الحكواتي الإلكتروني.. بين الآمال العظام والرعاع الإلكترونيين

الحكواتي الإلكتروني.. بين الآمال العظام والرعاع الإلكترونيين


04-26-2022, 06:15 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1650993320&rn=0


Post: #1
Title: الحكواتي الإلكتروني.. بين الآمال العظام والرعاع الإلكترونيين
Author: Moutassim Elharith
Date: 04-26-2022, 06:15 PM

05:15 PM April, 26 2022

سودانيز اون لاين
Moutassim Elharith-UK
مكتبتى
رابط مختصر



الحكواتي الإلكتروني.. بين الآمال العظام والرعاع الإلكترونيين
معتصم الحارث الضوّي

‏"كان ياما كان يا سادة يا كرام، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام".‏

مقولة لم يسمعها معظم الناطقين بالعربية ممن هم على قيد الحياة الآن، فقد تجاوزها الزمن منذ عقود مضت، واندثرت صناعة "الحكواتي" من ‏المقاهي الشعبية والملتقيات الاجتماعية إلا فيما ندر.‏

في سبتمبر 2016 توفي في مصر أشهر رواة السيرة الهلالية، سيد الضوّي؛ وانزوت إلى الأبد مدرسة متميزة نقلت التراث الشعبي عبر قرون ‏ممتدة.‏

الحكواتي رجل مسن في أغلب الأحيان. يرتدي ملابس تقليدية وإن تميزت ببعض الألوان الزاهية والزركشات البراقة، ويعتلي دكة عالية تواجه ‏جمهور المقهى. يحتاج إلى الصوت الجهوري في زمن سبق ظهور الميكروفونات، ويتلاعب بطبقاته الصوتية علوا وانخفاضا كممثل بارع، ‏ويمسك بأحساسيس جمهوره عبر التشويق، وحركات اليد وملامح الوجه التي ترسم أبعاد الحكاية وطبقات الرواية. ‏

كان الحكواتي ممثلا دراميا يجني رزقه من مهنة رائعة. كان تلفزيون الشعب بلا منازع، وإن شئت مسرحا مباشرا يؤدي فيه دور السارد والراوي ‏العليم وأبطال الرواية والمعلق على الأحداث، صابغا القصة بالحث على مكارم الأخلاق.‏

ظاهرة عرفتها معظم الحواضر العربية، من تونس وفلسطين وعُمان، مرورا بمصر والجزائر والسعودية، وحتى الشام والعراق والمغرب ولبنان، ‏وقضى عليها انتشار التلفزيون والراديو منذ الأربعينيات من القرن المنصرم، ويرجع أصلها إلى ظاهرة شائعة في مجالس الأدب والمؤانسة في ‏الأدب العربي، ورصدتها كتب التاريخ والأدب منذ العهد العباسي الأول.‏

سودانيا، كان للحكواتي تمظهر مختلف. يقول الأستاذ معاوية يس، الباحث المرموق في التراث الشعبي " الحكواتي بشكله في حارات المدن ‏العربية لا وجود له في السودان وإنما ثمة ظرفاء يجيدون الحكي، وربما تكون الجدة زمان أقرب شيء للحكواتي، لكن حكاويها وألغازها تقتصر ‏على أحفادها داخل المنزل. يوجد شعراء ومغنون يرتجلون الشعر والغناء في مجتمعات القبائل العربية في غرب السودان كالبقارة والتعايشة ‏والحوازمة، ويسمى الذكر منهم هدّايا والأنثى حكّامة، وقد اشتهر لدى البقارة مجلس البرامكة الذي تقتصر عضويته على الظرفاء والحُرفاء الذين ‏يتقيدون بقوانين المجلس وضوابطه، خصوصا في تناول الشاي. اعتقد أن ظاهرة الحكواتي في المدينة السودانية لا تزال موجودة في شكل ‏الظرفاء الذين يحكون النكات ويعلقون على تطورات المجتمع‎.‎‏"‏

شهدت ظاهرة الحكواتي انكماشا منذ تلك الآونة، ولكنها عادت بجهد مدروس، فشهدت لبنان عام 2019 "مهرجان لبنان المسرحي الدولي ‏للحكواتي"، وفي فلسطين تحوّل الحكواتي إلى رمز للنضال ضد المحتل عبر المسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي» الذي ظل ينبض بالحياة ‏لسبعة وثلاثين عاماً في قلب القدس، وفي صورة نضالية تجمع بين الفن والتاريخ والدراما، يواصل‎ ‎‏ عبد الرؤوف عسقول سرد "المرثية ‏الفلسطينية" بغية إبقاء التاريخ‎ ‎حياً لدى مستمعيه؛ جهد بدأه عسقول منذ ربع قرن عندما بحث عن أفضل الصيغ الفنية لإبقاء جذوة النضال مشتعلة ‏في النفوس، ومن هنا نبعت فكرة المرثية التي ألفها وتحكي تاريخ الشعب الفلسطيني منذ أربعة آلاف سنة في سردية لا تتجاوز الدقائق العشر. لم ‏يقتصر الاهتمام الواسع بالحكائين على هذين البلدين فحسب، بل وجد طريقه منذ أعوام طويلة إلى الجزائر، حيث يقام المهرجان الدولي “مغرب ‏الحكايات” بمشاركة حكواتيين من مختلف أنحاء العالم.‏

أما ‏‎ ‎الفنان المسرحي السوري بسام داود فلجأ إلى عصرنة شخصية الحكواتي، بالانتقال من القصص الشعبية الموروثة إلى سرد القصص الحياتية ‏اليومية والواقعية، مع الاحتفاظ بأسلوب وطريقة الحكواتي،‎ ‎أي أنه لجأ إلى القالب التقليدي بمواضيع عصرية وعبر نافذة حديثة هي شبكة الإنترنت ‏التي تتيح التواصل مع البشر أينما كانوا.‏

الحالة التونسية كانت مختلفة بعض الشيء، إذ صاحب انطلاق التلفزة اهتمام يستحق الإشادة للاحتفاظ بهذا التراث الشعبي التليد، وارتبطت حينها ‏مهنة الحكواتي في ذاكرة التونسيين بيد عبد العزيز العروي التي كانت تدق ناقوسا نحاسيا، وهي شارة البداية لكل حلقة جديدة من حكايات ‏الزمن الغابر‎.‎

عادت الآن وسائل التواصل الاجتماعي لكي تنفض الغبار عن مهنة الحكواتي، وتمنحها بريقا جديدا بنكهة عصرية وتناول مستحدث، ولكنه يرتدي ‏حلة تقليدية أصيلة، وينصب تركيز الحكائين المعاصرين في الوقت الحاضر على تقريب الحكايات التقليدية إلى ذائقة المشاهد المعاصر، وعلى نقل ‏التراث إلى جيل النشء لحدوث قطيعة ثقافية بينه والموروث الشعبي التقليدي بسبب الانفجار الترفيهي الذي عرفه العالم خلال العقدين الماضيين، ‏وخاصة بسبب استشراء الألعاب الإلكترونية كالنار في الهشيم.‏

لكن التجارب المشرقة في الحكواتية الإلكترونيين –إن صح النحت- والتي تركز غالبا على النشء ما زالت نادرة الكم، ويغلب على شبكة الإنترنت ‏محتوى هابط تقدمه ثلة تحاول توظيف الاهتمام التقليدي بالحكائين لتسويق بضاعة هابطة، والهدف هو نيل الشهرة وتحصيل الأموال فحسب، ‏وليس ابتناء ثقافة أو استنهاض معرفة، والمحزن أن ذلك العبث يحظى بأكبر نسب من المتابعة، وأن الغثاء الذي يقذفونه في وجوه المشاهدين يجد ‏استحسانا من نسبة لا يُستهان بها، وذلك بالطبع أحد أعراض المشكل الثقافي الذي نعيشه حاليا.‏

رواة متعددون، وقصص باهتة لا تترك أثرا باقيا في النفس، ومضامين هلامية ذات قيمة محدودة، وتمجيد أبله للذات، وقوالب فنية رثة تثير ‏التساؤل حول المخيال الإبداعي. تلك عوارض تكتنف الكثيرين ممن يدعون الانتماء إلى الحرفة الرائعة، وهنا تساؤلات عن التجارب الإيجابية ‏ومدى استمرارها، بل وتطورها، في التأثير على النشء خاصة، ومدى استيعابها للتقنيات الحديثة ومزاوجتها بدربة والأصيل الجميل. ‏

هل سيظل الحكواتي الإلكتروني الذي يسعى لنشر الوعي والتنوير رهينة لمحدودية الإمكانيات الفردية، أم ستنهض مؤسسات ثقافية ناضجة لدعم ‏التجربة، وتطوير المسيرة حتى تحتل مساحة مرموقة من عقول النشء. ربما يكون ذلك السبيل الوحيد لإيقاف سيل الفاشلين وإسقاطهم من ثقوب ‏الذاكرة، واستخلاص تلك المساحة الزمنية المحدودة خالصة للمبدعين النافعين لكي يعتقوا الفكر من ربقة الثقافة المتعولمة.‏

ليست القضية المطروحة ترفا فكريا، وليست بالتأكيد محاولة لإيقاظ ماضٍ تجاوزته البشرية؛ فعقول النشء هي الرهان والغاية، ولذا فإن المسألة ‏جديرة بالعناية وابتكار الحلول، وخاصة في زمن تصبغ نتفليكس وأمثالها ثقافة مستهجنة لتغريب العقول وتوحيش الأفئدة.‏

ترى.. من يلبي النداء؟!‏