المناورة بالكرت الروسي في البحر الأحمر هذه المرة: مقامرة تهدّد بإتساع تدويل ❗️الحرب في السودان في تطوّر سياسي متوقع، عادت حكومة بورتسودان لإحياء ملف القاعدة الروسية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، في خطوة تبدو للوهلة الأولى وكأنها مناورة سياسية متجددة، لكنها تكشف في عمقها عن تحوّل نوعي وخطير في استخدام “الكرت الروسي” مقارنة بما كان يحدث خلال سنوات حكم الإنقاذ الأولى. مناورات الأمس… ليست ❗️مناورات اليوم استخدم الرئيس المخلوع عمر البشير الورقة الروسية مرتين في عامي 2017 و2018 حين كان يعاني عزلة دولية وضغطاً داخلياً متصاعداً مع اقتراب الثورة الشعبية من ذروتها. يومها، بدا استجداؤه لموسكو كآخر محاولة للنجاة من مصير حتمي كان يلوح في الأفق ويشتعل على الأرض. لكن روسيا في ذلك الوقت رفضت المغامرة بمصالحها وإرثها في المنطقة، ولم تكن مستعدة لصدّ ثورة شعبية هادرة ومكتملة المعالم. اليوم المشهد مختلف جذرياً: ليست الثورة التي تضغط مباشرة على الحكم، بل هي حرب واسعة تمزق السودان وتديره قوى إقليمية ودولية عبر وكلاء محليين. ومع استمرار نزيفها، باتت الأطراف السودانية المتحاربة أكثر ارتهاناً لمصالح الخارج من أي وقت مضى، بينما تواصل روسيا سعيها المحموم لتثبيت موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر بعد أن فقدت منفذها البحري في المنطقة عقب استقلال إريتريا عام 1994. لعبة فك الضغط من الرباعية ❗️ دعوة حكومة بورتسودان لروسيا تبدو كرسالة مزدوجة للرباعية الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود مبادرة وقف الحرب في السودان. فالحكومة تحاول الإيحاء بأنها تملك “بدائل” إن استمرت الضغوط الدولية عليها من أجل الانخراط الجاد في مسار إنهاء الحرب. لكن طبيعة الرسالة قد تكون عكسية التأثير. فالوجود الروسي على البحر الأحمر خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، وحتى بعض دول الخليج التي تخشى من أن يؤدي ذلك إلى صراع دولي على مقربة من حدودها وممراتها البحرية الحيوية. وبدلاً من تقليل الضغط، قد تدفع هذه الخطوة الرباعية إلى زيادة التشدد وتوسيع نفوذها المباشر على مسارات الحرب، ما يضع السودان أمام مواجهة سياسية أكبر من قدرة أي حكومة انتقالية أو عسكرية على إدارتها. السودان… ساحة صراع لا طرف فيه منتصراً ❗️ تتعمق خطورة الموقف مع حقيقة أن الشعب السوداني بات الطرف الأكثر تضرراً من حرب لا يستفيد منها سوى أطراف خارجية تعتمد على قوتين سودانيتين متصارعتين لتحقيق أهداف إقليمية. فلا طرف من أطراف النزاع يملك رؤية وطنية لإنهاء الحرب، ولا الإرادة السياسية للخروج من دوامة الدم، بينما القوى الدولية تستخدم البلد كساحة اختبار لنفوذها الإقليمي. إن استدعاء روسيا للصراع عبر بوابة القاعدة البحرية لا يعني بالضرورة تقوية طرف أو إضعاف آخر، لكنه يعني تدويل الحرب بالكامل. فروسيا التي تواجه عزلة غربية متزايدة بعد حرب أوكرانيا، تسعى إلى كسر الطوق عبر فتح منفذ بحري جديد في البحر الأحمر يحقق لها هدفاً طالما حلمت به منذ عقود. ومع توسع مصالحها في تعدين الذهب والمعادن داخل السودان نفسه ودول افريقية أخرى، أصبحت موسكو أكثر استعداداً للمغامرة، وأكثر اهتماماً بترسيخ وجودها. قاعدة بورتسودان… ما وراء الرغبة الروسية❓️ ترى موسكو في البحر الأحمر ما تراه في قاعدة طرطوس السورية: معبر استراتيجي للنفوذ العسكري وتوازن القوى العالمي. وإذا حصلت على ضوء أخضر لإقامة قاعدة في بورتسودان، فستكون تلك أول محطة بحرية لها على هذا الممر الدولي الحيوي منذ نهاية الحرب الباردة. هذا الحلم الروسي يقف في مواجهة صراع معقد: • الولايات المتحدة تريد حماية نفوذها البحري. • الصين تنافس في القارة وتسعى لتثبيت مشاريع “الحزام والطريق”. • أوروبا تخشى من تمدد روسيا قرب خطوط الملاحة التي تغذي اقتصاداتها. • أما دول الخليج فتبحث عن استقرار لا يتحقق في ظل وجود روسي عسكري ثابت على حدودها البحرية. هدم المعبد… أم محاولة للنجاة⁉️ محاولة حكومة بورتسودان اللعب بالكرت الروسي تشبه “مقامرة سياسية” أكثر مما تشبه مناورة دبلوماسية. فهي خطوة قد تحرق كل الأوراق المتبقية، وقد تؤدي إلى: • زيادة العزلة الدولية. • تحويل السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات بين روسيا والغرب. • تقويض مسار مبادرة الرباعية. • فتح الباب أمام تدخلات إقليمية أكثر شراسة. والأخطر من ذلك أنّ هذه الخطوة قد تجعل الحرب السودانية حرباً دولية معلنة، وليست مجرد حرب بالوكالة كما هي الآن. ❗️خاتمة لا شك أن قادة الإنقاذ في مرحلتي حكمهم امتلكوا مهارة عالية في المناورة واستخدام كل الأوراق المتاحة للبقاء في السلطة. لكن اللعب بالكرت الروسي الآن يختلف عن كل المناورات السابقة. فالساحة السودانية اليوم مشتعلة، والإقليم يقف على أطراف أصابعه، والقوى الكبرى تتحرك وفق حسابات دقيقة لا تسمح بمغامرات من هذا النوع. إن دعوة روسيا إلى البحر الأحمر ليست مجرد مناورة سياسية؛ إنها مقامرة قد تحدد مصير الحرب، وربما مصير الدولة السودانية ذاتها .. ولن تكترث الإنقاذ الثانية حتى من هدم المعبد إن كان ثمن ذلك بقائهم في الحكم أو على أقل تقدير إفلاتهم من المحاسبة: على جرائم ثورة ديسمبر وعلى انقلاب أكتوبر 2021 وعلى انتهاكات الحرب اللئيمة الحالية ❗️ م. خيري عبدالرحمن ٢ ديسمبر 2025 م.
12-03-2025, 10:43 AM
Hassan Farah Hassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 13311
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة