|
Re: للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة an (Re: Moutassim Elharith)
|
بين الثورة والسكين جنجويد! (5) بدلا من البحث عن حلول لأزمة الجفاف جاءت الدولة بمشروع غريب وهو الأسلمة والتعريب ورفعت شعارات تسعى لمحو ثقافات الآخرين وفرض استعرابهم بالقوة. الأربعاء 14 يونيو 2023
يوسف عزت المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع
صحيفة العرب اللندنية رابط النشر: https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-5https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-5
من هم الجنجويد: لم يكن لعرب دارفور مشكلة مع جيرانهم ومع أهل دارفور عامة وعاشوا منذ مجيئهم من شمال أفريقيا كبدو ضمن النسيج الاجتماعي للمنطقة، يمارسون حياتهم البدوية حيث ينشقون خريفاً إلى ما بعد وادي الهور ويلتقون هناك بالمرحال الصبحاني القادم من شمال كردفان ويعودون في الصيف إلى الصعيد في رحلة معروفة، ولديهم مسارات مفتوحة تمر بكل الحواكير ولهم علاقات مع كل القرى التي يمرون بها ومواسم نزولهم من دار الريح تكون بمواقيت معلومة مرتبطة بما يعرف بالطليق، وهو ما بعد الحصاد. وكانوا جزءا من سلطنة دارفور لسبعة قرون عاشوها في سلام وأمان وتسامح، تزوجوا من كل الأسر واحتفظوا بثقافتهم العربية البدوية وبرقصاتهم وأشعارهم وسباقات هجنهم، لا يستعلون على شخص ولا ينظرون إلى عروبتهم على أنها ميزة فوق الآخرين، متسامحين مع ذواتهم ويخضعون لسلطة السلطان الذي هو من الفور ولأي إدارة أهلية يمرون بها في ترحالهم وفق أعراف موروثة.
الجفاف والتصحر اللذان شهدتهما المنطقة في بداية ثمانينات القرن الماضي تسببا في نشوب خلافات عادية بين الراعي والمزارع لأن مساحات الرعي ضاقت. ولكن الأمر الذي يعتبر غير عادي هنا هو انشغال السلطة عن الأزمة وبدلا من البحث عن حلول جاءت الدولة بمشروع غريب وهو الأسلمة والتعريب ورفعت شعارات تسعى لمحو ثقافات الآخرين وفرض الاستعراب بالقوة فكان من الطبيعي أن يقاوم الناس ذلك المشروع، فأهل دارفور مسلمون قبل انضمامهم إلى السودان واللغة العربية هي اللغة الرسمية لسلطنة دارفور منذ نشأتها، فما هو الإسلام الجديد والعروبة اللذان تريد سلطة الخرطوم فرضهما على الناس؟
بدأت الحروب ولجأت الدولة إلى هذا المخزون البدوي الأكثر تهميشاً لاستغلاله في مواجهة المكونات التي تعايشنا معها لقرون وفي المقابل أخطأت حركات المقاومة المركزية عندما استثنت المكون العربي البدوي الأفريقي؛ فالعرب في أفريقيا هم أفارقة مثلهم مثل المكونات الأفريقية الأخرى. وكان جوهر الموضوع هو بناء دولة التعدد، وأفريقيا عموما ودارفور التعدد فيهما واقع وكان مستوعباً في نظام السلطنة، إلا أن حركات المقاومة تبنت شعارات أفريقيانية متطرفة في بداية انطلاقها كرد فعل على برنامج السلطة الإسلامي العروبي المتطرف هو الآخر.
السلطة هي التي جيشت وصرفت المليارات وكان عوض ابن عوف الذي أصبح لاحقاً رئيسا ليوم واحد حينئذ قائدا للاستخبارات في القوات المسلحة وهو المشرف على القيادة بينما الاستقطاب متروك لموسى هلال مقابل المال على كل رأس. أدخلوا في رؤوس هؤلاء البدو البسطاء فكرة أنهم جزء من الدولة العربية ولا بد من حمايتها من المد الأفريقياني، وهكذا ربطوا البدو البعيدين كل البعد عن الدولة وحمايتها بمشروع أحرق البلاد وخلق شرخاً سيتطلب من أهل دارفور قضاء عقود في إصلاحه.
معظم الكتاب ينظرون إلى الصراع في دارفور على أنه قبلي ويتحاشون ذكر دور الدولة والجيش في تحويل الصراعات البسيطة إلى صراعات مركّبة، وحتى كتاب سليمان حامد القيادي الشيوعي الذي صدر في بداية حرب دارفور والمعنون بـ”دارفور، وضع النقاط على الحروف” كان “فضيحة” وكشف لي مدى عدم معرفة الصفوة بالسودان وبدارفور حيث بدا عبارة عن منشور ليس فيه أي حرف مفيد دعك من النقاط! وأذكر أني ناقشت العم التجاني الطيب له الرحمة حول جهل سليمان حامد بدارفور وهو في قيادة الحزب الشيوعي، قال لي “لا سليمان وصل إلى حد نيالا بنفسه!” وذلك كشف لي أن حتى التجاني يرى أن الوصول إلى نيالا كاف لأن يفهم الشخص دارفور وتعقيداتها.
مشروع الجبهة الإسلامية وهي في السلطة لا يختلف عن المشاريع التي قبلها، الفرق أن الجبهة الإسلامية كانت واضحة ولا تغلف مشروعها بعبارات منمقة بل فرضته بقوة السلاح، سلاح الجيش ذاته الذي استخدمته جميع السلطات المتعاقبة. قبل الجبهة الإسلامية كنا مجرد مخزن للأصوات لحزب الأمة الذي يتشدق قياديوه، ومن بينهم مبارك الفاضل، بأنه مازالت لديه عضوية داخل الدعم السريع تمده بالمعلومات وتؤكد له موت حميدتي! مبارك الذي عليه إزالة اسم المهدي من اسمه، لأننا نحن أولاد أنصار ونحترم المهدي الإمام لأن أهلنا كانوا يقدسونه، لا أظن أن له ذكرا في ألسنة هؤلاء الشباب ولا مستقبل له في دارفور، فحينما كانت الطائرات التي تضرب شباب الدعم السريع منذ 15 أبريل حتى كتابة هذا المقال تدك قرى دارفور، كان مبارك ربيباً للبشير وعوض الجاز ويبحث عن الاستوزار والمال وهو الذي لم ينتصر في أي معركة من أجل الشعب السوداني منذ صباه حتى كهولته الراهنة، ولا يحمل مشروعاً سياسياً غير مصالحه مستقلا اسم المهدي كعلامة للبزنس السياسي.
إن استخدام هؤلاء البدو كأدوات ورميهم غير ممكنيْن مرة أخرى، هم وخلفهم بواديهم وقراهم في الصعيد وفي سنار والنيل الأزرق وجبال الشرق سيكونون جزءاً من مستقبل هذه البلاد إذا قدر لها ألّا تنهار، وعلى الجميع أن يتقبلوا هذه الحقيقة مهما كانت مرة ومزعجة لأن هذا هو الواقع فهم ليسوا “مقطوعين من شجرة” ويمثلون حواضن أكثر عددا من غيرهم ولا يخشون الخيار الديمقراطي الذي بالتأكيد سيفرز أيضا سلطة مختلفة لأن أي ديمقراطية قادمة سيخوضونها أصالة ويطرحون برنامجهم ويتحالفون مع من يلتقي معهم من النادي القديم أو القوى الجديدة، وليست هنالك أصوات يأتي بها مبارك الفاضل أو غيره مرة أخرى للسلطة محمولاً إلى كراسي الوزارات على أكتاف قواعدهم، فقد انتهى ذلك الزمن.
ختاماً هذه كتابة، أو تداعٍ، وستتبعها كتابة أخرى إذا توفر الوقت عما جرى ويجري وسأكتب كفاعل في الأحداث وممثل لقائد قوات الدعم السريع في العملية السياسية منذ أن بدأت بالاجتماعات الخاصة حتى وصولنا إلى الحرب يوم 15 أبريل، وتلك كتابة توثيقية ربما تكون أكثر دقة من هذه، ومع كل أصوات الرصاص نقول إن ثمة حلما بوطن على الذين يؤمنون به ألا تخذلهم الجغرافيا أو محاولات الحفاظ على الدولة القديمة، والحرب سيئة وليست خياراً ولكن يمكن تحويل مأساتها إلى بناء مستقبل، وأمامنا رواندا أقرب نموذج خرجت من الإبادة لتكون من أقوى الدول في المنطقة فلماذا لا نصنع نحن تاريخا جديدا لبلادنا؟
|
|
![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/icon_edit.gif)
|
|
|
|
|
|
|