبرات ومهارات كبيرة، واستطاعوا مواكبة الاوضاع في ذلك الوقت، ونجح بعضهم في مواكبة تطورات الاوضاع الجديدة بعد ذلك.. غير ان الذين جاءوا بعدهم كانوا اقل منهم كفاءة وخبرة ومهارة، ولم يتمكن معظمهم من مواكبة عصر التكنولوجيا والانفتاح الذي يتطلب اتقان اشياء كثيره، واجادة الحديث بعدة لغات، والتعامل مع مفردات التكنولوجيا والحضارة الحديثة بكفاءة واقتدار فكان من الطبيعي ان يفقدوا وظائفهم لمن هم اكثر منهم مهارة ومقدرة وكفاءة.. الذين يعرفون كل شئ، ويعملون كل شئ، وفي أي وقت، وبالمستوى المطلوب!! * لاينكر احد ان الرعيل الاول من السودانيين الذين اغتربوا بالخليج، كان لهم الفضل في ارساء قواعد التنمية والتطور في ذلك الوقت.. ولكن تقدم الخليج بعد ذلك خطوات طويلة الى الامام، اطول مما يتخيل اي سوداني لم يذهب الى الخليج، ولم يعد من الخليج والعالم المتقدم سوى امتار قليلة، وشمل التطور كل شئ، من حياة الناس الاجتماعية التي تغيرت بشكل كبير هناك الى استخدام احدث وسائل التكنولوجيا في كل شئ.. من المنزل والمكتب.. الى مصانع البتروكيماويات الضخمة، والصناعات الغذائية والدوائية.. وكل شئ تقريبا! * لقد اصبح اقل شخص تعليما في دولة الامارات يجيد استخدام الكمبيوتر، ولايستغنى عن (اللاب توب) دقيقة واحدة في حياته..وحتى النساء اللائي لم ينلن حظا يذكر من التعليم يتحدثن الانجليزية بطلاقة، ويجدن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة!! * مجتمع مثل هذا يحتاج الى اشخاص وعمالة بمؤهلات ومقدرات ومهارات عالية.. لا توجد للاسف لدى معظم السودانيين بالخليج، حتى حملة الشهادات فوق الجامعية.. وكثيرا ما تجد أحد هؤلاء لايعرف الانجليزية، اويتحدثها بصعوبة شديدة ولايعرف ابجديات الكمبيوتر، في مجتمع يتنفس بالانجليزي ويتسوق بالحاسوب!! * كيف يمكن لأمثال هؤلاء .. ان ينافسوا الهنود والباكستانيين الذين يتحدثون كل اللغات ويعرفون كل شئ ويجيدون استخدام الكمبيوتر (اجادة اجادة موش أي كلام)! * وللأسف الشديد، بينما يتطور هؤلاء كل يوم، ويطورون انفسهم، يتراجع السودانيون الى الوراء خطوات سريعة.. وكل جيل يأتي،، يكون اقل من الجيل الذي سبقه.. انها كارثة بكل المقاييس تحتاج الى قراءة عميقة.. واعادة النظر في كل شئ، في النظام الاجتماعي، والتعليمي، والسياسي، وكل شئ يحتاج الى ثورة. *والمشكلة ليست مشكلة السودانيين في الخليج - فقط. ولكن مشكلة السودان. كانت هذه بعض انطباعاتي في دولة الامارات العربية المتحدة وقطر. وقبل ان اختم لابد ان اتقدم بالشكر لشركة طيران الخليج التي جعلت من سفري الى هنالك متعة لا تضاهيها متعة، بطائراتها الضخمة وخدماتها المميزة.. في الجو وفي الارض.. وليس غريبا عليها هذا المستوى المتميز.. فهي عنوان الدول التي تمتلك اسهمها، وهي مملكة البحرين وسلطنة عمان، وامارة ابوظبي، وعنوان الادارة التي تديرها، والكادر المتميز الذي يقوم عليها.. ويكفي ان شخصا مثل الاستاذ صلاح الامين.. احد عظماء سودانير في عهدها الذهبي.. هو من يدير مكتبها بالخرطوم، يساعده طاقم مقتدر ورائع ، فالشكر لهم على هذه الروعة.
|
|
|
|
|
|