الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-24-2024, 05:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-17-2023, 08:38 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10937

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق (Re: محمد عبد الله الحسين)

    Mohammad Alhussien

    10:22 ص ‎(قبل 6 دقائق)‎


    كتب الأستاذ محمد جلال هاشم:
    مرة أخرى حول فوبيا الكيزان وإفسادهم لمؤسسات الدولة:
    بين قبول ابن عنان في كلية الشرطة نموذجا وبين كيزانية الجيش

    د. محمد جلال أحمد هاشم
    الخرطوم - 16 مايو 2023م

    تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة لشهادة السودانية تخص ابن الفريق شرطة عنان، وكيف أن الأخير عمل على إلحاقه بكلية الشرطة بالرغم من أن ابنه لم يستوف شروط القبول في كلية الشرطة بسبب الرسوب في الشهادة السودانية (حسب صورة الشهادة التي أورتها تلك المواقع). دون الخوض فيما إذا كانت الشهادة أصلية authentic أم لا، سوف ننطلق من فرضية أنها أصلية لفائدة النقاش. وسبب فرضيتنا هذه هو أن مثل هذا الفساد الزاخم هو مما أُثر عن الكيزان في إدارتهم لمؤسسات الدولة طيلة فترة حكمهم، حتى بعد انقضاء أجل الإنقاذ (1) وصولا إلى ما أسميناه بنظام الإنقاذ (4)، وهي الفترة التي نعيشها الآن. وسبب المناقشة هذه التي نديرها الآن هو المساهمة في رفع الوعي للتمييز بين طبيعة الفساد corruption كأداء performance من خلال مؤسسات الدولة، وما بين التقويض undermining لمؤسسات الدولة نفسها؛ فطبيعة الأول، كما أشرنا، أدائية performative (ما يعني إمكانية إصلاحه - بفصل ابن عنان ومعاقبة عنان نفسه)، هذا بينما طبيعة الثاني بنيوية structural (ما يعني الصعوبة البالغة في إصلاحه). دعونا نضرب مثلا حيا: مركز البحوث الصناعية في شمالي الخرطوم بحري: (أ) احتله الجنجويد واختبأوا بداخله دون حرقه وتدميره (هذا أداء غير قانوني وبمجرد ما يتم إخلاؤهم منه، سوف يعود المركز لممارسة مهامه)؛ (ب) احتله الجنجويد وقاموا بتدميره وحرقه تماما (هذا أداء غير قانوني + تدمير بنيوي وتقويض للمؤسسة، وبالتالي لا يمكن للمركز أن يعاود عمله حتى لو انتهت الحرب، ما يعني ضرورة إعادة بناء هذا المركز). بهذا يمكن أن نخلص إلى أن الفرق بين أدائية (أ) من جانب، وبين أدائية وبنيوية (ب) قد أصبحت واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
    ***
    بالعودة إلى ما قام به الفريق عنان، يمكننا أن نحكم عليه (بموجب ما نُسب إليه من قبول ابنه في كلية الشرطة دون أن يستوفي ابنه شروط القبول) أنه فساد أدائي، لم يستفحل بعد لأن يصبح فسادا أدائيا وبنيويا معا.
    ***
    وهذا هو الفرق بين ما فعله الكيزان (بصورة عامة) من فساد داخل القوات النظامية من جانب وبين عليه حال مليشيا الجنجويد من فساد وتقويض لمؤسسات الدولة من جانب آخر. فما يفعله عنان هنا هو إفساد أدائي لمؤسسة الشرطة، ولكنه لم يتمكن من أن يوظف ابنه في الشرطة دون المرور بالمؤسسية، وهي هنا كلية الشرطة. أما في حالة المليشيا (مليشيا الجنجويد كمثال)، فما كانوا سيفعلونه هو تعيينه ضابطا برتبة نقيب أو رائد، دون حاجة لأي شهادة، وبالطبع دون المرور عبر كلية الشرطة.
    ***
    هنا نحن بإزاء حالتين:
    الحالة الأولى هي الفساد من خلال مؤسسات الدولة، ما يستوجب الإصلاح، وهو مقدور عليه، ذلك لأنه فساد أدائي performative؛
    الحالة الثانية تنطوي على نفس الفساد في الحالة الأولى، ثم تزيد عليها وتتجاوزها لتقويض مؤسسات الدولة. وهذا إذا فعلا حدث، يجعل الإصلاح بدرجة من الصعوبة أقرب إلى المستحيل، ببساطة لأن التقويض أمر بنيوي structural. ومثل هذا التقويض من المؤكد أن ينتقل إلى باقي مؤسسات الدولة، ما يعني انهيار مؤسسة الدولة نفسها في خاتمة المطاف.
    ***
    هذا هو بالضبط الأمر الذي لم يفت على الوعي الثوري والثوار عندما حسموا هذا الأمر بشعاراتهم:
    *الثورة ثورة شعب.. والسلطة سلطة شعب.. والعسكر للثكنات.. والجنجويد ينحل!*
    ***
    وبالطبع، الفساد الأدائي إذا استفحل سوف ينتهي لأن يصبح تقويضا بنيويا للدولة؛ فالتراكم الكمي quantitative، يفضي إلى نقلة نوعية qualitative. وفي الحقِّ، فإن فساد الكيزان قد تجاوز في الكثير من مؤسسات الدولة الحالة الأدائية واستفحل ليدخل الحالة البنيوية. المثال الأوضح لهذا هو جهاز الأمن، فقد استوعبوا فيه غالب منسوبيهم بذات الطريقة الجنجويدية دون المرور بالمؤسسية. وكذلك فعلوا في بعض المؤسسات الأخرى. لكن يمكننا أن نقول بأن فسادهم انحصر بصورة أساسية في المرحلة الأدائية.
    ***
    دعونا نأخذ الأجهزة العدلية كمثال! جانبا عن تعيين أعضاء التنظيم بصورة أقرب إلى الحصرية، كان الكثير من القضاة ومنسوبي النيابة العامة ضباطا في جهاز الأمن، لكنهم جميعا كانوا من خريجي كليات القانون. فلو أنهم قاموا بتعيين شخص كقاضٍ وهو لا يحمل أي شهادة، فهذا فساد أدائي وتقويض بنيوي لمؤسسة القضاء. وفي الحقيقة هم لم يمتنعوا عن فعل ذلك بسبب إيمانهم بمراعاة المؤسسية، بل لأن حركة الكيزان في أصولها نشأت على طبقة الأفندية ناتجة التعليم النظامي غير الوطني. وعليه، فقد توافرت لديهم أعداد كبيرة في مختلف تخصصات التعليم العالي.
    ***
    جانب آخر في حرص الكيزان على عدم تفكيك الجيش السوداني هو حاجتهم الماسة وقتها لجيش قوي يحميهم من أي تدخل خارجي، وهم الذين توعدوا العالم، بمعسكريه الشرقي والغربي، بدنو عذابه على يدهم (أمريكا، روسيا، قد دنا عذابُها). ولكنهم كانوا في نفس الوقت أكثر حرصا على إحالة أي ضابط غير منسجم مع توجهاتهم الأيديولوجية وإقالته للمعاش، لكن ليس قبل الاستفادة من خبرته العسكرية الفنية في قيادة الجيش وهو لمّا يزل في زمرة صغار الضباط. وهكذا درجوا على الصبر دون إحالة الضباط المهنيين، غير العقائديين، إلى أن يبلغوا مرحلة الرتب العليا (من رائد فما فوق)، ما لم يذهب بهم الظن إلى أن الضابط له توجهات معادية لهم، وعندها يحيلونه للمعاش ولو كان برتبة الملازم. وقد نجم عن هذا أمر في غاية التناقض، ألا وهو احتفاظهم بالجيش قويا متماسكا بحكم أن قوة الجيش الأساسية بنسبة 80% تعتمد على الجنود وصف الضباط والضباط الصغار وصولا إلى رتبة الرائد، وأحيانا رتبة المقدم. وكما يعلم الجميع، لم تكن قاعدة الجيش المشار إليها أعلاه مؤدلجة كيزانيا، ولا تزال بمنأى من هذه اللوثة. من الجانب الآخر، تمكنوا من اعتقال الجيش أيديولوجياً عبر طاقم القيادة السياسية العامة، ممثلاً في كبار الضباط.
    ***
    ثم مع اكتشاف البترول من جانب، واشتداد أُوار الحرب الأهلية خلال تسعينات القرن العشرين ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان وقوات التحالف السودانية، ثم مجمل قوات التجمع الديموقراطي، من الجانب الآخر، عزف الإسلاميون عن إرسال أبنائهم للجيش كيما يحاربوا (تُقرأ عندهم "يجاهدوا") في جبهات القتال، ذلك حتى لا يموتوا، ثم لتوفيرهم حتى ينعموا بجاه المال والبنين الذي أتاحه لهم اكتشاف البترول. فماذا فعل الكيزان تجاه خطابهم الجهادي الهوسي؟ لجأوا إلى إرسال أبناء ذوي القرابة المباشرين والبعيدين لينخرطوا في الجيش، حتى لو لم يكونوا من الكيزان، ذلك بزعم ضمانة من زكّوهم ورشّحوهم للكلية العسكرية. وقد زادت هذه الوتيرة بعد المفاصلة ما بين القصر والمنشية، ذلك عندما انبرى حسن الترابي وجرّد قتلاهم في جبهات القتال من شرف الشهادة، واصفا مِيتتهم بأنها كمِيتة "الفطائس"؛ هذا إلى جانب انقشاع غاشية الهوس الديني عن كثير من شبابهم الذين لم يقضوا نحبهم في جبهات القتال.
    ***
    وهكذا ما إن جاءت اتفاقية نيفاشا عام 2005م بين دولة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا وكان أغلب كبار ضباط الجيش ممن انخرطوا في الجندية كضباط إما (أ) يخفون عدم كوزنتهم تقيّةً، أو (ب) ممالأةً ونفاقا، بغية نيل الحظوة في الترقي إلى أعلى الرتب. وبالطبع، أغلب الذين وقعوا تحت المجموعة (أ) كان الكيزان يتخلصون منهم، غالبا، بعد بلوغهم رتب كبار الضباط (من رتبة الرائد فما فوق). وقد تمكن الكثير من ضباط المجموعة (أ) من بلوغ بعض الرتب العليا، لا لشيء إلا لغلبة العقيدة العسكرية الطاغية للجيش السوداني على ضباطه وصف ضباطه وجنوده، كونه أحد أقدم الجيوش في أفريقيا والعالم الثالث وأقواها (هذا دون أن نزعم بأن عقيدته القتالية وطنية). فحتى الكثير من الضباط المنظمين من الكيزان، وفي ظل فشل مشروعهم الأيديولوجي أمام أعينهم، غلبت عليهم وطغت هذه العقيدة العسكرية للجيش السوداني. وهذا الأمر تناولناه بشيء من التفصيل، مع إيراد بعض الأسماء، في مقالات لنا سابقة، فلتُراجع في مظانِّها.
    ***
    ما قلناه أعلاه استقيناه من بعض أميز ضباط الجيش السوداني ممن فُصلوا سياسيا وتعسفيا من قبل نظام الإنقاذ. وهؤلاء شهادتهم غير مجروحة ولا يمكن اتهامهم بممالأة الكيزان.
    ***
    إذن، وعليه، يُفهم من كلامنا هذا أن الكيزان لم يتمكنوا من أن يسيطروا على الجيش، من قاعدة هرمه إلى أعلى قيادته، وإن كانوا قد سيطروا تماما على أعلى الهرم وهم كبار الضباط (حوالي 20% من قوة الجيش). وإنما لهذا جيّشوا المدنيين فيما يعرف بالمجاهدين والدفاع الشعبي؛ ثم لمّا لم يُجدِ كل هذا، لجأوا إلى ابتناء مليشيات الجنجويد ولو على أساس إثني، ولو استجلبوهم من خارج السودان، بالضبط مثل مليشيا الجنجويد الحالية التي تحمل اسم "الدلع" (قوات الدعم السريع).
    فبالمنطق، إذا كان الكيزان قد تمكنوا تماما من تحويل الجيش السوداني إلى مجرد مليشيا تأتمر بأمرهم، لماذا قاموا بابتناء مليشيات أخرى أشد ضعفا وأقل عددا وعتادا من الجيش الذي نجحوا في تحويله إلى مليشيا؟ وهنا لا نريد أن نخوض في "غلوتية" ما إذا كان الجيش السوداني مجرد مليشيا، أم هو جيش نظامي ولو افتقد للعقيدة القتالية الوطنية. فهذا قد سوّدنا فيه من الصحائف وملأنا به فضاء الأسافير ما وسعنا ذلك، فلتُراجَع في مظانّه. ولكنا، هنا، ومن نافلة القول، نذكر الغافلين، دون المغفلين، بأن الحكم وتحديد ما إذا كانت قوة عسكرية بعينها جيشا نظاميا أم مليشيا، ليس مما يُحمل على أنه رأي، بل هو مما يُحمل على أنه معلومة فنية تقضي بها العلوم العسكرية، لا المزاج، أو حكم الهوى، أو الغبن.
    ***
    والآن نختصر هذه المسألة بطريقة عملية، ذلك بإيرادنا لمقتبسات من أقوال لبعض قادة نظام الإنقاذ فيما يتعلق بموقفهم من الجيش في مقابلة مليشيا الجنجويد.
    ***
    جاء عن نافع علي نافع (بصفحته بتاريخ 19 مايو 2014م) قولُه النُّكر، تعليقا منه على قولٍ نُكرٍ آخر لقائد مليشيا الجنجويد، ما يلي [تحرير النص ترقيميا من عندنا دون التصرف فيه]:
    "العميد حمدتي، قائد قوات الدعم السريع التي انتقدها الصادق المهدي، خاطب قواته أمس القريب بالآتي: 'زي ما قلت ليكم البلد دي بلفها عندنا نحن أسياد الربط والحل. مافي ود مرة يفك لسانو فوقنا! مش قاعدين في الضل ونحن فازعين الحرّاية؟ نقول اقبضوا الصادق، يقبضوا الصادق؛ فكّوا الصادق، إفكّوا الصادق. زول ما بكاتل، ما عنده راي. أي زول يعمل مجمجة، ياهدي النقعة والذخيرة تورّي وشّها. نحن الحكومة، ويوم الحكومة تسوّي ليها جيش، بعد داك تكلمنا. ارموا قدّام بس!' ومن هنا أبعث التحايا للأخ حمدتي وبقول ليهو أرمي قدّام".
    فانظروا كيف تكلم قائد مليشيا الجنجويد بازدراء وجهل فظيعين عن الجيش السوداني، ثم كيف سُرّ نافع علي نافع بما قاله حميدتي، ثم لم يملك نفسه عن أن يأتي بالاقتباس كاملا لتلك القولة النكراء في حق الجيش السوداني، كما لو كان يتلمّظ شفاهَه متعةً وتشفياً في الجيش. فهل يُعقل أن نافع علي نافع قد أقدم على فِعلته النكراء هذه بحق الجيش إذا كان هذا الجيش هو فعلا جيش كيزان قد تمكنوا من السيطرة عليه لدرجة تحويله إلى مجرد مليشيا كيزانية تابعة لهم؟
    ***
    ثم في اليوم الذي يليه، جاء عن نافع علي نافع (على صفحته بتاريخ 20 مايو 2014م) حبقةٌ نكراء أخرى عن الجيش، دامغا له بالفشل في قدراته:
    "ذكرنا مرارا وتكرارا عبر هذه الصفحة ووسائل الإعلام المختلفة أن الجيش السوداني أرهقته الحروب منذ الجنوب مرورا بالشرق ثم دارفور وأخيرا جنوب كردفان وغيرها من مناطق السودان وأصبح عاجزا في الدفاع عن الدين والأرض. لذا جندنا رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله والجهاد في سبيله والزود عن حمى الدين والدولة."
    ***
    فهل كان يمكن لهذا الكوز الكبير أن يدمغ الجيش السوداني بالفشل إذا كان هذا الجيش بالفعل قد خضع تماما للكيزان وأصبح مجرد مليشيا تتبع له؟
    ***
    وفي الحقِّ ما فشل الجيش السوداني في شيء بمثلما نجح في عدم انتصاره على الحركات المسلحة التي نهضت على أكتاف قضايا مشروعة تتعلق بالتهميش والظلم الاجتماعي والسياسي والتنموي. فهذه الحركات تقف وراءها حواضن اجتماعية شفّها الظلم الطويل. هذا من جانب، من الجانب الآخر لم يتمكن الجيش السوداني من دحر هذه الحركات لأن الجيوش في أصل قوتها المحاربة ليست كبار الضباط، بل هي صغار الضباط بالدرجة الثانية، ثم ضباط الصف والجنود بالدرجة الأولى. وكلنا يعلم - كما وردت إلى ذلك الإشارة - أن قوة الجيش السوداني، وفق هذه الدرجة الأولى، إنما ينتمي في غالبيته العظمى لنفس القطاعات الاجتماعية التي تخدم كحواضن لحركات الكفاح المسلح.
    ***
    ثم بعد هذا نستشهد بأنكر مناكير مواقف الكيزان من الجيش، ممثلةً في رئيس دولتهم، الرئيس المخلوع عمر البشير الذي قال بلغ به خوفُه من نفس هذا الجيش حدّ أن يقول في احتفالات تخريج إحدى دفعات مليشيا الجنجويد بالخرطوم بتاريخ 13 مايو 2017م، ما معناه: "تكوين قوات الدعم السريع أفضل قرار اتخذته في حياتي“، متباهيا أن يكون هناك رئيس دولة يملك قوة كمليشيا الدعم السريع (وهي نفسها المليشيا التي طعنته في ظهره طعنةً نجلاء بعد قوله هذا بعامين فقط، فتصوروا!
    ***
    وفعلا ليس بعد الكفر ذنب!
    ***
    فهل يقول مثل هذا القول النُّكر رئيس دولة ومشير في الجيش قد تخرج في ذات الكلية العسكرية الخاصة بهذا الجيش، وبوصفه رأس هرم دولة الكيزان، ذلك إذا كان الكيزان فعلا قد سيطروا سيطرةً تامّةً على هذا الجيش لدرجة تحويله إلى مجرد مليشيا كيزانية تابعة لهم؟
    ***
    وبعد، فلا يظنّنّ أحدٌ من كسالى الفكر، من قبيل أفندية نظامنا التعليمي غير الوطني، ومن متعلمي جامعات الإنقاذ، مقطوعي “الطاري"، أنني إنما أزكّي هذا الجيش! فهؤلاء هم من غبِنوا، فما فطِنوا!
    ***
    هذا الجيش هو نفسه الجيش الذي قام بجريمة الاغتصاب الممنهج في أكثر من "تابت" في بلادنا المنكوبة؛ وهذا هو الجيش النظامي الثاني (بعد الجيش الأمريكي) في تاريخ الدولة الوطنية (بخلاف الجيوش المستعمِرة) الذي قتل من شعبه في حروب الجنوب ما لا يقل عن 2.5 مليون مواطن مدني، وكذلك قتل ما لا يقل عن 1.5 مليون مواطن مدني من شعبه في حروب جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، ثم قتل (بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عبر استعانته بمليشيات الجنجويد) ما لا يقل عن مليون مواطن مدني في حروب دارفور. هذا الرقم المليوني (5 مليون مواطن قتيل) هو حصيلة ما تمكن هذا الجيش من قتلهم خلال 68 عاما فقط (1955م - 2023م)! هذا دون أن نذكر شيئا عن الحرق الممنهج للقرى والتنزيح القسري (الآن لدينا 3 مليون نازح داخل دارفور وكذلك 3 مليون لاجئ في تشاد).
    ثم هذا هو الجيش الذي احتمى به شعبُه في عام 2019م وافترش الأرض في حَرَمات قياداته العامة بطول البلاد وعرضها، ثم أصبح عليهم صباح الثالث من يونيو من نفس العام، وهم صيامٌ، رُكّعا وسُجّدا، وقبل عيد الفطر بيوم، فإذا بالجنود، مليشياتٍ وجنجويدا، جيشا وشرطةً، يفتحون فيهم النارَ بدمٍ بارد، ثم ينتهكون الأعراض ذُكرانا وإناثا، ثم لم يعرفوا للميت حرمةً، فرموهم في غِيابة النيل، موثوقين ومثقّلين بالأحجار. ثم عازتهم الشجاعة عن أن يعترفوا بوخيم فِعلتهم، فأنكروها ولجّوا في النكران ولا يزالون. فإذا كان الجيش هو الذي قتلهم، فهذا يطعن في وطنيته، وإذا كان آخرون قد قتلوهم، ثم وقف الجيش موقف المتفرج دون أن يقوم بواجبه الأول (حماية الشعب)، فهذا أيضا يطعن في وطنيته.
    ***
    هذا الجيش أشد بأسا وسوءا مما يتصوره التطفيفيون الذين يركنون للاستنتاجات الكسولة. ليس هذا فحسب، بل الخشية، كل الخشية، أن يتجه هذا الجيش في الحرب الجارية الآن (كما هي عادته) إلى معاقبة المجموعات الثقافية المدنية بدارفور، تلك التي صدر منها مقاتلو مليشيا الجنجويد لتتكرر جرائم التطهير العرقي والإبادة والجرائم ضد الإنسانية بطريقة عكسية، وبوحشية، للمرة الثانية (بل الثالثة والرابعة والخامسة باستدبار تجربة الحروب الأهلية منذ ما قبل الاستقلال)، تزيد عن وحشيته في كل المرات السابقة.
    ***
    هذا هو موقفنا المعلن والموثق من هذا الجيش، فلا يُزايِدَنّ أحدٌ علينا! ثم إنه نفسه الجيش المراد إصلاحه بحسب الموقف الثوري المعلن من قبل الثوار.
    ***
    فلو أن هذا الجيش كان فعلا مجرد مليشيا كيزانية، لكان ذلك رحمةً من رب العالمين. إلا أن هذا الجيش في حقيقته، ومن حيث التحديات الماثلة بخصوص إصلاحه أدائيا وبنيويا، أخطر بكثير مما لو كان مجرد مليشيا كيزانية. وما كل هذا إلا بسبب قدمه وعراقته التي سبقت تشكل الدولة الوطنية الحديثة في السودان. فليت أفندية بلادي وأنصاف متعلميها وأشباه مثقفيها يعرفون هذا، هؤلاء الذين طال عليهم عهد الكيزان واستطال وهم كأشد ما يكونون معارضةً لها، فإذا بهم قد تماهوا في الكيزان تماما لشديد اغتبانهم منهم. وهذا ما وسمناه بالغبن المُذْهِب للفطنة والذكاء، والمغتَبِن غير فطِن!
    ***
    من المؤكد أن الفساد الأدائي لنظام الإنقاذ والكيزان قد لعب دورا كبيرا في إضعاف القدرات القتالية للجيش السوداني، والحرب الجارية تشهد بهذا، لكنها قطعا لم تقضِ عليه ولم تتحول إلى إفساد أدائي وبنيوي معا. وفي الحقِّ، فإن الجيش السوداني، ومن خلال أدائه في هذه الحرب، هو أكثر قطاعات الشعب إدراكا لما حاق به من وخيم عاقبة حكم الكيزان وسياساتهم تجاهه. واليوم، يتوجب على هذا الجيش أن يعلم تماما أن التفاف الشعب حوله ليست تسليما له، ولن يمر بلا ثمن يتمثل في نزوله إلى إرادة الله والشعب، ذلك بأن يعود إلى الثكنات بمجرد تشكيل حكومة مدنية قاعدتها المجلس التشريعي الثوري بأغلبية مطلقة من شباب لجان المقاومة غير الحزبيين، ثم حكومة شبابية يختارها المجلس التشريعي.
    ***
    ثم بعد هذا الاستطراد نعود بأُخرةٍ إلى مسألة فساد الكيزان ما بين أدائيته من بنيويته!
