|
Re: فقد الاحبه وحقيقه الموت كم فقدنا من اعضاء (Re: مصطفى نور)
|
حقيقة الموت ووهم الحياة! د. فتحي الشوك
عديدة هي المواقف الّتي نشهدها كأطبّاء ونحن ننسحب بصمت أمام وقع الموت، بعد استنفاذ كلّ جهود التدخّل والإنعاش لنقرّ في النّهاية بعجزنا ونعترف بحقيقة لا مفرّ منها. وكثيرة هي شهادات الوفاة الّتي نصدرها عند معاينة وفاة أحدهم لنضمّنها تلك العبارات بأنّ الوفاة حقيقية ودائمة وغير مسترابة، لا تستدعي التشريح أو عكس ذلك. ومن منّا من لم يشهد موتا أو لم يذق حرقة فقدان صديق أو عزيز؟ هي ظاهرة لم تستثن أحدا تحدث فينا صدمة آنية لنتجاهلها بالانخراط مجدّدا في صخب حياة ابتلعتنا. فما الموت وما الحياة؟ وهل يمكننا معرفة حقيقة أحدهما بمعزل عن الآخر؟
تعريف الموت: يعرّف الموت علميّا بأنّه توقّف الكائنات الحيّة نهائيا عن القيام بأيّ نشاط وظيفي حيوي كالتنفّس والأكل والشرب والحركة والتفكير ويمكن تمييز تعريفين طبّيين له: الموت السّريري وهو حالة الانعدام الفجائي لدوران الدّم في الأوعية الدّموية مع الانقطاع التّام عن التنفّس إلى جانب غياب الوعي، والموت الدّماغي أو البيولوجي وهو حالة انعدام وظائف الجهاز العصبي (الدّماغ وجذعه والنّخاع الشّوكي) بشكل كامل ونهائي.
يتطلّب الموت معاينة وتشخيصا ومن علاماته: شخوص البصر، شحوب البشرة، غياب للنّبض والتنفّس والحركة، اتّساع لحدقتي العينين، ارتخاء للجسم في مرحلة أولى مع برودة تدريجية تكتسحه وتصلّب الجثّة ثمّ تحلّلها في مرحلة متأخّرة وهو ما يسمح بتحديد زمن الوفاة ومن خلال المعاينة التعرّف على أسبابها وطلب التشريح إن كانت مسترابة أو تحوم حولها شكوك.
أمّا التّعريف الدّيني للموت فهو خروج الرّوح من جسم الإنسان للانتقال إلى مرحلة الحياة الأبدية وأغلب الأديان تشترك في ذلك معتبرة الموت بابا للولوج في حياة أخرى بعد مرحلة مؤقّتة من الحياة الدّنيا هي مجرّد ابتلاء وامتحان. وكان الموت موضوعا شغل الإنسان منذ وجوده ليحتلّ حيّزا مهمّا في مختلف الثّقافات والحضارات.
حتميّة الموت: قد يبدو الموت وكأنّه زائر غريب يطرق أبوابنا فجأة ليختطف أحدنا مع أنّه ليس بالوافد وليس بالغريب فهو يعرفنا بقدر جهلنا به أو تجاهلنا له كثيرة هي الوجوه الّتي كانت بيننا ورحلت دون رجعة وكثيرة هي الأسماء الّتي نقرأها في صفحات النّعي والتّأبين وعديدة هي الجنائز الّتي مشينا فيها أو وقفنا إجلالا لمرورها وكم هي منتشرة أخبار ومشاهد الموت الّتي نسمعها ونشاهدها كلّ يوم، بيد أنّ إحساسنا بأنّنا معنيّون به أو قد يمسّنا لا يماثل طرديّا حجم شيوع الظّاهرة فغالبا لا نستشعر حقيقة وقعه إلاّ حين نصدم في حبيب أو قريب كان يحتلّ مساحة هامّة في حياتنا شغرت برحيله واستحال علينا تعويضه ، كما أنّنا قد لا نشعر بأنّه قريب منّا إلّا حين التعرّض لأزمات صحّية حادّة أو لحادث خطير مع أنّنا نتعايش مع الموت في كلّ لحظة نعيش فيها.
هي حقيقة واقعة لا محالة تصدمنا في نهاية طريق قد يطول أو يقصر بسبب أودون سبب وفي بعض الأحيان بما لم يكن في الحسبان، وهي نهاية حتميّة لأيّ كان مهما طال به العمر أو اتّخذ له من التّحصينات أو اعتقد واهما أنّ الدّنيا منحته صكّ أمان. مات خير من كان ومن هو لقصّة الوجود عنوان فكيف لا لبقيّة الأنام؟ "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" (سورة الزمر، الآية 30).
|
|
![Edit](https://sudaneseonline.com/db/icon_edit.gif)
|
|
|
|
|
|
|