|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: د. الماحي: العقل الب (Re: عبدالله عثمان)
|
6
فانقسام الانسان عند الاستاذ محمود كانت بدايته في ظهور المادة العضوية من المادة غير العضوية، ذلك الظهور الذي يؤرخ بدء الحياة في صورها البسيطة. وهو ظهور يمثل انقسام المادة بين لطيف وكثيف. ثم أخذ الكثيف يلطف، واللطيف يزداد لطافة، حتى بلغا، في مرحلة الانسانية، ان اللطيف يمثل العقل، والكثيف يمثل الجسد. بهذا التصور اصبح الانسان، عند الاستاذ محمود، جامعاً للنشأتين: السفلية ( الشياطين) والنشأة العلوية الملائكة، فركب فيه الشهوة، وركب فيه العقل وأمره ان يسوس شهوته بعقله ..فهو في صراع لا يهدأ، بين دواع الشر، ودواعي الخير، وبين موجبات الشر، و الخطأ، وموجبات الصواب. بتعبير آخر، صار الانسان عند الاستاذ محمود برزخاً بين الملائكة من أعلى، والابالسة من أسفل.. بين عقل وشهوة.. فقد مر على الانسان، وقت طويل، كان أثناءه يتقلب في مراحل الحيوانية السفلى.. وقانونها اتباع اللذة، حيث وجدت، والفرار من الالم، حيث أمكن..الى أن ظهر فيه العقل وقانونه الحرام والحلال، وقانون الامر والنهي.. وهو، في جملته، يعني بالمأمورات، واجتناب المنهيات.. وبدخول هذا القانون - قانون التكليف- إنقسم الانسان بين عقل كابت ورغائب نفس مكبوته.
ثم بالتجافي عن اللذة الحرام العاجلة، استجابة لما أوجب الشارع، وابتغاء اللذة الحلال الآجلة، قوي عقل الانسان، وقويت ارادته.. قوي عقله لحاجته الى التمييز بين ما ينبغي ومالا ينبغي.. وقويت إرادته لحاجته الى السيطرة على دواعي نفسه الى الاندفاع نحو اللذة الحاضرة، كما هو العهد بالحيوان.. ثم تعقد هذا الانقسام، وتشعب، وترسبت طبقاته، طبقة فوق طبقة، بظهور المجتمع الانساني، وأعرافه، وعاداته، وتقاليده..ثم إزداد تعقيداً، بظهور الأديان، في صورها المعقدة..وبتوكيد فكرة الغيب فيها، وبالدعوة الى الايمان..
ختاماً، تشكل النقاط التالية ملخصاً سريعاً لأبرز ما جاء به الاستاذ محمود في موضوع العقل الباطن عند الانسان:
١. إن الكبت وانقسام الشخصية في الانسان، هي لازمة من لوازم تطوره من حيوان الى إنسان وذلك حينما برز فيه العقل. وبظهور العقل بدأ الانسان يسيطر على شهواته، ونزواته وبداوته.. ومن هذه السيطرة جاء الكبت ، وانقسم بالتالي الانسان الى عقلين؛ عقل باطن ، وآخر واعي.
٢. لعب الكبت دوراً هاماً في حفز الانسان نحو انسانيته، واسترجاع ملكه المفقود. فحوجة الانسان للكبت كانت في المرحلة. فالكبت من ثم ليس شراً، وإنما يجئ الشر، في رأي الاستاذ محمود، من افامتنا عليه، وقعودنا عن السعي للتخلص منه.
٣. انقسام الفرد البشري الى عقل وجسد كان بسبب الخوف الذي ترسب في اعماقه. فالعقل هو الابن الشرعي للخوف.. والخوف هو وسيلة النفخ الالهي في الوجود الحادث، الذي حشد الحياة في المراقي، حتى استخلص منها العقل. فالعقل لم يأت من خارج المادة، وإنما كان كامنا فيها كمون النار في الحجر، فمخضته الحوادث، شأنه في ذلك شأن بقية الحواس المعروفة.. فالتخلص من الكبت والانقسام عند الاستاذ محمود، لا يتم الا بالتخلص من الخوف.. ولا يكون التخلص من الخوف الا بالعلم= الا بمعرفة الاشياء المستورة عنا باستار الغيب- فانا لو إطلعنا على الغيب، لهزمنا الخوف. ومن أجل مساعدة الانسان ليتحرر من الخوف دعا الاستاذ محمود الى تنظيم المجتمع الانساني على أساس من الاشتراكية، والديمقراطية، والمساواة الاجتماعية. ففي النظام الاقتصادي الاشتراكي يأمن الانسان على رزقه، وما يضمن له العيش الكريم. وتوفر له الديمقراطية حرية اختيار من يمثله لادارة شئونه العامة وحرية رأيه. كما تضمن له المساواة الاجتماعية عدم التمييز ضده على أساس من العرق او اللون او النوع او العقيدة. ثم اقترح الاستاذ محمود الطريق النبوي كمنهاج حياة يعين الفرد على تصحيح علاقته بالكون، وبالاحياء والاشياء. ساعتها، ينتفي الخوف؛ آفة السلوك الانساني، والاب الشرعي للكبت والانقسام.
|
|
|
|
|
|
|
|
|