كان يامكان في حاجة اسمها الجنجويد

Quote: اتفق مع هذا التحليل وهييك بعد مضي حوالي ٣ أسابيع على بدء الحرب الدائرة حالياً بين الجيش والدعم السريع، وبعد نفاد أهداف الدعم السريع العسكرية الواضحة والثابتة والتي يمكن قصفها بطيران الجيش، بدا واضحاً أن هناك استعصاء في سير العمليات العسكرية للجيش، لأنه فشل في استرداد المواقع المدنية والسيادية الهامة التي احتلتها قوات الدعم السريع، وأصبح الجيش يقوم بعمليات عسكرية عشوائية، لا يعرف لها هدف أو استراتيجية. بالتالي ما الذي أوصل عمليات الجيش العسكرية لهذا الوضع الميداني الكارثي، خصوصاً مع ازدياد وطأة الحرب على المدنيين، بسبب زيادة الخسائر في الأرواح والممتلكات، وزيادة موجات النزوح الداخلي والخارجي، وانعدام لأبسط مقومات الحياة؟.. نعتقد أن من اتخذ قرار الدخول في هذه الحرب من قيادات الكيزان المسيطرة على الجيش، قد أدرك الآن حجم المأزق الذي أوقع فيه نفسه، وأوقع فيه البلاد والعباد، بعد أن اتضح أن هذه الحرب لا أفق لها، ولا يمكن أن يتحقق فيها انتصار سريع وخاطف على قوات حميدتي. وهذا يعيدنا لمراجعة الحسابات الخاطئة التي بنىٰ عليها غلاة الكيزان إندفاعتهم الرعناء هذه، ويمكن إجمالها في التالي: .. الكيزان بنوا حساباتهم على أنهم رابحون لهذه الحرب لا محالة، ولم يضعوا في حسبانهم أي احتمال ولو ضئيل لخسارتها، أو على الأقل لفشل تحقيق أهدافهم منها. وذلك لأنهم استخفوا جداً بخصمهم، وأقنعوا أنفسهم أن قوات حميدتي عبارة عن مجموعات من الصبية وصغار السن، غير المدربين، والفاقدين للعقيدة العسكرية والانضباط العسكري، وأن قادتهم الميدانيين هم ضباط الجيش الذين تم انتدابهم للعمل بالدعم السريع، وأنه عندما يتخلون عنهم لحظة بدء المعارك، سينفرط عقدهم وتماسكهم، وسيصبحون جنوداً بلا قيادة ميدانية. وأن تسليحهم غير نوعي، ولا يقارن بتسليح الجيش، وغيرها من أسباب المقارنة بين القوتين. .. الكيزان لم يضعوا في حسبانهم الأحوال المزرية للجيش، والإهمال الذي تعرض له طوال السنوات الماضية، وأنه فعلياً غير جاهز لخوض أي مواجهة كبيرة، وأنه لم يخض طوال تاريخه حرب مدن، وأن عسكره وضباطه طال ابتعادهم عن خوض الحروب الحقيقية، وانشغلوا كثيراً بالبيزنيس والشركات والإمتيازات والصراع مع شباب الثورة والمدنيين. .. الكيزان ظنوا أن الوقفة الشعبية الصلبة خلف الجيش، حال إندلاع أي مواجهة ضد الدعم السريع، أمر مفروغ منه، لكنهم نسوا أن سنوات ما بعد سقوط البشير قد أحدثت شروخات عميقة في العلاقة بين الجيش والشعب، وأن الشعب يحتاج لمن يفسر له سر هذا الإنقلاب المفاجيء ضد الدعم السريع، خاصة وأن قادة الجيش كانوا يكيلون له المديح والاشادة حتى الساعات القليلة التي سبقت إندلاع الحرب. لذا في تقديري تفاجأ قادة الجيش والكيزان أن الوقفة الشعبية خلف الجيش في هذه الحرب لم تكن بتلك القوة التي توقعوها لها، ولم تتجاوز أبداً مرحلة التأييد القلبي والعاطفي فقط، على اعتبار أن الوقوف بجانب الجيش هو أخف الشرين. .. الكيزان أدخلوا الجيش في هذه الحرب بدون اختيار لزمانها ومكانها، وبدون جمع معلومات استخباراتية كافية عن العدو، وبدون تنوير كاف من قبل قيادات الجيش للجنود والضباط، لذا رأينا أن كثيراً من الضباط قد تفاجأ بوقوع هذه الحرب، مما أوقعهم في الأسر منذ ساعاتها الأولى. .. الكيزان أيضاً لم يدرسوا بعمق مواقف الدول الخارجية من هذه الحرب، ولم يكن هنالك عمل كبير لوزارة الخارجية، يمهد لهذه الحرب، ويضع الدول الخارجية في صورة ما سيحدث، ويشرح لها أسباب ومبررات إندلاع هذه الحرب. وفي تقديرنا أن هذا خطأ قاتل، لأن المجتمع الدولي إذا توحَّد خلف إيقاف هذه الحرب، على نحوٍ لا يخدم استراتيجية الجيش وأهدافه لهذه الحرب، ففي ظننا أنه قادر فرض ما يريد على قيادة الجيش، وعلى العموم بوادر هذا الأمر قد ظهرت بالأمس من خلال القرارات التي أصدرها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي سمح من خلالها للكونغرس بإيقاع عقوبات شخصية على من أسماهم بمزعزي الإستقرار في السودان، ومن خلال اتصال وزير الخارجية المصري سامح شكري بكلا الجنرالين عبدالفتاح البرهان وحميدتي، طالباً منهما الإيقاف الفوري للحرب والجلوس للتفاوض، علماً أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تدعم موقف الجيش من هذه الحرب بدون تحفظ. .. أيضاً الكيزان لم يدرسوا الواقع الاقتصادي للبلد قبل الدخول في هذه الحرب، ولم يتفكروا في أوضاع المستشفيات والسلع الأساسية من وقود وكهرباء وحركة أموال عبر البنوك، وقدرة الشرطة على حفظ الأمن، وغيرها من ضرورات الحياة، والتي لو توفرت لخففت كثيراً من ضغوط هذه الحرب على المواطن، ولكنهم مع الأسف، أي الكيزان، اعتمدوا فقط على وقفة الشعب خلف جيشه، وأنه بالتالي سيتحمل كل ما سيصيبه في هذه الحرب، وهذا في ظننا خطأ آخر قاتل لا يقل فظاعة عن أخطائهم السابقة. .. أيضاً من الأخطاء القاتلة التي وقع فيها الكيزان في هذه الحرب هو ترك مطار الخرطوم يسقط بيد قوات الدعم السريع، دون تأمين مطار بديل يمكن أن يحل مكانه، وذلك لأن المطار لو كان يعمل الآن بصورة طبيعية لتغير مسار هذه الحرب بالكلية عما هو حادث الآن، سواء في إدارتها من قبل الجيش، وتواصل الحكومة مع الخارج، أو في وصول الدعم والإمدادات، أو خروج المواطنين والعالقين. بالمجمل نستطيع أن نقول أن الكيزان دخلوا هذه الحرب بدون استعدادات مسبقة للجيش، وفي أسوأ زمان ومكان، وفي أسوأ ظروف يعيشها الشعب السوداني، وفي قلب العاصمة الخرطوم، بالتالي ما كان يجب عليهم أن يتورطوا فيها مطلقاً، حتى ولو فرضت عليهم، ولا يكفي لخوض الحرب أن تكون أسبابها الوجيهة متوفرة، ولكن يجب أيضاً توفر ظروفها الملائمة، والتحسُّب لكل تداعياتها وعواقبها.. والله المستعان.