المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة المواطنة - رؤية عملية لمرحلة ما بعد الحرب في السودان

المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة المواطنة - رؤية عملية لمرحلة ما بعد الحرب في السودان


11-13-2025, 07:19 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1763018396&rn=0


Post: #1
Title: المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة المواطنة - رؤية عملية لمرحلة ما بعد الحرب في السودان
Author: محمد جمال الدين
Date: 11-13-2025, 07:19 AM

السادة/السيدات الأكارم (أهل الهم والإختصاص)

تحية طيبة وبعد،

أرفق لعنايتكم نسخة من ورقة جديدة تحت عنوان (المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة المواطنة - رؤية عملية لمرحلة ما بعد الحرب في السودان)

رؤية صالحة للوحدة/الإنقسام/الإندماج .. وفي كل الأحوال.. هذا مهم!.

وتتضمن تصورًا شاملًا ودقيقًا في تصوري لدور المجتمع المدني في المساهمة الحاسمة في إعادة بناء السودان بعد الحرب، ولتأسيس دولة المواطنة كبديل نوعي لأنظمة الهوية القديمة القائمة في الواقع وفي المخيال الشعبي وتلك المضادة لها من جنسها.

هذه الورقة تمثل توسعة للفصل السادس من ورقة (مشروع دولة المواطنة) على أمل إثارة طرح حوار وطني جاد ومنظم حول الدور الحيوي المأمول للمجتمع المدني السوداني. كما تتضمن رؤية عملية لخطة إعادة تعريف المجتمع المدني، إزالة التشويه عن دوره وتثوير فعاليته نقديًا وموضوعيا.

تؤكد هذه الورقة على أن المجتمع المدني أعمق وأعظم من محاولات التشويه والتضييق من قبل السلطات السابقة 1989-2019، وأنه الحاضنة الأساسية للأمل والمحرك الحقيقي لبناء دولة مواطنة مستقرة. كما تدعم الورقة بناء رؤية وطنية جامعة ودعوة لعمل مشترك بين كافة مكونات المجتمع من أجل الغد الأفضل.

الرجاء أن تحظى هذه الورقة بالعناية اللازمة ممن يهتم منكم، مع التطلع إلى تلقي آرائكم القيمة وملاحظاتكم البناءة.. وهي إمتداد للأوراق السابقة وفي مقدمتها ورقة مشروع دولة المواطنة.
وهي ثمرة جهد بحثي متواضع ومستقل لكن أحسبه مخلصاً بدأ في العام 2009 وأستمر حتى الآن. بعد، ما هو بشيء غير قطرة في محيط المساهمات العديدة الرامية إلى سودان المستقبل الذي يحلم به بناته وأبناءه المخلصين.


المجتمع المدني والدولة
2009
من منبر سودانفوراول.. مثال.

https://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php؟t=3169andstart=20

عشان ما في زول يفتكر دا شغل مكلفت😅🔥.. معليش.. مزاح.. الورقة مرفقة ك pdf
ونص.

وتفضلوا بقبول فائق معاني الاحترام،

محمد جمال الدين

باحث مستقل مختص في الأنثروبولوجيا

واتساب:
+31684688891

إميل:

[email protected]

Post: #2
Title: Re: المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة
Author: محمد جمال الدين
Date: 11-13-2025, 08:31 AM
Parent: #1



المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة المواطنة - خطة عملية لمرحلة ما بعد الحرب في السودان

رؤية صالحة للوحدة/الإنقسام/الإندماج

ملاحظات استباقية:

يمثل هذا التصور الفصل السادس من ورقة (مشروع دولة المواطنة)، وقد أُلحِق بالورقة الأصلية في إطار تأسيس منظمة سدرة – منظمة ورؤية إنسانية شاملة. وهو في الأساس طرح كدعوة لحوار وطني جاد حول الدور الحيوي للمجتمع المدني السوداني في إعادة بناء السودان في مرحلة ما بعد الحرب، وتأسيس دولة المواطنة كبديل نوعي لأنظمة الهوية القديمة ومخيالاتها الشعبية والرسمية، والدعوات الهويوية التي تشابهها في المحتوى لكنها تعارضها في الاتجاه ليس إلا.

ومع أن السلطات السابقة (مرحلة الإنقاذ 1989-2019) حاولت تشويه صورة المجتمع المدني وتضييق دوره، فإن المجتمع المدني أكبر وأعظم من ذلك بكثير، ويظل الحاضنة الأساسية للأمل والفاعلية في بناء دولة مدنية ديمقراطية. إنه قوة لا يمكنها الاستمرار في القمع أو الحجب، بل تتجدد وتنتعش مع كل تحدٍ جديد.
وتتضمن هذه الرؤية خطة عملية لإعادة تعريف المجتمع المدني، وإزالة التشويه عنه، وتثوير دوره نقديًا وموضوعيًا، لتأكيد موقعه كمحرك حقيقي للتغيير وبناء دولة المواطنة الحقة

وتمثل هذه الملاحظات مدخلاً هامًا إلى الورقة، موضحة مكانة المجتمع المدني وراهنه في المشهد السوداني المعاصر، بمنطق يؤكد أن الحركة المدنية الحقيقية تمتلك الإمكانية لإحداث الفرق ودفع السودان نحو مستقبل أكثر عدالة وأمانًا.

تعتمد هذه الورقة على بحوث متتابعة لصاحبها منذ العام 2009 تحت عنوان: "الدولة والمجتمع المدني والإنسان، نحو أفق جديد.. السودان مثالًا".

تعريف مفهومي للمدني (دعك من جدليته) ونذهب للعملي:

كلمة "مدني" في عبارة: المجتمع المدني تقوم في مقابل الرسمي "الدولة" على وجه الإطلاق.
المدني هو المجتمع اللا رسمي والدولة هي المجتمع اللا مدني.

مدني في مقابل رسمي.

وبهذا النحو فإن "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" لا تحيل إلى أي معنى آخر من معاني التميز والإمتياز من قبيل مدنية بمعنى حضر أو حضارة أو حداثة أو علمانية. كما أن الكلمة "مدني" لا تحيل إلى أي معنى من معاني الإلتزام الأخلاقي أو الأدبي أو الآيدولوجي. وإنما تعني فقط لا غير: غير رسمي (كل شيء أو فعل أو شخص خارج إطار منظومة الدولة). فالمجتمع المدني بهذا المعنى يكون هو محصلة حراك الناس "الهيكلي واللا هيكلي" خارج منظومة الرسمي "الدولة".

وبغض النظر عن مغزى وشكل ذاك الحراك، لا يهم إن وُصف بأنه حديث أو تقليدي، تقدمي أو رجعي، في الريف أو المدينة، فهو في كل الأحوال والأماكن والأزمان فعل "مدني": مجتمع مدني.

مستويات المجتمع:

المجتمع المدني (التقليدي والحديث، بما يشمل النقابات، المثقفين/المهنيين/الكتاب، والمنظمات الطوعية).
وفق هذا التعريف، يندرج السوق والقطاع الخاص ضمن المجتمع المدني، بينما القطاع العام يبقى جزءًا من الرسمي (الدولة).

المجتمع السياسي (الأحزاب، الحركات المسلحة، الكيانات المناطقية والمذهبية).

الدولة (المجتمع الرسمي).

أهمية الإنسجام بين القوى الثلاث:

ضرورة تناغم الأدوار بين هذه القوى ضمن مشروع وطني جامع يضع المواطنة والسلام والعدالة الاجتماعية كأسس لدولة ما بعد الحرب (دولة المواطنة).
المشروع الوحيد الصالح في كل الأحوال، سواء في حالة استمرار الوحدة أو الانشطار أو الاندماج (مشروع دولة المواطنة).


أدوار المجتمع المدني أثناء الحرب (نظرة عملية وتجربة حية)

لعب المجتمع المدني دورًا محوريًا أثناء الحرب (منذ أبريل 2023)، خاصة في ظل غياب الدولة، مما يعزز الحاجة لتثبيت هذا الدور كرافعة للسلام والتحول الديمقراطي.
لكن الأهمية لا تكمن في حضوره فقط، بل في تنوع أشكاله وتكامله بين التقليدي والحديث، إذ تجلت في تلك الفترة أقصى طاقات المجتمع السوداني في تنظيم ذاته خارج مؤسسات الدولة المنهارة.

أولًا: المجتمع المدني التقليدي – التكايا، الأسر الممتدة، والنفير

في لحظة الانهيار المؤسسي الكامل، استعادت البنى الاجتماعية التقليدية في السودان دورها التاريخي في رعاية الناس وتنظيم الحياة اليومية.
ففي مناطق الجزيرة على سبيل المثال، نشأت شبكات دعم محلية عفوية قادتها الأسر الكبيرة والعشائر والطرق الصوفية، وفّرت المأوى للنازحين من الخرطوم ودارفور، وأعادت تشغيل أسواق القرى لتوفير الغذاء والدواء.
كما تحوّلت التكايا إلى مراكز إنسانية جامعة؛ جمعت بين الإغاثة الروحية والمادية، وقدّمت الطعام والعلاج والملجأ دون تمييز، مُجسِّدة أرقى قيم التكافل والرحمة.
وفي أم درمان، نهضت الأسر الممتدة وروابط الأحياء بمهامٍ كانت تقوم بها الدولة من قبل، إذ أُعيد تنظيم "نظام النفير" الشعبي في صورته الحديثة، حيث يجتمع الجيران والأقارب والأصدقاء لتقديم المساعدة للمرضى، وإصلاح المرافق العامة، وتأمين مرور الإمدادات في الأحياء المحاصرة.
أما في عطبرة، فقد أظهر الإرث النقابي والتضامني القديم أثره حتى في المجتمع الأهلي، إذ تنادى الأهالي لتشكيل لجان طوارئ محلية نظّمت النقل الجماعي للمصابين، وجمعت التبرعات لتسيير العيادات الميدانية والمدارس البديلة.
هذه الأمثلة، وغيرها في سائر السودان، تُظهر أن المجتمع التقليدي لم يكن مجرد موروث اجتماعي، بل بنية حية فعّالة قادرة على إعادة إنتاج نفسها في الأزمات الكبرى، لتصبح خط الدفاع الأول عن الحياة.

ثانيًا: المجتمع المدني الحديث – النقابات والمنظمات الطوعية والمبادرات المهنية

بالتوازي، برزت دينامية غير مسبوقة في أوساط المجتمع المدني الحديث، خاصة بين المهنيين والنقابات والكوادر التطوعية.
في مقدمتهم نقابات الأطباء التي شكّلت العمود الفقري للاستجابة الإنسانية، إذ أسست غرف طوارئ طبية مستقلة في كل من الخرطوم، الجزيرة، بورتسودان، وكسلا، نظمت شبكات إسعاف ميدانية، ووفّرت الأدوية بالتنسيق مع الصيادلة والممرضين.
كما ظهرت مبادرات تطوعية بقيادة المهندسين والمعلمين والمبرمجين، ساهمت في إعادة تشغيل شبكات المياه والكهرباء، وتوفير التعليم عن بعد للأطفال النازحين.
وفي قطاع الإعلام والثقافة، أطلق الصحفيون والفنانون حملات توثيق ومناصرة، نقلت معاناة المدنيين للعالم، وساهمت في حشد الدعم الإنساني والإغاثي الدولي.
كما اتسع نطاق المبادرات الشبابية والنسوية، مثل حملات «ناس الخير» و«قوافل الصمود» و«نسوان ضد الحرب»، التي لم تكتفِ بالإغاثة بل عملت على نشر ثقافة السلام والمواطنة والتضامن العابر للهويات.

ثالثًا: جدلية التكامل بين المجتمعين

لقد تكامل المجتمع التقليدي والحديث في استجابة واحدة متصلة:
فالتكايا والأسر والنفير وفّرت الحماية والملاذ المادي والمعنوي، بينما قدّمت النقابات والمنظمات الطوعية الإسناد المهني والتنظيمي والمعرفي.
هذا التكامل، الذي نشأ تلقائيًا من رحم الأزمة، شكّل نموذجًا مصغّرًا لما يمكن أن تكون عليه دولة المواطنة المستقبلية؛ حيث تتكامل مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني والرسمي في شبكة تضامن وطني واسعة.

لقد أثبتت الحرب أن المجتمع السوداني يمتلك قدرة ذاتية على التنظيم والبقاء، وأن جذور مدنيته العميقة – التقليدية والحديثة معًا – هي رأس ماله الأخلاقي والسياسي لإعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة والسلام.

علاقة المجتمع المدني بالدولة أثناء فترة الإنقاذ (1989–2019):

منذ استيلاء نظام الإنقاذ على السلطة عبر الانقلاب العسكري في يونيو 1989، دخلت علاقة الدولة بالمجتمع المدني مرحلة من التصادم المنهجي والتشويه المتبادل، لم يعرفها السودان في تاريخه الحديث بهذا العمق والاتساع.
فالإنقاذ لم تكتفِ بإقصاء القوى السياسية التقليدية، بل سعت كذلك إلى تفكيك المجال العام وإعادة تشكيله وفق رؤيتها الأيديولوجية، عبر مشروع "التمكين" الذي استهدف السيطرة على النقابات، الاتحادات المهنية، والمنظمات الطوعية، وتحويلها إلى أذرع تابعة للسلطة.

1. مصادرة استقلال المجتمع المدني:

في مطلع التسعينات، تم حلّ جميع النقابات المنتخبة – من الأطباء والمعلمين إلى المهندسين والمحامين – واستبدالها بنقابات "المنشأة" التي تدين بالولاء للحزب الحاكم.
وبذلك أُلغيت المسافة الفاصلة بين الدولة والمجتمع المدني، فصارت النقابات امتدادًا بيروقراطيًا للجهاز التنفيذي، تفقد كل وظيفة رقابية أو تمثيلية.
كما فُرضت قيود قانونية صارمة على تسجيل المنظمات الطوعية، وأُخضعت كل أنشطتها لرقابة جهاز الأمن، بما في ذلك التمويل والعلاقات الخارجية، وهو ما جعل الاستقلال المؤسسي شبه مستحيل.

2. تشويه صورة المجتمع المدني:

عملت السلطة عمدًا على تشويه صورة المجتمع المدني في الوعي العام عبر حملات إعلامية منظمة، صوّرته كأداة "استعمارية" أو "طابور خامس" يخدم أجندات غربية.
تمت محاصرة المصطلحات ذاتها – مثل "حقوق الإنسان" و"النوع الاجتماعي" و"المجتمع المدني" – في الخطاب الرسمي، ووصمها بأنها مفاهيم "مستوردة" تتعارض مع الدين والثقافة.
وبهذا نجحت الإنقاذ جزئيًا في خلق قطيعة رمزية بين قطاعات واسعة من المجتمع وهذه المفاهيم، ما أضعف المجال المدني من الداخل.

3. استراتيجيات الإفساد الممنهج:

لم تكتفِ الدولة بالسيطرة والإقصاء، بل ذهبت إلى إفساد المجتمع المدني عمدًا.
فقد أُنشئت مئات الجمعيات والمنظمات "الواجهية" تحت لافتات خيرية أو شبابية أو دعوية، لكنها كانت تعمل كقنوات تمويل سياسي أو أمني.
تم تحويل الموارد المخصصة للتنمية والمجتمع المدني إلى مشاريع ولاء حزبي، وتوظيف العمل الطوعي في شراء الذمم وبناء شبكات محسوبية واسعة.
وبهذا تحوّل العمل المدني من فضاء للحرية والمسؤولية إلى حقلٍ من الفساد المقنن، أُفرغ من محتواه الأخلاقي والوطني.

4. المجتمع المدني المقاوم:

رغم هذه السيطرة، لم يختفِ المجتمع المدني الحقيقي؛ بل أعاد تنظيم نفسه في الظل، وفي الخارج، وفي الداخل عبر مبادرات مستقلة وشبه سرية.
ظهرت منظمات حقوقية وإنسانية مستقلة في منتصف التسعينات رغم الحظر، مثل مبادرة لا للعنف ضد المرأة، مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، شبكة الصحفيين السودانيين، تجمع الأطباء الديمقراطيين وغيرها، والتي شكّلت النواة المدنية للحراك الثوري لاحقًا.
وفي العقد الأخير من حكم الإنقاذ، ساهمت هذه الشبكات المدنية في بناء البنية التحتية الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر 2018، عبر تعبئة المجتمع وتوفير منصات للتعبير والتنظيم.

5. إرث الإنقاذ: أزمة الثقة العميقة

خرج السودان من تجربة الإنقاذ بإرث ثقيل من الشك وانعدام الثقة بين الدولة والمجتمع المدني.
فالمجتمع المدني يرى الدولة كجهاز قمعي فاسد، بينما ترى الدولة المجتمع المدني كتهديد خارجي أو معارض سياسي متنكر.
هذه الذاكرة الجمعية السلبية ما تزال تُلقي بظلالها على الحاضر، وتشكّل عائقًا رئيسيًا أمام بناء علاقة صحية تقوم على التعاون والرقابة المتبادلة لا العداء والوصاية.

6. ما بعد الإنقاذ: نحو إعادة تأطير العلاقة

إن إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني تتطلب تفكيك منظومة التمكين القديمة قانونيًا ومؤسسيًا وربما في مخيال الفرد، وإعادة تعريف الدولة بوصفها خادمة للناس لا وصية عليهم.
كما تتطلب من المجتمع المدني تجاوز خطاب الضحية إلى خطاب الشراكة والمساءلة، ليصبح طرفًا فاعلًا في بناء الدولة الجديدة لا مجرد رد فعلٍ على فسادها.
بهذا فقط يمكن تحويل الصراع التاريخي بين الطرفين إلى جدلية تكاملية بنّاءة تضع مصلحة الوطن فوق إرث الانقسام والفساد.

مشروع دولة المواطنة:

واجب إنجاز دولة المواطنة لا يسقط حتى في حال التقسيم أو العكس الاندماج، بل تصبح أكثر إلحاحًا لضمان العدالة والتعايش السلمي.
خطة ما بعد الحرب: نحو انتقال وطني شامل لبناء دولة المواطنة

إن نهاية الحرب، بكل مآسيها، تمثل بداية الفرصة التاريخية الأخيرة لإعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة.
ولذلك، فإن المرحلة الانتقالية لا ينبغي النظر إليها كفترة زمنية مؤقتة لإدارة ما تبقى من الدولة، بل كمشروع تأسيسي لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة والمجتمع السياسي، على قاعدة العقد الاجتماعي الجديد.
وهذا يتطلب حكومة انتقالية ذات طبيعة خاصة، تُشكّل على أساس الكفاءة والتوافق الوطني الواسع، لا على أساس المحاصصات الحزبية أو الولاءات الجهوية.

أولًا: تشكيل حكومة انتقالية تلقى أكبر وفاق ممكن

يُفترض أن تقوم هذه الحكومة على قاعدة من الشرعية الأخلاقية والمجتمعية، لا مجرد الترتيبات الشكلية.
تُختار مكوناتها من شخصيات مدنية مستقلة، ذات سجل مهني واضح، بعيدة عن الصراعات الحزبية والعسكرية، وتحظى بقبولٍ مجتمعي واسع داخل السودان وخارجه.
ويجب أن تنشأ وفق إعلان مبادئ وطني تتوافق عليه القوى المدنية والمهنية ولجان المقاومة والحركات الاجتماعية، يكون بمثابة "وثيقة عهد" تنظم المرحلة الانتقالية وتحدّد أهدافها العليا.

ثانيًا: مهام المرحلة الانتقالية

المهام الأساسية التي ينبغي أن تضطلع بها الحكومة الانتقالية يمكن تلخيصها في المحاور التالية:

إعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، والمساءلة، والشفافية، وإلغاء التمكين السياسي والإداري الموروث من النظام السابق.

تحقيق الأمن ووقف شامل لإطلاق النار، مع مراقبة مدنية دولية تضمن الالتزام بالاتفاقات ومنع تجدد النزاع.

إطلاق عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج (DDR) بإشراف وطني مستقل، بحيث لا تتحول العملية إلى إعادة تدوير للمليشيات، بل إلى مشروع وطني لإعادة تأهيل المقاتلين ودمجهم في الحياة المدنية والاقتصادية.

إعادة الإعمار الشامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية (الصحة، التعليم، المياه، الكهرباء، الاتصالات)، وفق أولويات إنسانية لا سياسية.

إصلاح المنظومة العدلية والقانونية لضمان استقلال القضاء، ومحاسبة المتورطين في جرائم الحرب والفساد، عبر آليات عدالة انتقالية شفافة.

إعادة بناء النظام الإداري والخدمي المحلي لضمان وصول الخدمات إلى المواطنين في الريف والمدن، وتوسيع المشاركة المحلية في صنع القرار.

إطلاق مشروع مصالحة وطنية شاملة يستند إلى الحقيقة والمساءلة، لا إلى النسيان أو التسويات الشكلية، بمشاركة العلماء والمفكرين والقيادات الأهلية والنسوية والشبابية.

تمكين الاقتصاد الوطني عبر خطة إسعافية تقوم على:

دعم القطاعات الإنتاجية (الزراعة، الصناعة، النقل).

تشجيع القطاع الخاص المحلي والمغتربين على الاستثمار في الإعمار.

ضبط الصادرات والموارد الطبيعية وإلغاء الجبايات والضرائب على السلع الأساسية مؤقتًا.

تأسيس صندوق وطني لإعادة الإعمار والتنمية تُدار موارده بشفافية ويخضع للرقابة البرلمانية والمجتمعية.

تعزيز الثقافة المدنية والتربية الوطنية عبر المناهج والإعلام والتعليم الشعبي، لترسيخ قيم المواطنة والتنوع والسلام.

إعداد الأرضية السياسية والدستورية للانتخابات الحرة، من خلال:

صياغة دستور انتقالي يقوم على مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة بين الجنسين والأقاليم.

إنشاء مفوضية مستقلة للانتخابات، ومجلس وطني للسلام والعدالة الانتقالية.

ضمان الحريات العامة، وحرية التنظيم والنقابات، وحرية الإعلام والمجتمع المدني.

ثالثًا: تعزيز المؤسسات العسكرية كمؤسسات وطنية غير سياسية

تتمثل الخطوة الجوهرية في تحويل المؤسسة العسكرية من لاعب سياسي إلى ضامن وطني، عبر:

توحيد القوات المسلحة تحت قيادة مهنية واحدة.

إلغاء أي تشكيلات عسكرية ذات طابع جهوي أو عقائدي.

إخضاع ميزانية المؤسسة العسكرية للرقابة التشريعية.

إعادة تأهيل المدارس العسكرية وفق قيم الدولة المدنية والولاء للدستور لا للأشخاص.

إنشاء مجلس دفاع وأمن وطني خاضع لرئيس الوزراء المدني بالتوافق مع البرلمان الانتقالي.

رابعًا: مشاريع إعادة الإعمار والخدمات الأساسية

يجب أن تكون مشاريع الإعمار جزءًا من رؤية تنموية وطنية جديدة، لا مجرد أعمال بنى تحتية.
يُعاد توزيع الموارد على أساس العدالة الإقليمية، وتُوجَّه الأولويات نحو المناطق المتضررة من الحرب (دارفور، الخرطوم، كردفان، النيل الأزرق، الجزيرة) من خلال خطط واضحة تركز على:

الإسكان وإعادة النازحين.

ترميم المدارس والمستشفيات.

إعادة تأهيل الزراعة والصناعات الصغيرة.

بناء شبكات نقل واتصال تربط الأقاليم ببعضها، بما يعزز التكامل الوطني.

خامسًا: دعم المصالحة الوطنية عبر لجنة شاملة

يُنشأ مجلس وطني للمصالحة والعدالة الانتقالية يضم ممثلين من كافة القوى الاجتماعية والجهات المتضررة، تكون مهمته:

توثيق الجرائم والانتهاكات.

رعاية جلسات حوار مجتمعي مفتوح.

وضع توصيات ملزمة للدولة فيما يخص التعويضات وجبر الضرر.

المساهمة في إصلاح المؤسسات الأمنية والخدمية لضمان عدم تكرار الانتهاكات.

سادسًا: تمكين الاقتصاد وبناء العدالة الاجتماعية

لا يمكن لأي عملية سياسية أن تنجح في ظل اقتصاد منهار.
لذلك، فإن التحول الاقتصادي يجب أن يكون جزءًا أصيلاً من المرحلة الانتقالية:

مكافحة الفساد المالي والإداري واسترداد الأموال المنهوبة.

إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد.

إصلاح النظام الضريبي والجمركي، وربط الإيرادات بالتنمية المحلية.

إدماج الاقتصاد غير الرسمي في الدورة الوطنية.

الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لخلق اقتصاد معرفة مستدام.

سابعًا: التمهيد لما بعد المرحلة الانتقالية

تُختتم المرحلة الانتقالية بانتخابات حرة ونزيهة تُجرى تحت إشراف وطني ودولي، على أساس دستور دائم يعبّر عن التوافق الوطني، ويُكرّس مبدأ دولة المواطنة بوصفها الصيغة الحضارية الوحيدة القادرة على استيعاب تنوع السودان وتاريخه.
عندها تُعاد صياغة دور الأحزاب السياسية كمؤسسات برامجية لا أيديولوجية، ودور المجتمع المدني كشريك مؤسسي في بناء السلام، والتنمية، والثقافة الديمقراطية.

المجتمع المدني وإعادة بناء الدولة –

مستفيدًا من مجمل النقاط التحليلية التي وردت في ورقة (مشروع دولة المواطنة)، باعتبار المجتمع المدني الأرضية الجوهرية في عملية تشكل وصيرورة دولة المواطنة (الدولة المشروع).

لقد بيّن البحث أن المجتمع المدني ليس مجرد مساحة وسطى بين الدولة والمجتمع السياسي كما يرد في بعض الكتابات المدرسية، بل هو الفضاء الحيوي الذي تتولد فيه القيم، وتُعاد فيه صياغة الإرادة الجماعية، وهو الحقل الذي تتفاعل فيه جدلية القيم والمصالح، فينتج عنه الوعي السياسي والاجتماعي الذي يؤسس لبنية دولة المواطنة من حيث أجهزتها الإدارية ومخيالها الثقافي.

وبناءً على ذلك، فإن مشروع دولة المواطنة لا يمكن أن يتحقق أو يستمر دون مجتمع مدني فاعل، منظم، ومتجذر في القيم الإنسانية العليا للحرية والمساواة والعدالة.

أولًا: المجتمع المدني كفضاء تأسيسي للهوية الجديدة

هو الوعاء الذي تتشكل فيه الهوية الوطنية الجامعة لا كهوية مفروضة، بل كمحصلة لتفاعل الإرادات من أسفل، تُبنى على المصالح المشتركة والشعور بالمصير المشترك.

ثانيًا: المجتمع المدني كجهاز مناعة ضد الاستبداد

حين تتراجع الدولة، يصبح المجتمع المدني هو جهاز المناعة الطبيعي:

يراقب السلطة وينظم المقاومة السلمية.

يعيد التوازن بين المجتمع والدولة.

يمنع احتكار القرار السياسي.

قوة المجتمع المدني مقياس لصحة الدولة، وضعفه مؤشر لانهيارها.

ثالثًا: التمظهرات المدنية – من البنية الأصيلة إلى البنية الفوقية

يتجلى المجتمع المدني في مستويين:

تمظهرات طبيعية (العشائر، الطرق الصوفية).

تمظهرات حديثة (المنظمات، النقابات، الاتحادات).

تفاعل هذه المستويات يخلق الدينامية الضرورية لتوازن المجتمع.

رابعًا: إعادة تعريف العلاقة بين المجتمع المدني والدولة

العلاقة يجب أن تُعاد صياغتها وفق رؤية تعاقدية جديدة:

المجتمع المدني ليس خصمًا للدولة بل شريكها.

استقلاله لا يعني عداءه، وسيادة الدولة لا تعني وصايتها عليه.

الفضاء بينهما مجال جدلٍ بنّاء لا صراع صفري.

بهذا يصبح المجتمع المدني امتدادًا أخلاقيًا للدولة، بينما تكون الدولة الضامن القانوني لحرية المجتمع المدني.

خامسًا: المجتمع المدني كأداة لإعادة الإعمار

في مرحلة ما بعد الحرب، يقع على المجتمع المدني عبء إعادة البناء:

المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.

تعزيز ثقافة التسامح والتطوع.

إحياء المجال العام.

تمكين النساء والشباب.

سادسًا: نحو مجتمع مدني جديد

المجتمع المدني الجديد يجب أن يتميز بـ:

وعي نقدي بالتحولات البنيوية.

استقلال فكري.

التزام بالقيم الكونية للحرية والعدالة.

مع ضرورة تطوير الإطار القانوني، ودعم الشبكات المدنية، وتشجيع البحث العلمي.

سابعًا: التكامل البنيوي بين الدولة والمجتمع المدني

الدولة = النظام والعدالة القانونية.

المجتمع المدني = القيم والمبادرات الحرة.

المجتمع السياسي = الجدل حول السلطة.

العقد الاجتماعي الجديد يضمن حياد الدولة وحرية المجتمع المدني ومساءلة المجتمع السياسي.

ثامنًا: من دور الظل إلى الشراكة المؤسَّسة

إن مشروع دولة المواطنة لا يمكن أن يتحقق دون تفعيل الدور التاريخي للمجتمع المدني بوصفه الوعاء الحيّ لإرادة الشعب، والمجال الذي تُنتَج فيه القيم ويُعاد من خلاله تعريف المصلحة العامة.
فالمجتمع المدني هو الذي يُنتج الوعي الجمعي، ويراقب السلطة، ويعيد توجيه الدولة نحو غاياتها التعاقدية والأخلاقية، بوصفها تجسيدًا للعقد الاجتماعي لا سلطةً فوقه.

وحين يتحول المجتمع المدني إلى حركة جماهيرية منظمة ومدركة لذاتها، تصبح المواطنة حقيقةً معاشة لا شعارًا نظريًا، وتغدو الديمقراطية ممارسةً يومية في السلوك والمؤسسات، وتتحول الدولة من كيانٍ مُهيمن إلى كيانٍ عاكس لإرادة الناس وضامنٍ لكرامتهم.

إن المستقبل لن يُبنى عبر العودة إلى المركزيات الهويوية، ولا عبر تحالفات النخب المغلقة، بل عبر بنية تشاركية حقيقية، تجعل من المجتمع المدني – في شقيه التقليدي والحديث – قوة دافعة للتحول الديمقراطي والتنمية العادلة والسلام المستدام.

فالمجتمع المدني ليس "مكملًا كدا بس" للدولة أو تابعًا لها، بل شريكٌ في تأسيسها وتجديد معناها.
وحين ينهض هذا المجتمع، فإنه لا يكتفي بتصحيح مسار السياسة، بل يُعيد تعريفها من حيث المبدأ: من لعبة سلطة إلى مسؤولية جماعية لبناء الحياة المشتركة.

تاسعاً: الرؤية الختامية

في هذه ختام الورقة (التي تمثل جزءً جوهرياً من ورقة مشروع دولة المواطنة)، وللعبور من التصور النظري حول المجتمع المدني ودوره في دولة
المواطنة إلى الفعل الواقعي الفعّال، تبرز عدة سبل وأدوات عملية يمكن للمجتمع السوداني ( أفرادًا ومؤسسات ) اعتمادها وتطويرها رغم ضخامة التحديات:

أولًا: بناء شبكات التضامن القاعدية
دعم المبادرات القاعدية من لجان المقاومة ولجان الأحياء والمنظمات النسوية والشبابية التي أثبتت فاعليتها في الميدان خلال الحرب وبعدها، عبر التدريب والتمكين المالي والفني.​

تعزيز الشبكات بين مكونات المجتمع المدني التقليدي والحديث (التكايا، النقابات، الروابط المهنية والأهلية) لضمان استمرار تدفق موارد الإسناد والإغاثة وإعادة الإعمار على أسس تضامنية، لا ربحية ولا نفعية.

ثانيًا: إصلاح المنظومة القانونية والإدارية
الضغط لصياغة تشريعات تكفل حرية المجتمع المدني وتجعل تسجيل المنظمات والمبادرات أبسط وأكثر شفافية، وتمنع أي تدخل للسلطات التنفيذية أو الأمنية في أنشطته ما لم تمس الأمن العام بشكل مباشر.

إخضاع مؤسسات الدولة لمبدأ سيادة القانون، واستقلال القضاء، وضمان الرقابة التشريعية الحقيقية على الأداء الحكومي، ما يحد من تغوّل الدولة على الحيز المدني.​

ثالثًا: بناء عقد اجتماعي جديد
إطلاق حوار وطني شامل لتأسيس "ميثاق للمواطنة" بين كافة الفئات والاتجاهات، يشمل الاعتراف المتبادل بحقوق الجميع، ونبذ الإقصاء على أسس العرق أو الجهة أو الدين، واعتماد مبدأ المواطنة كأساس وحيد للحقوق والواجبات.​

تفعيل المفاهيم العملية للعقد الاجتماعي، بحيث تُدرج فيها آليات واضحة للمساءلة المجتمعية على السلطة، وتمكن الشعب من مراقبة إدارة الثروة والسلطة توزيعًا وعدالةً.

رابعًا: إصلاح المؤسسات الحزبية والإعلامية
مطالبة الأحزاب السياسية بإصلاح داخلي هيكلي وبرامجي، وفتح أبوابها أمام مشاركة الشباب والنساء والمهنيين، بحيث تتحول من أدوات تنافس على المناصب إلى مدارس ديمقراطية تُمثل المجتمع بواقعه لا بخطاباته.​

دعم الإعلام الحر والرقابي كرافعة توعوية ومنبر لمطالب المجتمع المدني، يعمل بحيادية لنقل هموم الشارع وتشجيع الحوار حول المسائل الحقوقية والاجتماعية.

خامسًا: دعم الاقتصاد التضامني وتمكين القطاعات المنتجة
ترسيخ ثقافة "المسؤولية الاجتماعية" لدى القطاع الخاص، عبر دعم مشروعات تنموية محلية، وتوفير الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.​

تشجيع مشاريع الزراعة التعاونية والتجارة الاجتماعية والخدمات التطوعية التي تقوي الروابط المجتمعية وتخفف الحدّة من البطالة والصدمات الاقتصادية.

سادسًا: تعزيز القيم التحررية والديمقراطية
الاستثمار في التعليم والتدريب المدني، خاصة ما يتعلق بقيم الحرية، الحوار، التسامح، المشاركة، ومناهضة التمييز، بما يعزز المناعة الجماعية ضد العودة للأنساق القديمة للهيمنة والاستبداد.

دعم البحوث الاجتماعية المستقلة ومراكز التفكير المدني حتى تصنع المعرفة والمقترح الإصلاحي من الداخل.

تحدي العوائق:
من أبرز العقبات أمام تفعيل هذا التصور:

استمرار أدوات القمع والاستقطاب القديمة.

ضعف الثقافة المدنية وضعف القدرة على التنظيم العملي المستدام.

النفوذ الحزبي الضيق على المنظمات المدنية.

هشاشة الوضع الاقتصادي وقصور الموارد.
لكن مواجهة هذه العقبات تبدأ بالاعتراف بها، والتخطيط الواعي لمواجهتها عبر المثابرة، والشراكات الأفقية، والإصرار على وحدة الصف المدني دون انزلاق لمركزية النخب أو استبعاد الأطراف الأقل تمثيلا.
لن تتحقق دولة المواطنة حقًا وفق هذه الرؤية إلا حين يصبح المجتمع المدني شريكًا في بناء السلطة، ورقابةً على أدائها، وفضاءً لإنتاج القيم الجامعة والمبادرات الحرة. وحدها حركة جماهيرية مدنية مستنيرة، متماسكة، قادرة على تحويل كل أزمة إلى فرصة للتنمية المادية والتعاون المثمر والمصالحة والإصلاح بين الناس، لتنتقل بهذه الرؤية من حيز الورق إلى أرض السودان حيث تصبح جزءً حتمياً من مخيال الزول..


خلاصة ختامية:

في ختام هذه الورقة التي تسلط الضوء على المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة المواطنة – رؤية عملية لمرحلة ما بعد الحرب في السودان، يبرز سؤال مزدوج مهم للنقاش والبحث:

من يفعل هذا؟ ومتى ولماذا؟

من يفعل؟

الفاعلون هم أفراد المجتمع المدني بأطيافه المتنوعة، من لجان المقاومة ولجان الأحياء، إلى النقابات والمنظمات التطوعية والشبابية والنسوية، إلى المثقفين والمهنيين الذين يؤمنون بمشروع دولة المواطنة كخيار مستدام للسلام والعدالة.

هؤلاء الفاعلون هم من يسعون لتشكيل شبكة تضامن قاعدية متماسكة، قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهم المتجذرون في القيم المجتمعية الأصيلة والحديثة على حد سواء.

متى يفعلون؟

يبدأ الفعل مباشرة والتحضير لمرحلة ما بعد الحرب، حين تعيق الأوضاع الأمنية والسياسية استمرار العنف والفوضى، مع حاجة ماسة لترسيخ أسس السلام والديمقراطية الحقة أي المشاركة المجتمعية الأصيلة.

هي مرحلة بناء الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة، ومرحلة انتقالية حساسه، تحتاج فيها مبادرات المجتمع المدني إلى قوة تنظيمية وواقعية عملية، لتنفيذ مهامها في إعادة الإعمار، العدالة، المصالحة، وتعزيز قيمة حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة.

لماذا يفعلون؟

لأن لا خيار أمامهم سوى ذلك؛ فغياب الدولة الفاعلة وانهيار المنظومة السياسية يشكلان دوافع قوية لاستنهاض المجتمع المدني كحاضنة للشرعية الجديدة.

كذلك، الوعي المتزايد بقيم المواطنة والحرية والمساواة يدفعهم للضغط من أجل عقد اجتماعي جديد يضمن كرامة كل مواطن، ويحميه من استبداد وتهميش الماضي.

هذا السؤال مفتوح لاجتهاد واسع وتنوع أدوار ينتظر الناس ومنظمات المجتمع المدني والحركات السياسية والاجتماعية أن يتحملوها معًا لبناء السودان الذي يستحقونه.
كيف يمكن توسيع هذا الفعل، ما هي الأدوات التي تسرّع من التحول، وكيفية التوازن بين التراث والمجدد، التقليدي والحديث، المحلي والعالمي؟
هذا فضاء للنقاش الجاد، والتجربة الميدانية المستمرّة ما بعد الحرب، التي هي بالأساس تحدٍ لمدى قدرة المجتمع المدني على التوصل إلى مشروع وطني جامع مبني على دولة المواطنة.

هذا السؤال والإجابة يحملان دعوة مفتوحة للمجتمع السوداني لتأمل دوره الحاسم في بناء وطنه وترسيخ مشروعه الأكبر، بعيدًا عن العنف والاقتتال، متحديًا كل ما حاول
.تشويهه أو قمعه

محمد جمال الدين

باحث مستقل مختص في الأنثروبولوجيابا 2025

Post: #3
Title: Re: المجتمع المدني ودوره في إنجاز مشروع دولة
Author: محمد جمال الدين
Date: 11-13-2025, 10:07 AM
Parent: #2

وبقية الاوراق المعنية هنا:
كل بوستاتي في المنبر دا في روابط واهم شيء كاتلوج الاستخدام 🔥✌️

https://sudaneseonline.com/board/515/msg/1762866503.html