اللغة الخشبية المنبطحة للإلحاد ليست اعتذارًا، سادتي
في خضم الجدل الذي أثارته فقرة العرض الفني خلال حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، كان الرد الرسمي من منظمي الحفل مثيرًا للجدل بحد ذاته. ففي محاولة لتهدئة الانتقادات المتزايدة، اعتذر المنظمون لأي شخص شعر بالإهانة من العرض، الذي استحضر لوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دافنشي بصورة غير تقليدية تضمنت منسقة الأغاني باربرا بوتش محاطة بفنانين وراقصين متحولين.
هذا العرض أثار غضب المحافظين الدينيين من مختلف أنحاء العالم، حيث اعتبر مؤتمر أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية أن المشهد يسخر من المسيحية، بينما وصفت الطائفة الأنجليكانية في مصر الحفل بأنه قد يفقد اللجنة الأولمبية الدولية هويتها الرياضية المميزة.
لكن ما يثير الدهشة حقًا هو استخدام لغة تُظهر نوعًا من الانبطاح للإلحاد وفوضوية الفكر. جاء في بيان الاعتذار: "لدينا الحق في حب من نريد، ولدينا الحق في ألا نكون من المصلين". هذه العبارة، التي بدت كأنها تنزع إلى تبرير أي تصرف مهما كان مستفزًا للمعتقدات الدينية، تُظهر بشكل واضح مدى الفوضوية في التوجه الفكري للمنظمين.
تفسير العبارة العبارة تعكس روحًا من الحرية المطلقة التي تتجاوز حدود الاحترام المتبادل بين مختلف الفئات والمعتقدات. فحين يقول المنظمون "لدينا الحق في حب من نريد، ولدينا الحق في ألا نكون من المصلين"، فإنهم يؤكدون على حرية شخصية تبدو غير مقيَّدة بأي ضوابط اجتماعية أو دينية، متجاهلين أن الحرية لا تعني تجاوز حدود الاحترام والإساءة لمشاعر الآخرين.
هذا التوجه يعكس فوضوية فكرية تتمثل في استخدام مبدأ الحرية بشكل متطرف، حيث تصبح الحرية ذريعة لتبرير كل شيء، حتى وإن كان ذلك على حساب الاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات المختلفة.
تبرير غير مقنع إن محاولة توماس جولي، المدير الفني للحفل، لتبرير العرض بأنه احتفال بالتنوع والإشادة بالولائم وفن الطهي الفرنسي، لم تكن مقنعة للجميع. فقد أكد جولي أنه لم يكن يسعى للسخرية أو الصدمة، بل لبعث رسالة حب واندماج، وهو ما يتناقض مع ردود الفعل الغاضبة من مختلف الجهات الدينية. إن الادعاء بأن المشهد لم يكن مستوحى من "العشاء الأخير" بل من ديونيسوس، إله الاحتفال والخمر، لا يلغي حقيقة أن العرض كان مستفزًا لمشاعر الكثيرين.
قيم الرياضة والتعايش ومن المهم ألا ننسى أن من أهم قيم الرياضة الأخلاق والإيمان بالتعايش بين جميع الشعوب دون تسييس أو إهانة لدين أو معتقد فكري. لقد انحدرت اللجنة الأولمبية الفرنسية بالفعل إلى درك عجيب من الفوضوية المعاصرة، حيث تخلت عن هذه القيم الأساسية. الرياضة كانت دائمًا وسيلة للتواصل بين الثقافات وتعزيز السلام والاحترام المتبادل، وليس لزرع الفتن وإثارة النزاعات.
في النهاية، يظهر أن اللغة المستخدمة في بيان الاعتذار لم تنجح في تهدئة الأوضاع، بل على العكس، أظهرت نوعًا من الفوضوية الفكرية والانبطاح للإلحاد، بعيدًا عن فكرة الحياة الأشمل والأكثر حرية. الاعتذار الحقيقي يجب أن يعكس احترامًا حقيقيًا لمشاعر الآخرين وتقديرًا للتنوع الثقافي والديني بشكل يضمن التعايش السلمي، وليس التذرع بالحرية المطلقة لتبرير أي تصرف يثير الفتنة والانقسام. يجب أن تتذكر اللجنة الأولمبية الفرنسية أن قيم الرياضة تتطلب احترام الجميع والعمل على تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة