يُعد الصراع في السودان، الذي اندلع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية ) وقوات الدعم السريع ، أحد أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أودى بحياة عشرات الآلاف وأدى إلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص مع انتشار المجاعة وجرائم الحرب. في سياق هذا الصراع، أدلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو (في إدارة ترامب الثانية اعتبارًا من 2025) بتصريحات حادة في نوفمبر 2025، خلال اجتماعات مجموعة السبع (G7) حيث اتهم RSF بارتكاب جرائم إبادة جماعية وأعمال عنف جنسي منهجية، ودعا إلى قطع فوري لإمدادات الأسلحة إليها. هذه التصريحات تأتي في أعقاب تحديد الولايات المتحدة في يناير 2025 (على يد أنتوني بلينكن السابق) أن RSF وميليشياتها الحليفة ارتكبت إبادة جماعية في دارفور، مع فرض عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي). ومع ذلك، فإن السياسة الأمريكية تظل معقدة، حيث تشارك الولايات المتحدة في "الرباعي" (Quad) مع مصر والسعودية والإمارات للتوسط في وقف إطلاق النار، رغم الاتهامات للإمارات بدعم RSF. فيما يلي تحليل للنقاط الرئيسية المطروحة: . مدى إمضاء الحكومة الأمريكية في تصنيف RSF كمنظمة إرهابيةلم تقم الولايات المتحدة رسميًا بتصنيف RSF كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) حتى نوفمبر 2025، رغم الضغوط المتزايدة من الكونغرس والحكومة السودانية. في أغسطس 2025 أقر تعديل في قانون التفويض الدفاعي الوطني لعام 2026 (NDAA) تقييمًا إلزاميًا لإمكانية تصنيف RSF كـFTO، بناءً على اقتراح من السناتور جيم ريش (رئيس لجنة الشؤون الخارجية في السناتور). كما دعت مجموعة من السناتورين الثنائيي الحزب (بما في ذلك تيم كاين وجيم ريش) إلى التصنيف بعد مذبحة الفاشر في أكتوبر 2025، حيث قتلت RSF آلاف المدنيين. رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس والسفير السوداني في واشنطن محمد عبد الله إدريس دافعا عن هذا التصنيف في نوفمبر 2025، مقارنين RSF بـ"الجنجويد" السابقة وداعين إلى عقوبات تشمل تجميد الأصول ومنع السفر.ومع ذلك تتردد الإدارة الأمريكية في الإمضاء الكامل بسبب مخاوف من تعطيل الجهود الدبلوماسية، حيث يُعتبر التصنيف خطوة قانونية تمنع أي تفاوض مباشر مع RSF. بدلاً من ذلك، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على قادة RSF وشركات مرتبطة بها في يناير 2025، ووصفت الجماعة بـ"مرتكبي جرائم حرب وإبادة جماعية". في تصريحات روبيو الأخيرة، أكد على "قطع الأسلحة فورًا"، مما يشير إلى اتجاه نحو تصنيف أقوى، لكنه يظل غير مكتمل حتى الآن. هذا التوازن يعكس استراتيجية أمريكية تركز على الضغط دون إغلاق الباب أمام السلام، خاصة مع دعم RSF من حلفاء أمريكيين مثل الإمارات. 2. هل تعي الولايات المتحدة أن RSF نصير عسكري للمملكة العربية السعودية في حرب اليمن؟نعم، تعي الولايات المتحدة جيدًا تاريخ دعم RSF للتحالف السعودي في اليمن، لكن هذا الدعم كان قبل اندلاع الحرب الأهلية السودانية وأصبح الآن مصدر تعقيد في السياسة الأمريكية. منذ 2015، أرسلت RSF آلاف المقاتلين (حوالي 40,000 في ذروة 2016-2017) إلى اليمن لدعم التحالف السعودي-الإماراتي ضد الحوثيين، مقابل تمويل سعودي مباشر، مما ساعد في حماية الحدود السعودية وأتاح لـRSF الوصول إلى موارد مالية هائلة (من خلال الذهب والتجنيد). بحلول 2019، عاد 10,000 مقاتل إلى السودان، لكن هذا التعاون عزز قوة RSF داخليًا.الولايات المتحدة، كحليفة رئيسية للسعودية كانت على علم بهذا الدعم، ولم تعترض عليه سابقًا كجزء من استراتيجيتها الإقليمية ضد إيران. ومع ذلك، في 2025، أصبح هذا التاريخ مصدر إحراج، حيث يتعارض مع الاتهامات الأمريكية لـRSF بالإبادة. في تصريحات روبيو، لم يُذكر الدعم السعودي صراحة، لكن الولايات المتحدة دعت في بيان الرباعي (سبتمبر 2025) إلى وقف إطلاق نار يشمل وقف الدعم العسكري لكلا الطرفين، مما يشير إلى وعي بتعقيدات التحالفات السابقة. اليوم، يدعم السعودي SAF ضد RSF، مما يعكس تحولًا في التحالفات، حيث أصبحت RSF "عدوًا" مشتركًا للسعودية والولايات المتحدة في سياق الصراع السوداني. 3. تخوف الإمارات من تحجيم RSF لصالح الإسلاميين المتشددين داخل السودان، ودور الولايات المتحدة في ذلكتشكو الإمارات العربية المتحدة (UAE) منذ 2019 من "عودة الإسلاميين" إلى السلطة في السودان، وتدعم RSF كحاجز أمام هذه العودة، رغم الاتهامات الدولية بدعمها عسكريًا وماليًا لـRSF (عبر تشاد وليبيا). الإمارات ترى في SAF (المدعومة من بقايا نظام البشير الإسلامي) تهديدًا وجوديًا، حيث يحتوي SAF على عناصر من حزب المؤتمر الوطني (NCP) الإسلامي السابق، الذي يُعتبر امتدادًا للإخوان المسلمين. في 2025، أدى تقدم SAF في الخرطوم إلى مخاوف إماراتية من سيطرة "الإسلاميين المتشددين"، مما قد يعيق مصالحها الاقتصادية (الذهب، الموانئ، الزراعة). الإمارات تنفي الدعم، لكن تقارير الأمم المتحدة ورويترز تؤكد شحنات أسلحة إماراتية إلى RSF، ووصفتها الخارجية الإماراتية بـ"حملة تشويه من الإسلاميين والمنظمات غير الحكومية".بالنسبة للولايات المتحدة، فإن RSF يُعتبر "حليفًا" غير رسمي ضد الإسلاميين، كما يظهر في دعمها للرباعي الذي يشمل الإمارات، وفي عقوباتها على قادة إسلاميين سودانيين (مثل جبرييل إبراهيم في سبتمبر 2025). الولايات المتحدة تشارك الإمارات في معاداة "الإسلام السياسي" (خاصة الإخوان) وترى في RSF درعًا ضد عودة نظام مثل البشير، الذي كان حليفًا لإيران وحماس. ومع ذلك، ترفض واشنطن الاعتراف الرسمي بهذا الدور بسبب جرائم RSF، مفضلة الضغط على الإمارات لوقف الدعم عبر عقوبات محتملة على مبيعات الأسلحة الأمريكية إليها. هذا يجعل الولايات المتحدة في موقف متوازن: تحمي مصالحها الإقليمية ضد الإسلاميين دون الالتزام الكامل بـRSF.4. التخوف الإسرائيلي من تواجد الإسلاميين في السودان كقوة أو مليشيات عسكرية تُشكل إسرائيل مصدر قلق رئيسيًا من سيطرة الإسلاميين على السودان، نظرًا لتاريخ الخرطوم السابق كمركز للإرهاب (استضاف أسامة بن لادن في التسعينيات وسمح بتدريب حماس). في 2025، أعربت إسرائيل عن تخوفها من تحالف SAF مع إيران، التي زودتها بطائرات بدون طيار وأنفاق عسكرية، مما يعزز نفوذ "الإسلاميين المتشددين" داخل SAF. تقرير في "جيروزاليم بوست" (يوليو 2025) وصف البرهان بـ"تهديد وجودي"، مطالبًا بإجراءات عاجلة لوقف نظامه الذي يحتوي على ميليشيات إسلامية مرتبطة بحزب المؤتمر الوطني. إسرائيل تفضل RSF (التي تروج لنفسها كعلمانية ومعادية للإسلاميين)، وأقامت قنوات استخباراتية سرية مع حميدتي منذ 2016، بما في ذلك عقد بقيمة 6 ملايين دولار مع لوبي كندي مرتبط بموساد.مع ذلك، يتعارض هذا الدعم مع مخاوف إسرائيل من جرائم RSF، وتقارير عن اقتراح إسرائيلي-أمريكي (مارس 2025) لنقل فلسطينيين من غزة إلى السودان أثار غضبًا إقليميًا. إسرائيل ترى في السودان موقعًا استراتيجيًا على البحر الأحمر لمراقبة التهريب الإيراني إلى غزة والحوثيين، وتخشى أن يصبح الإسلاميون قوة عسكرية تهدد اتفاقيات التطبيع (2020). في الوقت نفسه، تُتهم إسرائيل باستخدام الصراع لتبرير توسع عسكري في القرن الأفريقي، مما يعمق التوترات.خاتمة: نحو حلول متوازنةتصريحات روبيو تعكس تحولًا أمريكيًا نحو مواجهة RSF لكن التصنيف الإرهابي يظل معلقًا بسبب الاعتبارات الإقليمية. الدعم التاريخي لـRSF في اليمن، ومخاوف الإمارات وإسرائيل من الإسلاميين، يجعل الولايات المتحدة في موقف صعب: حماية حلفائها ضد "الإرهاب الإسلامي" دون تمكين جرائم حرب. الحل يتطلب ضغطًا أمريكيًا على الإمارات لوقف الدعم، وتعزيز الوساطة الرباعية لدعم حكومة مدنية علمانية، مع عقوبات على الإسلاميين في SAF. بدون ذلك، سيستمر الصراع في تهديد الاستقرار الإقليمي، مع مخاطر أمنية للبحر الأحمر والقرن الأفريقي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست