حرب داحس والغبراء وفوضى المواقف والحواس . كتبت احلام مستغانمي روايتها المميزة واختارت لها اسم فوضى الحواس وهي الرواية التي تعالج من خلالها جدلية الهدم والبناء في منظومة العلاقات والتقاليد والسلوكيات ، لكن وبقراءة اخرى لابد ان ندرك اننا نعاني في منظومتنا المجتمعية ونخبتنا السياسية والعسكرية من تداعيات فوضى ضاربة في المواقف والمشاعر والحواس من الاحداث السياسية والاجتماعية والازمات التي نصنعها وهي فوضى تمتد الى المشاعر والحواس المشار اليها فتلغي في تصادمها العقلانية والموضوعية وتحيل القضايا الى حروب اشبه بحرب داحس والغبراء تحركها المشاعر والغرائز والمواقف الشخصية المتعنتة والعقد الجهوية والاجتماعية لا مكان فيها لصوت العقل او او صوت حكمة او حتى حسن ادارة الازمات. حرب برهان وحميدتي هي حرب رجلين اشبه بحرب فرسي رهان كداحس والغبراء فرسي رهان يتسابقان على السلطة والتسلط ومثلما دفعت قبيلتين الثمن على رهان داحس والغبراء دماءا وخرابا يدفع شعبنا اليوم ثمن رهان سباق برهان وحميدتي دماءا وخرابا دون ان يكون هناك مبرر لذلك الخراب وتلك الدماء غير طموحات جنرالين يرتديان احلاما واموالا واثوابا من الشعارات المضللة ويستخدمان كل قدرات ومقدرات دولة بكاملها بنيت بالمعاناة وشظف العيش وصبر الشاكرين لتحقيق احلامهما . للاسف ليس لدينا مؤسسات للبحث والتقصي لتحديد الخلل وكشف الحقائق ومحاسبة المخطيء بل لدينا منظومات للتضليل كل تغني على هواها وكل يرى غيره خائنا وعميلا ويرى نفسه وطنيا شريفا والحقيقة اننا نعيش فوضى حواس وموات لغرائز الانتماء وحب الوطن فحب القبيلة اكبر من حب الوطن والولاء للتنظيم السياسي اكبر من الولاء للوطن ومن يتولى منصبا او موقعا لا يفكر كيف يعمل على تطويره وتنميته بل يفكر كيف ينهبه ثقافة جسدها النظام السابق في سلوكيات قطاع واسع من المجتمع الذي اسره لثلاث عقود في خمارته الاسنة لذا لم يكن مستغربا ان المسلحين الذين نهبوا المصانع والمتاجر والمنازل في هذه الحرب اللعينة لم يكتفوا بنهبها بل قاموا بحرقها بغبن وحقد مثير للدهشة وهو ما يقتضي التوقف عنده طويلا لدراسة هذه الظاهرة الوافدة . السيد البرهان قام برعاية هذا المكون العسكري السريع الذي يقاتله اليوم فسمح لهم بالتجنيد الواسع والتسليح النوعي والاستقلالية في الموارد الاقتصادية على حساب الجيش الوطني وكان في هذا قصر نظر وسوء ادارة وهو المسوول الاول عن ذلك بحكم منصبه وهو ما يدفع الوطن ثمنه اليوم دماءا وخرابا وهذا يستوجب المساءلة . ايضا تعاملت القوى السياسية الناشطة مع هذا المكون العسكري السريع وهي تعلم ان وجود جيشين في وطن واحد مغامرة وكلا الفريقين البرهان والسياسيين يتحملون هذه المسؤلية مهما كانت المبررات والظروف التي اجبرتهم على التعامل مع هذا الواقع . لابد اذن من انهاء هذه الحرب وايجاد وسيلة سلمية لدمج جميع من يحمل السلاح داخل المنظومة العسكرية وتصنيف كل من يحمل سلاحا خارجها خارجا على القانون ويجب نزع سلاحه عنوة دون استرضاء . يجب ان ينصرف العسكريون الى مهامهم وقد كشفت هذه الحرب عن العديد من مواطن الخلل في منظومتنا الامنية وهو ما يقتضي وضع حد للتداخل بين المهام الاقتصادية والمهام الامنية فلسنا في حاجة الى جنرالات رجال اعمال ومدراء شركات ولكننا في حاجة الى قادة محترفين لجيش مهني قوي وموحد وهذا دورهم ومن اراد العمل الاقتصادي عليه التخلي عن بدلته العسكرية والانصراف الى مايريد امنا مطمئنا بجلبابه المدني . واخيرا نحن في حاجة الى اعلام مهني مستنير وقوى لتوحيد مشاعر السودانيين وترتيب فوضى حواسهم ومشاعرهم لتكون عابرة للعنصرية والجهوية والقبلية والحزبية مشاعر وحواس متعلقة فقط بحب هذا الوطن فلا يكفي ان نحب بعضنا كما اظهرت هذه المحنة ولكن نحتاج ان نحب وطننا اكثر .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة