ليس كل باحث أجنبي عميلاً: ناثانييل ريموند والحرب السودانية
في النقاش السوداني العام، كثيراً ما تُستقبل أسماء الباحثين الأجانب بشيء من الريبة، كأن المعرفة القادمة من الخارج لا يمكن أن تكون بريئة، أو كأن البحث نفسه فعلٌ سياسي مستتر . غير أن حالة ناثانييل ريموند تتيح لنا فرصة نادرة لإعادة التفكير في هذا الافتراض، لا دفاعاً عن شخصه، بل دفاعاً عن فكرة أكثر اتزاناً: أن المعرفة، حتى حين تكون مزعجة، ليست بالضرورة مؤامرة.
ريموند ليس دبلوماسياً، ولا موظفاً في جهاز استخبارات، ولا “مصدر تسريبات” يعمل في الظل. هو باحث يقود مختبراً أكاديمياً في جامعة ييل، متخصّص في تحليل النزاعات المسلحة من زاوية إنسانية وصحية، مستخدماً أدوات باتت اليوم جزءاً من العلم المعاصر: صور الأقمار الصناعية، البيانات المفتوحة، التحقق الرقمي، وربط الوقائع الميدانية بالسياق الزمني والجغرافي. هذه الأدوات نفسها التي كانت حكراً على أجهزة الدولة، أصبحت الآن في متناول الجامعات ومراكز البحث، ليس لأنها تآمرت، بل لأن طبيعة العالم تغيّرت. في الحرب السودانية، لعب ريموند وفريقه دوراً مختلفاً عن دور المراسل أو المحلل السياسي. لم يكتبوا شعارات، ولم ينحازوا خطابياً لهذا الطرف أو ذاك، بل انشغلوا بما يمكن قياسه- حجم الدمار، أنماط الهجوم، حركة النزوح، واستهداف البنية التحتية المدنية. هذه ليست “أسراراً” بقدر ما هي وقائع، لكن خطورتها أنها موثّقة، ومتصلة، وقابلة للمساءلة لاحقاً. هنا تحديداً ينشأ الالتباس. فحين تُستخدم نتائج البحث الأكاديمي في تقارير أممية، أو في دوائر صنع القرار الدولي، يُخيّل للبعض أن الباحث نفسه جزء من القرار. بينما الحقيقة أبسط وأقل درامية: صانع القرار يبحث عمّن يملك بيانات أفضل لا عمّن يملك نوايا أنقى. والبيانات، في زمن الحروب، أصبحت شكلاً من أشكال القوة، حتى لو أُنتجت داخل جامعة. ما يميّز عمل ريموند في السياق السوداني أنه لا يدّعي امتلاك “الحقيقة الكاملة”، ولا يتحدث باسم السودانيين، ولا يختزل الحرب في سردية أخلاقية جاهزة. تقاريره، في جوهرها، تحذيرية: تقول إن الكلفة الإنسانية أعلى مما يُعلن وإن العنف له أنماط يمكن رصدها، وإن تجاهل هذه المؤشرات يقود إلى كوارث يمكن تفاديها. هذا ليس خطاب عميل، بل خطاب باحث يعرف حدود دوره، لكنه لا يتنازل عن مسؤوليته المعرفية. ربما المشكلة ليست في الباحث الأجنبي، بل في هشاشتنا نحن أمام فكرة التوثيق. في بيئة اعتادت على الغموض، يصبح الوضوح تهديداً. وفي سياق تآكلت فيه الثقة بين الدولة والمجتمع، يُساء فهم كل معرفة لا تمر عبر القنوات المحلية حتى لو كانت هذه القنوات نفسها معطّلة أو صامتة. القول إن “ليس كل باحث أجنبي عميلاً” لا يعني التسليم بكل ما يُكتب، ولا تعليق العقل النقدي. بل يعني فقط التمييز بين البحث والاستخبارات، بين التوثيق والتوجيه، وبين من ينتج المعرفة ومن يستخدمها. ناثانييل ريموند، في نهاية المطاف لا يملك جيشاً، ولا يوقّع عقوبات، ولا يرسم خرائط نفوذ. هو يضع أرقاماً وصوراً وأسئلة على الطاولة، ثم يترك العالم يتصرف حيالها. وفي حربٍ يُقتل فيها المدنيون بصمت، قد يكون أخطر ما نفعله هو أن نكذّب المرآة، فقط لأننا لا نحب الصورة التي تعكسها.
مصادر أساسية للقراءة والبحث 1. تقارير مختبر البحوث الإنسانية – Yale Humanitarian Research Lab
هذه التقارير تعتبر من أهم مصادر البيانات والتحليلات حول الحرب في السودان، مبنية على صور الأقمار الصناعية وبيانات مفتوحة المصدر:
Humanitarian Impact of Fighting and Bombardment across Khartoum State
Evidence Consistent with Alleged Body Disposal in El-Geneina
Critically Deteriorating Human Security and Humanitarian Situation across Nyala
Spot Reports | Sirba, West Darfur
Situational Awareness Reports (من يونيو إلى يوليو 2023) 👉 هذه التقارير منشورة عبر Sudan Conflict Observatory بالشراكة مع مختبر ييل ويمكن الوصول إليها مباشرة من موقع Sudan Conflict Observatory. Yale School of Medicine
📍 للوصول إليها مباشرة: Sudan Conflict Observatory – موقع أرشيف تقارير الحرب (يضم تقارير تحليلية بمراجعها). files-profile.medicine.yale.edu
2. تقارير وتحليل من موقع Yale School of Public Health
تقرير مفصل عن مراقبة تدهور العنف في الفاشر وأثره الإنساني. Yale World
تقرير يبيّن كيفية استخدام بيانات الصور الفضائية ووسائل المصادر المفتوحة في تحليل الحرب. Yale School of Public Health
هذه المواد مفيدة لفهم منهجية العمل البحثي وليس فقط النتائج. 👉 البحث ضمن كلية الصحة العامة في موقع جامعة ييل تعطيك المزيد من المواد الأساسية.
3. تغطيات تحليلية في الصحافة الأكاديمية
تقارير جامعة ييل (Yale Daily News) حول دور المختبر في تقديم أدلة لتحديد حالات إبادة جماعية في السودان، وكيف ساهمت البيانات في إدراج حرب السودان في قرارات حكومية دولية. yaledailynews.com
مقالات تظهر مشاهدة المختبر لعمليات القتل الجماعي بعد سقوط الفاشر وتوثيقها بالأقمار الصناعية. yaledailynews.com
4. ندوات وأحداث تعليمية
حدث بعنوان: “The Neglected Crisis: The Roots and Humanitarian Costs of Sudan’s War” الذي شارك فيه ناثانييل ريموند مع صحفي سوداني، ضمن Council on African Studies – Yale. 👉 مفيد لفهم القضية من منظور أكاديمي يجمع بين التحليل الميداني والسياق التاريخي. politicalscience.yale.edu
5. مواقع وأدوات بيانات مفتوحة
بالرغم من أنها ليست مباشرة من ريموند، إلا أنها تكاملية في بحثك كطالب/باحث:
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة