|
Re: الشهادة مهمة: وجهة نظر مخالفة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
لماذا لم أترك الجامعة يا عُدَيِ
جهاد الأماسي
قرأت في النشرة السريّة مُقَيْلًا (تصغير مقال) عدي الذي تحدث فيه عن سبب تركه للجامعة. وبرَّر قراره بأنَّ التعليم أصبح متاحًا وغير محدود،
وبأن الجامعة لا تعلمك المجالات الإبداعية (على ما أظن يقصد أنَّ الإبداع لا يُدرّس).
أتفق معه في بعض النقاط، وربما نتشابه نوعًا ما في طريقة التفكير، لكني لم أترك الجامعة، بل تمسكت بها، وبعد تخرجي منها بفترة بدأت
الدراسة في جامعة أخرى. لذلك قصتي مختلفة.
لا أقصد هنا الرد على عدي أو إثبات خطئه، فأنا مؤمن بوجود طرق ومسالك بقدر أعداد البشر. لكني أريد أن أكتب عن «لماذا لم أترك الجامعة»،
حتى أوضح كيف كانت -وما زالت- الجامعة الخيار الأفضل بالنسبة لي وللكثير من الناس كوسيلة لتلقي التعليم.
السبب الأول، أني ممن فوجئوا بقبولهم في الجامعة. ولأنها جامعة ذات سمعة ممتازة قررت أني سأكون أحمقًا لو فوّت فرصة التخرج منها.
السبب الثاني والأهم أنَّ الجامعة توفر لي طريقًا أمشي عليه. فمعظم الناس لا يحبون حرية الخيارات اللانهائية، ويفضلون وجود طريقٍ محدد
ليمشوا فيه. فالحرية التامة مقلقة، والخيارات اللانهائية تشلك عن الحركة والتصرف في أحيان كثيرة، بينما توفّر لك الجامعة هدفًا مؤقتًا يجعلك
لا تقلق بشأن وجهتك لمدة أربع سنوات تقريبًا، وتحدد لك تفاصيل الطريق إلى الهدف بالضبط.
السبب الثالث، وهو قريب نوعًا ما من الثاني، أنَّ الجامعة تجبرك على تأدية متطلبات معينة في فترات محدودة. وهذا سيجبرك على النهوض
والمذاكرة وأداء واجباتك والتعلم حتى لو كنت فاقدًا للرغبة. أما عندما لا تكون مرتبطًا بأي متطلبات خارجية -أي عندما تكون مدير نفسك- حرًا
تمامًا في اختيار الموضوع الذي تريد تعلمه وتحديد الوقت لذلك، فعندها يرتبط نجاحك في هذا الأمر ارتباطًا تامًا بانضباطك الذاتي، وليس
لكل الناس انضباط ذاتي جيد.
فكما رأينا في فترة كورونا، عانى كثير ممن عملوا منزليًا بدون ساعات عمل محددة من صعوبة البدء في المهام وإنجازها لأن الأمر كان متعلقًا
بانضباطهم الشخصي.
السبب الرابع تكوين العلاقات. فالجميع يتحدث عن الجامعة كمكان لتلقي التعليم والاستعداد لسوق العمل فقط، لكن تكوين العلاقات جزءٌ هامٌ
جدًا من التجربة الجامعية.
وبرأيي، لا تجربة شبيهة بالتجربة الجامعية -خصوصًا عند السكن في الجامعة- كفرصة لتكوين علاقات كثيرة ومفيدة في المجالين الشخصي
والوظيفي. فأنت تقضي أوقات الفراغ في التعرف والجلسات والنزهات التي قد تبدو للبعض مضيعة وقت، لكنها مهمة جدًا في توطيد علاقات
قد تستمر عمرًا كاملًا.
قد يعدّد غيري أسبابًا أخرى، لكن هذه بالنسبة لي أهم أسباب عدم تركي للجامعة وامتناني لكوني درست فيها. رغم أنّني، وعلى عكس عدي، لم
يسألني أحد عن سبب تمسكي بها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|