السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى شروط الفعل السياسي الجاد#

السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى شروط الفعل السياسي الجاد#


07-01-2025, 10:10 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1751404231&rn=0


Post: #1
Title: السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى شروط الفعل السياسي الجاد#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-01-2025, 10:10 PM

10:10 PM July, 01 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر



«إن احترام العالم لا يُستجدى بخطابات عن القيمة التاريخية والجغرافية، بل يُنتزع بالفعل السياسي الناضج.»

حين ننظر إلى الخطاب العام السوداني، خاصة في أوساط النخب المدنية والمثقفة، نجد سمة متكررة: تمجيد الموقع الجغرافي والرصيد الثقافي و"القيمة المعنوية" المزعومة للسودان، وكأنها رأسمال يكفي وحده لشراء مكانة دولية أو ضمان دعم خارجي.
يبرز هذا الميل في مقالات مثل مقال الدكتور بكري الجاك الذي يذكّر بأننا «صُرة القارة وحبلها السري»، وأننا «شعب لا يشعر بالغربة في شرقها أو شمالها»، مستندًا إلى تنوعنا الثقافي والاجتماعي. هذه المقاربة، رغم صدق جانبها الإنساني، تنطوي على اختزالٍ خطير: تفادي مواجهة الأسباب المادية – والسياسية – لانهيارنا، وتعليق خلاصنا على "قيمة" غير مفصلة أو مشروطة بأي قدرة حقيقية.
في المقابل، فإن توصيف السودان اليوم في أدبيات العلوم السياسية لا يسمح بهذا التجميل. وفق مؤشرات الدولة الرخوة (Weak State) والفاشلة (Failed State) – كما حللها فقهاء مثل غيليرمو أودونيل (O’Donnell) وفرانسيس فوكوياما – فإن الدولة التي تفقد القدرة على احتكار العنف الشرعي وتقديم الخدمات العامة وتسيير البيروقراطية بفعالية لا تكتسب أي احترام دولي لمجرد موقعها الجغرافي. إن هيبة الدولة تقاس بمؤسساتها وسلوكها السياسي لا بخطابات مواطنيها عن هويتها.
أكثر من ذلك، يرى المفكر الصومالي عبد الرحمن عبد الله في تحليلاته (Somalia: State Collapse, Multilateral Negotiations, and the Construction of Conflict) أن مجرد موقع استراتيجي قد يصبح عبئًا إن لم تتمكن الدولة من تنظيمه داخليًا: الصومال مثلًا يربط الخليج بالمحيط الهندي، لكنه صار رمزًا لانهيار الدولة لأن القوى الداخلية المتصارعة فشلت في التوافق السياسي.

هذا الدرس ينطبق تمامًا على السودان اليوم. موقعه الذي يربط شمال القارة بجنوبها وشرقها بغربها لا يمنحه ميزة إذا كان هذا الربط يحدث بالسلاح والتهريب واللاجئين. الثروات المعدنية والزراعية لا تبني قيمة ما لم تُحوّل عبر مؤسسات قادرة إلى رفاه وعدالة اجتماعية.

هنا يكمن جوهر النقد. أي خطاب يعوّل على «قيمتنا في نظر العالم» دون تحديد شروط هذه القيمة، هو في النهاية خطاب يتهرب من الأسئلة الجوهرية:

كيف نوقف هذه الحرب الأهلية؟

كيف نعيد بناء مؤسسة عسكرية واحدة خاضعة للسلطة المدنية؟

كيف نؤسس عقدًا اجتماعيًا جديدًا يضمن المساواة في المواطنة ويوزع السلطة والثروة بعدل؟

كيف نبني جهاز دولة يقدم الخدمات ويكافح الفساد ويضمن سيادة القانون؟

هذه ليست أسئلة تجميلية بل شرطية: بدون إجابة عملية عليها، لا قيمة لكل حديث عن "الوطن الحبل السري لإفريقيا" أو "الثقافة الجامعة".

بل أكثر من ذلك، إن التعلق بفكرة أن العالم مطالب بإنقاذنا لأنها "مسؤوليته" هو في ذاته تعبير عن إنكار سياسي. في الأدبيات الواقعية في العلاقات الدولية (Realism)، لا يوجد تضامن مجاني. الدول تتدخل لحماية مصالحها. ومن يطلب الاحترام والدعم عليه أولًا أن يثبت قدرته على ضمان حد أدنى من الاستقرار والقدرة على التعاون.

انظر إلى الحالة الرواندية مثلًا: بعد الإبادة الجماعية، لم يُمنح الدعم الدولي الكبير إلا عندما ظهر نظام قادر على فرض الأمن الداخلي وضبط الحدود ومنع الانفجار الأهلي مجددًا. الاحترام الدولي في إفريقيا لم يُنتزع بالخطابات الأخلاقية بل بالفعل السياسي المنظم.

أما في السودان، فإن من يحرق البلد ليس فقط "قلة من الحمقى" كما قد يوحي الخطاب التبسيطي، بل تحالف معقد من النخب الاقتصادية والعسكرية والدينية التي تقتات على اقتصاد الحرب. لا يمكن لأي مشروع دولة حديثة أن يقوم دون تفكيك هذا التحالف وتسمية هذه المصالح باسمها.

الرهان لا يجب أن يكون على "القيمة المتخيلة" بل على الفعل الواقعي. وهذا الفعل له أركان واضحة:

بناء تحالف اجتماعي جديد يتجاوز الانتماءات القبلية الضيقة، ويعيد تعريف الوطنية كمصلحة مشتركة في البقاء والعدالة.
تمكين القوى المجتمعية الفاعلة (لجان المقاومة، النقابات، النساء، الشباب) بعيدًا عن النخب التقليدية المتواطئة.
صياغة مشروع سياسي يركز أولًا على إيقاف الحرب، ونزع سلاح المليشيات، وبناء جيش وطني مهني.
الشروع في حوار صريح حول العدالة الانتقالية وقسمة الثروة والسلطة، بما يكسر الحلقة التاريخية للتهميش والتهميش المضاد.

الاعتراف بقيمة السودان يبدأ من الداخل، من إصلاح علاقته بنفسه. الاحترام الدولي لا يُشترى بخطاب ثقافي جميل بل يُنتزع عبر بناء مؤسسات سياسية واقتصادية قادرة.

وإلا فإن السودان سيظل – كما وصفه أحد الدبلوماسيين الأفارقة في جلسة مغلقة – «مشكلة يفضل الجميع إبعادها عن الطاولة»، حتى لو كنا نعتقد نحن أننا الجسر، أو القلب، أو الحبل السري.

Post: #2
Title: Re: السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى ش�
Author: Mahjob Abdalla
Date: 07-01-2025, 10:31 PM
Parent: #1

سلام ابوالزهور.
هذا مقال ايضا يصب فى معنى قريب من مقالك
Quote: متلازمة السودنة: عندما يحجب الوهم شمس الحقيقة
عبدالله محمد ادم
كمبالا/ اول يوليو ٢٠٢٥

متلازمة ( السودنة) هل هي وهم التفرد وأزمة الاغتراب عن الواقع؟
في ضاحية من ضواحي " مدينة كمبالا" اليوغندية، بين أزيز الحياة الجديدة للاجئين سودانيين فروا من جحيم حرب أبريل ٢٠٢٣، حدثتني إحدى الأمهات بكلمات قلبت في نفسي تراب الذاكرة، فقد كنا في طريقنا الي مستشفي ( Mukono) ،حيث طلب مني صديق نقل ابنتها المتألمة بطلق الولادة إلى المستشفى، و في محاولة لتخفيف وطأة الغربة والوجع و كسر حاجز الصمت الذي خيم في سيارتي، سألتها عن الفرق بين السودان و يوغندا: الطقس، الخدمات، العمران، وطيبة الناس وهدوئهم. لم تتردد الام في الإجابة: "أي صح، بلدهم سمحة، بس لو ما السودانيين كانوا يلقوا القروش دي من وين عشان يبنوا بيها؟" كانت بالنسبة لي لحظة صادمة فبينما ستلد ابنتها في مستشفى يعمل، على أرض غريبة قدمت لها مرفقاً حيوياً غائباً في وطنها، لا مثيل له في عاصمتنا المدمرة،كان همها الأول هو التقليل من شأن مضيفيها، مستندة إلى وهم قديم متجذر: "تفرد السوداني"و"أفضليته". لقد اخترت الصمت وقتها، خوفاً من جرح كبرياء زائف، لكن السؤال الذي ظل يلح في داخلي: إلى متى نعيش هذا الوهم؟ ألم يحن وقت تشريح هذه الظاهرة السودنية ( متلازمة السودنة)؟
و معرفة أعراضها المتجذرة
فمتلازمة السودنة ليست مجرد نكتة ثقافية؛ إنها حالة جمعية عميقة الجذور، تظهر في أعراض متعددة، اولها وهم التفرد والأفضلية و الاعتقاد الراسخ بأن "السوداني أفضل شعب الله"، متفرد في الذكاء، الكرم، الأصالة، وحتى المظهر. هذه النظرة تجعل تقييم الآخرين مشوهاً، فتحول إيجابياتهم (كفاءة الخدمات في يوغندا مثلاً) إلى دليل على "حاجتهم" للسوداني وماله، لا على كفاءتهم هم ، و نسب تطور دولة الامارات مثلا الي كمال حمزة و بقية السودانيبن ، إنه انفصال خطير عن الواقع، يحول دون رؤية النماذج الناجحة واستخلاص الدروس.
و ثانيا انكفاء النخبة و احتكار المعرفة ،فالمتعلمون السودانيون، بدلاً من أن يكونوا شعلة تنوير وتغيير، غالباً ما ينغلقون في أبراج عاجية أو "نوادٍ خاصة" حيث تجتمع النخب في مؤتمرات فاخرة ومنتديات مغلقة "تنقش" فيها المعلومات، لكنها قلما تتسرب إلى الشارع أو الريف، فمهندسو الزراعة لا يمدون يد الخبرة للمزارع البسيط، والأطباء لا ينظمون قوافل التوعية الصحية الواسعة، الي حيث الحوجة اليها والأكاديميون يكتبون لأقرانهم فقط، ظاهرة تجعل المعرفة سلعة محتكرة، لا حقلاً للبذار والتطوير المجتمعي.
و ثالثا تبديد الطاقات والمواهب في دوامات بيروقراطية فارغة و هذا هو المأساة المضاعفة، شاب يبذل الغالي والرخيص ليحصل على أعلى الدرجات في الهندسة أو الطب أو الإدارة، في امريكا و اوربا ليجد نفسه عند العودة محاصَراً في متاهة بيروقراطية قاتلة، طاولة مكتب، وأقلام بألوان مختلفة، للتوقيع على خطابات تصديق الوقود و تحربك سيارات المؤسسة، فالعقول اللامعة تُحشر في وظائف "Desk Oriented"، مهمتها التوقيع والروتين، لا الابتكار والإنتاج، ففي السودان طاقات هائلة تتبخر في فراغ المؤسسات الفاشلة، بينما يظل الوهم سائداً بأن "السوداني متفوق"و الثمن اغتراب عن الواقع وتأخر تاريخي ،هو ثمن هذه المتلازمة الباهظ ،فهي تعمّق الاغتراب و تجعل السوداني غير قادر على رؤية عيوب وطنه بوضوح، أو تقييم تجارب الآخرين بموضوعية و تقاوم التغيير، فمن يعتقد أنه الأفضل لا يرى حاجة للإصلاح أو التطوير و هذه الظاهرة تهدر الطاقات و تحبس العقول والكفاءات في سجون الوهم والروتين بدلاً من توظيفها في البناء
فمتلازمة السودنة هي التي تغذي الصراع،لان الشعور بالتفرد المطلق يجعل قبول الآخر أو التعايش مع المختلف، داخل السودان نفسه، أمراً معقداً.
و هنا السؤال كيف نتعافى؟ اعتقد ان الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوات العلاج،فنحن السودانيون نحتاج إلى جرأة في نقد الذات، لتفكيك أسطورة "التفرد" و الأفضلية المطلقة و الاعتراف بأن لدينا مشاكل عميقة وأن الآخرين قد يفوقوننا في جوانب كثيرة، و هذا ليس نقصاً بل بداية القوة،و علينا تكريس ثقافة العطاء المجتمعي و على النخبة العلمية والمهنية أن تخرج من عزلتها ،فنقل المعرفة والتطوع لخدمة المجتمع ليس ترفاً، بل واجب وطني وضرورة للبقاء، المؤتمرات يجب أن تتحول إلى خطط عمل، والمعرفة يجب أن تصل إلى القرى والمناطق المهمشة،و بذلك يمكن إعادة هيكلة المؤسسات لتحرير الطاقات من سجن البيروقراطية و خلق بيئات تشجع الابتكار والإنتاجية، وتوظف الكفاءات في مواقع صنع القرار الحقيقي والتنفيذ الميداني، لا في التوقيع على الأوراق فقط.
النزوح قد اتاح للناس فرصة الانفتاح على العالم و دراسة تجارب الدول التي نجحت، خاصة في إفريقيا،فعلينا دون غرور أو تعالٍ الاستفادة منها بموضوعية وتكيفها مع واقعنا
مشوار مستشفي Mukono, كان صفعة واقع, فكلمات تلك الأم اللاجئة، رغم مرارتها، كانت مرآة كشفت وطناً يعيش على أمجاد واهية بينما تنهار أسس حياته ، و "متلازمة السودنة" ليست قدراً محتوماً، لكن الخروج منها يتطلب شجاعة مواجهة الذات الجماعية، والتخلي عن الكبرياء الزائف، والبدء في البناء من الصفر، بعقول متواضعة وقلوب عاملة وأيادٍ تمتد بالخير لا بالادعاء، فالشعوب التي تنتصر هي التي تتعلم من أخطائها، لا التي تتوارى خلف أوهام تفردها بينما ينهار العالم من حولها، فالنيل يجري، والشمس تشرق، والسؤال يظل قائماً: إلى متى هذا الوهم باننا الافضل من غيرنا؟

Post: #3
Title: Re: السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى ش�
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-01-2025, 10:43 PM
Parent: #2


أخي محجوب عبدالله
السلام عليكم ورحمة الله،
في البداية اشكرك شكرا جزيلاً على مشاركتك بهذا المقال القيم الذي كتبه عبدالله محمد أدم و يتناول فيه قضية جوهرية تتعلق بواقع السودان السياسي والاجتماعي.
أقدّر عُمق التحليل ووضوح الرؤية في نقد خطاب “القيمة المتخيلة” وأهمية الفعل السياسي الجاد لبناء مؤسسات الدولة واستعادة احترامها.
أود أن أوضح أن مقالي الذي نشرته يحمل توجهًا مختلفًا من حيث التركيز، لكنه يتقاطع معه في الإيمان بأن الخطابات الوطنية الثقافية وحدها لا تكفي
لحل الأزمة السودانية.
ومع ذلك، يختلف مقالي في بعض المحاور التي تتناول أيضًا دور الثقافة والفكر في تشكيل وعي المواطن السوداني وإمكانية
توظيفها كرافعة للتغيير السياسي والاجتماعي.
أرى أن ما تفضلتم به يشكل إضافة مهمة للنقاش، خاصة في التأكيد على ضرورة بناء تحالفات مجتمعية حقيقية وتفعيل القوى المدنية ومؤسسات الدولة.
أتمنى أن تتسع مساحة الحوار لتشمل تنوع الرؤى والخبرات، فالسودان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى نقاش شامل وبنّاء يجمع بين الواقع السياسي
العملي وأبعاد الوعي الثقافي والاجتماعي.
شكراً مرة أخرى، وأرحب بأي فرصة لمزيد من التبادل الفكري معكم.
مع خالص التحية والتقدير.