    ***
    الحقيقة الماثلة للعيان، ربما دون أن يلحظها المصابون بفوبيا الكيزان، هي أن غالب فسادهم في مؤسسات الدولة المختلفة كان أدائيا، أكثر منه بنيويا، هذا لهشاشتهم الفكرية والتنظيمية. وليس أدل على ذلك من حقيقة أنهم انشغلوا بالفساد الخام crude corruption، نهبا للمال العام والتعامل مع مؤسسات الدولة بوصفها فيئا أفاءه اللهُ لهم [كذا]، وبذلك أضافوا إلى موبقاتهم نوعا من الفساد خصّهم به اللهُ وحدهم ابتلاءً لهم، ألا وهو الفساد الوقح rude corruption. فقد تباروا في نهب المال العام، ثم مشوا بين الناس بعين قوية، وبدون اختشا، وهم يتبسمون في وجوه الناس ببلاهة؛ فهم يعلمون أنهم مجرد لصوص، والناس كذلك يعلمون أنهم مجرد لصوص؛ وهم يعلمون أن الناس يعلمون ذلك؛ والناس يعلمون أن الكيزان يعلمون بما هم عليه. والمثل يقول: إذا لم تسْتحِ، فافعل ما تشاء!
    كل هذا لم يفت على الوعي الثوري والثوار، ذلك عندما هتفوا: *سلمية.. سلمية.. ضد الحرامية!* ولقد كانت فعلا دولة "حرامية"، وليست دولة أي مشروع.
    ***
    فلو كان للكيزان تنظيم يملك فعلا مشروعا حقيقيا، لكانوا قد قاموا بإحداث تغييرات هيكلية في بنية الدولة يستعصي معها سقوطهم. ولكان في مستوى أضعف الإيمان قد استعدوا فكريا ونظريا لتحديات الدولة الوطنية الحديثة التي تأسست بموجب اتفاقية ويستفاليا عام 1648م، أي قبل أربعة قرون. في هذه الدولة، هناك ثلاث حُرُمات بعدم صونها واحترامها وعدم انتهاكها، تنهار الدولة، وهي: أولا، قدسية الأرض التي يقع عليها مناط قيام الدولة نفسها؛ ثانيا، حرمة انتهاك حياة المواطن، كون الدولة الوطنية هي في جوهرها دولة مواطنة؛ ثالثا، المال العام، كونه مال الشعب، والدولة مؤتمنة عليه فقط. فانظروا كيف انتهكوا هذه الحرمات الثلاث دون أن يعلموا بأنها خُرُمات، ففرطوا في الأرض وقسموا البلاد، ثم قتلوا المواطنين (ولأتفه الأسباب حسبما اعترف بذلك الرئيس المخلوع في فيديو له مشهور)، ثم أكلوا المال العام، مال السحت حتى انتفخوا به من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ، فما بلغوا في ذلك الكفاية. ولنا أن نتخيل حركة سياسية في القرن العشرين متخلفة عن ركب الحضارة بأربعة قرون على أقل تقدير!
    ***
    ثم سقطت دولتُهم التي أمدّ اللهُ في طغيانها، فأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر. وقد تجلت قدرته عز وجل في الكلمة، وفي البدء كان الكلمة: *سلمية.. سلمية.. ضد الحرامية!*
    ***
    ثم بعد كل هذا بلغ بهم الغباء وتبلّد الحس حدَّ أن يحلموا باستعادة ملكهم حتى بعد أن سبقت كلمةُ الله عليهم. ولكن هيهات، هيهات، لا جنٌّ ولا سحَرة، بقادرين على أن يجعلوا التاريخَ يسير القهقرى!
    ***
    إن أخطر ما حاق بالكيزان هو حقيقة أنهم سقطوا في معيار القيم التي ادعوا أنهم يعملون على تنزيلها على أرض الواقع.
    ***
    ولكنهم ها هي دولتهم الأساسية (الإنقاذ [1]) قد سقطت بإرادة الشعب الغلابة، كونها من إرادة الله. وما كان في مقدور تناسخات دولتهم ممثلة في الإنقاذ (2)، وبعدها الإنقاذ (3)، والآن الإنقاذ (4)، أن يُبتلى بها الشعب لولا تحالف نخب دولة ما بعد الاستعمار ممثلةً في المؤسسة العسكرية، زعماء العشائر، زعماء الطوائف الدينية، وطبقة الأفندية (بيمينها ويسارها) التي لم تفارق فقط خط الثورة والثوار، ممثلا في الهتاف الخالد *مدنياااااااو*، فحمدكوها وشلّعوها القواحتة.
    ***
    ثم بعد كل هذا يأتي كسالى الأسافير والسياسة الذين اعتقلوا أنفسهم وحبسوها داخل زنزانة الكيزان الضيقة، ورِهاب الكيزان، ليرددوا كخراف *مزرعة الحيوان*: الجيش مليشيا كيزانية! هذه الحرب أشعلها الكيزان! هذه الحرب حرب بين جنرالين! هذه حرب عبثية! أوقفوا الحرب!
    هذا كما لو أن الحروب تنشأ بالتحريض دون ضرورة، وكما لو أن الحروب تقف بالتمنيات! ثم هناك من هم أسوأ، وهم الذين يريدون أن يرجعوا بعقارب الساعة للوراء، لتعود الأوضاع إلى ما قبل 15 أبريل وما يعني ذلك من شرعنة ثانية لمليشيا الجنجويد، وما دروا - ولن يدروا - أن هذا أقرب منه إلى التصديق بوجود العنقاء والخل الوفي.
    ***
    هذه الحرب وقعت لأنها حكم ضرورة لوجود قوتين عسكريتين متوازيتين ومستقلتين عن بعضهما البعض داخل المؤسسة التي لا تقبل بهذا أبدا، ألا وهي مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة. والكيزان هم المسئول الأول عن هذا، ثم بعده تأتي قيادة الجيش الحالية.
    ***
    هذه الحرب بين أن تكون لدينا مؤسسة الدولة الوطنية، هذي المليئة بالعيوب والمراد إصلاحها، وبين اللادولة والفوضى التي لا تُبقي ولا تذر!
    ***
    هذه الحرب هي ما بين المشروع الثوري المتجسد في الهتاف الذي تقرحت به حناجر الثوار في وعي وطني وثوري غير مسبوق: *الثورة ثورة شعب.. والسلطة سلطة شعب.. والعسكر للثكنات.. والجنجويد ينحل!*، عبر تسوية تاريخية غير مسبوقة في تجارب دول ما بعد الاستعمار، وما بين تدمير دولة ما بعد الاستعمار دون إحلال أي بديل آخر لها غير الفوضى!
    ***
    هذه الحرب تدور بين مشروعين متناقضين، لا يلتقيان: مشروع إعادة إعمار الدولة الوطنية reconstruction of national state، وبين المشروع العدمي nihilistic للدولة الوطنية.
    ***
    هذه الحرب ليست بين الجيش السوداني من جهة، وبين مليشيا الجنجويد من الجهة الأخرى. لا يا سادتي! هذه الحرب تدور بين الشعب السوداني بمختلف كياناته من جهة، وبين فوضى التتار وتدمير مؤسسة الدولة من الجهة الأخرى. ثم إنه الآن، في هذه الحرب، وبخلاف الأراضي المحررة التي يديرها الجيش الشعبي لتحرير السودان، لا يملك الشعب السوداني من قوة يمكن أن يهزم بها جحافل التتار القادمة من دول الجوار الغربي (وأيضا من داخله بكل أسف) غير هذا الجيش ليردَّ عنه غائلة الفوضى والقتل الجزافي واستباحة الأعراض، وتدمير المؤسسات!
    ***
    فمن لديه قوة عسكرية بديلة فليُسَمِّها أولا ثم فليأتِ بها بها ليهزم جحافل التتار الهمجية!
    ***

    د. محمد جلال هاشم

    الخرطوم - 16 مايو 2023






                  

العنوان الكاتب Date
الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق محمد عبد الله الحسين05-17-23, 08:34 AM
  Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق محمد عبد الله الحسين05-17-23, 08:37 AM
    Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق محمد عبد الله الحسين05-17-23, 08:38 AM
      Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق عبدالقادر محمد05-17-23, 09:46 AM
  Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق Hassan Farah05-17-23, 09:08 AM
    Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق محمد عبد الله الحسين05-17-23, 09:59 AM
      Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق bakri abdalla05-17-23, 11:51 AM
        Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق HAIDER ALZAIN05-17-23, 12:57 PM
          Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق امتثال عبدالله05-17-23, 01:58 PM
            Re: الجيش ما جيش كيزان: بالمنطق Ali Alkanzi05-17-23, 02:44 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de